**مقاطعة قسنطينة**
**آل بن ڨانا**
**منذ الغزو الفرنسي إلى غاية 1879**
الحمد لله الواحد! هذا النشر مخصص لأولئك الذين يمتلكون الخبرة ويستطيعون تقدير الحقائق.
قال علماء أفاضل: "إنَّ إخفاء المصائب التي تصيبنا عن الآخرين - أي الامتناع عن الحديث عنها - يُعد من كنوز الجنة، إلا إذا كان في الحديث عنها مصلحة لنا، مثل إخبار الطبيب بحالة مرضنا أو شرح ظروفنا لشخصٍ نستشيره". خارج هذه الحالات، فإنَّ من يفضح مصائبه ويجعلها موضوعًا لحديثه يُظهر تمرُّدًا على قضاء القدر، **ويفقد حقوقه في المكافأة الإلهية**. لذا، يجب اعتبار كتمان المصائب والأمراض التي تصيب الإنسان، وكذلك الصدقات التي يُقدمها، من كنوز الجنة.
بناءً على هذا المبدأ، ظللنا صامتين طويلًا عن الهجمات المتكررة التي نتعرَّض لها. صحيح أنَّ الأخيار سيظلون دائمًا هدفًا لافتراءات الأشرار، وأنَّ الغني سيظل موضع حسد. لذا، لا ينبغي أن نعمل إلا لوجه الله، كما أوضح جوهرة الشعراء تصويرًا دقيقًا عند حديثه عن الوفاء بالعهود في وصفه لـ "عروة":
«يا عروة! لقد فهمت أن الوفاء بالعهود واجب، وأنا راضٍ عنك؛ ففي الوفاء بها فعلٌ صالح.»
وقال الإمام الشافعي: «إن غَلَتْهم الغيرة من أجلي، فلَا ألومهم، فكثيرون من الصالحين قبلي كانوا موضع حسد.»
قبل كل شيء، يجب أن نشكر الله أن رجال الحكومة، وسط الضلالات، استطاعوا دائمًا التمييز بين الرجل النبيل والوضيع، بسهولة كالتمييز بين النحيف والسمين. هذه النتيجة المباركة لاحظها حتى أقل الناس خبرة. بعد هذا، سنحاول سرد أعمال عائلتنا منذ عصر الاحتلال حتى يومنا هذا، لنُطلع العناصر الواعية في الحكومة الفرنسية على سلوكنا.
الحكومة الفرنسية، التي يحق لها الفخر، سيطرت على إقليم مقاطعة قسنطينة عام 1837 للميلاد. وبعد عامٍ واحد، قدَّمت عائلتنا - بقيادة زعيمها **سي بو عزيز بن ڨانا** - خدماتها للفرنسيين. ومن الذين رافقوا سي بو عزيز:
- : ابنه**محمد بن بوعزيز بن ڨانا**.
- اخوته: **علي بن ڨيدوم**، **أحمد بن المسعي**، **الحاج بن ڨانا**.
- أبناء أخوه: **الحاج بن أحمد بن ڨانا**، **العربي بن الحاج بن ڨانا**، **سي أحمد بن الحاج**، **سي محمد الصغير بن علي بن ڨيدوم بن ڨانا**.و بن أخيه الآخر: **أحمد بن بوزيد**.
- وأبناء عمومته: **سي بولخرص بن محمد بن الحاج**، **سي إبراهيم**. وأخيرًا، من بين أفراد العائلة...
من عائلة بن ڨانا، لم يتخلَّف عن هذه الرحلة إلا من تعذَّر عليهم المشاركة بحكم الظروف.
كان الهدف من هذه الخطوة هو الاعتراف بالحكومة الفرنسية والإشادة بها، بعد أن لمسوا سياستها الحكيمة والعادلة.
توجَّهوا إلى **الجنرال جالبوا Galboi**، ممثل السلطة آنذاك، مُحيِّين بذلك الحكومة الفرنسية من خلال شخصه.
استقبل الجنرال جزء من عائلة بن ڨانا، التي عاهدت وأقسمت بأشدِّ الطرق رسميةً بعدم خيانة فرنسا سرًّا أو علانيةً.
صدَّق الجنرال على قسمنا الذي أديناه **على القرآن الكريم**، لكننا أضفنا إلى اعترافنا الرسمي بالحكومة التزامًا بخدمتها باجتهاد.
كنَّا قد أعلنَّا سابقًا للجنرال Galboi أنه سيرى قريبًا الخدمات التي يمكننا تقديمها للفرنسيين في المنطقة الصحراوية، والتي لم تكن فقط مسكننا ومولدنا، بل مولد أسلافنا منذ الحكم التركي وحتى الحكم العربي.
وكان رد الجنرال Galboi كالتالي:
«الحكومة الفرنسية مؤسسة على أسس متينة، وقوانينها واضحة ودقيقة. إن خدمتم هذه الحكومة بإخلاص ووفاء، وانتظرتم بصبر، فستحصلون منها ليس فقط على ما تتمنونه علنًا، بل حتى ما أخفيتموه في أعماق قلوبكم!»
أجبنا بأننا مستعدون لتنفيذ جميع المهام التي تُكلَّفوننا بها باجتهاد، وشرعنا في الوفاء بعهودنا.
أول مهمةٍ كلِّفنا بها كانت المشاركة في إعادة الأمن إلى طريق سطيف.
الجنرال Galboi، الذي كان يقود **القوات الاستكشافية**، كان يتوجَّه إلى منطقة الاضطرابات عندما التحقنا به وانضممنا إلى القوات الفرنسية.
انضمت عائلة بن ڨانا، بقيادة زعيمها **سي بوعزيز**، إلى قوات الجنرال Galboi. عندها دارت معركة بيننا وبين قوة يقودها ** اخو سي عبد القادر (الامير)** في مكان يُدعى *رأس الوادي*. في هذه المعركة، فقدنا أربعة فرسان قتلى وثلاثة جرحى، لكننا نجحنا في هزيمة قوات أخ عبد القادر هزيمةً كاملة. كان من بين أفراد قوات الأمير آنذاك **سي فرحات بن سعيد** و**أحمد باي بن شنوف**. هذه كانت بدايتنا في خدمة الحكومة الفرنسية.
بعد فترة، توجَّه الجنرال Galboi بكتيبة جديدة نحو منطقة **الحراكتة**. كان أحد أفراد عائلتنا جزءًا من هذه الحملة، وهو **سي محمد الصغير**، الذي أحضر معه رجال القبيلة التي يقودها وفرسانه الشخصيين. ساهم **سي محمد الصغير** وأتباعه في إخضاع الحراكتة بالكامل.
عندما عادت القوات الفرنسية من هذه الحملة، وعاد معها آل بن ڨانا إلى ديارهم، انطلق **شيخ العرب** إلى المنطقة الصحراوية مع عدد من أفراد القبائل العربية والصحراوية. في ذلك الوقت، كان **سي لحسن بن عزوز** نائبًا للأمير عبد القادر، وكان يجوب الصحراء بقوات نخبة فخورة بقيادته.
بعد أن أعلنت عدة قبائل في المنطقة ولاءها لسي لحسن، جاءت عائلتنا وأنصارها ليُنشئوا معسكرهم قرب **الوطاية** في مكان يُسمى **سلسو**. هناك التقت القوتان المتحاربتان، ودار بينهما قتال شرس أدى إلى هزيمة **سي لحسن بن عزوز** وقواته هزيمةً ساحقة...
قتلنا عددًا كبيرًا منهم واستولينا على بنادقهم ومدافعهم.
ذهبنا بكل الغنائم التي حصلنا عليها إلى الجنرال Galboi، وحصلنا من الحكومة على مكافأةٍ تمثلت في التكريم والتبجيل، بالإضافة إلى أرفع الأوسمة. ومنذ ذلك الحين، لُقِّب **سي بو عزيز بن ڨانا** بـ"ثعبان الصحراء".
هذا الإنجاز العسكري، الذي قُدِّم في خدمة فرنسا، يظل أحد الأمور التي تفتخر بها عائلتنا.
بعد هذه الأحداث، عاد **الجنرال نيڨرييه Négrier** (الأسد الذي لا يُقهَر) لقيادة العمليات للمرة الثانية، وقمنا معه بشن غارة على **أولاد بوعون**، الذين انضمَّت إليهم قبيلة **الزمول**. في هذه الحملة، فقدنا عددًا من رجالنا بين قتيل وجريح.
عند العودة، علمنا بتعيين **فرحات بن سعيد** و**أحمد بن الحاج**؛ حيث عيَّن الأمير عبد القادر الأول خلفًا لـ**لحسن بن عزوز**، والثاني خليفةً لـ**سيدي عقبة**.
جمعنا قواتنا على الفور وتوجَّهنا نحو الصحراء. كان ذلك في فصل الصيف.
سرعان ما التقينا بفرحات بن سعيد وأتباعه، واشتبكنا معهم في معركة أسرنا خلالها عددًا كبيرًا منهم. أما فرحات بن سعيد، فقد فرَّ هاربًا كما اعتاد أن يفعل.
أعلنت القبائل الصحراء على الفور ولاءها لـ**سي بو عزيز بن ڨانا**، واستعدت للخضوع للسلطات الفرنسية.
بعد هذه المعركة، عدنا لننصب خيامنا في **التل**.
عندما حان موعد العودة إلى الصحراء، توجَّهنا إليها مع القبائل الخاضعة لقيادتنا وجميع أتباعنا.
وصلنا إلى الصحراء لنجد **أحمد بن الحاج** مُعسكرًا مع قواته في **سيدي عقبة**.
توقَّفنا مع رجال القبائل المرافقين لنا وخدمنا أمام المعسكر المعادي، ومن ذلك اليوم بدأت الأعمال العدائية بيننا وبينهم واستمرت دون انقطاع لثلاثة أشهر.
بعد فترة، تم تعيين **الجنرال باراغيه ديلييه Barraguay D'hilliers** لقيادة مقاطعة قسنطينة، وقاد هذا الضابط الشهير حملةً في الشرق، ضد **الحراكتة في عين البيضاء** و**الحنانشة في سوق اهراس** و**الدير في تبسة**.
كان **سي بولخرص بن ڨانا** هو من رافق الجنرال في هذه الحملة مع فرقته العسكرية، وشارك في جميع أحداث هذه الحملة والمعارك التي خُضِت ضد تلك القبائل.
بعد هذه الأحداث العسكرية، عدنا إلى الصحراء كالمعتاد، وعندما علمنا بتعيين **صاحب السمو الملكي دوق أومال Duc D'Aumel**، ابن الملك لويس فيليب، قائداً لمقاطعة قسنطينة، توجَّه **سي بو عزيز بن ڨانا** لملاقاته على الفور.
عندما حظي **سي بو عزيز بن ڨانا** بشرف اللقاء بدوق أومال ابن الملك والمحادثة معه، أخبره الأمير عن نيته شن حملة في الصحراء وجبال **أولاد سلطان**.
ردَّ عليه **سي بو عزيز بن جانا** بأنه مستعد للتقدم وخدمة مخططاته، مضيفًا أن سموه لن يحتاج سوى إعلامه عند التوجُّه إلى **القنطرة في بسكرة**، وتعهَّد بالالتحاق به هناك مع قوات القبائل الصحراوية الموالية وقادتها، الذين كانوا مستعدين تمامًا للقتال.
كل شيء سار كما وعد **سي بوعزيز بن ڨانا**.
غادر دوق أومال قسنطينة مع قواته الاستكشافية، وعند وصوله إلى القنطرة، التحق به أهالي الصحراء الموالين لنا، الذين استقبلوه بالتكريم والاحترام الواجبين.
قدَّم الصحراويون كرم الضيافة للقوات الفرنسية، ووضعوا أنفسهم تحت تصرُّفهم لكل الأعمال والاحتياجات اللازمة في الحملة؛ فهم فعلوا كل ما تفعله القبائل المخلصة والموالية.
عند وصوله إلى **بسكرة**، حدَّد سموه قيمة الضرائب والجزية التي يجب على المنطقة دفعها للدولة.
منح الأمير شرف تعيين **سي بو عزيز بن ڨانا** خليفةً للمنطقة الصحراوية، وأُكِّد هذا التعيين من قبل المارشال **فاليه** مكافأةً على خدماته الجيدة والمخلصة.
تم تحديد حدود منطقة قيادة **سي بو عزيز بن ڨانا**: امتدت من **القنطرة** إلى **تقرت**، وشملت من الشرق إلى الغرب جميع الأراضي الممتدة من **الخنڨة** إلى **أولاد جلال**.
في نفس الوقت، عيَّن دوق أومال **سي محمد الصغير** (ابن أخ سي بو عزيز) قائدًا لـ**بسكرة** والزيبان. كما عيَّن الشيوخ، وأرسى قواعد إدارة منظَّمة في المنطقة.
أما **أحمد بن الحاج** ومن تبعوه، فقد هاجروا مع الجنود الذين وضعهم الأمير عبد القادر تحت قيادته إلى جبال **أحمر خدو**، بعد أن استحال عليهم العيش قرب القوات الفرنسية.
عندما مرَّ ابن الملك لويس فيليب بـ**باتنة** في طريقه إلى بسكرة، ترك فرقةً من قواته لتحتل المدينة. وبينما كان في بسكرة، انضمَّ أهالي **الأوراس** إلى **أولاد سلطان** وهاجموا هذه الفرقة.....
عندما مرَّ ابن الملك لويس فيليب الدوق اومال بـ**باتنة** في طريقه إلى بسكرة، ترك فرقةً من قواته لتحتل المدينة (باتنة) وبينما كان في بسكرة، انضمَّ أهالي **الأوراس** إلى **أولاد سلطان** وهاجموا هذه الفرقة... دارت عدة مواجهات بين المهاجمين والحامية الفرنسية في باتنة. عند سماع الخبر، ترك دوق أومال قوةً عسكرية مسلمين (من أهالي بسكرة) تحت قيادة **سي بوعزيز بن ڨانة**، وتوجَّه مسرعًا إلى باتنة لم تنتظر الحامية الفرنسية عودة الاميرAumel، وهزمت المتمردين قبل وصوله. وعند وصوله، وجد أن المتمردين في حالة فرار كامل.
بعد فترة من الزمن، جهز الدوق الامير Aumel جيشًا قويًا لتوجيهه لمحاربة الحاج أحمد باي، الذي واصل المقاومة على رأس قبائل أولاد سلطان وأولاد بوعون. أصدر الدوق أمرًا لـ "سي بوعزيز بن قانة" بالانضمام مع قواته من عرب الصحراء، موصيًا إياه بإقامة معسكره على أراضي قبيلة أولاد سلطان نفسها....بدأت الأعمال العدائية بين الجيش الفرنسي والمتمردين، واستمرت حتى تمت هزيمة الحاج أحمد باي وأنصاره هزيمة ساحقة. فر الحاج أحمد باي إلى جبال منعة.
أما أولاد سلطان، فلم يتأخروا في إعلان خضوعهم للحكومة الفرنسية. ...بهذا، انتهى الأمر في هذا الجانب.
في غضون ذلك، تقدم أحمد بن الحاج (الذي تركناه في منطقة الأحمر خدو حيث لجأ هناك بعد هزيمته) بقواته نحو سيدي عقبة، مُخفيًا تحركاته بعناية، عندما اقترب من المدينة، أرسل جواسيس لتقصي وضع الفرقة الصغيرة التي تركها الدوق دي أومال هناك تعرض هذا الجيش المسكين للخيانة، وقُتل عدد من جنودنا. ...وصلت هذه الأنباء إلى ابن الملك (الدوق دي أومال) أثناء تواجده في اراضي قبيلة أولاد سلطان مع سي بوعزيز بن ڨانة. بمجرد علمه بالحادث، انتقل الدوق على عجل إلى مدينة بسكرة مع سي بوعزيز بن قانة.
فور وصوله، عاقب الأمير الخونة بعنف وكافأ من أظهروا ولاءًا قبل مغادرته، عزز الحامية العسكرية ووضعها في ظروف آمنة، ثم ترك القائد سان-جرمان في بسكرة وعاد إلى قسنطينة.
خلف الجنرال بيدو Bedeau الدوق دي أومال، وقاد حملة جديدة في جبال الأوراس لمطاردة الحاج أحمد باي هناك الذي لجأ إلى منعة اما أحمد بن الحاج كان في الأحمر خدو....
بينما كانت قوات الجنرال تهاجم العدو من الشمال وتشن غارات على مؤيديه، غادر القائد سان-جرمان بسكرة على رأس فرقة عسكرية ضمت سي بولخرص بن محمد بن قانة وأتباعه، لمنع سي الحاج أحمد باي وبن أحمد بن الحاج من العودة إلى المنطقة الصحراوية.
كانت نتيجة هذه الحركة أن فر الحاج أحمد باي مع اقتراب القوات الفرنسية ولجأ إلى أولاد عبد الرحمن، بينما غادر أحمد بن الحاج الأحمر خدو على عجل وهرب إلى الجريد (تونس).
على الفور، أعلنت قبائل جبال الأوراس وأهل الأحمر خدو خضوعهم لفرنسا.
بعد فترة، ظهر في قبيلة النمامشة شخص ادعى أنه شريف واسمه بومعزة، وانضم إليه عدد كبير من السكان المحليين، تقدم هذا الرجل مع أتباعه لغزو الزاب الشرقي، حالما وصلت أنباء هذا الغزو إلى بسكرة، تحرك القائد سان-جرمان على رأس قواته لمواجهة المتمردين، يرافقه سي بوعزيز بن قانة وأقاربه سي أحمد بن الحاج بن قانة، وسي بولخرص، وسي الحاج بن محمد اين دارت معركة شرسة بين قوات القائد سان-جرمان وقوات الشريف بومعزة، وانتهت بهزيمة كاملة للمتمردين، حيث استولى الفرنسيون على غنائم كبيرة من الأغنام والأبقار وغيرها من الأشياء...أما الشريف، فقد نجح في الهرب إلى الجريد.
بعد المعركة، انسحب القائد سان-جرمان مع قواته إلى العليانة (إحدى قرى الزاب الشرقي) وأقام فيها...هناك تلقى نبأً بأن الشريف الذي هزمه للتو قد استأنف الهجوم متجهًا نحو أولاد جلال، على رأس أولاد نايل وعدد من أفراد القبائل المتمردة الأخرى التي كانت دائمًا مستعدة للثورة. أُرسل سي محمد الصغير بن قانة مع فرسانه ومشاته لمواجهة هؤلاء المتمردين، تجاوز حدود أراضي أولاد جلال، تواجه ضد القوات المعادية قرب قرية سيدي خالد بن سنان اين دارت معركة ضارية بين الطرفين، سقط خلالها عدد كبير من القتلى من الجانبين. بعد هذه المواجهة، انسحب الشريف إلى سيدي خالد، بينما عاد ڨايد بسكرة سي محمد الصغير بن ڨانة إلى الزاب الظهري وتوقف عند مكان يُدعى العَمْري، الى حين عودته إلى بسكرة.
بعد فترة قصيرة، تولى الجنرال هيربيلون، قائد حامية باتنة، قيادة جيش كبير لمحاربة الشريف بومعزة الذي كان متواجدًا آنذاك لدى أولاد جلال. شاركت عائلة بن قانة بأكملها وقواتهم الڨوم (الڨومية) في هذه الحملة، تقدم الجيش نحو أراضي أولاد جلال حيث كان يُعتقد أن بومعزة موجود، لكن الأخير، بعد أن علم بضخامة الجيش الفرنسي المقترب، كان قد فر بالفعل.
لكن الأمر لم ينتهِ؛ إذ تحالف أولاد جلال مع الشريف بمعزة، فكان لا بد من إخضاعهم. نتيجة لذلك، نزل الجنرال هيربيلون بجيشه على أراضي هذه القبيلة، وطالب من أولاد جلال بالاستسلام، رفض أولاد جلال الخضوع بشكل قاطع، فاندلعت الأعمال العدائية ضدهم، دار قتال شرس بين الطرفين، سقط خلاله عدد كبير من الضحايا في صفوف الجيش الفرنسي والمتمردين على حد سواء...كان الفضل الأكبر في إخضاع أولاد جلال يعود لـ **سي بوعزيز بن قانة**، الذي أجبرهم على الاعتراف بالسيادة الفرنسية. تعهد أولاد جلال أيضًا بدفع "الجزية الحربية" التي فُرضت عليهم.
بعد هذه الحملة، منح الجنرال هيربيلون منصب **قايد أولاد جلال وأولاد نايل** لـ **سي الحاج بن محمد بن قانة**.
ثم تابع الجنرال هيربيلون، برفقة جميع أفراد عائلة بن قانة، مطاردة أولاد نايل إلى ديارهم، وطالبهم مرتين بالاستسلام.
بعد أن خضع أولاد نايل أخيرًا واعترفوا بالسلطة الفرنسية، فُرضت عليهم ضريبة حربية، وعاد الجنرال هيربيلون إلى باتنة.
تم تعيين الجنرال هيربيلون لاحقًا قائدًا لمقاطعة قسنطينة، وخلفه الكولونيل **كانروبير canrobert** (الذي أصبح لاحقًا مارشال فرنسا) في قيادة باتنة.
رأى الكولونيل أن ترك الحاج أحمد باي لدى أولاد عبد الرحمن (حيث لجأ) غير مقبول، فجهز فرقة عسكرية لمهاجمته في مقر إقامته بـ **الكباش**، وانطلق من باتنة بجيشه، بينما تحرك القائد سان-جرمان من بسكرة على رأس قواته ليلتقيا معا ، ضمت قوات سان-جرمان: سي بوعزيز بن قانة وأقاربه، وعددًا كبيرًا من الفرسان العرب تحت إمرتهم، وبعض شيوخ القبائل، أرسل سان-جرمان رسالة إلى الحاج أحمد باي يحثه فيها على الخضوع للحكومة الفرنسية. وافق الأخير أخيرًا وذهب إلى سان-جرمان، الذي اصطحبه معه إلى بسكرة.
بعد هذه الأحداث، نُقل الكولونيل كانروبير لقيادة منطقة أومال (سور الغزلان حاليا)، وحل محله الكولونيل **كربوتشيا** في باتنة.
في ذلك الوقت، كانت قرية **الزعاطشة** الصغيرة...كان هناك رجل يُدعى **بوزيان** ادعى أنه شريف، ونجح في تجميع عدد من الأنصار حوله. معتمدًا على دعم أهالي زعاطشة، اعتقد هذا الشخص أنه قوي بما يكفي ليتجنب تقديم فروض الطاعة للسلطات. بدأ حصار زعاطشة بقيادة **سي بوعزيز بن قانة** وإخوته على رأس القوات المتاحة لهم، وبعد فترة، انضم إليهم الكولونيل **كربوتشيا** بفرقة عسكرية صغيرة، واستمر الحصار.
تحصن أهالي الزعاطشة والشريف بوزيان وجميع الأتباع الذين التحقوا به داخل القرية... دارت معارك عديدة عند أسوار زعاطشة، حيث شن الكولونيل كربوتشيا هجمات متواصلة على المحاصرين، لكنه فشل في تحقيق أي تقدم، واضطرت القوات في النهاية إلى الانسحاب والعودة إلى بسكرة بعد جهود عقيمة.
في غضون ذلك، خطط **سي عبد الحفيظ** (الذي كان معسكرًا في **الخنڨة**) لتنفيذ هجوم على قواتنا لشتيت انظارنا ودعما لبوزيان. فجمع جيشًا من أهالي الأحمر خدو والزاب الشرقي، وتقدم نحو بسكرة.
في تلك الأثناء، كان **بولخرص بن قانة** وقواته الصحراوية موجودين في التل.د، أرسل **سي بوعزيز بن قانة** (الذي كان لا يزال أمام زعاطشة) أمرًا إلى **بولخرص** بأن يأخذ معه **400 فارس عربي** ويتوجه بهم إلى بسكرة بأقصى سرعة، نفذ بولخرص الأوامر بدقة، وقطع هو وفرسانه المسافة إلى بسكرة في يوم وليلة. عند وصولهم، انضموا إلى القائد **سان-جرمان** وتحركوا لمواجهة سي عبد الحفيظ الخنڨي
التقى الجيشان في سريانة، وانقضت القوات الفرنسية بشراسة على المتمردين، انقلبت الدائرة على سي عبد الحفيظ، الذي هُزم، لكن كان حزنا حزنا بالغا على مقتل القائد سان-جرمان الذي قُتل خلال المعركة....
لنعد الآن إلى أحداث الزعاطشة،
عندما انسحب العقيد كاربوتشيا من الحصار وعاد بفرقته إلى بسكرة، ترك سي بوعزيز بن ڨانة وأقاربه مع فرسانهم قرب الزعاطشة لمراقبة بوزيان وأنصاره، واستمر هذا الوضع حتى وصول الجنرال هربيلون...توجه هذا الجنرال على رأس قوة كبيرة بسرعة نحو الزعاطشة، وبمجرد وصوله، عجّل بأعمال الحصار...لن نخوض في تفاصيل تطورات هذا الحصار الخالد ومشاهد البسالة التي برزت من كلا الجانبين. لكن يجزم كل من شهدها دون تردد أن مدنًا أكبر بكثير لم تشهد دفاعًا أشرس مما رأيناه هناك.
في النهاية، انتصرت القوات الفرنسية؛ قُتل بوزيان، وذُبـح جميع سكان الزعاطشة، ودُمّرت مدينتهم عن بكرة أبيها.
يوم سقوط الزعاطشة، أسر أحد جنود سي محمد الصغير ابن بوزيان وأحضره إلى الجنرال، الذي أراد في البداية منحه الأمان، لكن سي محمد الصغير اعترض قائلًا: «لا يلد الضبع إلا ضبعًا!» فحُكم على الشاب بالموت، وأعدمه الجندي فورًا.
بعد هذه البطولات التي أكدت إخلاص آل بن قانة للحكومة الفرنسية، رأى الجنرال هربيلون توزيع مناصب القيادة في المنطقة الصحراوية على أفراد هذه العائلة. فعين سي علي بن ڨيدوم، ابن سي بوعزيز بن قنة، قايدًا للعرب الشراقة، وسي بولخرص قائدًا للسحاري، وسي أحمد بن الحاج بن ڨانة، ڨايدًا للعرب الغرابة، بينما عوقب كل من ساعد أو انضم إلى الشريف بوزيان بعقوبات شديدة، وعادت كل الوحدات التي شكلت جيش الجنرال إلى مناطقها الأصلية.
بعد فترة، ظهر شريف جديد في الأغواط يُدعى محمد بن عبد الله، نجح في تحريض أولاد نايل وسكان لرباع، وبسبب اتساع نطاق التمرد، تحرك الجنرال بيليسييه على رأس قوة لمواجهته، بينما انتشر سي محمد الصغير بقواته في ضاية السطل، على حدود الصحراء، لمنع الشريف من العودة إلى المنطقة التابعة لبسكرة...هُزم الشريف محمد بن عبد الله وفر نحو الأغواط.
قبل أحداث الأغواط، نشب خلاف بين عبد الرحمن بن جلاب (المعروف ب بوليفة) الذي عُين شيخًا لتوڨرت بناءً على توصية من سي بوعزيز بن ڨانة وأخيه سليمان بن جلاب، تعرض عبد الرحمن للضرب وإصابة بالغة من أخيه سليمان، فر بعدها وانضم إلى الشريف محمد بن عبد الله.
بعد عودة القوة الفرنسية إلى قاعدتها، ثار سليمان بن جلاب بأهالي لرباع وزحف بهم على تماسين، ثم هاجم توقرت. دارت معارك طاحنة بين المتمردين وأهالي توقرت بقيادة شيخهم.
عندما وصلت أنباء هذه الاضطرابات إلى سي بو عزيز بن قانة، أرسل على الفور ابن أخيه سي الشيخ بن محمد مع 500 فارس لنجدة شيخ توقرت.
في هذه الأثناء، وصل الشريف إلى تماسين لـتقديم الدعم لسليمان، وهناك واجهته قوات بن قانة، اشتبك الطرفان في قتال ضارٍ، تكبدنا خلاله خسائر بشرية فادحة، لكن الشريف اضطر للفرار إلى عمق الصحراء، وسرعان ما لحقه سليمان بن جلاب بنفس الاتجاه، عاد الشيخ بن محمد بفرسانه إلى بسكرة، بينما بقي بوليفة في توڨرت لإدارة المنطقة، لكنه لم يعش طويلاً بعد الحملة، وتوفي متأثرًا بجراحه...بمجرد أن علم سليمان بوفاة أخيه، عاد مسرعًا إلى توقرت واستولى عليها.
تحرك الجنرال ديفو Desveux (قائد باتنة) بجيشه إلى بسكرة، حيث انضم إليه إخوة سي بوعزيز بن قانة وفرسانهم، ثم تقدمت القوة نحو توقرت... لكن سليمان، عند علمه باقتراب الجيش، أقدم على قتل أبناء بوليفة وبسط سيطرته الكاملة على توقرت....اضطر الجيش الفرنسي للعودة إلى بسكرة بسبب ظروف غير مذكورة، بينما كانت قوة أخرى من الجزائر تراقب الشريف محمد بن عبد الله وتطارده حتى أجبرته على اللجوء للصحراء.
أمر الجنرال ديفو ڨايد العرب الغرابة (سي أحمد بن الحاج بن ڨانة) وابن عمه سي علي بن الڨيدوم بن ڨانة بقطع طريق تراجع الشريف، نفذ الرجلان المهمة بنجاح...
نفّذا الأوامر التي أعطيت لهم فانطلقوا في مطاردة
الشريف المذكور. وقد لقوه عندما كانت فرقنا العسكرية تعود إلى الجزائر، في مكان يدعى دينرمة بين توڨرت ورقلة. كان على رأس جماعة من أولاد نايل وقبل خوض المعركة برزت البطولات من الجانبين ثم اشتبكو في القتال، كانت نتيجة هذه المعركة أن تحطمت قوات الشريف وأجرينا مذبحة مروعة. صحيح أننا خسرنا من جهتنا ثلاثة وأربعين فارسا وستة عشر حصانا قتلوا خلال المواجهة، وأصيب ثلاثة وعشرون رجلا. جميع هؤلاء الأهالي المقتولين أو المجروحين كانوا من قبيلتي العرب الشرقية والعرب الغربية.
بعد هذا الإنجاز العسكري الباهر، حصل سي أحمد بن الحاج بن ڨانة على وسام صليب ضابط في جوقة الشرف، وحصل سي علي بن القيدوم بن ڨانة على صليب الفارس، زادت هذه التكريمات فرحهما بانتصارهما.
كما ذكرنا سابقا، أن سليمان بن جلاب قد استولى على توڨورت وقتل أبناء بوليفه وخوفا من أن يلاقوا نفس المصير، هرب أعيان توڨرت الذين قاتلوا تحت امرة بوليفه من المدينة بعجلة وتوجهوا للحصول على ملجإ في بسكرة، حيث بادرت عائلة بن ڨانة بإيوائهم وتأمين كافة احتياجاتهم.
في انتظار وصول الحملة الجديدة التي كانت تعد لها، بقي هؤلاء اللاجئون في بسكرة، حيث وفر لهم المأوى والطعام والملبس....أخيرا، وصلت الفيصل العسكرية بقيادة الجنرال ديفو إلى بسكرة خلال فصل الخريف، خلال هذه الفترة، استمرت أفعال سليمان بن جلاب الشريرة:
حيث أمر أتباعه بتخريب بساتين النخيل التي كانت ملكا لقبيلة الغرابة الرحل في توڨورت،
فجاء هؤلاء المساكين للتشكي إلى الجنرال ديفو في بسكرة،
نظم الجنرال جيشه وقسمه إلى فرقتين: الأولى بقيادة القائد مارميي، وكانت مهمتها التقدم، ضم هذا الفصيل سي أحمد بن الحاج بن ڨانة، ڨايد العرب الغرابة، الذي تولى قيادة الفرسان العرب، أما الجزء الأكبر من الجيش، والمكون أساسا من الجنود الفرنسيين، فكان تحت قيادة الجنرال ديفو نفسه، وضم هذا الفصيل أيضا سي بولخرص بن ڨانة، والسي الحاج بن محمد بن ڨانة، وسي أحمد بن المسعي ابن سي بوعزيز بن ڨانة. على بعد ما من بسكرة، انفصل الفصيلين. تقدم القائد مارميي وخيم في المڨارين، في حين خيمت قوات الجنرال ديفو في أول الأمر في المغير ثم بعدها في سيدي خليل،
عندما علم سليمان بن جلاب بما يحدث، أرسل فورا رسولا إلى الشريف محمد بن عبد الله طالبا منه النجدة، أسرع محمد بن عبد الله بقيادة أتباعه، واجتمع الاثنان لمهاجمة القائد مارميي...وقع قتال عنيف، سقط فيه عدد كبير من أتباع سليمان والشريف، وانهزم الجيش تماما، بينما هرب الباقون نحو أعماق الصحراء. بعد هذه المواجهة، دخل القائد مارميي توڨورت، وانضم إليه الجنرال ديفو سريعا.
اعطى الجنرال ديفو الڨايد سي أحمد بن الحاج بن ڨانة قيادة مدينة توڨورت ومنطقتها، وضمها إليه ڨايد العرب الغرابة، لأن أكثر ممتلكات هذه القبيلة كانت في توڨورت. كانت هذه الخطة دليلا على فطنة الجنرال والحكومة الفرنسية، لأنها جعلت توڨورت تحت سيطرة العرب الغرابة، الذين أظهروا ولاءهم لفرنسا منذ زمن طويل، وكان لديهم مصلحة في الحفاظ على الأمن لضمان ممتلكاتهم في توڨورت أو القرى المجاورة. لكن للأسف، لم يستطع سي أحمد بن الحاج بن ڨانة البقاء في توغورت لأنه كان مريضا دائما، فاستقال من منصبه، عرض الجنرال ديفو المنصب على سي علي بن فرحات، الذي كان منفيا في سطيف، وأسند إليه قيادة توڨورت وواد ريغ وسوف، يعتبر هذا التعيين بداية لنشأة "التخندق" أو الخصامات الحزبية التي أصبحت لاحقا سببا للفوضى في المنطقة الصحراوية.
إلى جانب ذلك، أعقب سقوط توڨورت فترة طويلة من السلام والأمن. كان كل شيء هادئا حتى قام سي الصدوق بن الحاج، من قبيلة أحمر خدو، بإثارة الفوضى بين أفراد قبيلته. أرسل أولا بعض أتباعه إلى مكان يدعى حوزة الهنا قرب سيدي عقبة لتحريش أهاليه. استجاب أحمر خدو، الذين كان قائدهم سي أحمد بي بن شنوف، للدعوات وانضموا إلى العصيان، توجه سي محمد الصغير بن ڨانة لمحاربة أتباع سي صدوق المخيمين قرب سيدي عقبة، وأجبرهم على الهرب، ثم تحرك بقواته نحو أراضي أحمر خدو، خرج الجنرال من باتنة بقواته للالتحاق بسي بوعزيز بن ڨانة وخيم في شطمة مع جميع الفرسان والمشاة من القبائل الخاضعة لقيادتهم. أمر الجنرال سي بو عزيز بن ڨانة وأقاربه بمهاجمة سي الصادق في مشونش، تقدم آل بن ڨانة واشتبكوا مع سي الصادق في قتال عنيف سقط عدد كبير من القتلى والجرحى من كلا الجانبين؛ حيث تم تدمير قوات سي صدوق بالكامل، وفر هو نفسه إلى الجبال، غزت القوات الجبال على الفور، وأرسلت عائلة بن ڨانة كمستكشفين: وضع بولخرص ورجاله في الطليعة، بينما وقف سي أحمد بن الحاج بن ڨانة ورجاله على اليمين على مسافة معينة من الجيش كما غطى سي علي بن الڨيدوم الميسرة بنفس الطريقة، بينما قاد سي الحاج بن محمد بن ڨانة المؤخرة، جعل هذا التشكيل عائلة بن ڨانة وجنودهم يتحملون كل جهود العدو، وتعرضت قواتهم بالفعل لخسائر فادحة، بعد مقاومة لفترة، تمكن سي الصدوق، الذي ظل يتعرض للمضايقات من قبل بني ڨانة، من الفرار في النهاية، تمت مطاردته من قبل الضابط لور Laure وڨايد بسكرة سي محمد الصغير بن ڨانة، وتم أسره بعد فترة وجيزة من قبل ڨايد الخنقة سي بن ناصر بن محمد الطيب، صهر الڨايد سي محمد الصغير بن ڨانة تم إحضار سي صدوق إلى الجنرال، واستسلم جميع سكان الجبال الذين تبعوه.... بعد انتهاء هذه الحملة، عادت القوات الفرنسية إلى باتنة، وعاد النظام والسلام والأمن مرة أخرى إلى المنطقة الصحراوية بأكملها، بعد فترة اندلعت انتفاضة أولاد سي حمزة بن الشيخ في الغرب، بينما رفع إبراهيم بن عبد الله من أولاد ماضي راية التمرد. انطلق العقيد سيروكا على الفور إلى الحضنة...
بعد فترة اندلعت انتفاضة أولاد سي حمزة بن الشيخ في الغرب، بينما رفع إبراهيم بن عبد الله من أولاد ماضي راية التمرد. انطلق العقيد سيروكا على الفور إلى الحضنة برفقة سي بولخراس بن ڨانا وسي علي بن الڨيدوم بن ڨانا، لقمع تمرد إبراهيم بن عبد الله، كان سي أحمد بن الحاج بن ڨانا قايد العرب الغرابة، مكلفًا بالمشاركة في هذه الحملة؛ لكنه توفي قبل أيام قليلة من انطلاق الحملة، فتم تعيين سي بولخرص بن ڨانا مكانه .....بأمر من العقيد سيروكا، كان على سي علي بن الڨيدوم التوجه مع كتيبته إلى البعاج لمراقبة تحركات المتمردين وانتظار القوات رافق سي بولخرص وكتيبته العقيد سيروكا Seroka الذي كان معه السيد فورجيمول (اصبح جنرال)، وتوجهوا حتى لحجيرة لمنع أولاد سي حمزة بن الشيخ من دخول أراضي ورقلة ونڨوسة. استمرت هذه الحملة البعيدة حوالي ستة أشهر، وجذب الأداء المتميز لسي بولخرص بن ڨانه خلال هذه الفترة الطويلة انتباه الحكومة، التي منحته وسام جوقة الشرف مكافأة على خدماته الجيدة... عاد الهدوء تمامًا؛ عادت القوات إلى باتنة، وساد السلام الكامل حتى عام 1870، في ذلك الوقت، انتشرت اضطرابات خفية في جميع الجهات، ونصحنا ممثلو الحكومة بأقصى درجات اليقظة للحفاظ على النظام والأمن، كالعادة، بذلنا نحن ال ڨانا كل الجهود لإنجاز هذه المهمة الجديدة، ونجحنا في ذلك، ولكن بأي ثمن! قدمنا مبالغ طائلة للحفاظ على حرس مكون من مئتي فارس في ڨايدات بسكرة ونفس الشيئ في كل ڨايدات عائلة بن ڨانة؛ حيث كان الراتب الشهري لكل فارس 100 فرنك، تدفع الدولة منها 30 فرنكًا فقط، مما اضطررنا لدفع الفرق من أموالنا الخاصة. ومع ذلك، لم نفعل كل هذا إلا للامتثال لأوامر القائد الأعلى لـبسكرة ولمنع أي فوضى في المنطقة الصحراوية...لم نكن نعمل إلا لمصلحة الحكومة الفرنسية، وفي نفس الوقت، كانت السلطات تأمر سي علي باي بن فرحات، الذي كان يقود توڨرت آنذاك، بحراسة مكونة من مئتين وخمسة وثلاثين فارسًا، وكانت الدولة تدفع لكل من هؤلاء الفرسان 100 فرنك شهريًا كراتب؛ بالإضافة إلى ذلك أُعطوه خمسون من الرماة الجزائريين، وجميع النفقات كانت تُقتطع من خزينة الدولة،
ذلك لأن هناك فرقًا كبيرًا بيننا، بين بني ڨانا، والآخرين. كانوا يعرفون ولاءنا لفرنسا وكان من المنطقي الوثوق بنا، في الواقع، حافظنا على النظام في كل الأراضي الموكل بحراستها حتى وصول القوات الفرنسية، وفي خلال هذا الوقت، ماذا فعل سي علي باي بن فرحات؟ أخذ معه حرسه الشخصي المئتين وخمسة وثلاثين فارسًا الذين كانت الدولة تدفع لهم لحماية توڨورت ولمساعدة الرماة عند الحاجة، وترك مدينة توڨرت تقريبًا بدون حامية.
بهذه الأفعال، كان سي علي باي بن فرحات سببًا في الاستيلاء السهل على توڨورت من قبل بوشوشة وفي مجزرة الرماة الجزائريين التي ارتكبها الأخير.
قبل هذه الأحداث المؤسفة بفترة، جاء الكولونيل أدلر Adler إلى بسكرة، واستقبل زيارة من عائلة بن ڨانا، ومن سي علي باي بن فرحات، وأبناء بن شنوف؛ وقد أوصى الجميع بمراقبة تحركات السكان بدقة وبذل كل الجهود للحفاظ على النظام في القبائل، أجبنا آنذاك الكولونيل أدلر بأننا نضمن أن الهدوء لن يختل في القبائل التي يقودها بن ڨانا، ولكن بشرط أن يعود سي علي باي إلى منصبه ويراقب من جانبه ألا يحدث أي شيء في توڨورت، التي كانت تحت حراسته، نظرًا لأن الشريف بو شوشة كان قد نجح بالفعل في الاستيلاء على ورڨلة، وكان من الضروري مواجهته وطرده من أراضي توڨورت.
في هذه الأثناء، علم الكولونيل أدلر أن قبائل دائرة باتنة قد ثارت وقتل العديد من المستوطنين الفرنسيين حول تلك المدينة، أمر على الفور سي علي باي بالعودة إلى منصبه في توڨورت، ولاحظ الهدوء الذي ساد في القبائل الخاضعة لقيادتنا، فقال لنا كالمعتاد: "عليكم أن تأخذوا الصحراويين إلى المراعي في التل"، وهو ما فعلناه وفقًا لأوامره.
بعد اتخاذ هذه الإجراءات المختلفة، توجه الكولونيل أدلر بسرعة إلى باتنة لمحاربة التمرد.
مع ذلك، لم يلتزم سي علي باي بن فرحات بأي من الأوامر التي تلقاها، وبدلًا من الذهاب إلى توڨورت لضمان أمن المدينة، تجول في قبائل الصحراء التابعة لقيادة عائلة بن ڨانا وأشعل الفوضى عبر تحريضهم ضد ڨايد بسكرة...كانت نتيجة هذه المؤامرات أن جزءًا فقط من الصحراويين استمع لنصائحنا وتبعنا إلى المراعي، بينما بقي مثيرو الفوضى الذين أصبحوا أتباعًا لسي علي باي بن فرحات في الصحراء لمواصلة أعمالهم ضد بني ڨانا....القائد الأعلى، الذي كان يدير آنذاك دائرة بسكرة، السيد دي ماغث Magth، علم كل هذه الحقائق، واكتفى بنصح سي محمد الصغير بن قانا قايد بسكرة بالصبر وكسب الوقت حتى تنتهي أمور فرنسا وتصبح قادرة على إرسال قواتنا، مؤكدًا أن من تصرف جيدًا سيكافأ ومن أساء سيعاقب بشدة....عندما غادر أفراد عائلة بن ڨانا الذين كان عليهم أخذ الصحراويين إلى المراحل مع من وافق على مرافقتهم، أُمروا بالتوقف لفترة على أراضي قبيلة أولاد سلطان، التي كانت ثائرة مع القبائل المحيطة، ومحاربة التمرد أينما واجهوه، نُفذت هذه الأوامر بدقة ووقعت عدة معارك دموية بين عرب بني ڨانا والمتمردين، خسرنا الكثير من الرجال، ولم ندخل منطقة التل إلا بعد وقت طويل من الموعد المعتاد، لم يختل وقت الرعي بأي فوضى من جانب الصحراويين المخيمين بالقرب من قبائل التل؛ لأن الذين تبعونا، كما ذكرنا، كانوا محبين للنظام ومخلصين تمامًا للحكومة الفرنسية....خلال هذه الأحداث، لم يغادر سي علي باي بن فرحات محيط بسكرة، وكان يتنقل بين المدينة وسيدي عقبة والزيبان، رغم علمه بأن الشعانبة وبوشوشة دخلوا ورڨلة وبقي خارج ڨايداته عندما وصل خبر استيلاء بوشوشة على توقورت وقتل معظم حراسها وأسر الباقين ونهب المدينة.
عند سماع هذا الخبر المروع، استشاط البدو الغرابة غضبًا – وكان معظمهم يملكون ممتلكات ومخازن في توڨورت أو حولها – لسماعهم بهذه الأحداث، فطلبوا عبر قائدهم الڨايد سي بولخرس من القائد الأعلى التحرك نحو توڨورت واستعادتها من الغزاة اتباع بوشوشة، لكن الكولونيل رفض الموافقة على الحملة، قائلاً إن مهمة سي علي باي بن فرحات هي العودة سريعًا إلى قيادته واستعادة المدينة....بعد تلقيه أوامر صارمة بهذا الشأن، قرر سي علي باي بن فرحات تجميع قواته وحراسه والتوجه نحو توڨورت.
عند وصولهم إلى المغير، أول مدينة في وادي ريغ، استقبلهم أهلها وقدموا لهم كرم الضيافة وإيواء خيولهم...لكن عند مغادرته، حرض سي علي باي جنوده على السكان، فقتلوا نحو سبعين شخصًا غدرًا، واستولوا على مخازن العرب الغرابة ونهبوا المدينة... من الواضح أن هذا الفعل الشنيع لـ علي باي نابع من كراهيته لبني ڨانا، وأنه سمح بنهب ممتلكات العرب الغرابة فقط لنشر الفوضى في القبيلة التي كان أحد أفراد عائلة بني قانا ڨايدًا لها....هرب سكان المغير المساكين – الذين عوملوا كأعداء – إلى توقورت وحصنوا أنفسهم هناك.
هاجمهم علي باي مرات عديدة دون نجاح، في هذه الأثناء، قرر الشريف بوشوشة التوجه بنفسه على رأس قوة صغيرة لمهاجمة علي باي ، لم ينتظره علي باي بل انسحب هو وقواته بسرعة نحو بسكرة، مع نهاية فترة رعي الصحراويين، غادروا التل تحت قيادة أفراد عائلة بني ڨانا المرافقين لهم، في الطريق التقوا بفرقة الجنرال سوسييه، وساروا معه فترة، مما أكد للجنرال إخلاص العرب تحت سلطة بني ڨانا، عند وصول الصحراويين إلى بيطام، وجدوا سي محمد الصغير بن ڨانا، قايد بسكرة، ورئيس المكتب العربي، اللذين جاءا لاستقبالهم بأمر من القائد الأعلى لبسكرة، واللذين، وفقًا للتوجيهات التي تلقياها منه، جعلاهم يغادرون الطريق الرئيسي ليعودوا إلى ديارهم، لتجنب أي صدام بينهم وبين أهل الزاب والفارين الذين كانوا عائدين من توڨورت مع سي علي باي...أطاع عرب بني ڨانا هذه التعليمات بدقة وأثبتوا مرة أخرى خضوعهم لأوامر السلطة الفرنسية....أخيرًا، سمح القائد الأعلى لـبسكرة لـ سي بولخراس وعربه بالتوجه إلى توڨورت التي كانت لا تزال تحت سيطرة الشريف بوشوشة.
توجه سي بو لخراس وقومه نحو توقورت؛ لكن عند وصولهم إلى أراضي أولاد جلال...
سمح القائد الأعلى لـبسكرة لـ سي بو لخراس وعربه بالتوجه إلى توقورت، التي كانت لا تزال تحت سيطرة الشريف...توجه سي بولخراس واتباعه نحو توڨورت؛ لكن عند وصولهم إلى أراضي أولاد جلال، علموا أن الشريف قد فر للتو من توڨورت ومع ذلك واصلوا طريقهم ودخلوا المدينة دون قتال....قام سي بولخراس بتنظيم الضرائب والرسوم التي يتعين على توڨورت ووادي ريغ دفعها للدولة الفرنسية؛ ونظَّم بنفس الطريقة تلك المستحقة على منطقة السوف، وانتظر وصول فرقة الجنرال لاكروا Lacroix، الذي دخل بعد فترة وجيزة على رأس قواته إلى مدينة توڨورت.
قام سي بولخراس باعتقال عدد من سكان توڨورت الذين تحالفوا مع بوشوشة بناءً على أوامر الجنرال وسلمهم إليه، وقبل مغادرته، أنشأ الجنرال المذكور مكتبًا عربيًا في توڨورت.
بعد هذه الحملة، استُعيد السلام في كل المنطقة الصحراوية...
تم نقل علي باي ببساطة وتعيينه قائدًا لـباتنة، لم يمض وقت طويل على توليه منصبه الجديد حتى انشغل بمؤامرات جديدة: أعد قائمة بوجهاء قبيلة العرب الشراقة، التابعين للڨايد سي الحاج بن ڨانا، مدعيًا أن هؤلاء الأشخاص طلبوا منه التوسط لدى ممثلي السلطة لوضع قبيلتهم تحت قيادته، وتجرأ على التحدث بذلك نيابة عنهم...لم تنخدع سلطات باتنة بهذه الخدعة، وبسبب قضية البارود التي وُجدت عند الميهوب بن شنوف بالإضافة إلى هذه المحاولة الجديدة لإثارة الفوضى، تمت إقالة سي علي باي بن فرحات من منصبه وتم نفيه إلى الجزائر العاصمة.
منذ ذلك الحين، ماذا حدث في قضية العمري؟ ثبت بشكل قاطع وأصبح معروفًا للجميع أن سي علي باي بن فرحات أنفق مبالغ طائلة لتحريض أولاد بوعزيز على الثورة، صحيح أنه كعادته، كان يتجنب التصرف مباشرًة وينقل الأموال عبر وسطاء من أصدقائه؛ لكنه من المؤكد أيضًا أن العديد من خدمه تم التعرف عليهم بين القتلى والجرحى الذين خلفهم المتمردون بعد المعارك، بينما لا يزال آخرون يقضون عقوبتهم في سجون الدولة....ماذا كان يفعل بن ڨانا خلال هذه الثورة؟ متمسكين بعهودهم مع فرنسا، كانوا دائمًا في طليعة القوات الفرنسية؛ لدرجة أن ڨايد بسكرة سي محمد الصغير بن ڨانا أُصيب أثناء قتاله المتمردين، وقُتل أربعة من خدمه وجُرح ثمانية، بينما خسر فرسانه خمسة خيول قتلى وعشرين جريحًا....على أي حال، لم تتوقف عائلة بني ڨانا عن محاربة أعداء فرنسا، وكان عليها في هذه المناسبة أن تفعل كما فعلت دائمًا...بعد قضية واحات العمري، كنا نعيش في هدوء تام، حتى اندلعت ثورة الأوراس واغتيال اثنين من ڨيادنا، لم نكن فقط بمعزل عن هذه الأحداث، بل لم نكن نعلم حتى ما يحدث في تلك الجبال، أو الدوافع الكامنة وراء هذا التمرد،
ما هو مؤكد هو أننا كالعادة، قدمنا دعمنا للسلطات الفرنسية: كان سي محمد بن الحاج بن ڨانا وقومه جزءًا من الوحدة التي قدمتها بسكرة للحملة، ومن جهة أخرى، كان سي بولخراس و سي محمد بن قانا قايد السحاري، وسي العربي بن محمد خليفة العرب الشراڨة، جزءًا من القوات التي قادها الجنرال قائد قطاع باتنة....في هذه الحملة، أُرسل بن ڨانا إلى الزريبة مع قومهم لمنع المتمردين من الفرار من هذا الجانب، بينما كانت وحدات عسكرية أخرى تطوقهم في الجبال، عدد من المتمردين كانوا قد عبروا إلى الزريبة قبل وصول بن ڨانا إلى المنطقة، لكنهم ماتوا عطشًا في الطريق بين الزريبة ونڨرين....بعد أن مكثوا بضعة أيام في الزريبة، استُدعي بني ڨانا إلى الحملة ثم لم تلبث الثورة أن هُزمت واستسلم المتمردون.
وفي ظل هذه الظروف، هاجمنا أشخاص يهتمون بنا ويسعون للإضرار بنا عبر اتهامنا بتحريض ثورة الأوراس، وهي افتراء يرفضه أي تفكير بسيط لو أدركوا المسافة التي تفصلنا عن سكان تلك الجبال...لكن، بغض النظر عن الاستحالات المادية، أليست الأربعون عامًا من الخدمات الجيدة والوفية التي قدمتها عائلتنا دليلًا لصالحنا؟ كيف يمكن القبول أن عائلة كرست نفسها لأكثر من أربعين عامًا لخدمة فرنسا وحاربت دائمًا من أجلها، يمكن أن ترتكب مثل هذا الخطأ؟ ليتنا علمنا بما كان يحدث عند أولاد داود! نحاول عبثًا تخمين الدافع الذي يُزعم أنه دفعنا إلى هذا الطريق. هل أردنا الانتقال للسكن عند أولاد داود، أم كان لدينا اطماع او ننوي الاستيلاء على جبال الاوراس؟ كل هذا غير معقول ولا يمكن تصديقه.
لا يمكننا الا ان نلجا الى الله القوي العظيم، لانه من المستحيل علينا فهم المصداقية التي تحظى بها مثل هذه الاتهامات.
ماذا حدث عند وصول لجنة التحقيق؟ اعداؤنا وزعوا مبالغ كبيرة على القبائل وجمعوا بهذه الطريقة عددا من الشهود الذين جاءوا ليشوهوا سمعتنا امام اللجنة...الدافع الذي يحرك من نسميهم اعداءنا هو الحسد، واذا هاجموا شرفنا، فانما ذلك لجعلنا نبدو بمثل احتقارهم....لحسن الحظ، سجلات خدمتنا موجودة للرد عليهم وازالة اي فرصة لنجاح افتراءاتهم؛ لانه بدون روح العدالة والانصاف التي وجهت اعضاء لجنة التحقيق، كنا سنتعرض للعقاب دون ان نستحقه باي شكل...
بفضل الله، اخلاصنا الذي لا يمكن انكاره سينقذنا، وسننجو من الاخطار التي كانت تهددنا.
حاولنا هنا عرض ما قمنا به في خدمة فرنسا، واذا حكم باننا تصرفنا بشكل جيد، فلا نعتقد انه يمكن قبول الافتراءات التي اطلقها اعداؤنا ضدنا كحقائق....على اي حال، نشكر الله لاننا لا نملك ما نلوم انفسنا عليه، ولاننا نجحنا في الوفاء بوعودنا التي قطعناها للحكومة الفرنسية منذ اربعين عاما!
اما اولئك الذين يسعون لاحداث الشر، فنامل ان تكون افعالهم بلا تأثير؛ لان الناس سيعرفون التمييز بين الصادق والكاذب، وبين من وفى بوعوده ومن لم يف باي منها.
بالنسبة لنا، مهما حدث، سنستمر في اداء واجبنا، وكما فعل اسلافنا دائما في زمن الحكم العثماني، لن نغير ابدا في العهود التي قطعناها... بفضل الله، عائلتنا تفي بوعودها! التاريخ خير شاهد على ذلك.
ليحم الله من كان الحق معهم، وهذا حالنا، وليمنح السلام للجميع! من يمكنه ان يمنح الحماية والقوة التي نحتاجها افضل منه، العلي القدير؟
النهاية.......