الثلاثاء، 23 يونيو 2015

أزمة منتصف العمر والتهديد النفسي والندم علي ما فاتك في الحياة:.... بقلم عصام الخواجة


طلب مني احد الزملاء ان اتحدث عن هذا الموضوع وهو موضع مهم جدا لكل من هو في سني وحتي من هو اصغر..... فكل إنسان قطعا يمر بتغيير ما في شخصيته مع منتصف العمر ولكن ليس كل إنسان يمر بالأزمة الشهيرة midlife crisis فقد يكون منتصف العمر فرصة لإعادة تقييم النفس والذات بصورة إيجابية ومحاولة إيجاد أهداف لحياتك غير الاهتمام بنفسك فقط ومع نضج المشاعر وخبرات الحياة يمكن توجيه طاقتك النفسية او مايسميه الفرويديون libidinal cathexis من نفسك للآخرين.... وقد وصف أريك اريكسون عالم النفس "الشهير بمراحله الثمانية للنمو النفسي للانسان"... وصف اريكسون هذه المرحلة بحدوث المتناقضين generativity versus stagnation اي الإنتاجية والإبداع او الخمول والكسل...... وانا شخصيا ربما حدث لي نفس التغيير ووجدت مثلا في الكتابة علي الفيسبوك وسيلة للتعبير عن خبراتي في الحياة مع اني لم اكن احب الكتابة من قبل وكنت دائما اقول لاولادي ان من اكثر ماأعاقني في حياتي اني احب القراءة وأكره الكتابة جدا..... حتي مع مرضاي اعشق الحديث معهم وأكره الكتابة في ملفاتهم (وهنا في امريكا عليك ان تكتب كثيرا جدا في الملفات خاصة في تخصصي... واحيانا اشتاق الي ملفات المرضي الصغيرة في مصر التي تكتب فيها الضغط والحرارة والأدوية فقط أما هنا فالوضع مختلف تماماً ويجب ان تشرح زيارة المريض لك بالتفصيل)..... ومنذ فترة قال لي ابني لست ادري ماحدث لك لكي تكتب هذه البوستات الطويلة جدا بعد هذا العمر.....!!! المهم نحن نتغير مع منتصف العمر وكثيرا ما نحس بالندم علي ما فعلنا ومالم نفعل ونقارن انفسنا بمن نظن انه تفوق علينا او اصبح اكثر نجاحا او اكثر غني او اكثر سعادة (من وجهة نظرنا نحن طبعا).... وأمس كنت أتحدث مع زوجتي وقلت لها انا لم اعد انبهر بأشكال الناس ومظاهرهم ومراكزهم "وربما لم يعد الناس يهددونني نفسيا بالدرجة التي كنت عليها في الصغر" فانا اعلم جيدا الآن ان وراء الشكل والمظهر شيء آخر مختلف تماما وقد يكون عكس ماتري تماماً..... ولو سيطرت عليك هذه القناعة (او تذكرتها كلما ضعفت ثقتك بالنفس وقل أمانك النفسي) لكنت اكثر سعادة بمراحل...... وفي رايي الشخصي ان ثقتك "الحقيقية" في نفسك هي بداية الطريق لثقتك الحقيقية بالله والرضا بما كتبه لك..... ولابد ان أوضح مرة اخري ان هناك فرق شاسع بين الثقة الحقيقية بالنفس والنرجسية الاستعراضية المرضية بل انهما عكس بعضهما البعض.....!!!
والتهديد النفسي سواء كان من داخل الانسان او من خارجه (من الآخرين) من اكثر ما يصيب الانسان بالفزع في أزمة منتصف العمر.... فإحساس الفشل او عدم تحقيق الآمال كما ينبغي واحساس الانسان بضعف جسمه وبداية الخلل في اعضائه واقتراب الانسان من حافة الموت وبداية العد التنازلي لنهاية الحياة تهدد الانسان كثيرا وقد تصيبه بالاكتئاب والخوف من الموت او احيانا الرغبة في الموت إذا زاد الاكتئاب..... وكل هذا يحدث علي مستوي اللاوعي الي حد كبير..... فتجد الانسان نتيجة لذلك (او كوسيلة دفاعية تعويضية) يسلك سلوكا غريبا وربما يصبح انطوائيا من ناحية او يصبح له نزوات غريبة من ناحية اخري مع كبر السن وربما يحاول فعل أشياء لم يفعلها من قبل.... وتجده غير راض عن زواجه مثلا وغير راض عن عمله او حياته بشكل عام ويصبح اكثر غضبا واكثر قلقا وربما يبحث عن بدائل يظن انها ستجعله اكثر سعادة وتعوضه عما فاته..... وكثيرا ما نجد رجالا ونساء فعلوا أشياء غريبة جدا وغير متوقعة في حياتهم في الخمسين والستين من عمرهم.....!!! والحل هنا في مواجهة نهاية حياتك بشجاعة وبدون "هروب خفي" من مصيرك المحتوم..... وتحويل طاقتك النفسية الي شيء مفيد لك وللآخرين... وان توقن تماماً انك لست محور الحياة وان سعادتك ربما تأتي من نجاح الآخرين بسببك... وقبل كل شيء طبعا ان نقتنع تماماً ان هذه الحياة ليست نهاية المطاف وأننا سنجازي اكثر علي ما فعلناه للآخرين وليس ما فعلناه لأنفسنا.....!!!!!

مراحل نمو الإيمان من الناحية النفسية.... بقلم عصام الخواجة

وضع جيمس فاولر تصنيفا لمراحل النمو الإيماني من الناحية النفسية.... وهي لاتخص دينا بعينه وانما تنطبق علي اي دين... وانا أراها مهمة جدا لانها توضح ان الفرد يمر بمراحل عده في نموه النفسي الديني وتأثير الدين علي سلوكه وتصرفاته وشخصيته بوجه عام.... وقد حاولت قدر استطاعتي ان أترجم هذه المراحل للعربية لتناسب الدين الإسلامي بشكل خاص مع أنها عامة كما ذكرت،
١- المرحلة صفر او مرحلة الفطرة undifferentiated stage
٢- مرحلة البديهة intuitive-projective stage
٣- مرحلة الفهم الحرفي للدين Mythic-literal stage
٤- مرحلة الطقوس والعبادات التقليدية conventional faith stage
٥-مرحلة التفكر والتدبر reflective-individuative stage
٦- مرحلة السمو stage of transcendence
٧- مرحلة النورانية stage of enlightenment
والمفروض ان كل مرحلة تنضج وتنمو ليضيف الانسان فهما أعمق ويصل للمرحلة التالية ولكن احيانا يظل الانسان fixated علي مرحلة معينة ولايخرج منها مثلما يحدث مع كل مراحل النمو النفسي والعقلي الأخري...... ورأيي الشخصي ان الكثير من الناس في مجتمعاتنا قد توقفوا في النمو الإيماني عند المراحل الوسطي "٣ و٤" وذلك لعدة أسباب منها الجهل والفقر والتخلف وانحدار التعليم وتقهقر الخطاب الديني وقمع الافكار وغياب الحريات وغياب الفكر النقدي وتطويع الدين لخدمة السياسيين وغيرها من الأسباب المعروفة والتي لا تخفي علي احد.... فببساطة لقد تخلفنا regressed دينيا كما تخلفنا في كل شيء..... فاصبح عندنا توقف في النمو الديني والايماني عند المراحل الحرفية والطقوسية واصبح التدين لايؤثر في سلوك الفرد بل ربما يجعله اكثر أنانية كما كتبت من قبل..... فلابد من تجديد الخطاب الديني ليناسب العصر ولابد من كل من يعمل في المجال الديني والدعوي والاجتماعي والتربوي ان يعوا هذه المراحل..... ولكن لابد ان يكون عندهم القدرة أولا علي النمو النفسي والديني والايماني ففاقد الشيء لا يعطيه....!!!!

النسيء... بقلم الباحث ابن فرناس


النسيء كلمة ذكرت في القرآن مرة واحدة وفي سورة براءة التي نزلت قبل وفاة رسول الله ببضعة أشهر، وضمن حديث يخاطب قريشاً ويشنع عليها بعض أفعالها. فتحول في هذه الأيام إلى "تقويم" من إقامة الشيء وتعديله، ووضعوا له نظرية سأسميها هنا نظرية "النسيء المبتدعة". 
ونحن هنا سنحاول أن نفهم بعض ما تعتمد عليه نظرية "النسيء المبتدعة" التي تلقفها بعض الناس، وذلك بإيراد بعض ما تقوم عليه، كما يلي:

  • نظرية "النسيء المبتدعة" تقوم على أن هناك إعجاز عددي في القرآن، لأن من قال بها مغرم بالمعادلات الرياضية ويريد أن يطبق معارفه على القرآن أو يريد أن يجد في القرآن ما يؤيد ميوله.

ومما يقولون في هذا المجال "أن كلمة (شهر) ذكرت في القرآن: (12) مرة بالتحديد. وكلمة (يوم) ذكرت في القرآن (365) مرة بالتحديد".

وهذا الكلام منقول عن مستشرق ألماني اسمه فلوغل (Gustav Leberecht Flügel) والمتوفى عام 1870.

ومن نقل كلام "فوغل" لم يتحقق منه وإلا لوجد أن فيه مغالطات وغير صحيح.

فكلمة (يوم) ترد في القرآن (264) مرة وليس (365).

وكلمة (اليوم) ترد في القرآن (74) مرة، وكلمة (يومئذ) ترد في القرآن (67) مرة. وكلمة (ليوم) ترد (7) مرات. وكلمة (يوما) ترد (14) مرة، وكلمة (يومين) ترد (5) مرات، وكلمة (يومكم) ترد (5) مرات، وكلمة (يومهم) ترد (5) مرات. وبمجموع كلي يساوي (441) مرة.

** ولمن يرغب يمكنني أن أمده بالسور والآيات ليتأكد بنفسه.

إذا، أول عملية حسابية يعتمد عليها من يقول بنظرية "النسيء المبتدعة" بطلت.

وهناك موضوع سبق نشره يؤكد أن القرآن لا يحتوي على أي إعجاز عددي أو علمي، وهذه المزاعم تتهاوى باستمرار.

  • نظرية "النسيء المبتدعة" تقوم على أن معركة اليرموك حدثت يوم 20/8/ 636 والتي جعلوها توافق 5/ 7/ 15 هـ.

والمصادر الغربية التي تتحدث عن معركة اليرموك هي حديثة وليس هناك أي كتابات غربية قديمة معاصرة لمعركة اليرموك. ولعل من أول من تحدث عن المعركة من الغربيين هو ثيوفانيس المعترف (ت 818) أي بعد معركة اليرموك بحوالي 200 عام. ولابد أنه استمد معلوماته من المصادر العربية، مثله مثل كل الغربيين الذين كتبوا فيما بعد عن معركة اليرموك.
ولا يوجد أي سجل روماني معاصر للمعركة على الإطلاق، إلا إذا كان ف طهاليز مكتبة الفاتيكان وغير متوفر للإطلاع عليه.  

ومعركة اليرموك في المصادر العربية مختلفة، فقد قيل وقعت في العام 13 هجري وقيل في العام 15.

وممن قال بأنها وقعت في العام 15 هو ابن كثير في البداية والنهاية. وقد توفي في العام (774 هـ / 1373 م) أي أنه توفي بعد المعركة بحوالي (760 سنة) وهذا بعض ما قال عن وقعة اليرموك: "على ما ذكره سيف بن عمر في هذه السنة قبل فتح دمشق وتبعه على ذلك ابو جعفر بن جرير رحمه الله واما الحافظ ابن عساكر رحمه الله فانه نقل عن يزيد بن ابي عبيدة والوليد وابن لهيعة والليث وابي معشر انها كانت في سنة خمسة عشرة بعد فتح دمشق وقال ممحمد بن اسحاق كانت في رجب سنة خمس عشرة وقال خليفة بن خياط قال ابن الكلبي كانت وقعة اليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة قال ابن عساكر وهذا هو المحفوظ واما ما قاله سيف من انها قبل فتح دمشق سنة ثلاث عشرة فلم يتابع عليه". 7/4

فابن كثير ينقل كلاما منسوبا لعدد من الأشخاص الذين هلكوا قبله بفترة طويلة من أن المعركة وقعت سنة 15، فهل كان دقيقا فيما روى؟

سنورد لكم كلاما مما ورد في البداية والنهاية يظهر أن ابن كثير حاطب ليل يحشوا كتابه بما تقع عليه يده دون تمحيص، وهذا بعض ما قال:

وقد اختلف في وفاة أبان بن سعيد هذا فقال موسى بن عقبة ومصعب بن الزبير بن بكار وأكثر أهل النسب قتل يوم أجنادين يعني في جمادى الأولى سنة ثنتي عشرة وقال آخرون قتل يوم مرج الصفرسنة أربع عشرة وقال محمد بن اسحاق قتل هو وأخوه عمرو يوم اليرموك لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة. وقيل إنه تأخر إلى أيام عثمان ... ثم توفي سنة تسع وعشرين. 5/ 339

فهو أورد أربعة تواريخ متضاربة عن وفاة أبان ابن سعيد المشهور.

وابن جرير الطبري (ت 310 هـ/ 923) يتحدث عن معركة اليرموك في تاريخه ضمن أحداث سنة 13 للهجرة، أي أنها وقعت في العام الذي توفي فيه أبو بكر. وهذا يظهر عدم دقة ابن كثير فيما نسبه لابن جرير الطبري أو لغيره، حين قال إنه قال أن المعركة وقعت في العام (15).

ووقوع المعركة في العام (13) أقرب للصواب، لأن خالد ابن الوليد كان هو القائد الأبرز في تلك المعركة. ولو كانت اليرموك عام (15) للهجرة فلن يشارك فيها خالد ابن الوليد، لأن عمر ابن الخطاب قد عزله في بداية خلافته ومنعه من الاشتراك في حروب المسلمين حتى مات.

إذا، معركة اليرموك لم تقع في العام 15 ولا في العام 636 للميلاد. وبالتالي فبداية بناء نظرية "النسيء المبتدعة" خيالي ولا وجود له.

  • ثم نأتي للوغاريتمات التي تحسب بها نظرية "النسيء المبتدعة" ولن أتحدث عنها لأني لم أفهم منها شيء. ولكني بانتظار شرح لها من القراء العباقرة لعل بينهم واحد يستطيع فهمها.

والعرب أمة لا تحسب وهو ما انعكس على اللغة العربية الفقيرة جدا في أسماء الأعداد، وتتوقف عند رقم الألف (1000). فليس هناك اسم (كلمة واحدة) للعشرة آلاف أو مئة ألف أو ألف ألف أو ما بعدها. بعكس اللغة الإغريقية الغنية بالأرقام سواء الكبيرة منها والتي بالملايين أو عشرات ومئات وألوف وملايين الملايين، أو بأجزاء الواحد.

إضافة إلى أن العرب يحسبون أيامهم على القمر الذي يرون هلاله بأعينهم ويرونه ينتهي في آخر الشهر بما يسمى "المحاق".  ويعرفون أن السنة (12) شهرا لها أسماء عندهم ولا حاجة لهم بأن يضيفوا شهرا إضافيا عليها كل ثلاث سنوات وبدون اسم.

وزراعتهم تعتمد على النجوم والأبراج فهي التي يعرفون بواسطتها دخول المواسم للزراعة ولفصول الحر والبرد والأمطار. ولا حاجة لهم أبدا لمعرفة السنة الشمسية التي لا يفهمون حسابها ولا يحتاجون لحسابها.

  • ومصطلح التقويم القمري أو التقويم الشمسي اصطلاح استخدم حديثا يعني جدول الأيام والشهور كبديل يقابل روزنامة في الفارسية أو Calendar في الإنجليزية.  ولم يكن يستخدم عند العرب ولا يعني التاريخ. وليس هناك مصطلح عربي معروف يقول: " التقويم السنوي للأشهر بمعنى إعادة الأشهر التي تنحرف عن أماكنها الموسمية" وإنما هذه العبارة يستخدمها من يؤمن بنظرية "النسيء المبتدعة".

فهل هناك في لغة العرب مصطلح الشهر النسيء؟

وهل ثبت عن العرب قديماً أنهم كانوا يضيفون شهراً للأشهر القمرية ويسمونه النسيء؟

نحتاج ممن يقول بذلك أن يسند كلامه بمصادر موثوقة لأن كلامه الشخصي لا يكفي.  

  • وجل أو كل الآيات التي يستشهد بها أصحاب نظرية "النسيء المبتدعة" اقتطعت من السياق وتم تأويلها لمعان غير معناها لتتوافق مع ما يراد الاستشهاد بها.  

وبمجرد إعادة الآية إلى سياقها سيتغير المعنى ويعود للمعنى الأصلي للآية قبل تأويله من قبل أصحاب نظرية "النسيء المبتدعة".

كما أن محاولة القول بأن أسماء الأشهر القمرية العربية سميت نسبة لمواسمها غير صحيح وسبق وتحدثنا عنه في عدة مواضيع. ومن ذلك قولهم إن رمضان من تسمية العرب لأول مطر يهطل بعد الصيف في بداية فصل الخريف بالنسبة لهم شمال خط الإستواء وبداية فصل الربيع جنوباً أما على خط الإستواء فيكون بداية فصل الحر (الرمض) بالنسبة لسكان المناطق الإستوائية.فمتى سكن العرب القدماء خط الاستواء؟

هنا عدة مغالطات، منها:

القول بأن رمضان من تسمية العرب لأول مرة يهطل المطر بعد الصيف!

فهل سمى العرب أول مطر برمضان؟

الجواب: كل ما قيل هو مجرد اختلاق قيل في العصر العباسي، ولا أساس له، وهو مختلف ومتخالف.

ومن ذلك ما ينقله صاحب لسان العرب من أن ابن دريد قال: لما نقلوا أَسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأَزمنة التي هي فيها فوافَقَ رمضانُ أَيامَ رَمَضِ الحرّ وشدّته فسمّي به.

وابن دريد توفي في العام 321 هجرية فمن اين عرف أن العرب في غابر الأزمنة سموا رمضان لأنه وافق رمض الحر. ومثل اختلاق ابن دريد ما أورده صاحب لسان العرب عندما قال: وشهر رمضانَ مأْخوذ من رَمِضَ الصائم يَرْمَضُ إِذا حَرّ جوْفُه من شدّة العطش... ويكون لدينا ثلاث تسميات لرمضان كلها نختلفة وكلها مختلقة في العصر العباسي وبعدما أصبح رمضان شهر الصوم. 

ولم يرد أن هطول المطر لأول مرة بعد الصيف يسمى رمضان كما يقول من قال بنظرية "النسيء المبتدعة".كما أن العرب القدماء لم يسكنوا خط الاستواء . 


وباختصار فهذه النظرية لا يمكن أن تصمد لأنه ليس لها أساس تقوم عليه سوى تخريجات من قال بها وهي تخريجات فيها تعسف ولو بسطت لتهاوت. وترديدها من البعض لا يعني أنها صحيحة، لأن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت طبقة من مثقفي المقالات، الذين كلما قرأوا مقالا غريبا عليهم اعتنقوه ولو لم يفهموا عمقه أو يتحققوا من صحته لأنه لا قدرة لديهم على التحقيق.

ومع ذلك فكل ما تقدم هو مجرد كلام لابن قرناس مقابل كلام ممن يقولون بنظرية "النسيء المبتدعة". لذا لابد من قول فصل لا مرية فيه، وهو كلام رب العالمين. وذلك بالعودة لقراءة الآية التي ذكرت النسيء بسياقها لنتعرف على المقصود بالنسيء بعيدا عما قال عنه البشر.

يقول تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(37) براءة.

  • السورة نزلت قبل وفاة الرسول ببضعة أشهر.
  •  السورة نزلت في مجملها لتعطي قريشا فرصة للتراجع عن خيانتها للمسلمين وإلا فسيلاحقون ويقتلون. وتفرض عليهم بعض العقوبات وتفضح مخططاتهم. 
  • والآية (36) تؤكد بخطاب تقريري أن عدة الأشهر (التي يعرفها المخاطب قريش والمسلمون) هي (12) شهرا فقط لا غير. بدون إضافة شهر كل ثلاث سنوات ولا أيام، ولا حتى ساعات. 
  • والأشهر الاثنا عشر التي يمكن لسكان مكة ومعظم جزيرة العرب مشاهدتها هي الأشهر القمرية التي تعتمد القمر الذي يرون بأعينهم دون حاجة للحساب والرياضيات التي يجهلون.

ومن هذه الأشهر أربعة أشهر حرم.

ثم تواصل السورة لتقول في الآية (37):

النسيء زيادة في الكفر. بدون تكلف ولا تعسف. النسيء كفر يضاف على كفر موجود.

هذا الكفر المضاف يَضِلُ به الذين كفروا (قريش الذين تتحدث عنهم السورة والذين يتولون أمور الحج) فهو ضلال على ضلال وكفر على كفر.

ما هو النسيء؟

هو شهر حرام يحلونه عاماً ويعيدونه لحرمته في العام التالي.
وليس هناك شهر يضاف وشهر يحذف كل كم سنة، أو شهر ينقل من مكانه إلى مكان آخر في ترتيب الشهور. وليس هناك حسابات معقدة على الإطلاق.

والآية تتحدث عن الأشهر الاثنا عشر والتي منها أربعة حرم. والنسيء إحلال شهر محرم هذا العام، وإعادة تحريمه في العام التالي كما أسلفنا.

الحديث سهل وواضح ومباشر.

إذا كان الأمر كذلك!

فلماذا كانت قريش تفعل ذلك؟

"لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ".

الأشهر الحرم أربعة لكن لو أحلت قريش أحدها في عام، فإنهم بهذا واطأوا عدة ما حرم الله.
تلاعبوا بعدد الأشهر التي حرم الله، احلوا شهرا حرمه الله، وجعلوها ثلاثة بدل أربعة.

هذا كل شيء! دون حاجة للرجوع لقراءة ورش المتوفى في العام 179 للهجرة وبعدما تلاعب الناس بالدين.

يا جماعة التغريب جيد في أشياء مثل اللبس وآداب المائدة ونظام المرور والتعليم وسيادة القانون وأشياء كثيرة، لكن لا ندع بهرجة الحضارة الغربية تفسد علينا ما نملك من روائع.
خاصة إذا كانت عباداتنا الإسلامية تعتمد عليها. ومن ذلك محاولة تغريب الأشهر القمرية بعدما غربنا توقيتنا الغروبي وأضعنا متى يبدا يومنا من ليلنا.

وأتمنى أن يتوقف بعض الكتاب عن التلاعب بعبارات القرآن والبحث عن معان شاذة وثانوية للكلمات لأنها شوشت كثيراً المعرفة على جيل ثقافة النت. فاتقوا الله في أنفسكم خاصة أن لديكم القدرة على النبوغ في بحوث أكثر جدية ومنفعة للأمة ديناً أو دنيا.

والسلام.

الاثنين، 22 يونيو 2015

الزرادشتية.... بقلم الدكتور اسامة عدنان

تنسب الزرادشتية الى زرادشت وقد ورد اسمه بعدة صيغ: زرشت، زرتشت، زرادهشت، زرادشترا، زراثوشترا(Zarathushtra)، ويرد في الافستا باسم زرادسترا أو سبيتاما زرادسترا، ويرد في المصادر الكلاسيكية باسم زورواستير(Zoroaster)، وفي البهلوية يرد باسم زراتشت، وفي الفارسية الحديثة يسمى زردشت، اما المصادر العربية فتسميه زرادشت. وربما كان اسمه الكامل اشوزردشت. وقد اختلف الباحثون في معنى اسمه، وعلى الارجح ان اسم سبيتاما هو جد من اجداد زرادشت، أو ربما اسم قبيلته، ومعنى سبيتاما هو الابيض، ومنه سفيد المستعملة في الفارسية الحديثة بمعنى ابيض. ويترجمه البعض بمعنى: الهجمة المشعة. وان اسم زرادشت على الارجح مركب من مقطعين هما زار ومعناه: اصفر، غضب، سريع، والثانية هاشتر ومعناه جمل، وهي تساوي كلمة شتر المستعملة بهذا المعنى في الفارسية الحديثة. ويكون بذلك معنى الاسم(زراهاشتر) صاحب الجمل الاصفر، أو صاح الجمل الغاضب، أو صاحب الجمل السريع. واختلفت الروايات في تحديد اسم والد زرادشت ونسبه، واشهر هذه الروايات تقول ان زرادشت ينتمي الى الاسرة البشدادية التي كان منها ملوك ايران في العصور القديمة، وان اباه المسمى في الافستا بوروشاسبا(Pourushaspa)(ويترجم البعض اسمه بـ الحصان المبرقش) من نسل افريدون احد ملوك تلك الاسرة. اما اسم امه كما ورد في الافستا فهو: دغدهوا(Dughdhova)، وهو بالبهلوية دغدوو(Doghdova)، وفي الفارسية الحديثة دغدويه. ونعرف من الكتب الزرادشتية المتأخرة ان بوروشاسبا والد زرادشت يعود بنسبه الى منوجهر بن ايرج بن افريدون الجد الخامس عشر لزرادشت، وان دغدويه والدة زرادشت يرجع نسبها الى افريدون ايضا. وكان زرادشت متزوجا وله اثنين من الاولاد، وابنة.ويبدو ان زرادشت لم يكن ثريا بل فقيرا وهذا يتضح من مقطع في الغاثا/الغاتها يقول: "اعرف يا مزدا سبب ضعفي، عندي القليل من الماشية، ونفر قليل من الناس..."


اختلف المؤرخون في حقيقة وجود شخصية تاريخية باسم زرادشت، فبعض المؤرخين ينكرون وجود زرادشت، ويعدون كل ما ورد عنه من قبيل الاساطير، وان دين زرادشت يمثل مظهرا من ديانة ايرانية تدعى المزدية التي كان الاله اهورامزدا هو مركز عبادتها، وحسب انصار هذه الفرضية ليس هناك اصلاح منجز من قبل نبي يدعى زرادشت فحسب، وانما تاريخية هذه الشخصية هي موضع شك ايضا. في حين يعتقدون فريق اخر من المؤرخين ان زرادشت شخصية تاريخية واقعية، اذ ذكر فضلا عن المصادر الزرادشتية في المصادر الكلاسيكية، وممن ذكره افلاطون الذي يسميه ابن اورمازديس(Ormazdes) اي ابن اورمزد(وهو اسم اهورامزدا في المصادر المتأخرة)، ويذكره ايضا المؤرخ الروماني بلوتارك ويشير الى كلامه مع الرب. ولكن المؤكدين لحقيقة زرادشت التاريخية يختلفون في تحديد الزمن الذي عاش فيه، فإحدى الفرضيات تشير الى انه عاش حوالي عام 1000 قبل الميلاد، وتستند هذه الفرضية ان الزرادشتية ربما قد شاعت في ميديا قبل كورش الكبير(559-529 قبل الميلاد)، بنحو قرنين، اي حوالي عام 714 قبل الميلاد، ويستدل مؤيدي هذه الفرضية الى ان اثنين من امراء الميديين كان يسمى كل منهما باسم مزداكا(Mazdaka) وهو اسم مشتق من مزدا الذي اطلقه زرادشت على الهه. ومن يسمي نفسه هذا الاسم يعترف ضمنا بانه من اتباع زرادشت، الذين كانوا يسمون انفسهم مزداياسنيين(Mazdayasn). فاذا كانت الزرادشتية قد شاعت حوالي عام 714 قبل الميلاد، فمن المؤكد ان يكون ظهورها قبل ذلك بعد قرون ربما تعود الى 1000 قبل الميلاد. في حين يعتقدون معظم المؤرخون واستنادا الى عدة ادلة تاريخية لا مجال الى ذكرها هنا، ان زرادشت قد عاش بعد عام 1000 قبل الميلاد بنحو اربعة قرون على الاقل، وربما ولد زرادشت وفق هذه الفرضية عام 660 قبل الميلاد، وتوفي حوالي عام 573 عاما وعمره 77 عاما.غير ان ادلة يمكن ان تقدم هنا تقف امام هذا الافتراض، اذ ان التاريخ التقليدي الذي يحدده الزرادشتيون لنبيهم هو عام 258 قبل الاسكندر، ومن الممكن ان اسم الاسكندر كان يعني بالنسبة للفرس أو الايرانيين فقط نهب مدينة برسيبولس، وانقراض الامبراطورية الاخمينية، ومقتل داريوس الثالث اخر ملك للملوك، وكان هذا قد حدث في عام 330 قبل الميلاد، لذا فسوف يكون تاريخ زرادشت هو 588 قبل الميلاد، وامكاننا ان نأخذ هذا التاريخ لنشير الى النجاح الاول الذي حققته رسالته النبوية والذي يكمن في اهتداء الملك فيشتاسبا وذلك عندما كان زرادشت في الاربعين من عمره، وبما انه يقال عادة انه عاش 77 عاما، فربما كان زرادشت قد عاش في الحقبة الممتدة بين 628-551 قبل الميلا



الزرادشتية(3)
تشير المصادر ان اول حاكم اعتنق الزرادشتية هو فيشتاسبا(Vishtaspa)(كشتاسب في المصادر المتأخرة)، اذ وجد زرادشت عنده ملاذا امنا، والذي ربما، وكما افترض الاستاذ هننغ، كان الزعيم الاعلى لاتحاد خوراسيميا، والذي من المحتمل انه كان مقره في بختر(باكتريا) وعاصمتها بلخ، الذي اطاح به كورش الكبير في النهاية.وتتحدث التقاليد المبكرة في الغاثا/الغاتها كيف ان فيشتاسبا هو الحاكم الذي اعتنق ديانة زرادشت: "[الرب الحكيم قال]: يا زرادشت من الرجل الحق الذي يكون صديقك لأجل السر العظيم الذي يرغب في سماعه؟ انه الامير فيشتاسبا في لحظة الاختيار الحاسم. هذا الذي سيجتمع معك في مقر واحد، ايها الرب الحكيم سوف اناديه بكلمات العقل الخيّر". مع ذلك فإن المقاومة لتعاليم زرادشت استمرت حتى في بلاط فيشتاسبا، كما تشير النصوص المبكرة، التي تذكر اسم احد خصوم زرادشت ويدعي بنديفا: "كان بنديفا دائما العائق الاعظم لي...ساندني بعزم وثبات(اهورامزدا)، واسرع في هلاكه كعقل خيّر. لقد اعاقني كثيرا النبي الكذاب، هذا بنديفا لوقت طويل، ذلك الشرير الذي ابتعد عن الحق، وهو لا يأبه اذا لم تكن التقوى المقدسة له، ولا يأخذ بمشورة الفكر الخيّر يا مزدا". كما ان هناك اشارة الى الحكام المحليين(الكافيين) ومعاداتهم لزرادشت: "لم يشأ الفاسقون الكافيون ان يستقبلوا زرادشت عند بوابة الشتاء(؟)، ورفضوا منحه المأوى فأرتعد هو وحصانه بردا". ويتضح من بعض الاشارات في الغاثا/الغاتها الى نشاط زرادشت، فالنبي محاط بجمع من اصدقائه ومريديه الملقبين عادة بـ الفقراء، الاصدقاء، العارفين، الانصار.ونجده يحرض اتباعه هؤلاء بمهاجمة اعدائهم بالسلاح: "لا تعدوا اي احد منكم يستمع الى كلمات أو تعاليم تابعة للكذب، لأنها تجلب البؤس والخراب الى البيت، والعشيرة، والمنطقة، والبلاد،(بل) ادفعوها عنكم بالسلاح".وان هذه المجموعة الزرادشتية كانت تعارضها مجموعة اشخاص لها شعار ايشما(الرعب أو الغضب) .



اهورامزدا و اميشاسبيندات
1- اهورامزدا
هو الاله الاسمى، ويشغل في الغاثا/الغاتها المركز الاول في الديانة، فهو مبدع جميع الاشياء الروحية والمادية على حد سواء، وكان خلقه يأتي الى حيز الوجود بوساطة روح القدس، أو بتعبير اخر انه ابدع العالم عن طريق الفكر الامر الذي يماثل الابداع من العدم. واهورامزدا اله خالق، وقدوس، وقويم، يقطن في ملكوته، وهو ملكوت سوف تفسده هجمات الشر، غير انه يستعاد نقاؤه في اخر الحياة. ا ويرد في نقش رستم العائد الى الملك داريوس الكبير(522-486 قبل الميلاد) كيف ان اهورامزدا كان ربا كبيرا خالقا: "الالهة العظيم اهورامزدا، الذي خلق هذه الارض، وخلق هناك السماء، الذي خلق الانسان، وخلق سعادة الانسان...".




2- اميشاسبيندات
اميشاسبيندات/اميشاسبينتا(الفيوض السرمدية)
وهم القوى الالهية الستة أو الملائكة الستة العظام، وكان هؤلاء الاميشاسبيندات يبجلون بعد اهورامزدا مباشرة، ويطلق عليهم المقدسين الخالدين، أو الخالدين الكرماء، أو الخالدين الطيبين. وجاء ذكر اميشاسبيندات أو الفيوض السرمدية كمجموعة للمرة الاولى في ترنيمة الفصول السبعة. وتحتل هذه الترنيمة مكان الوسط بين الترانيم الاصلية، وبقية كتاب الافستا: اي انها تمثل المرحلة الانتقالية بين تعاليم زرادشت المصلحة، وبين الانتقاء أو الشمول لكتاب الافستا الاخير. والترنيمة هي نص طقسي معني بعبادة اهورامزدا، والارباب المرافقة له، مثل الجزء الاكبر من الياسنا. وستكون طبيعة هذه الارباب المرافقة موضع اهتمامنا الرئيس، وتبدأ ترنيمة الفصول السبعة بالكلمات الاتية: "اننا نعبد الرب الحكيم مع الصدق(اشاوان)، نحن نعبد الفيوض السرمدية، ذات الملكوت الفاضل، وهو الرحيم، نحن نعبد عالم الصلاح الروحي كله، والمادي مع طقس الصدق، ومع طقس الديانة الصالحة لعبادة مزدا". لقد تم استخدام مصطلح اميشاسبندات في ترنيمة الفصول السبعة كتعبير جنسي للكائنات الستة المتصلة بإحكام بالغ مع الرب الاسمى اهورامزدا، وهذه الكائنات الستة هي: فوهومانو(Vohu Mano)(العقل السليم)، اشافاهيشتا(Asha Vahishta)(الصدق أو الاستقامة)، خشاترا(Khshathra)(الملكوت المنشود)، سبينتا-ارمايتي(استقامة الرأي أو التواضع)، هورفيتات(Haurvatat)(الكمال)، اميرتات(Ameretat)(الخلود). غير انه ليس من المؤكد البتة انه تم قصر الاصطلاح على هذه وحدها في ترنيمة الفصول السبعة، اذ لم يتم تعداد هذه الكائنات الستة بالاسم في اي مكان، كما لم يتم ذكر اثنين منهما البتة هما هورفيتات(الكمال)، واميرتات(الخلود). وعلاوة على ذلك، فإن الترنيمة بأكملها تنتهي بالكلمات التالية: "نعبد جميع الفيوض السرمدية"، مما يعطي الانطباع ان الاصطلاح يعني كافة الكائنات السماوية التي تم ذكرها في كل مكان من الفصول السبعة. ويمكن العثور على اسماء الفيوض السرمدية في الفيدا، اذ ان اشا تتطابق مع ارتا الفيدية، ويتطابق خشاترا مع كشترا، ويتطابق ارمايتي مع اراماتي، وتتطابق امرتات مع امرتا، وهورفيتات مع سارفتات، والشيء الوحيد الذي اضافه زرادشت هو فاهو-مانو اي العقل السليم. وهناك نصا يعطي تصور جيد عن تقديس الفيوض السرمدية: "نقدس ذكور واناث الخالدين المقدسين، الذكور الخالدين الى الابد، وعظماء الى الابد، الذين يعيشون في الفكر الخير، ومثلهم تكون الاناث ايضا". وهذا النص يشير الى انه لم يتم في هذا الوقت ادراج العقل السليم بين الفيوض السرمدية، ونجد بالتالي ان العقل السليم، والملكوت، واستقامة الرأي ليست متحدة كما يتوقع المرء، مع الصدق والكمال والخلود في بعض النصوص في الترنيمة، بل مع الدين الفاضل، والجزاء الصالح. ويبدو ان الفيوض السرمدية كانت تعني بالنسبة لترنيمة الفصول السبعة كافة المفاهيم المجردة المشار اليها في كل الفصول السبعة الموحدة بشكل خاص مع اهورامزدا. وسوف تشمل هذه المفاهيم على الغيرة(ايزها)، والنشاط(باكشتي)، والمشورة والحظ(اشي)، والرغبة الحسنة(ايشا)، والقربان، والسمعة، والازدهار، وجميعها اهداف للتبجيل، وستشمل ايضا على الدانا-مزداياسنا اي الدين الفاضل لعبادة مزدا المبجل مع الصدق. ويبدو ان القائمة الخاصة بالفيوض السرمدية المقصورة على الستة تم وضعها في حقبة لاحقة. والحقيقة النصوص الزرادشتية غامضة الى حد كبير بشأن اميشاسبينتا الستة، وربما كانوا اساطين عرش اهورامزدا، وهم رموز أو مثل عليا لمعانٍ أو فضائل انسانية مقدسة؛ ثلاثة منهم ذكور يقفون عن يمين العرش، ويمثلون المبادئ الزرادشتية الثلاثة وهي: التفكير الطيب، والحق الاسمى، والعمل الطيب. وثلاثة اناث يقفن عن شمال العرش، ويمثلن مبادئ ثلاثة هي: الفداء، والخلود، والتقوى الربانية. وبلا شك كانت الفيوض السرمدية خلال العصور المتأخرة، في الوقت الذي دون فيه بلوتارك معلوماته عن الزرادشتية قد عدت الهة حقيقية(46-120م) فهو يقول: "خلق هورموزد ستة الهة: الاول اله العقل السليم، والثاني اله الصدق، والثالث اله الحكومة الصالحة، وكان من الالهة الباقية مارد الحكمة، ومارد الثروة، وكان اخرهم خالق الملذات في اشياء جميلة". ويمكن ان نلاحظ من غير عناء ان الالهة الستة تتطابق بشكل واضح مع الفيوض السرمدية، اذ تتطابق الثلاثة الاولى على نحو صحيح مع العقل السليم، والصدق، والملكوت المنشود في الترانيم الزرادشتية، في حين ان الحكمة هي تحويل استقامة الرأي الى الاغريقية، الحكمة هي ترجمة غير مناسبة للكمال، وان خالق الملذات في اشياء جميلة من المفترض انه يشير الى الخلود.

الجمعة، 19 يونيو 2015

بأيدينا.. أضعنا 77 ألف كلمة .. بقلم: عواطف العلوي

في إحدى مقالاتي عن اللغة العربية، طرحت تساؤلا لطالما شغل تفكيري: ألا تلاحظون أن لغتنا باتت ضعيفة رغم انتشار المدارس، بينما كانت أقوى في زمن الأمية و«الكتاتيب»؟
لم أتمكن من وضع يدي على السبب تحديدا، ولا إيجاد تفسير للعلاقة غير المنطقية بين انتشار المدارس النظامية وتردي اللغة العربية، حتى وقعت بالصدفة على تسجيل لمقابلة أجراها التلفزيون مع إخصائية للغويات، أميركية من أصل عربي، عملت في جامعة جورج تاون واشنطن لأكثر من 40 عاما، الدكتورة سهير السكري.
كان محور بحوثها ودراساتها هو الطفل، وسبب اهتمامها به أنها وجدت فرقا شاسعا بين طفلنا والطفل في العالم (المتقدم). فأطفالنا منذ ولادتهم وحتى وصولهم المدرسة يتكلمون فقط اللهجة العامية التي اكتسبوها من الأم في البيت، والتي لا تتجاوز حصيلتها 3 آلاف كلمة، ما يعني حدودا ضيقة لمساحة التفكير والإبداع والتصور التي لا تتحقق إلا باللغة، بينما الطفل الغربي يدخل المدرسة في سن الثالثة بحصيلة لغوية تصل إلى 16 ألف كلمة
هذه المعلومة الصادمة التي عرفتها د. سهير وهي تدرس اللغويات أصابتها بالرعب والقلق على مستقبل أطفالنا. ثم وقع بيدها كتاب مشهور جدا اسمه «الإسلام الثوري» لكاتبه جيسون، كان محرما توزيعه لفترة استمرت 75 سنة خوفا من أن ينبه العرب والمسلمين إلى سر قوتهم وضعفهم.
ذكر الكاتب في كتابه هذا أن الإنجليز والفرنسيين قبل استيلائهم على الدولة العثمانية قاموا بإجراء دراسة وبحث عن أسباب قوة الفرد المسلم وسر امتلاكه لتلك الصلابة الجبارة التي مكنته من غزو العالم من المحيط الأطلسي إلى الهند حتى وصل مشارف فيينا، فوجدوا أن السر يكمن في نظام تعليم الطفل المسلم آنذاك، حين كان يذهب من سن الثالثة حتى السادسة إلى ما كان يعرف بـ «الكُتّاب» ليحفظ القرآن ويختمه، ولك أن تتخيل حجم القدرة الإبداعية لدى من يحفظ القرآن الزاخر بأكثر من 50 ألف كلمة تمثل أهم وأفصح وأجمل التركيبات اللغوية والصيغ البلاغية، تثبت وتحفر في الذاكرة، فيتقنها رغم استخدامه للهجة العامية في البيت، ما يقيه الوقوع في مشكلة الازدواج اللغوي (دياجلوسيا)، أي الضياع بين لغتين عامية وفصحى لا يجيد إحداهما، ثم يستكمل إتقانه لها وهو في السادسة إلى السابعة من عمره بتعلمه قواعد نحوها وصرفها بحفظ ألفية ابن مالك التي تضم ألف بيت شعر تشمل كل قواعد اللغة العربية الفصحى. ناهيك عن الزخم الإيماني والخلقي الذي يكتسبه من قراءته للقرآن يلازمه طيلة حياته، فيظل يؤمن بأنه ليس وحيدا في نضاله، بل هناك عين الله تحرسه دوما وتؤازره أينما حل.
لذا كان الفرد العربي أكثر قوة وصلابة وإقداما من نظيره الغربي، والفضل في ذلك كله يرجع إلى نوع التعليم الأولي المتمثل في (الكُتّاب).
وعلى ضوء نتائج تلك الدراسة خطط الإنجليز والفرنسيون لقتل الهوية العربية والعزيمة الإسلامية وذلك على النحو التالي: في البلاد الخاضعة للحكم الإنجليزي تم حصر تعليم القرآن في الكتاتيب وربطه بفئة الفقراء والأسر المعدمة، والتوسع في إنشاء مدارس حكومية حديثة للطبقة المتوسطة يدخلها الأطفال بعد السادسة لضمان انتهاء الفترة الذهبية من حياة الطفل التي كان يمكن أن يكتسب خلالها حصيلة هائلة من لغته الأم، وإنشاء مدارس أجنبية لأولاد الأغنياء يكون تدريس اللغة العربية فيها ضعيفا جدا أو معدوما، مع ربط التعليم الأجنبي نفسيا واجتماعيا بالتقدم والتميز الطبقي وفرص الثراء.
أما في البلاد الخاضعة للحكم الفرنسي فاللغة العربية لم تعد تدرس في المدارس العامة، حتى كادت تتلاشي في تلك البلاد إبان الاحتلال الفرنسي.
وكما ترون.. فقد نجحوا في تنفيذ مخططاتهم بامتياز
هذه المقالة أوجهها لمسؤولي وزارات التربية، ولكل المتباكين على أيام الطفولة الأولى التي يرونها فترة للعب و«التنطيط» فقط، ويزعمون أنه من القسوة والظلم بل والتخلف أن نجبر الطفل خلالها.. على حفظ القرآن.
Twitter: @mundahisha

الأحد، 14 يونيو 2015

المّن والسلوى وقصة الخروج الإسرائيلي الوليمة الطقوسيّة الناقصة .... بقلم المفكرالعربي فاضل الربيعي

سألني أحد متابعي صفحتي عن قصة ( المن والسلوى) في التوراة والنصوص الدينية الأخرى، وارتباطها بما يعرف ب( الخروج الإسرائيلي).
وهنا جواب مقتضب بحسب ما تسمح به ظروف النشر في صفحتي:
لقد انصبّت المحاولات القديمة والمعاصرة، لايجاد تأويل لغوي مقبول لمعنى الاسم ( المنّ) والكلمة الأخرى ( السلوى) في مسعىّ أعم، للربط بين مضمون الاسم وقصة الخروج. ونحن نعلم من القراءة الدينية للتوراة ولقصص القرآن، ان بني إسرائيل أصابهم الجوع في رحلة الهروب من مصر، وأن الله اطعمهم المن؟ للاسف، سائر هذه المحاولات انتهت إلى مأزق غير قابل للحل، فلا مضمون محدداً وواضحاً لأيّ من الكلمتين. كانت محاولة صديقي العالم الجليل رئيس المجمع اللغوي الليبي ( الشركسي الأصول) ابن مصراتة الليبية الدكتور علي فهمي خشيم، واحدة من أفضل المحاولات اللغوية وأكثرها ريادة، إذ بفضل معرفته العميقة بأسرار الهيروغليفية، اعتقد خشيم أن للكلمة صلة ب( المنو) أي البخور. وهكذا، لم يعد هناك أي مضمون للاسم له صلة بالجوع ؟ فهل من المنطقي أن الله يرسل البخور للجياع من عبّاده؟
لكل ذلك، لا بد من البحث خارج نطاق التأويل اللغوي، والتوغل عميقاً في مضمون أسطورة الخروج وحصول الجياع على المن والسلوى؟
لنلاحظ أولاً ، ان لا وجود لأي صورة في نص سفر الخروج، يمكن أن يفهم منها أن هناك جياعاً أو ضائعين في الصحراء. إن النصّ العبري واضح كل الوضوح، أمّا النص العربي فهو نتاج تزوير وتلفيق جديد- قديم. لا يوجد في النص العبري على وجه الإطلاق اسم سيناء، أو كلمة صحراء، او ( تيه) أو أن بني إسرائيل كانوا جياعاً تائهين؟ إن شكواهم وتذمراتهم من شقاء الرحلة، وحنينهم للأرض التي تركوها وهي أرض خصبة ( ثومها وبصلها كما في القرآن) تؤكد أنهم لم يكونوا جياعاً؛ بل كانوا يشعرون بشقاء الرحلة- الهجرة من أرضهم القديمة إلى أرض موعودة.
ولنلاحظ ثانياً، إن المن والسلوى كطعام هبط من السماء، وهذه صورة نموذجية للمائدة السماوية المقدسة التي تكتمل فيها طقوسية الخروج. وبالفعل؛ فإن الصورة التوراتية عن الطريقة التي جمع فيها بنو إسرائيل طعام ( المن) الذي هبط من السماء، ووضعها في نوع من السلال المصنوعة من ورق الشجر، تدّلل على أنه نوع من الحبوب (حبّة الرز). وما يلفت الانتباه، أن ثمة صلة بين اسم ( المن) وهو ( المنو) في السومرية أيضاً، وبين الرز، ذلك أن المن استخدم عند السومريين والبابلييّن كوحدة وزن للقمح والرز ولسائر الحبوب، وحتى اليوم يقال يستخدم أهل الجنوب في العراق ( المن) كوحدة وزن للرز. وهو كيلة واحدة منه. بهذا المعنى، يمكننا أن نجد مضمون الكلمة من داخل النسيج الطقوسي وليس من نسيج المفردة ذاتها. لقد أرسل الله للحجاج بقيادة موسى، مائدة سماوية مؤلفة من الرز. وهذا هو أساس كل وليمة مقدسة قديمة( حتى اليوم ينثر الرز في الكنائس في بعض الأعياد). وحبّة الرز- القمح، ذات مضمون دلالي خاص: الخصب.
ولنلاحظ ثالثاً، أن سفر الخروج يتضمن صوراً مدهشة من طقوس تقديم الذبيحة. لقد كان موسى يأمر بني إسرائيل بتقديم الثيران للذبح. وهكذا كان بنو إسرائيل يأكلون لحوم الأضاحي فقط دون رز. أنها وليمة طقوسيّة ناقصة، غير مكتملة، أي غير طاهرة، وهي لن تكتمل إلا بالحبوب؟ ولذا ارسل الله لهم من السماء ( المنو) ليعلمهم كيفية إعداد الوليمة المقدسة: اللحم والرز.وهكذا، فقصة المن والسلوى تروي بلغة رمزية، البدايات الأولى لتعلّم الإنسان في المنطقة كيفيّة إعداد الوليمة المقدسة في طقوس الحج. اللحوم والحبوب. لنتذكر أن الإخباريات العربية تروي عن إبراهيم النبي أسطورة بحثه عن ابنه إسماعيل، وكيف أنه سأل زوجة إبنه عن طعام وكانت من جماعة تسسمى العماليق ( عمليق في التوراة)؟ فقدمت له اللحم، فعاد يسألها: أليس لديك رز؟ وهكذا أيضاً، تروي أساطير الإخباريين في الجاهلية والإسلام، القصة القديمة ذاتها : الوليمة الطقوسيّة الناقصة. لقد أعدت زوجة إسماعيل وليمة طقوسية ناقصة، أي غير طاهرة، ولذا طلب إبراهيم من إسماعيل أن يطلق امرأته ويتزوج إمرأة من جُرْهُم. وحين زارها إسماعيل قدمت له الطعام بطقوسيته الصحيحة : اللحم والرز.
قصة المن والسلوى، يجب أن تفهم في هذا الإطار. السلوى هي بهجة الحجاج باكتمال عناصر الوليمة الطقوسية بعد ان هبط المن من السماء. لقد أصبحت الحبوب في كل العقائد القديمة، مقدسة بفضل هذا الجانب الحيويّ من وظيفتها في الوليمة الإلهية.  

الأربعاء، 10 يونيو 2015

إستراتيجيات التحكم في عقول الشعوب..... نومي تشوكومي

 إستراتيجيات التحكم في عقول الشعوب

 

1


 إستراتيجية الإلهاء: هذه الإستراتيجية عنصر أساسي في التحكم بالمجتمعات, وهي تتمثل في تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية, ويتم ذلك عبر وائل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة. إستراتيجية الإلهاء ضرورية أيضا لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضرورية في ميادين مثل العلوم, الاقتصاد, وعلم النفس, بيولوجيا الأعصاب وعلم الحواسيب. " حافظ على تشتت اهتمامات العامة بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية, واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقية, اجعل الشعب منشغلا, منشغلا, منشغلا, دون أن يكون له وقت للتفكير, وحتى يعود للضيعة مع بقية الحيوانات ".

 2

 ابتكر المشاكل .... ثم قدم الحلول: هذه الطريقة تسمى أيضا " المشكل ـ ردة الفعل ـ الحل ". في الأول نبتكر مشكلا أو مشكلا أو " موقفا " متوقعا لنثير ردة فعل معينة من قبل الشعب, وحتى يطالب هذا الأخير بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها. مثلا ترك العنف الحضري يتنامى, أو تنظيم تفجيرات دامية, حتى يطالب الشعب بقوانين أمنية على حساب حريته, أو: ابتكار أزمة مالية حتى يتم تقبل التراجع على مستوى الحقوق الاجتماعية وتردي الخدمات العمومية كشر لابد منه.

 3

استراتيجية التدرج: لكي يتم قبول إجراء غير مقبول, يكفي أن يتم تطبيقه بصفة تدريجية, مثل أطياف اللون الواحد ( من الغامق إلى الفاتح ), على فترة تدوم 10 سنوات. وقد تم اعتماد هذه الطريقة لفرض الظروف السوسيو ـ اقتصادية الجديدة بين الثمانينات والتسعينات من القرن السابق: بطالة شاملة, هشاشة, مرونة, تعاقد خارجي ورواتب لا تضمن العيش الكريم, وهي تغييرات كانت ستؤدي إلى ثورة  لو تم تطبيقها دفعة واحدة.

 

 

4

استراتيجية المؤجل: وهي طريقة أخرى يتم اللجوء إليها من أجل إكساب القرارات المكروهة القبول وحتى يتم تقديمها كدواء " مؤلم ولكنه ضروري ", ويكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الحاضر على تطبيق شيء ما في المستقبل. قبول تضحية مستقبلية يكون دائما أسهل من قبول تضحية حينية. أولا لأن المجهود لن يتم بذله في الحين, وثانيا لأن الشعب له دائما ميل لأن يأمل بسذاجة أن " كل شيء سيكون أفضل في الغد ", وأنه سيكون بإمكانه تفادي التضحية المطلوبة في المستقبل. وأخيرا يترك كل هذا الوقت للشعب حتى يتعود على فكرة التغيير  ويقبلها باستسلام عندما يحين أوانها.

5

مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار: تستعمل غالبية الإعلانات الموجهة لعامة الشعب خطابا وحججا وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي, وكثيرا ما تقترب من مستوى التخلف الذهني, وكأن المشاهد طفل صغير أو معوق ذهنيا. كلما حاولنا مغالطة المشاهد, كلما زاد اعتمادنا على تلك النبرة. لماذا ؟ " إذا خاطبنا شخصا كما لو كان طفلا في سن الثانية عشر, فستكون لدى هذا الشخص إجابة أو ردة فعل مجردة مجردة من الحس النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليها ردة الفعل أو إجابة الطفل ذي ألاثني عشر عاما ".

 6

 استثارة العاطفة بدل الفكر: استثارة العاطفة هي تقنية كلاسيكية تستعمل لتعطيل التحليل المنطقي, وبالتالي الحس النقدي للأشخاص. كما ان استعمال المفردات العاطفية يسمح بالمرور للاوعي حتى يتم زرعه بأفكار, ورغبات, ومخاوف, ونزعات أو سلوكيات.

 7

 أبقاء الشعب في حالة جهل وحماقة: العمل بطريقة يكون خلالها الشعب غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطرق المستعملة للتحكم به واستعباده. " يجب أن تكون نوعية التعليم المقدم للطبقات السفلى هي النوعية الأفقر, بطريقة تبقى أثرها الهوة المعرفية التي تعزل الطبقات السفلى عن العليا غير مفهومة من قبل الطبقات السفلى" .

 8

 .تشجيع الشعب على استحسان الرداءة: تشجيع الشعب على أن يجد أنه من " الرائع " أن يكون غبيا, وهمجيا و جاهلا

 9

 تعويض التمرد بالإحساس بالذنب: جعل الفرد يظن انه المسؤول الوحيد عن تعاسته, وأن سبب مسؤوليته تلك هو نقص في ذكائه وقدراته أو مجهوداته. وهكذا عوضا أن يثور على النظام الاقتصادي, يقوم بامتهان نفسه ويحس بالذنب, وهو ما يولد دولة اكتئابية يكون أحد أثارها الانغلاق وتعطيل التحرك. ودون تحرك لا وجود للثورة.

10

 معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم: خلال الخمسين سنة الفارطة, حفرت التطورات العلمية المذهلة هوة لا تزال تتسع بين المعارف العامة وتلك التي تحتكرها وتستعملها النخب الحاكمة. فبفضل علوم الأحياء, وبيولوجيا الأعصاب وعلم النفس التطبيقي, توصل " النظام " إلى معرفة متقدمة للكائن البشري, على الصعيدين الفيزيائي والنفسي. أصبح هذا " النظام " قادرا على معرفة الفرد المتوسط أكثر مما يعرف نفسه, وهذا يعني أن النظام ـ في اغلب الحالات ـ يملك السلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم.

 



الرمزيه بالقرآن الكريم .... بقلم كمال عزام


حينما يصار الى نشر فكرا يدعوا الى الحريه والنهوض بكرامة الانسان على اسس ذات قيم اخلاقيه .. فيجب علينا لزاما رفع هذا الفكر شعارا للتعايش تذوب تحت ظلاله كل انواع ألأنا والانقسام ..
ومما دفعني لهذا المنشور هو ربما انني ما عجزت عن وصفه وايصاله للاخوه المهتمين بشؤون القران الكريم وما وجدته في طرح منشوراتهم على مواقع التواصل ..
وذلك باعتماد اسلوب الرمزيه في بيان القران الكريم بشكل عام ..
إن فكرة الخطاب القرآني على انه كله رمزيه هي فكره قد اغفلت المعنى الحقيقي المتعلق بالخطاب الواقعي وافرغت الخطاب من محتواه التكليفي وهذه الفكره لا يمكن ان تصل الى المستوى المطلوب الوصول اليه من التفكر والدراسه والتدبر ..
فالرمز ..
هو كلمة تدل على اجتماع شيء متصلا بشيء آخر واقعي يدل عليه .. وهو استخدام كلام معين يدل على مجموعة من المعاني اللازمة لها منطقياً وليس فقط لسانياً ..
مثل لزوم الحياة للماء ..
فالماء رمز للحياة وليس معنى لساني لكلمة الماء .. وإنما مفهوم منطقي نصل إليه من خلال تجاوز المعنى اللساني إلى متعلقاته بالواقع .. فالمتعلق بالماء لزوما هو الحياة ويكون المفهوم الرمزي للماء هو الحياة ..
{قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار} آل عمران 41
فكما نلاحظ بالايه الكريمه فأن المفهوم الرمزي من حيث المآل لا يخرج عن الحقيقة والواقع بل لا بد له من واقع موجود حقيقي يتم تعلق الكلام الرمزي به..
فالنص يدل صراحة على أن الرمز هو أسلوب من أساليب الكلام المختصر العميق المعنى ويحتاج إلى تدبر وتجاوز المبنى اللساني ومعناه الحرفي إلى مفهوم مقصدي ملزم يتعلق بالمبنى والمعنى اللساني بشكل منطقي مثل تعلق الحياة بالماء ..
فالخطاب التشريعي المتعلق بثوابت الايمان كالحلال والحرام والوحدانيه لا يمكن أن يأتيا بأسلوب الكلام الرمزي لأن الخطاب التشريعي هو خطاب تكليفي يتعلق بتنظيم سلوك الناس والحرام والحلال والواجب .. والخطاب المتعلق بوحدانية الله يتعلق بالحق والباطل .. ويترتب عليه الحساب والمسؤولية .. وهذا لابد له من خطاب محكم واضح محدد .. وهذا مقتضى الحكمة و الرحمة .. ولو أتى بأسلوب الكلام الرمزي الغير متعلق بواقع لبطل الثواب والعقاب وضاع الحق واختلط بالباطل وانتفى الحساب لاحتمالية النص لأكثر من مفهوم ممكن ان يتعلق بالواقع ..
ولو تعلق الحساب والتكليف على هذا النحو لأنتفى عن المشرع الحكمة و الرحمة وصار الفعل عبثا وظلما .. وصار الخطاب متميعا وممكن يدل على كل شيء في كل زمن وانتفى عنه المفهوم الثابت .. وصار متحركاً نسبياً ويصلح لتحميله أي مفهوم ولا يدل على أي مفهوم بعينه ..
وحقيقة هذا الأسلوب هو نقض للخطاب القرآني التشريعي والخطاب الإيماني ..
فالخطاب التشريعي والخطاب الإيماني من النوع المحكم في الخطاب ولا يصح دراستهما بأسلوب الرمز قط .. ولا ينطبق عليهما قاعدة ثبات المبنى والمفهوم وتحريك المعنى و المحتوى ..

السبت، 6 يونيو 2015

غربيات .... بقلم عمر بن سالم

لكل مطلع على حضارة الغرب ومدنيته وثقافته يلمح ذلك التجسيد المادي لكل شيء ، حتى العقيدة حين وصلتهم ارادوها بنماذج ومجسدات ولم يستطيعوا استيعاب التجرد المطلق ، فلا تكاد تدخل كنيسة ولا كاتدرائية الا وهالك ذلك الكم من التجسيد للعقيدة .
ومن هنا برزت فتنتهم بالجسد والكمال البشري المتمثل لديهم في تمام البنية الجسدية ، فصوروا الهتهم واساطيرهم وابطالهم بهذه المنحوتات التي اعتنت بتفاصيل البدن وتشريحه واظهاره في القوام الذي نعرفه كلنا اليوم ونحتذيه ....هذا بعكس الحضارات الشرقية التي كانت تضع صورة مخالفة لالهتها وابطالها وما تماثيل بوذا وكريشنا الا مثال ..
فلما ان نقلوا موروثهم في العاطفة والحب وجدتهم يستظلون بجسد المراة وما يمكنها ان تقدم من مفاتن ظاهرة ..وخلدوها بتماثيل ترسم الشهوة والفتنة ..
وكان مما عاينت ورأيت في رحلاتي تلك الجسور التي رصعت بمئات الاقفال ، وقد نقشت باسماء عشاق مروا من هنا وتعاهدوا على الارتباط و"اقفال" ارواحهم على بعضها ، وهو اثر مادي يزول بزوال المادة التي منها صنع او الجسر الذي عليه وضع ..ولعل العلاقة في ذاتها لا تدوم ابعد من ضفتي الجسر الذي وضع عليه القفل..وهذا البرود والمحدودية في العاطفة وتمثيلها انسحب علينا وصرنا نلمحه في المنطوق من ثقافتنا والعلاقات المتواترة في مجتمعنا وارادة الارتباط بين الرجال والنساء ، وهو امر ليس مستغربا اذ اننا منفتحون على هذه الثقافة والمدنية ، ومولعون باتباعها ...
وهنا استدعي قصص العشق التي روتها البشرية وحفظتها ..فلا اجد في حظ الغرب منها الكثير ولعل ذلك راجع لهذا التجسيد المحدود ..فان اتجهنا شرقا تجد الالاف من القصص التي وعتها الذاكرة الانسانية في نماج لغوية وروحانية سامية ..وهذا قالب قل ان يجور عليه الزمن او تطاله السآمة لتجرده وتجريده الباقي بقاء العقل والخيال والانسان
‫#‏الغرب_كما_رأيته‬
الصورة مأخوذة بعدستي من جسر بعاصمة لاتفيا ريغا ومن جسر بالبندقية ايطاليا

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...