الأحد، 28 فبراير 2016

اتقوا الله في رجالاتكم ..... الدكتور محي الدين عميمور


عندما استقبل الرئيس الصيني ماو تسي تونغ المجاهدة الجزائرية جميلة بو حيرد سألها خلال الاستقبال عمّا إذا كانت قد دونت مذكراتها، ولما أجابت بالنفي قال لها بما معناه، وفي حدود ما أتذكر: يوما ما سيأتي من ينسب لنفسه فضل تحرير الجزائر ويوجه لك تهمة الخيانة.


وقد تناثرت في السنوات الأخيرة شهادات ادعت أنها تقدم حقائق عن مسار الثورة أو عن مسيرة البناء الوطني، ومن بينها ما كتب مؤخرا بتوقيع مستعار، وتناول جوانب من ممارسات الرئيس هواري بو مدين، وهو ما رأيت أنه لم يكن أمرا سليما يقال بعد أن أصبحت عظام بو مدين رميما.
وأقول بداية أنني لست محاميا عن الرئيس الراحل، فهو ملك لأمة بأكملها وجزء رئيسي من تاريخها، ، وأتحدث دائما من باب أن من يكتم شهادة تاريخية يرتكب إثما وطنيا لمجرد أنه يترك المجال مفتوحا أمام تصفية حسابات مع من انتقلوا إلى رحمة الله، أو لينتزعوا لأنفسهم أدوارا لم يقوموا بها ومواقف لم تعرف عنهم، استغلالا لضعف الذاكرة البشرية، ولا أتحدث إلا عما عشته شخصيا أو تابعته بشكل مباشر.
ومن ناحية المبدأ، فإن أي شهادة تتناول واقعة تاريخية يجب أن تؤكدها شهادات أخرى، وبغير هذا تكون الشهادة مجرد معلومة تحتمل الصدق كليا أو جزئيا، لكن الحقيقة الجزئية تعتبر كذبا بالحذف، ولا يؤخذ بها لأن فقدان النزاهة في الشهادة يلغي صدقيتها.
وبدون أن أشكك في النوايا أو أحكم على التصرفات، فإنني لا أجد مصداقية لشهادة تاريخية تنشر باسم مستعار أو رمزي، وأيا كان المبرر، لأن اسم الشاهد وصفته ووزنه جزء من قيمة الشهادة، وبالتالي فلن أشير إلى الشاهد الخفي الذي أتناول اليوم جانبا من شهادته، وسأترك معرفة المنبر للقارئ.
وقد يحتج قائل بأنني كتبت تحت توقيع رمزي سنوات وسنوات، وهذا صحيح عندما تعلق الأمر بكتابات فنية أو ثقافية أو سياسية، لكنني عندما أدليت بشهادتي على أحداث تاريخية عشتها أو عايشتها استعملت اسمي الكامل، بل ووضعت صورتي على كتاباتي.
بالنسبة لمضمون ما قرأته قراءة سريعة في الشهادة التي أشرت لها أرى أنه تبدو للوهلة الأولى وكأنها تصفية حساب مع الرئيس بو مدين، حيث استند الشاهد إلى معلومات غير صحيحة بنى عليها استنتاجاته.
وكمثال بسيط، حاول الشاهد أن يبعد الضباط الجزائريين الذين التحقوا بالثورة قبل رئاسة الجنرال دوغول عن دائرة الاتهام، فذكر اسم الكومندان إيدير، الذي عينه كريم بلقاسم مديرا لمكتبه، حيث أن احتضان أولئك الضباط بدأ في عهده وقبل أن يكون للعقيد بو مدين أي دور فاعل في الأحداث، رحم الله الجميع.
ويقول الشاهد بأن ذلك الضابط استشهد فيما بعد في ميدان الشرف، وواقع الأمر أن إيدير كان وراء تعثر الحملة الصحراوية في 1957 والتي كنت أنا واحدا من جنودها، ولم يبرز كعنصر فاعل في بناء الجيش قبل وبعد استرجاع الاستقلال، وعاش إيدير بعد 1962، وأتذكر أنه جاءني إلى الرئاسة في بداية السبعينيات لأتوسط له لفتح خط نقل بالحافلات بين العاصمة وتيزي وزو، وأظن أنه غضب لأنني رفضت الوساطة، واعتقد أن الشاهد خلط بينه وبين آخر بحمل نفس الاسم، لكن هذا يبرز عدم الدقة في الشهادة، وهو أمر ينال من صدقية الشهادة نفسها.
وينتقل الكاتب إلى ما بدا أنه المحور الرئيسي لشهادته فيتناول قضية العقيد محمد شعباني، رحمه الله، الذي أعدم بتهمة التمرد، فيصدر حكمه بأن قضية الضباط الجزائريين الفارين من الجيش الفرنسي هي السبب الرئيسي لخلاف العقيد مع الرئيس بو مدين، ولكنه يعترف باحتمال وجود أسباب أخرى لتمرد شعباني، والذي أعتبره شخصيا شهيد ظروف بالغة التعقيد، ولكن الشاهد لم يستعرض الأسباب الأخرى، التي أشار لها بصورة الاحتمال، أي أنه يوحي بالشك فيها، وهذا تجاوز لدور شاهد لم يعرف القارئ من هو.
والواقع أن ما ورد في هذه الشهادة قد يؤكد ما ادعاه البعض يومها من أن الرئيس بن بله هو الذي كان يحرض شعباني على التمرد، وأنا لا أعرف الحقيقة الكاملة حول هذه القضية، وأعتقد أن البعض تناولها أحيانا بخلفيات فيها الكثير من عقدة الذنب ونية الانتقام ، في حين أن قضايا من هذا النوع يجب ألا يتناولها إلا من عاش الأحداث عن بعد كافٍ لضمان الحياد الموضوعي، وأنا لا أعرف مدى قرب الشاهد يومها مما كان يدور على الساحة وفي الكواليس، لكنني أقول أيضا أن أمثال هذه الاتهامات من الخطأ أن تطرح خارج المنتديات العلمية والمعاهد الدراسية، خصوصا وكثيرون اليوم في الداخل والخارج يعملون على تشويه صورة الثورة بتشويه بعض رجالها.
وما أعرفه هو أن بو مدين لم يخفِ وجهة نظره بالنسبة لاستثمار كفاءة كل الجزائريين، ممن لم تثبت عليهم أي خيانة أو تواطؤ مع المستعمر، عسكريين كانوا أم مدنيين، وقالها علنا في مؤتمر الحزب عام 1964 مقدما مبرراته لذلك، وأعتقد أنها كانت مبررات منطقية بالنسبة لقائد عسكري يريد بناء جيش قوي على ضوء محاولة الغزو التي قام بها المغرب في أكتوبر 1963، عندما انتهز النظام هناك فرصة عدم وجود جيش نظامي عصري في الجزائر، وكان بو مدين يعمل ليكون الجيش الوطني قاعدة لبناء دولة تبقى رغم الأحداث وزوال الرجال باللجوء إلى كل الكفاءات الوطنية.
والشاهد الخفيّ يُعلق على مقولة بو مدين يومها (من الطاهر بن الطاهر الذي يريد أن يُطهر؟) فيقول بأن العملية، أي التخلص من الضباط السابقين في الجيش الفرنسي، لم تكن مستحيلة التحقيق في الظرف الذي طُرحت فيه كما زعم المرحوم هواري بو مدين، وكلمة (زعم) لا تستعمل في شهادة تاريخية، وهي تطرح الاحتمال بأن خلفية الشاهد هي تصفية حساب مع الرئيس الراحل، بحيث لا توجد في الحلقات الثلاث التي أعترف أنني قرأتها على عجل كلمة خير واحدة عن بو مدين.
وتعرض الشاهد لما رواه العقيد الطاهر زبيري عن ظروف إعدام الشهيد محمد شعباني، وعدم تحرك بو مدين لمصلحة شعباني آنذاك.
ومن واقع معرفتي المتواضعة بشخصية الرئيس بو مدين أستطيع أن أقول أنه ظل يعاني طول حياته من عجزه عن إنقاذ شعباني نظرا للظروف المعقدة آنذاك والتي كان وضع وزير الدفاع خلالها يتعرض لمحاولات زحزحة متواصلة، ولعل ذلك العجز هو الذي يقف وراء الحقيقة القائلة بأنه لم ينفذ حكم واحد بالإعدام لأسباب سياسية.
وجاء في الشهادة المُطوّلة المنشورة عبر ثلاثة أيام أن وزير الدفاع هواري بو مدين كان قد وجه رسالة إلى وزير الدفاع الفرنسي قبل ذلك بشهور (أي قبل مؤتمر 1964) يلتمس منه وضع الضباط الجزائريين الموجودين بالجيش الفرنسي تحت تصرف الجيش الوطني الشعبي بغرض إدماجهم ضمن الجيش الجزائري مع الاحتفاظ بكل حقوقهم من أقدمية ورتب ورواتب وكافة الامتيازات، وأن شعباني رفض قبول هؤلاء في الناحية السادسة وطردهم.
وأنا شخصيا لا أعرف شيئا عن هذه القضية، فقد كنت بعيدا عن أجواء السلطة آنذاك، ولا علاقة لي بالجيش الفرنسي من قريب أو من بعيد، لكن كلمة (يلتمس) التي أوردها الشاهد المستتر تتناقض مع ما أعرفه عن شخصية الرئيس بو مدين، المعتز بنفسه وبثورته وببلاده، والذي رفض دعوة الجنرال دوغول فيما بعد لزيارة فرنسا، إلا إذا كانت الزيارة رسمية بكل عناصر الزيارة الرسمية.
وأنا أستغرب أن رسالة كهذه لم يسمع عنها أحد طوال أكثر من خمسين سنة، ولم يُشرْ لها كل خصوم الرئيس الراحل فيما قدموه من شهادات، وهي، إن كانت صحيحة، تفرض أن نوجه تهمة التواطؤ والتخاذل إلى كل ضباط الجيش الوطني من المجاهدين الذين سكتوا على تصرف كهذا، من أمثال الطاهر زبيري ومحمد الصالح يحياوي وصالح سوفي ومصطفى بن عودة ومحمد عطايلية وقاصدي مرباح وغيرهم من الذين لم يعرفوا الجيش الفرنسي إلا كمقاتلين ضده، وكذلك شباب الضباط من أمثال محمد علاق واليمين زروال ومحمد بن موسى ونور الدين بن قرطبي ورشيد بن يلس ومصطفى بللوصيف، والذين كان يجب أن يقدموا استقالة جماعية إلى الرئيس بن بلة، إذا لم يضع حدا لتآمر وزير الدفاع الجزائري مع الجيش الفرنسي وعملائه، وما كان لهم أن يدعموا التصحيح الثوري الذي قام به بو مدين في منصف الستينيات.
وما زلت أقول وأكرر بأن القضايا الخلافية المتعلقة بأحداث الثورة وبتصرفات القادة يجب أن تبحث بعيدا عن الساحة العامة، فليس هناك عاقل ينشر غسيله أمام باب بيته وعلى قارعة الطريق.
ولسنا وحدنا في هذا العالم، وخصومنا هم وراء جدران لها آذان.
********
الصورة : من اليمين - محمد شعباني - أحمد بن شريف - هواري بو مدين - جلول ملايكة  


   

السبت، 27 فبراير 2016

مالك بن نبي وجماعة الإخوان المسلمين ..... ترجمة أحمد المناعي



كتب المقال يوسف جيرارد (1)
ترجمه إلى العربية أحمد المناعي (2)
النص الأصلي باللغة الفرنسية:  L’étude des Frères Musulmans par Malek Bennabi

بعد حوالي الأربعين سنة من وفاة مالك بالنبي (1973) يعسر على الباحث إحصاء الكتب والأطروحات الجامعية والبحوث والدراسات والمنابر والندوات والمقالات التي تناولت فكر الرجل، بحثا ودراسة وتمحيصا ومقارنة وترويجا وتوظيفا سياسيا أيضا وفي كثير من اللغات والبلدان.
إنها الطفرة على كتبه، التي ترجمت إلى عديد اللغات، وهو الذي ظل مغمورا حتى في وطنه، الجزائر، إلى آخر حياته، حيث كان يصعب على المرء العثور على أحد كتبه في المكتبات أو قراءة مقال عنه أو له في الصحافة المحلية.
وقد يفسر هذا الإقبال المتنامي على آثار مالك بالنبي بالأزمة الفكرية التي يعيشها كثير من شبابنا وبطوقهم إلى مرجعية فكرية صلبة ومتينة تساعدهم على تفكيك الألغاز والإشكاليات وتيسر لهم فهم خلفيات الظواهر والقضايا التي تؤرقهم وتعصف بمجتمعاتهم. ومن أقدر من مالك بالنبي على ذلك في ساحتنا العربية والإسلامية وهو الذي قال عنه أنور عبد المالك: «أنه أحد الفلاسفة الاجتماعيين الأوائل في العالم العربي وفي الساحة الإفريقية-الأسيوية في عصرنا»، والتي أثبتت الأحداث والوقائع صواب رؤاه في كثير من القضايا السياسية والاجتماعية المعاصرة.
غاية هذه الورقة
ليس من غاية هذه الورقة إضافة جديد للكثير الذي كتب عن فكر مالك بالنبي، فقد سبقنا إلى ذلك الكثيرون وأوفوا الأمر حقه. غاية هذه الورقة متواضعة جدا وتتلخص في توضيح العلاقة بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين، أكبر وأقدم حركات الإصلاح والتجديد في العالم الإسلامي في القرن الماضي، وبمثل ما تحددت وتوضحت به علاقته بجمعية العلماء الجزائريين أو جبهة التحرير الوطني مثلا… ولأن بقاء هذه العلاقة في الغموض الذي اكتنفها طيلة عقود من شأنه أن يريح موقف كل الذين يصرون على الجمع بين انتماء لفكر مالك بالنبي وفي الآن نفسه إلى فكر وتنظيم الإخوان المسلمين. وهو توفيق بين مرجعيتين متناقضتين كما تدل على ذلك كتابات بالنبي منذ سنة 1954، وأصداءها عند بعض منظري الإخوان.
وقد تراءى لي ذلك شخصيا في أول كتاب قرأته لمالك بالنبي لما تعرفت على الرجل في سنة 1964 (3)، وهو كتاب «وجهة العالم الإسلامي» في نصه الأصلي بالفرنسية والمنشور في سنة 1954. وقد شدت انتباهي وحيرتني طويلا، ملاحظة أدرجها الكاتب أسفل صفحة كلها إعجاب وتقدير وتثمين لعمل جماعة الإخوان. وقد جاء في الملاحظة ما يلي: «إن الاعتبارات المختلفة التي قرأتاها تبقى صالحة بالنسبة للتجربة الشخصية للمؤسس حسن البنا. غير أنه وعقب زيارة الكاتب الأخيرة للمشرق، فإنه يجد نفسه مضطرا لتغيير حكمه في الجماعة نفسها والتي يبدو وأنها تحولت، تحت زعامة قادتها الجدد، إلى مجرد أداة سياسية، منزوعة من ذلك الطابع المؤسس للحضارة الذي كان يود أن يراها عليه. وفي هذه المرحلة الجديدة، يبدو أن الحركة لا تستعمل الدين إلا لبلوغ غايات عملية عاجلة».
المترجم

1― جماعة «الإخوان المسلمون»
نشأت هذه الجماعة في سنة 1928 في مدينة الإسماعيلية بمصر على يدي الشيخ حسن البنا. وقد حددت لنفسها أهدافا عديدة تتمحور حول الدفاع عن الإسلام وقيمه وتجديد وإحياء عقائده ونشر دعوته. ولبلوغ تلك الأهداف، مارست الجماعة أنشطة كثيرة على مختلف المستويات الاجتماعية والتربوية، فأسست المدارس ونشرت التعليم وأنشأت المصحات والمشافي ودور الأيتام، وهو ما كرس حضورها القوي في المجتمع المصري، في المدن والأرياف، وحوّلها شيئا فشيئا إلى طرف سياسي يُقرأ له ألف حساب ويُثير الإعجاب لدى البعض والعداوة لدى البعض الآخر.
وقد اهتم مالك بالنبي بالجماعة خلال الفترة الممتدة ما بين سنة 1940 وحتى وفاته سنة 1973 فكتب عنها وعن مؤسسها والتقى بفكرها ومناهجها وتوجهاتها الإصلاحية في مرحلة أولى، ثم، وما أن وطأت قدماه أرض مصر، في سنة 1947 ثم سنة 1948، وأحتك بالواقع واتصل بقادة الجماعة وبخصومهم، بدأ يتراجع عن كثير من قناعاته وكتاباته، لا عن كتاباته في الزعيم المؤسس ولكن عن ورثته.
يجب التذكير بأنّ «الجماعة» عرفت خلال الفترة محل اهتمام بالنبي، مرحلتين كبيرتين، هامتين ومختلفتين. وتمتد الفترة الأولى من يوم نشأتها سنة 1928 إلى يوم حظرها وحلّها، على إثر محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في أكتوبر 1954 بالإسكندرية. ففي هذه الفترة وعلى الرغم من حلّها (1948) واغتيال زعيمها (1949) – أعيد تقنينها سنة 1951، ظلت الجماعة تنشط وتتحرك في المجتمع جهرا وعلنا وبدون قيود.(4)
أما المرحلة الثانية من تاريخ هذه الجماعة، فهي التي تبدأ، كما ذكرنا، من نهاية سنة 1954، تاريخ حظرها ومنع كل نشاطاتها واضطرار قياداتها وأعضائها للدخول في السرية أو الهروب إلى الخارج.
وكانت هذه المرحلة هي التي أحتك فيها مالك بالنبي بالمجتمع المصري الحاضن لنشاط هذه الجماعة وهي التي تعرف فيها أيضا على القيادة السياسية المصرية الجديدة (1954 و 1955) ثم توسعت شبكة علاقاته بكثير من الأطراف السياسية والثقافية عندما استقر بالقاهرة في شهر ماي 1956 وكلها عوامل ساعدته على تشكيل نظرته للجماعة ودفعته للتراجع في كثير من مواقفه السابقة إزاءهم.
2― مالك بالنبي
ولد مالك بالنبي سنة 1905 في مدينة تبسه من عائلة منحدرة من مدينة قسنطينة وكلاهما في الشرق الجزائري.
وقد زاول تعلمه بالمدينة الأخيرة في مدرسة فرنسية عربية وهو الأمر الذي مكّنه من امتلاك نواصي اللغتين العربية والفرنسية والتزوّد بمعارف مرجعيات عربية، إسلامية وغربية ويقال عنه أنه تأثّر بابن خلدون في المرجعية الأولى وبـ «نيتشة» في المرجعية الثانية وهو يلتقي في هذا مع محمد إقبال. قد حمل مبكرا هموم شعبة الرازح تحت نير الاستعمار وكذلك هموم أمته الإسلامية المقطعة الأوصال والتائهة بين تمجيد ماض ولّى وانقضى وتوق إلى مستقبل لم تتضح صورته بعد.
وقد ألّف مالك بالنبي أكثر من عشرين كتاب بحث فيها شروط نهضة المجتمعات والبلاد الإسلامية وبنائها للكيانات السياسية التي تليق بها في هذا العالم المعاصر وكيفية مساهمتها في الحضارة الإنسانية. ويعتبر كتابه «وجهة العالم الإسلامي» الذي ألّفه في سنة 1950 ولم يتيسّر له نشره إلا في سنة 1954، يعتبر أهم مؤلفاته، إذ جمع فيه خلاصة أفكاره التي تناولتها كتبه السابقة ومجمع رؤاه المستقبلية في حظوظ المسلم المعاصر في بناء الحضارة وبعودة الحديث والجدل حول ما سمي بـ «فقه التحرير»، وهو ذلك التيار الفكري الاجتماعي والسياسي المسيحي الذي ظهر في بلدان أمريكا اللاتينية وسط ستينات القرن العشرين كردّ على انتشار الفكر الماركسي والحركات الثورية التي انبثقت عنه، تجدر الإشارة أن مالك بالنبي كان أحد الأوائل إن لم يكن الأول الذي طرح إشكالية قدرة الإسلام على المساهمة الجدية في التحرير الفردي والاجتماعي.
عندما كان الإخوان هم الأمل
يذكر مالك بالنبي في مذكراته «شاهد قرن» أنه كتب عن حسن البنا وجماعته وهو لا يعرف الكثير عنهم. ويقول في مقال بتاريخ 13 أفريل 1951 بعنوان «على أعتاب حضارة إنسانية»: «إني لا أعرف سيرة مؤسس الإخوان المسلمين ولم أقرأ له شيئا ولعله لم يكتب شيئا أبدا».
كما يذكر في نفس المذكرات أن أحد أسباب مشاكله مع السلطات الاستعمارية الفرنسية واضطراره للهروب إلى فرنسا سنة 1951 هي مقالاته الصحفية التي عرّف فيها الشباب الجزائري بأسماء خطيرة مثل حسن البنا وجماعته «الإخوان».
وقد حلّل بالنبي في مقالات عديدة صدرت في مجلة «الشاب المسلم» الصادرة بالفرنسية والتابعة لجمعية العلماء الحيوية التي بعثتها «جماعة الإخوان» في المجتمع المصري والروح الجديدة التي ضمنتها نشاطاتها بدءا من العنوان حيث تظهر فيه الأخوة الإسلامية لا مجرد فكرة وإنما عمل ملموس بعيدا عن «السياسة الساسوية» أو «البوليتيك».
وقد كتب في «وجهة العلم الإسلامي» مبرزا هذا الدور وهذه الروح: «إن الحركة الأحدث والتي تؤكد التوجه الجديد هي بلا منازع حركة الإخوان المسلمين في مصر والتي لها أتباع كثر في سوريا. للأسف لا نملك أدبيات كثيرة عن هذه الحركة التي تتميز بأن ضمنت اسمها عملية التآخي. فالجماعة الإسلامية الأولى لم تتأسّس على المشاعر البسيطة ولكنها تأسّست على عملية تآخي حقيقي بين الأنصار والمهاجرين. وهو الذي يحدث الآن على أساس نفس الميثاق الذي يوحد  الإخوان المسلمين الجدد فيما يشبه وحدة الأفكار والأملاك، وزعيم الحركة حسن البنا، ليس فيلسوفا ولا هو فقيها وإنما حاول أن يعيش من جديد إسلاما منقى من تركته التاريخية ومرجعيته ليست إلا القران نفسه، ولكن قرانا متصل بالحياة».
ويضيف في تحليل عن حسن البنا: «مع حركة الإخوان المسلمين، نشهد أولا تجددا لقيمة القرآن نفسها وتتحول هذه القيمة إلى قيمة عملية وأداة فنية لتغيير الإنسان. يجمع مثقفون مسلمون حصل لهم التعرّف على حسن البنا على أنّ الرجل يمتلك قدرة عجيبة، حيث تتحوّل الآية القرآنية على لسانه على أوامر حية تملي على الفرد السلوك الجديد وتدفعه إلى العمل بدون تردّد. يفعل المعنى القرآني فعله وكأنه جدّد على شفاه زعيم الإخوان المسلمين».
وفي نفس الكتاب «وجهة العالم الإسلامي» يقارن مالك بالنبي بين عمل الإصلاحيين التقليديين وعمل الإخوان المسلمين ويبرز الفرق الكبير بين الفريقين والمتمثّل في إبقاء الفريق الأول للأفكار على المستوى النظري، بينما يحولّها الإخوان إلى أفعال وأعمال محسوسة. ويعطى مثل ذلك في التضامن الإسلامي القائم على معنى الأخوة، التي هي مجرّد شعور، ولكنها تتحوّل عند حسن البنا، إلى تآخي أي عملية أساسية يتحوّل بها الشخص إلى إخواني مسلم. ويكتب في ذلك أنّ هذا العمل البسيط في ظاهره هو في الحقيقة تحول كامل للإنسان، الذي يمر من مرحلة الإنسان ما بعد الموحدين إلى مرحلة إنسان النهضة، كما كان يتحول من المجتمع الجاهلي إلى جماعة المسلمين. ولم يكن زعيم الإخوان يحدث هذا التغيير إلا باستعمال الآية القرآنية ولكنه يستعملها في نفس الظروف النفسية التي كان يستعملها فيها الرسول والصحابة. وهنا يكمن السر، أن نستعمل الآية كما لو كانت توحى إليك وليس كما هي مكتوبة.
مرحلة الشك 
كان بالنبي مساندا لثورة 23 يوليو في مصر، ولم يكن يفهم الأسباب التي تجعل الضباط الأحرار والإخوان وجها لوجه وتدفع بالفريقين للتناحر. وهو ما عبّر عنه في كثير من الورقات التي احتفظ بها لنفسه ولم تنشر إلا بعد وفاته.
ويكتب بالنبي في ورقة بتاريخ 15 جانفي 1954: «علمتُ أنّ الحكومة المصرية قد حلّت البارحة جمعية الإخوان المسلمين. وقد أعلنت الصحافة الغربية ذلك وكأنه حادث بسيط… أما أنا فمذهول لهول لم أتوقعه أبدا. إني أفهم تماما أن يغتال فاروق حسن البنا، وأفهم تماما أن يقيل شاه الفرس مصدّق، فمن طبيعة الأمور أن يقاوم العفن كل محاولة للنظافة. ولكن أن يقاوم رجل أمين رجلا أمينا آخر فهذا ما لا أفهمه كثيرا وهو الحال اليوم بين نجيب والهضيبي».
وقد رأى بالنبي وراء حظر «الجماعة» شبح ضغوط القوى الكبرى على العالم العربي الإسلامي. وكتب في ورقة بتاريخ 2 فيفري 1954 ما يلي: «أعلنت الصحافة منذ أربعة أيام أنّ حركة تمرّد قد اندلعت في جبل الدروز ضد حكومة شيشكلي. ويؤكد هذا الخبر، إلى جانب خبر حظر الإخوان في مصر، أنّ الدول العربية الأكثر تنظيما والأقوى تتعرّض في هذه الأوقات إلى ضغوطات شديدة من قبل الغربيين الذين يظهر أنهم يريدون قطع رؤوس الحركات الديمقراطية الإسلامية الكبرى بمثل ما فعلوا في إيران بالانقلاب على مصدّق. ويبدو أنّ هذه السياسة تلتقي برغبتهم في أن تعترف البلدان العربية بإسرائيل».
خيبة الأمل
سافر مالك بالنبي إلى مصر أواخر شهر جوان 1954، وقد حضر الاستعراض العسكري الذي انتظم بمناسبة الذكرى الثانية للثورة المصرية، والتقى بمحمد نجيب وجمال عبد الناصر. وساهمت إقامته الطويلة الأولى في مصر ولقاءاته بشخصيات رسمية وكذلك بمثقفين من كل النزعات السياسية، في دفعه للتراجع عن كثير من مواقفه تجاه الإخوان. ومن ذلك التنبيه الذي أشرنا إليه والذي يربط ما كتبه في الجماعة، بشخص مؤسسها فقط، واستقر مالك بالنبي في مصر سنة 1956 وكتب كتاب «الإفريقية الأسيوية» حاول أن يجعل منه القاعدة النظرية لمؤتمر باندونغ. كان هذا الكتاب مساندا للثورة المصرية ومقدّرا لنجاحها في الخروج عن المنطق الذي أرادت الدول الغربية أن تسجن فيه العالم الإسلامي، ويتمثّل هذا المنطق في استدراجها للتركيز على قضايا سياسية جانبية وإدارة الظهر للقضايا الأساسية وقضايا التوجهات الكبرى، وهو ما يعطّل أو حتى يوقف تطور العالم الإسلامي. وعلى العكس من ذلك يرى بالنبي أنّ «الأخوان» لم يتحرّروا من ذلك المنطق وظلوا أبعد ما يكون عن طرح القضايا الأساسية للعالم الإسلامي الواقع بين فكّي الاستعمار والقابلية للاستعمار.
على أنّ مآخذ بالنبي للإخوان لا تقتصر على قضايا التوجّهات العامة والمواقف السياسية، فهو ينتقد أيضا منهجيتهم في طرح القضايا النظرية ومنها بالخصوص التمشّي «التمجيدي» الذي دأبوا عليه وأنساق إليه أشهر منظريهم سيد قطب.
التمشّي التمجيدي
في كتابه «الإفريقية اﻶسوية» يعرّف بالنبي هذا التمشّي التمجيدي لدى المثقف المسلم، ويحلل أسبابه بإسهاب ويفسّره بعقدة النقص التي يعاني منها هذا المثقف تجاه الحضارة الغربية، كلّما طرحت نقائص المجتمعات الإسلامية. الأمر الذي يدفعه آليا إلى التمجيد وإلى الاستشهاد بعظمة وعظماء الماضي… والنتيجة هي تأجيل طرح القضايا الحقيقية المعيشة.
ويمثّل هذا الموقف التمجيدي بالنسبة للكاتب «أعراض مرض مجتمع فقد الوسيلة والإرادة لتجاوز ضعفه، مجتمع انهارت فيه قوى الحركة والتقدّم…»
الجدل مع سيّد قطب
وقد أشار بالنبي إلى هذه القضية بخصوص سيّد قطب دون ذكر اسمه: «هذه الحالة وخيمة العواقب عندما يتعلّق الأمر بأخصائي هذه القضايا، والذي يمكن لعمله أن يؤثر في توجهات عصره وقد أراد أحد هؤلاء المفكرين أن يخط برنامج عمل اختار له عنوان "نحو مجتمع إسلامي متحضر" ولكنه فكّر ثم غيّر العنوان إلى "نحو مجتمع إسلامي"… لا أعتقد أنّ المفكر الكبير قد أدرك أنّ الكلمة التي حذفها من العنوان قد حرّفت القضية في تصوّره وغيّبتها أو خدّرتها في ضميره. والعملية التي تتم على المستوى النفساني، ينتج عنها إفراغ القضية الأصلية من عنصرها الأساسي على المستوى الفكري، ألا وهو البحث عن شروط الحضارة». ويضيف: «عندما يعتقد هذا المفكّر المحترم أو يريد إقناعنا بأنّ مجتمعا مسلما هو متحضّر بطبعه، فهو يتجاهل القضية الكبرى للعالم الإسلامي ونحسب أنه انجرّ بتأثير حالة عاطفية إلى موقف تمجيدي عقيم».
ويرى بالنبي في موقف سيّد قطب وأتباعه الكثيرين، السبب الرئيسي لعجز المثقفين المسلمين على طرح القضايا الأساسية والتي هي من صلب مجتمعاتهم.
ويعتبر بالنبي أنه كان الأجدر بأصحاب المواقف التمجيدية وعلى رأسهم سيّد قطب، خدمة للمصلحة العليا للعالم الإسلامي، «أن يلتزموا الموضوعية إلى النهاية وأن يعترفوا أنّ هناك مجتمعا مسلما لكن في مرحلة ما قبل الحضارة، وهو الأمر الذي يطرح قضية تحضره».
وجاء رد سيّد قطب في كتابه «معالم في الطريق»: أولا: أنّ المجتمع الإسلامي غاية يُرجى بلوغها وليس بالواقع المعيش لأنّ مجتمعات العالم الإسلامي ليست كلها مسلمة حقا لأنها لا تخضع كلها لشريعة الإسلام، وثانيا: أنّ المجتمع المسلم، الخاضع لشريعة الإسلام هو في رأيه المجتمع المتحضّر الوحيد لكونه يقوم على أسس إلهية بعكس المجتمعات الجاهلية التي تقوم على تشريعات بشرية. وفي الأخير يعتبر سيّد قطب أنّ موقف بالنبي يترجم حالة من التبعية الفكرية لأفكار خارجية عن الإسلام على أنّ عمق الخلاف الفكري بين الرجلين، لم يمنع بالنبي من التعبير «عن عمق احترامه لرجل ظلّ وفيا لأفكاره حتى النهاية واختار الشهادة على الخيانة…» في عالم إسلامي يهرب فيه المثقفون من تحمّل مسؤولياتهم.
وتشير إحدى الورقات التي كتبها بالنبي عن حوار اختتم محاضرة ألقاها على منبر «جمعية الطلبة المسلمين في ألمانيا» في مدينة فرنكفورت يوم 27 ديسمبر 1967 أنه رفض «مقترحا بتوحيد الحركة الإسلامية على قاعدة كتاباته وكتابات سيّد قطب والمودودي» لأنّ ذلك سيفضي في رأيه إلى الفوضى وليس إلى الوحدة باعتبار الخلافات المنهجية القائمة بين المفكرين الثلاثة. فلم يكن مالك بالنبي يلتقي مع زميليه فيما ذهبا إليه من حكم بالجاهلية على المجتمعات الإسلامية المعاصرة لأنها لا تقرّ بمفهوم «الحاكميّة لله» الذي استنبطاه. ولعلّ أحد أسباب الخلاف هو في تناول بالنبي القضايا بخلفية عالم الاجتماع في حين كان سيّد قطب والمودودي يتناولانها كدعاة لفقه سياسي جديد.
وقد فجّر بالنبي خلافه مع الأخوين سيّد ومحمد قطب في رسالة بعث بها إلى نشرية «المسلم» سنة 1971 التي كانت تُصدرها جمعية الطلبة الإسلاميين في فرنسا (AEIF) وندّد بأصوليتهما لتكفيرهما المجتمعات الإسلامية باسم مفهوم خاطئ للجاهلية طبّقاه على الإسلام المعاصر.
رد فعل الإخوان
لم تتردّد جماعة الإخوان في شنّ حملة عنيفة للتصدي لأفكار بالنبي، متذرعة بعلاقاته المتميزة بالحكومة المصرية، وهي لم تغفر له أنّ كتابه «الإفريقية–الآسيوية» قد نشر بعناية الحكومة المصرية وأنّ أحد الضباط الأحرار، وهو كمال الدين حسين، الذي كان يفخر بصلته الفكرية مع بالنبي، وهو الذي تولّى إدارة حوار حول الكتاب، لعدّة أسابيع في الإذاعة المصرية سنة 1961 غير أنّ حملتهم لم تزد الكاتب إلا إصرارا على نقدهم، معتبرا أنّ فعلهم هو من تأثير الأيدي الآثمة الإمبريالية الأمريكية. وصحيح أنّ القمع الذي تعرّض له الإخوان وكذلك عداءهم للقومية العربية وللشيوعية، قد دفعهم للتحالف مع أكثر الأنظمة العربية محافظة وكذلك مع الولايات المتحدة.
وهو التحالف الذي يرفضه بالنبي ويعتبر الإخوان فيه «كأحد الأذرع للنظام الإمبريالي الذي يريد الإبقاء على الهيمنة على العالم الإسلامي».
في ورقة بتاريخ 1 سبتمبر 1969، كتب مالك بالنبي «الحملة ضد أفكاري على أشدّها في الوسط الطلابي الإسلامي في ألمانيا الغربية. ويبدو أنّ كامل جهاز الإخوان قد وُظّف بقوّة من قِبل المخابرات الأمريكية والصهيونية في الصراع الأيديولوجي…».
ثم تجاوزت الحملة حدود ألمانيا إلى فرنسا وتحديدا داخل جمعية الطلبة الإسلاميين بفرنسا (AEIF). ويذكر الصادق سلام في كتابه «فرنسا ومسلموها» أنّ بالنبي التقى بشر الجابري، أحد أعضاء هذه الجمعية واتفق معه على إعادة نشر كتابه «وجهة العالم الإسلامي» وكان ذلك في جويلية 1970 والجمعية متفتحة لأفكار بالنبي.
غير أنّ الجمعية اختارت بعد أربع سنوات (1974) نشر كتاب «الظاهرة القرآنية» وتجنّبت نشر كتاب «ناقد الثرثرة والسطحية التي عليها الحركات الإسلامية المعاصرة الرافضة للنقد الذاتي والتي ترى في تلاوة القران هروبا يسمح بتجاهل أزمات العالم الإسلامي».
وما لم يذكره الصادق سلام هو أنّ الهيئة الإدارية لتلك الجمعية قد تغيّرت في تلك المرحلة 1974 حيث تسرّب إليها بعض الطلبة من الفرع التونسي للإخوان وخرجوا بها عن قانونها الأساسي النابذ للسياسة (ملاحظة المترجم).
في المقدمة التي كتبها (1970) للطبعة الجديدة (التي لم تظهر إلا بعد وفاته) للكتاب «وجهة العالم الإسلامي» وضّح بالنبي انتقاداته ومآخذه على جماعة الإخوان وتطوراتها وغرقها في متاهات السياسة الساسوية أو البوليتيك كما يسميها، وهو الأمر الذي أحدث شرخا نهائيا بين قواعد إسلامية وفيّة للمثل وقيادة متورّطة في تحالفات لا شيء يبرّرها.
وقد جاء فيها: «من الحركات التي حاولت خلال العقود الأخيرة تجاوز المنحدر المحتم هناك، بلا منازع، حركة حسن البنا… لو هو استطاع تحصين أتباعه فكريا من الغرق في "البوليتيك" غير أنّ هذا الأمر هو الآن من تحصيل الحاصل وتظهر نتائجه في الشرخ الاجتماعي والأخلاقي الذي يشقّ الحركة، حيث هناك قواعد حاملة لكل الوعود الأصلية، ومستعدّة لكل التضحيات من أجل تحقيق مُثُلها، من جهة، ومن جهة أخرى نخبة كمبرادورية متمعّشة في الفنادق الفاخرة في عواصم العالم ومستعدة للتوظيف في عمليات اغتصاب الضمائر».
وقد حلّل بالنبي الصراعات الداخلية في الجماعة وأدان كلا التيارين – الجناحين – البارزين، لأنهما لم ينتهيا في رأيه، إلا بخيانة المُثل التي يعلنانها والانبطاح في العمالة. ويضيف: «يوجد اليوم على طرفي مشهد النخبة المتحللة، جناح تقدّمي يلطخ بالشتائم جناحا محافظا يرد على خصمه بالتفكير. وبما أنّ كل إفراط منهك للضمير، فمن الواضح أنّ كل هذه التيارات معرّضة للابتلاع في القنوات الموصلة لدوامات التروتسكية وطواحين الامبريالية».
هذا النقد الكاسح لمالك بالنبي في آخر عهده، هو أيضا لرجل ظلّ يكتب طيلة عشرين سنة عن حركة التجديد الإسلامي عموما وعن الإخوان المسلمين خصوصا. وهو رجل عايش وحاور الإخوان كما حاور معارضيهم. وإذا كان نقده بهذه الحدة فلأنه صاحب تجربة شخصية ومقاربة فكرية صارمة لا ترحم.
التعددية وروح النقد
الروح النقدية التي رأى بها بالنبي جماعة الإخوان، هي تجسيد للحوارات والمعارضات القائمة داخل حركة التجديد الإسلامي المعاصرة والتي لا تمثّل وحدة صماء. ونرى أنّ تقديمنا لهذه المناظرات والاختلافات والمعارضات، من شأنه أن يساهم في دحض النظرة «التوحيدية» لحركة التجديد هذه. وتعتبر هذه النظرة التوحيدية نقطة التقاء «غير محتمل» بين بعض الناشطين المسلمين الذين يريدون إسكات الخلافات ويدعون لرفض الحوار الداخلي في الإسلام، باسم ضرورة الوحدة داخل المجموعة الإسلامية، من جهة، ومن جهة أخرى، بين بعض المحلّلين الغربيين الذين يقدّمون حركة التجديد الإسلامي في شكل كيان موحّد وأصم، دون فهم أو اعتبار للتيارات التي تشقّه بما فيها من حوارات واختلافات. ويمكن لواقع التعدّدية داخل حركة التجديد الإسلامي، أن يقدّم كثيرا من مجالات البحث والتفكير.
وعلى الرغم من اعتراض بالنبي على محاولة التوفيق بين فكره وفكر سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، فإنّ كثيرا من الحركات والمثقفين (5) داخل حركة التجديد الإسلامي، كرعوا من معين هؤلاء الكتاب لبناء قاعدتهم الفكرية. وفي السنوات الأخيرة، وصل الأمر ببعض نشطاء الإخوان المسلمين وحتى ببعض المنظمات التابعة لهم، بتبني أفكار مالك بالنبي بالرغم من انتقاداته لحركتهم.
على أنّ الخلاف يبقى حادا في بلد كالجزائر، بين أتباع بالنبي وجماعة الإخوان، بناء على مواقف جاءت بعد وفاة مؤلف «وجهة العالم الإسلامي».
وأخيرا، لا بد من الإشارة إلى أنّ مالك بالنبي لم يحلّل ويدرس جماعة الإخوان بصفة الباحث المتخصّص في دراسة هذه المنظمة، وإنما درسها كمثقف مسلم يفكّر في المجتمع المسلم وفي العالم المحيط به. وقد أراد لنفسه أن يكون «شاهد قرن». بكل ما تحمل هذه العبارة من قوّة وعمق في المنظور الإسلامي. لذلك وجب وضع تحاليل مالك بالنبي للإخوان ضمن تحاليله الجملية للظواهر الكبرى. ونذكر أنّ الرجل لم يدرس بالتفصيل هذه المنظمة وتطورها التاريخي ومختلف التيارات التي تشكلها (ما عدى الإشارات التي تضمّنتها مقدمته للطبعة الجديدة لكتابه «وجهة العالم الإسلامي») وهو لم يدرس التنظيمات الوطنية التي تولّدت عن الجماعة الأصلية وكيفية تأقلمها مع خصوصيات البلد (سوريا والأردن مثلا). كما أنه لم يدرس القاعدة الاجتماعية التي تستند إليها هذه الجماعة. ويمكن لكل هذه التحاليل أن تساهم في تعميق النظرة النقدية التي قدّمها بالنبي وكذلك فتح آفاق جديدة للتحليل.
6 أكتوبر 2010

هوامش:
1― يوسف جرارد هو باحث فرنسي من مواليد 1981 حصل على الدكتوراه في التاريخ في جوان/ حزيران 2010 كان موضوع أطروحته: القومية الثورية والتمدين السياسي، حالة حزب الشعب الجزائري/ حركة انتصار الحريات الديمقراطية في ولاية الجزائر سابقا فيما بين 1943 / 1954. و قد نشر الكاتب في السنوات الأخيرة عديد المقالات والبحوث تناولت شخصيات فكرية وتيارات سياسية ساهمت في التصدي للمد الاستعماري ومقاومة حضوره. وبالتوازي مع عمله العلمي ينشط يوسف جرارد في التيار المساند للقضية الفلسطينية والمدعم لقضايا الشعوب الواقعة تحت الاستعمار والامبريالية وهو إلى جانب ذلك طرف جاد في الحوارات الدائرة جول الإسلام في فرنسا. ويعتزم الكاتب توجيه أبحاثه مستقبلا لفكر مالك بالنبي ولإشكاليات « الهوية: الخصوصية والاندماج » التي واكبت الحركة الوطنية الجزائرية.
2― استشهد الكاتب في هذا المقال بأربعين (40) مرجع، كلها بالفرنسية، وقد جاءت هذه المراجع في أربع صفحات كاملة. وقد ارتأى المترجم، في هذه الصياغة أو الترجمة الأولى على الأقل. أن لا يذكر المراجع، إلا قليلا منها، تخفيفا على القارئ. وهذا أحد أوجه التصرف الذي توخاه في ترجمة هذا المقال. أما الوجه الثاني فيتمثل في تلخيص بعض الفقرات الطويلة من النص الفرنسي والتي وصف فيها الكاتب معاناة بالنبي وألوان العداء الذي تعرّض له من طرف السلطات الاستعمارية وأذيالها، جراء كتاباته عن الإخوان، في مطلع سنوات 1940.
3― تعرفت على مالك بالنبي في أكتوبر 1964، بعد يومين أو ثلاثة من تعرفي على رشيد بن عيسى. وهذا الأخير هو الذي دعاني لحضور الندوات الأسبوعية التي كان بالنبي ينظمها في بيته، بعد ظهر كل سبت. وقد حضرت هذه الندوات بانتظام حتى بداية شهر ماي 1965، تاريخ مغادرتي الجزائر. غير أنني بقيت على اتصال بالمعلم إلى حد أشهر قليلة قبل وفاته في سنة 1973. كان قد كلفني وقتها بإعادة نشر كتابه «وجهة العالم الإسلامي» وبعث لي بورقات حدد لي موضع إضافتها. لم يتيسر لي إنجاز المشروع للأسف الشديد. ما تعلمته في حلقة يوم السبت، التي كانت تضم ستة أشخاص على الأكثر، سأذكرهم في مكان آخر، وما تعلمته من خلال قراءة مؤلفاته وأكثر الأدب الذي كتب حولها، يمثل الجزء الأهم من الزاد الفكري الذي أضاء لي الطريق خلال هذه العقود. رحم الله مالك بالنبي فقد كان وسيظل صرحا للفكر الإسلامي السليم والمتنور ومفكرا صارما.
4― للإشارة، يذكر هذا الوضع، في كثير من ملامحه، بالوضع الذي عرفته الجماعة الإسلامية- حركة الاتجاه الإسلامي- النهضة- في تونس، فيما بين نشأتها، السرية، بداية السبعينات من القرن الماضي وحتى سنة 1991، عندما انكشفت خطتها الانقلابية الثانية، المسماة، مجازا، بخطة فرض الحريات. فعلى طول هذه الفترة وعلى الرغم من محاكمة صيف 1981، ثم محاكمة 1987 وانكشاف «القضية الأمنية» وهي المحاولة الانقلابية الأولى لهذه الحركة، وعلى الرغم من فشلها في الحصول على الاعتراف القانوني. ظلت هذه الحركة تنشط علنا وتتحرك جهرا في المجتمع وفي الساحة السياسية، وتصدر البيانات ويعطي زعماءها التصريحات والأحاديث الصحفية، بل أكثر من ذلك، فقد وقع الاعتراف بإتحاد طلابي تابع لها وشاركت بشكل غير مباشر في التوقيع على الميثاق الوطني (1988) ومنحت ترخيصا لجريدة أسبوعية وظل الكثير من قادتها يخطبون ويؤمنون الناس في المساجد الرسمية ولم تغب إلا عن الميدان الاجتماعي لأنها لم تستثمر فيها أبدا.
5― كثير من الحركات والشخصيات اعتبرت مالك بالنبي وفكره المرجعية الوحيدة أو أحد مرجعياتها، منها: حزب التجديد الجزائري الذي أسسه نور الدين بوكروح سنة 1989 وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وحركة النهضة في تونس.

أدلّة وصول الإنسان إلى القمر...... الدكتور نضال فسوم

السبت، 13 فبراير 2016

معرفة الله بين العقلانية والربانية

العباد كلهم لهم معرفة بربهم على قدر مراتبهم؛ وبسبب هذه المعرفة ينشأ الاختلاف بينهم في الحق. والاختلاف لا يمكن رفعه في الدنيا، لأنه لا يتمكن العبد أن يخرج عن عقيدته إلى عقيدة غيرها؛ إلا إذا كان من أهل الإطلاق. وأغلب الناس ليسوا منهم.
       والسبب في كون العقيدة مقيدة أو مطلقة، هو أن العقيدة المقيدة تكون عقلية؛ والعقل في اللغة هو القيد نفسه. فكيف يخرج مقيد عن قيده؟! هذا لا يكون أبدا! أما العقيدة المطلقة، فهي بالله؛ بمعنى أنها غير مقيدة بالعقل، ولا كانت نتيجة له. وهذا المعنى لا يعلمه إلا من ذاقه، لأن العقل لا يتصور ما هو خارج عنه.
       والاختلاف الذي يكون بين العقائد المختلفة، يكون سببه اختلاف العقول المدرِكة. فلو مثّلنا العقول أواني، ومثلنا المدرَك سائلا، فإن السائل يتخذ شكل الإناء الذي يُصبّ فيه؛ فإن كان مستديرا يظهر مستديرا، وإن كان مستطيلا يظهر مستطيلا، وهكذا... من هنا لما سئل الجنيد عن العارف قال: لون الماء لون إنائه. نعني أن هذا المعنى مما يحتمله قول الجنيد؛ وإلا فله محامل أخرى أعلى من هذا.
       ولنضرب مثلا آخر مفترضا في العقائد المختلفة، ولنقُل: خذ نملة مع فيل. واطلب من النملة أن تنظر إلى الفيل وتصفه لك. والنظر هنا إدراك يشبه إدراك العقل للمعقولات. فهل تستطيع النملة أن تحيط بالفيل من حيث الإبصار حتى تصفه لك؟ كلا! ثم أحضر عدة نملات، وضع كل واحدة منها على جزء من الفيل، وأعلمهن أنه الفيل، واسألهن أن يصفن ما يرين. فستجد كل نملة تنعت الفيل بما تدرك من الجزء التي هي عليه. فقد تصادف أخدودا من أخاديد جلد الفيل، فتقول لك: الفيل وادٍ طويل منعرج؛ وقد تكون على الخرطوم، فتقول لك: الفيل جبل شديد الانحدار؛ وقد تكون على ظهره، فتقول: الفيل أرض واسعة قاحلة يتوسطها جبل طويل. وهكذا...
       ثم اجمع النملات، واسألهن عن الفيل، وانظر ما سيحدث. ستجدهن يدخلن في خصومات فيما بينهن من أجل إثبات عقائدهن في الفيل. وجميعهن صادقات فيما يخبرن به مما يخصهن؛ لكنهن جميعا جاهلات بالفيل الذي تعرف أنت.
       هذا المثل، يوضح لنا اختلاف العقائد الجزئية بين مختلف المذاهب؛ بل بين مختلف الأشخاص لو دققت. وانظر بعد ذلك، إن كان إدراك مخلوق لمخلوق ينتج عنه هذا الاختلاف، فكيف يكون اختلاف المخلوقين في الحق الذي لا يحيط به عقل سبحانه؟!
       أما معرفة العارفين التي نتكلم عنها، فهي معرفةٌ للحق بالحق؛ لذلك هي مطلقة. ولذلك هم يعلمون الحق الذي مع كل طائفة من أهل العقائد، ويعلمون القصور الذي عندهم. بسبب هذا تجد العارفين يسعون كل العقائد، وتجد أهل العقائد منكرين على العارفين.
       فإن قلت: هذا يكون مع العقل المجرد، لا مع العقل السامع من الوحي!قلنا: لنعد إلى المثل المضروب، وضع النملات حيث كانت على الفيل، ثم أخبر كل واحدة عن مكانها؛ فتقول للتي على الخرطوم أنت على خرطوم الفيل، وتقول للتي على الظهر أنت على ظهره، وهكذا... فهذا نظير السمع من الناس لما يأتي به الرسل من عند الله. ولنفترض أن النملات قد حدث عندها إيمان بما أُخبرت، حتى أنك إن سألت التي على الخرطوم تقول لك: أنا على الخرطوم، وإن سألت التي على الظهر قالت: أنا على ظهر الفيل. فهذا نظير الإيمان الذي يحدث عند العباد بصفات الله وأسمائه من الوحي. لكن، هل ترى أنت أن النملات عرفت الفيل كما ينبغي؟! كلا!
       لذلك نقول إن العقل يقيد السمع أيضا (النص)، فلا يفهمه إلا ضمن قيده؛ وهذا عينه سبب اختلاف الفهوم في النص الواحد، رغم الإجماع على التصديق به أنه من عند الله.
       أما العارفون فهم يسمعون من الله بالله، لذلك يعلمون من النصوص ما لا يعلمه غيرهم. وهم أيضا متفاوتون في هذا بين عارف وأعرف. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

المصدر   http://www.alomariya.org/chobahmonkirin_suite.php?id=8

لقاء تاريخي بين الكاثوليك والارثوذوكس بعد نحو 1000 عام من القطيعة .... متى يتصالح السنة والشيعة ???

وصل البابا فرانسيس بابا الفاتيكان وكاثوليك العالم الى عاصمة كوبا هافانا لعقد اجتماع تاريخي مع بطريرك موسكو وعموم روسيا و ارثوذوكس الشرق. وهو اول لقاء بين الكنيستين منذ انفصالهما قبل 960 عام.


موضوع اللقاء التاريخي هذا الاضطهاد الذي يتعرض له الكاثوليك والارثذوكس على السواء في الشرق الاوسط من قبل جماعات اسلامية متطرفة .


داعش والقاعدة و توابعهما من القتلة وحدت الصف المسيحيى من اجل مواجهة مشتركة للخطر. وسيدرس الاجتماع الاعدامات والتجهير والتنكيل والتضييق على ممارسة الشعائر وما اليها مما يعانيه المسيحيون خاصة في سوريا والعراق وباقي الدول التي يتواجدون بها كأقليات.
وسيوقع الجانبان بيانا طويلا يتضمن خاصة توسيع العمل المشترك ليكون حاضرا في كل مكان بشكل تضامن وتعاون بين اتباع الكنيستين كي لا يكون الاجتماع مناسبة معزولة.
وساهم الرئيس الكوبي راؤول كاسترو بشكل واضح في تحقيق التقارب بين الكنيستين كما يساهم خلال تواجد الرجلين على ارضه في ازالة كل العقبات بكونه يقف على مسافة واحدة من الطائفتين.
وسيوقع الجانبان بيانا طويلا يتضمن خاصة توسيع العمل المشترك ليكون حاضرا في كل مكان بشكل تضامن وتعاون بين اتباع الكنيستين كي لا يكون الاجتماع مناسبة معزولة.وساهم الرئيس الكوبي راؤول كاسترو بشكل واضح في تحقيق التقارب بين الكنيستين كما يساهم خلال تواجد الرجلين على ارضه في ازالة كل العقبات بكونه يقف على مسافة واحدة من الطائفتين.


المصدر الاعلامي ناصر الدين

الخميس، 11 فبراير 2016

حديث عن الله ... بقلم الباحث ابن فرناس


اليوم كان بيني وبين الأخت الفاضلة Hanan Awad دردشة عن فيديو يظهر نقاشاً بين عدد من العلماء، هم: سنيفن هوكينج (Stephen Hawking) العالم الفيزيائي الإنجليزي المشهور على كرسيه المتحرك، وكارل سيغان (Carl Sagan) عالم فيزياء فلكية أمريكي، والروائي البريطاني آرثر كلارك (Arthur Charles Clarke) مؤلف الرواية الشهيرة (الخيال العلمي 2001).  



وقد بدأ المقطع (وهو مقطع قديم) بإجابة من هوكينج على سؤال يقول عنه هوكينج إنه شبيه بأن نقول: هل يستطيع الخالق خلق حجر ثقيل لا يستطيع هو حمله؟ والإجابة أن مثل هذه الأسئلة لا تفيد والأفضل أن نتمعن فيما يفعله الخالق فعلاً بالكون.
والملاحظ هنا هو أن السائل وكذلك المجيب (العالم هوكينج) تخيلوا للخالق هيئة جسدية. فهم لم يبتعدوا كثيرا عن الهيئة الموروثة عند كثير من الشعوب عن الخالق وأنه هيئة مجسدة بغاية القوة والقدرة.
ولو نظرنا لتصور أتباع المعتقدات للإله "الخالق" لوجدنا أنها تتفق على تجسيده وإن اختلف التجسيد من معتقد لآخر. فالآلهة عند اليونان لها أجسام وتتزوج وتنجب وتتقاتل، وكريشنا يصور عند بعض الهندوس على هيئة راعي بقر يعزف الناي، والإله فيشنو يوصف عندهم بأن له لون السحاب الأزرق وله أذرع يمسك بأحدها بزهرة اللوتس.
والإله الأعظم عند الزرادشت "أهورا مازدا" له عدو هو "أهرمان" الذي يمثل إله الشر، وسيتصارع الإلهين وينتصر أهورا مازدا.
وفي المسيحية تجسد الإله بجسد يسوع، وفي كتاب اليهود المقدس لليهود فالإله ينزل إلى الأرض ويتحدث لموسى ويجتمع به وبأناس معه. وفي الموروث الشعبي للأوروبيين فالإله يصور على أنه شيخ أشقر الشعر كث اللحية كبير الهيئة.
وعند بعض الفرق الإسلامية "الله" له يد ووجه ورجل ويضحك ويغضب.... الخ
وحتى عند علماء الفيزياء الذين يحاولون أن يثبتوا أو ينفوا وجود الخالق فهم يبحثون عن هيئة محسوسة وإله مجسد.
فالخالق في التصور البشري لم يخرج عما يعرفه الإنسان، فهو له جسد وإن كان ذو طبيعة فوق طبيعة البشر، وذو قدرات خارقة.
فهل الله كذلك؟
سأورد ما فهمته من القرآن وتكرر ذكره مفرقاً في مقالات عدة، وملخصه ما يلي:
الله ليس كمثله شيء
فهو ليس مادة وجسد وليس نفس بلا جسد وليس أي شيء يمكن لنا تخيله. لأن التخيل مثل الأحلام، كلاهما يظهران صوراً مما مر بذاكرة الإنسان وعرفها. لذا لا يمكن لمن ولد فاقداً للبصر أن يصف الألوان ولا يمكنه أن يرى الظلام (السواد) الذي يراه عندما يغلق المبصر عينيه. لأنه لا يعرف كيف يبدوا الظلام ولا الألوان (حسبما فهمت من فيديو قصير شاهدته عن أحلام فاقد البصر).
وكل ما نتخيله عن الله هو ليس لله، ولكنه فقد تصور له سبحانه بما تسعفنا به ذاكرتنا.
فالله جل وعلا شيء فوق التفكير وبعيد عنه ... هو أوجد القوانين التي بموجبها ظهر الكون من العدم وأصبح كما هو الآن ...
لكن كيف تم ذلك لا ندري ولا يمكن أن ندري، لأنه تم بعلمه الذي يتناسب معه سبحانه وليس بموجب العلم الذي نعرف نحن كبشر أو غيرنا من مخلوقات قد تكون في مكان ما من الكون وقد تعرفت على علم أكثر من علومنا.
هو سبحانه أيضاً له عالم خاص لا علاقة له بأي عالم مخلوق سواء كان هذا الكون هو الوحيد أو أن هناك أكوان أخرى. وعالم الخالق لا علاقة له بعوالم المخلوقات ولا يشبهها ولا يتواصل معها مباشرة. لذا فالله جل وعلا لا يتدخل أبدا بعمل القوانين التي تسير الكون ولا المخلوقات التي فيه.
وفي نظري الشخصي البحث العلمي عن وجود الله سقيم وعقيم لأنه بكل بساطة ليس هناك وسيلة توصلنا لعالم الله جل وعلا ... كل ما يمكننا التفكير فيه أو مشاهدته أو رصده أو التعرف عليه هو الكون وما فيه (يعني هو خلق من مخلوقات الخالق وليس الخالق) لذا فكل هذه اللقاءات والمناظرات والجدال بين العلماء حول وجود الله (الخالق) لا معنى لها، لأنهم يبحثون عن إله كما صورته موروثاتهم المسيحية إله مجسد وله ولد. وبالتالي فالمساجلات الكلامية بينهم هي مجرد تصادم آراء ومحاولة كل منهم الدفاع عن رأيه وتخطئة الآخر ... وهذا بعيد حتى عن العلم ولن ينتج عنه حقائق حول الخالق.
لأن العلم لا يمكن ان يصل للتعرف على الله او ماهية الخالق لأنه سبحانه فوق العلم والمعرفة المتاحة للمخلوقات وخارج نطاق الخلق.
ونظريا الانسان (أو مخلوقات ذكية قد توجد في مكان ما من الكون) يمكنه ان يعرف كل شيء عن الكون لو توفر له الوقت والادوات والمعرفة لكن لا يمكن ان يعرف عالم الخالق ولا أي شيء عنه.
المخلوقات لا يمكن ان نعرف الا ما يوجد في هذا العالم (الكون الذي تعيش فيه) أو أي مجال خارجه له وجود حسي، لكن عالم الخالق لا يمكن مغرفته لأنه ليس ضمن نظاق معرفتنا ولو نزظرياً.
لو كان الله صمن الكون والمادة فيمكن ان يقال انه من الممكن ولو نظريا ان نتعرف عليه او على شيء من خصائصه، لكن الله خارج العلم والكون والخلق وكل شيء. والمخلوقات لا يمكن ان نتعرف على اي شيء لا يمكن لها معرفته.
الله خلق العلم كل العلم لذا يمكن للمخلوقات التعرف على العلم لكن ما لم يخلق لا يمكنها معرفته.
والله لم يخلق.
الله لا يوجد بمفهومنا للوجود هو من اوجد الوجود والعلم عند المخلوقات يتوقف عند حدود الوجود.
لو فكرنا في كيف هو الله أو ناقشنا وجوده أو هل له يد ورجل ووجه .. الخ، فنحن نحجمه سبحانه كوننا تصورنا انه شيء محسوس يمكن وصفه.
ولو فهمنا ما يقول سبحانه عن نفسه (ليس كمثله شيء) فسنعلم انه لا يمكن لنا ان لتخيل اي شي عنه سبحانه لأنه ليس كأي شيء يمكن تخيله.
كل شيء في الكون بمكن فهمه والتعرف عليه ... وكل شيء في خفايا العلم يمكن معرفته يوما، لكن الله ليس علم وليس شيء محسوس وليس في هذا العالم وليس في الوجود (الذي نعرف).
لو ان العلماء اقتصروا في كلامهم وبحوثهم على التعرف على نشأة الكون وكل ما في الكون وعلى خفابا العلم فسيكون لكلامهم معنى لأنهم يملكون بعض المعرفة، ويمكنهم زيادتها.
لكن ان يحاولوا اثبات أو نفي وجود خالق عن طريق التعرف على علم خلقه الخالق وكون خلقه الخالق فهذا لن يوصل لشيء.
على علماء الفيزياء أن لا يقحموا الخالق في بحوثهم، لئلا تكون بحوثهم عبارة عن وصف للنور من شخص ولد فاقداً البصر.
وبالنسبة لنا كمسلمين علينا أن نقدر الله حق قدره، ونهتم بما يهمنا، وهو ان هناك نعيم وجحيم وعلينا ان نتجنب الجحيم.
أما تخيل الله بما نعرف ونتصور ونتخيل فهو تحجيم لقدر الله جل وعلا.
علينا أن نعرف حجمنا كمخلوقات وأننا لن نتعرف على الخالق وجهاً لوجه ولن نراه لا في الدنيا ولا في الآخرة. لأننا مخلوقات وهو خالق، وسنبقى مخلوقات في الآخرة كما نحن في الدنيا ولو تغيرت هيئاتنا. وكون الاخرة لن يكون ضمن عالم الله بل هو خلق من خلقه، وهو سبحانه كما وصف: ”لا تدركه الأبصار“ أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة.
والسلام


الجمعة، 5 فبراير 2016

 كيف يحرك الخوف الديكتاتوريات؟ .... بقلم مها عامر

كيف يحرك الخوف الديكتاتوريات؟ كيف تستخدمه وتوظفه لمصلحتها؟ وهل له أهمية في تغيير الرأي العام، وفي التعامل مع الخارج والداخل؟ وهل يحقق أهدافه ؟ وأي نوع من الديكتاتوريات استخدمته بالفعل؟ وكيف استخدمته؟





حقيقة لم تشغلني الأسئلة السابقة كثيرًا لأنني أعلم أن الديكتاتوريات جميعها تقرأ من كتالوج واحد متعدد الأدوات وموحد الأهداف.الحقيقة أن الخوف واستراتيجيات عديدة مماثلة تستخدمه الأنظمة الشمولية على مستوى داخلي و خارجي، بمعنى أنه قد يُستخدم كسلاح موجه من الداخل "الدولة" إلى مواطنيها أو من يتم استدعائه من الخارج إلى "النظام" لتصويره بصفته الحارس والمحارب المستهدف أو ضد المواطن بصفته "عدو" للدولة التي تحارب لتحميه.


(1)الدولة المستهدفة: تمرير القمع وتبرير القتل


يقول الدكتور جو جاكوبسون، بروفيسور علم الاجتماع، في جامعة ترودايم في النرويج في مقال له بعنوان: "كيف تنجو كديكتاتور" أن الناس تنتقل بينهم المشاعر بشكل معدٍ، لذا إذا توفرت لهم الحرية، أي مساحة منها، فإنهم سيطالبون بالمزيد ويُرجع سقوط الاتحاد السوفيتي ومعظم الأنظمة الشمولية في وسط وشرق أوروبا في الثمانينات والتسعينات إلى ذلك، فقد كان ميخائيل جورباتشوف يعتقد أن الشد قليلًا هنا والجذب قليلًا هناك سوف يطيل عمر الاتحاد قليلًا إلا أن الأمر لم يدم بل تحول إلى أشبه ما يكون بالسقوط المتتابع.هناك أيضًا نظرية عريقة فيما يخص سيكولوجية الخوف التي تصدرها الديكتاتوريات للجماهير، وهي أنه "كلما شعر الناس أنهم مستهدفون من قبل عدو ما، كان تنازلهم عن حريتهم ومساحاتهم الخاصة أكبر" والحقيقة أن ذلك أيضًا يتم الترويج له على مساحات أوسع عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لتمرير القمع ومباركته أحيانًا.وفي التاريخ فإن أهم القوانين القمعية تم تمريرها بمبررات ارتبطت دومًا بالأمن القومي والأزمات الخارجية، مثل قانون الباتريوت الأمريكي الشهير الذي يسمح بالتنصت على أجهزة الهواتف واختراق الخصوصيات الشخصية في الولايات المتحدة، والذي تم تمريره إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقوانين التظاهر في مصر، إبان تفجيرات متلاحقة في مناطق الاحتقان في سيناء والعريش وغيرها.أما تبرير القتل، فيتم في إطار قانوني من ناحية، حيث يتم تصدير عناوين كبيرة وربطها ببعضها البعض مثل الخوف من هدم الدولة، الخوف من الفوضى، الخوف من تسليح الخصم السياسي.وإذا استطاعت الدولة تصدير الفكرة من خلال الإعلام، ووجدت مباركة شعبية، فإن النتيجة أنها تسرف في القتل، إما لضمانها أنها ستفلت من المحاسبة في غياب الرقابة الشعبية وضعف الرأي العام، أو أنها تستخدم ذلك كعامل من عوامل التخويف، الاعتقالات العشوائية البعيدة عن عيون المنظمات المدنية غير الحكومية وانتهاكات حقوق الإنسان أيضًا من استراتيجيات تصدير الخوف، سجون سيئة السمعة، حالات الاختفاء القسري، حيث أن التاريخ يتحدث عن أن الأنظمة القمعية تميل في معظمها إلى الاحتفاظ بأماكن اعتقال غير معروفة تمارس فيها أنشطة غير مشروعة، تعذيب، قتل، اغتصاب، كما في حالة الديكتاتوريات العسكرية في تشيلي وسوريا.


(2)المجال العام: الدواعي الأمنية !


لتصدير الخوف يجب تخفيض سقف المجال العام، واستهداف الفضاءات العامة، والرموز، والصحافة غير الحكومية، الرقابة على كل شيء وأي شيء.مشهد تفتيش الأمن المصري لشقق المواطنين في منطقة وسط البلد عشية زيارة الرئيس الصيني على سبيل المثال، واستهداف المواطنين في الأكمنة والإطلاع على محتوى حواسيبهم وهواتفهم. غلق مساحات فنية أو إعلامية محايدة، وتحجيم عمل المنظمات الحقوقية الأجنبية.باختصار يجب أن يشعر المواطن أنه واقع تحت سيطرة السلطة، وأنه الطرف الخاسر في أي مواجهة قد تحدث بينهما. أما الجمهور نفسه، فهو يقوم تلقائيًا بتغذية الخوف بداخله، وبالتالي نقله للمحيط من حوله، ورد عن ناعومي وولف في أحد المقالات التي اختصت بموضوع الخوف وتم ترجمته إلى العربية أن الولايات المتحدة قامت عام 2004 بإعلانها الاحتفاظ بقوائم أسماء الركاب في المطارات والموانىء وكانوا في معظمهم ركاب عاديون أو نشطاء سلام أو من دول مثل فنزويلا مثلًا.
(3)استهداف غير مباشر


تستهدف الديكتاتوريات الكل، ولكنها تركز على المساحات الكبيرة، على أصحاب الثقل الإعلامي من المعارضين غير المتعاونين معها، وتعمد إلى تشويههم وكسر شوكتهم، وتخويف المحيطين بهم من ممارستها العنيفة. وهي في سبيل ذلك تسيطر على الصحافة، وتلصق بمعارضيها تهمة الخيانة العظمى، وتروج لذلك في الصحافة ليتم إيصال رسالة مفادها أن لا أحد معصوم من بطش السلطة وألا سقف لها في بطشها.وتستهدف أيضًا النقابات والأجهزة المستقلة والكيانات التي من شانها أن تخرج بمعارضة ولو نخبوية من الجامعات، بل وتتبع أحيانًا سياسة العصا والجزرة، فهم يرجعون الفضل إلى النظام لبقائهم في مناصبهم، ولا بأس من إبراز تعاونهم ومكافئتهم من وقت لآخر، وحين يتم استخدامهم كأوراق لعب ضد المعارضة وينتهي دورهم تتركهم بلا حصانة من نهش الرأي العام ولو على مستوى شعبي.أخيرًا.. تخشى الأنظمة الديكتاتورية أي ديمقراطية ولو على مساحات محدودة، وتعلمها لأخطائها في هذه السياقات تحديدًا بالنسبة لها مسألة حياة أو موت، فهي تدرك جيدًا أن الديمقراطية تفضي إلى قتلها إو إنهائها، أو حتى فضح خلافتها وتهتكها على الرأي العام، لذا فهي ضدها في المطلق، ويكون سقوطها عنيفًا مدويًا لأن بقائها أصلًا يكون هشًا مكتفيًا بنشاطها القمعي القائم على الأجهزة التي تدين لها بالولاء.

‏معضلة_القرآنيون‬ ..! .......... احمد مجود عبد الجواد


- هَل يَصِحُ القرآن كَتَشريع إلهي ؟
- هَل القرآن مَنهَج حَياة ؟
- هَل السُنَّة وَحدَهَا التي عُطِلَت أم القرآن أيضا ؟
فلو أخذنا مثالًا واحدا فقط :
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
[سورة المائدة 38]


تحليل هذا التشريع سنجد الآتي


١ - لم يقم المشرع بتحديد الحالات التي يمكن إطلاق صفة سرقة عليها ، بمعنى : انه لم يتم تعريف معنى السرقة.
سرقة .
٢ - لم يقم المشرع بتحديد معنى كلمة قطع، فنحن نتحدث اللغة العربية، ومعنى قطع يمكن أن يحتمل عدة معان .
.أ أقطع عنه الماء والغذاء .
.ب أقطع عليه الطريق .
جـ أ. قطع له من القماش ذراعا .
.د أ قطع عليه سبل النقاش .
٣ - لم يقم المشرع بذكر الشروط التي يمكن أن ينطبق عليها إقامة الحد، بمعنى : هل من يسرق رغيفًا أو
دينارا سيكون عقابه كمن يسرق قوت الشعب وأمواله؟ !!
٤ - لم يقم المشرع بتحديد مكان القطع ، فهل سيتم القطع من الرسغ أم من الكتف؟
٥ - لم يقم المشرع بتحديد السن الواجب وقوع الحد فيها، فهل الطفل أو ذلك البالغ حديثًا سيقع عليه
الحد كالرجل البالغ الراشد؟


٦ - لم يبين المشرع ان كان يمكن أن يوجد أي استثناءات،،،، أما لإقامة الحد،، أو حتى لتعليقه، وفقا
لمتغيرات الحياة في هذا المجتمع ، او ذاك .
٧ - لم يقم المشرع بتوضيح أن كان يمكن تكرار إقامة الحد على نفس الشخص .
فهل يمكن اعتماد هذا كنص تشريعي؟ !!
وقس على ذلك بقية النصوص، ،،،


×× فهل لا زلتم تنكرون السنة والحديث ؟ ××


في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...