الخميس، 16 يوليو 2015

تكرار المعرفة والنكرة في كلام العرب والقران الكريم (( القاعدة العامة والاستثناءات عند المحققين... بقلم محمد حشيشة


من المشهور عند علماء اللغة واهل التحقيق فيها مسالة تكرار المعرفة والنكرة .وفيها قاعدة عامة تقول انه اذا تكررت المعرفة لفظا في الجملة فهي الاولى معنى اي ان معنى المكرر هو نفسه معنى اللفظ الاول .واذا تكررت النكرة لفظا فالثانية غير الاولى .وقد بين عددٌ من أهل العلم هذه القاعدة ومنهم الطحاوي في شرح مشكل الآثار و الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون فقالوا: العرب إذا أاتت باسمٍ ثم أعادَتْه مع الألفِ واللامِ ِكان هو الأولَ نحو: «جاء رجلٌ فأكرمْتُ الرجلَ»، أما إذا كان الاسمان المكرران نكرة فإن الأول غير الثاني غالبا لأن تكرار النكرة يدل على تعددها فالنكرة الأولى غير النكرة الثانية.ومثلوا الجزء الاول من القاعدة بامثلة قرانية كقوله تعالى (( كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فعصى فِرْعَوْنُ الرسول)) قالوا: ولو أعاده نكرة لكان غيرَ الأول. وقوله تعالى (( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ)) فالجنة الثانية هي الأولى. وقوله تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ )) فالدين ثانياً هو عينه الأول .
اما الجزء الثاني من القاعدة فقد مثلوا له من القران الكريم قوله تعالى (( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْر )) فالشهر الثاني غير الشهر الأول، ويكون المجموع شهران.
وأشهر الأمثلة التي ساقوها في هذا الجزء من القاعدة هو قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا )) من سورة الشرح . فقالوا لَمَّا أعاد العُسْرَ الثاني أعادَه بأل ولَمَّا كان اليُسْرُ الثاني غيرَ الأولِ لم يعد بأل .الا ان هذه القاعدة لم تخلو من تعقيبات هامة من بعض محققي اللغة فبينوا انها ليست على اطلاقها وليس مطردة ومنهم أبو علي الجرجاني في كتابه (نظم القرآن )) وابن هشام في (مغني اللبيب) حيث قال في الباب السادس: (( فِي التحذير من أُمُور اشتهرت بَين المعربين وَالصَّوَاب خلَافهَا، وَهِي كَثِيرَة وَالَّذِي يحضرني الْآن مِنْهَا عشرُون موضعا ثم ذكر هذه القاعدة في الموضع الرابع عشرة فقال (( أوْلهم إِن النكرَة إِذا أعيدت نكرَة كَانَت غير الأولى وَإِذا أُعِيدَت معرفَة أَو أُعِيدَت الْمعرفَة معرفَة أَو نكرَة كَانَ الثَّانِي عين الأول . ثم استشكلها رحمه الله وذكر بعض ما يرد على هذه القاعدة، ومن أبرز ما يعترض الاطراد المطلق في هذه القاعدة ورود مواضع قرآنية لا يمكن تطبيقها عليها وربما من اشهرها قوله تعالى ((وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَه )) . فلو أعملت القاعدة لكانت النكرة الثانية غير الأولى، ويكون هناك إلهان و الله سبحانه إِلَه وَاحِد، والضمير في أول (وهو) يغني عن التكلف الذي ذكره بعضهم حول توجيه الآية عند الإصرار على إعمال القاعدة المذكورة، فالمبتدأ (وهو) هو المسند إليه، وما بعده خبر عنه فهو المسند بما يحويه من الاسم الموصول وجملة صلته وكلها تعبر عن إله واحد سبحانه أشير إليه بقوله (وهو)، والمعنى ألوهيته سبحانه ثابتة في السماء كما هي ثابتة في الأرض..ومن الامثلة ايضا (( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ )) فمعنى المعرفة (الكتاب) يختلف عن معنى النكرة المماثلة لها لفظاً (كتاباً) فالكتاب أولاً هو التوراة والإنجيل والكتاب ثانياً هو غيرهما.. مع الاشتراك العام في جنس الكتاب لكن المماثلة التامة منتفية.
ولعل من اشهر الامثلة ايضا على تكرار النكرة هي قوله تعالى فان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا .اذ فيها اختلاف قوي بين من يطلق القاعدة وبين من يقيدها بالقرائن ويجعلها غير مطلقة . يقول العلامة ابن عاشور في الاية ((
هذا وقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - : " لن يغلب عسر يسرين " قد ارتبط لفظه ومعناه بهذه الآية . وصرح في بعض رواياته بأنه قرأ هذه الآية حينئذ ، وتضافر المفسرون على انتزاع ذلك منها فوجب التعرض لذلك ، وشاع بين أهل العلم أن ذلك مستفاد من تعريف كلمة العسر وإعادتها معرفة ومن تنكير كلمة يسر وإعادتها منكرة ، وقالوا : إن اللفظ النكرة إذا أعيد نكرة فالثاني غير الأول ، وإذا أعيد اللفظ معرفة فالثاني عين الأول ، كقوله تعالى : ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ) .
وبناء كلامهم على قاعدة إعادة النكرة معرفة خطأ ; لأن تلك القاعدة في إعادة النكرة معرفة لا في إعادة المعرفة معرفة ، وهي خاصة بالتعريف بلام العهد دون لام الجنس ، وهي أيضا في إعادة اللفظ في جملة أخرى ، والذي في الآية ليس بإعادة لفظ في كلام ثان ، بل هي تكرير للجملة الأولى ، فلا ينبغي الالتفات إلى هذا المأخذ ، وقد أبطله من قبل أبو علي الحسين الجرجاني في كتاب النظم كما في [ ص: 416 ] معالم التنزيل . وأبطله صاحب الكشاف أيضا ، وجعل ابن هشام في مغني اللبيب تلك القاعدة خطأ )) .
ولذلك عدل ابن هشام في المغني القاعدة لتكون اكثر دقة يقول رحمه الله (( اذا أعيدت النكرة معرفة فهي عينها، وإذا أعيدت نكرة فهي غيرها )) وأضاف "مَعَ عدم الْقَرِينَة فَأَما إِن وجدت قرينَة فالتعويل عَلَيْهَا"، والقرينة المشار إليها تكون في الجزءين (المعرفة والنكرة) وذلك بسبب وقوع الاحتمال، والقرينة تعين المراد هو السابق أم غيره وما هو وجه المغايرة.))

هناك تعليق واحد:

  1. آية.. {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}..

    ¤ فنجد فيها  أسم الموصول (الذي) يؤكد أن (إله السماء) هو (إله الأرض) هو (الله)..

    ردحذف

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...