الأحد، 31 يوليو 2016

تاريخ المسيحية ليس «سلّماً تطوّرياً» لتفسير تاريخ المسلمين .... بقلم وسام سعادة

ما زال الفضاء الدراسي والبحثي المقارِن، بين التاريخ الديني والحضاري لكل من المسيحية والإسلام، ولكل من دار الإسلام ودار المسيحية، كما الفضاء الدراسي لنزعات التداخل، بل وحركات التخليط، بين المسيحية والإسلام (وهذه ازدهرت خصوصاً في الأناضول والبلقان بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر وتركت أثرها على بدايات التشكل العثماني)، فضاءين مُنَحيين إلى أبعد حد، في الرائج من كلام سياسي وفكر يومي. هذا رغم التراكم النوعي الحاصل في هذين الفضاءين.
ضريبة هذا الاحجام عن الاستفادة من هذا التراكم المعرفي بقاء الحوارية المعاصرة الإسلامية المسيحية أسيرة إما للمجاملات حول «الحقيقة الواحدة» التي تقال بطرائق شتى، وهذه مجاملات لا تلبث أن تنقلب إلى نقيضها (حقيقة واحدة محرّفة في دين ومصانة في آخر)، وإما لامتداح الاختلاف بشكل مغال، بما يجعله اختلافاً بين جوهرين ميتافيزيقيين لا مشترك بينهما إلا بشكل برّاني وعارض، وإما لتقديم أحد الدينين كـ»سلّم تطوّري» للدين الآخر، أو لأتباع الديانة الأخرى.
وعلى المنوال الأخير، يجري قياس المراحل التي مرّ بها الإسلام كدين وحضارة، منذ خروجه من شبه جزيرة العرب، على المراحل التي مرّت بها المسيحية كدين وحضارة، في محاولة لحصر الإشكالية بكيفية اللحاق والاقتداء. ثمة عندها من يقول باستحالة الوصول إلى الغاية نفسها (العقلنة، العلمنة، التسامح، الحداثة، حرية الفرد، حقوق الانسان). وثمة من يقول بجواز ذلك، أو حتميته ولو طال الأمد. العبرة في جميع الحالات أن المسيحية سبقت الإسلام بستة قرون، وهي بالتالي تنبئ له كدين وحضارة، بمراحل التطور التي يتوجب عليه أن يجتازها، أو يقتبس منها، «كالناظر في المرآة». ورغم أنّها احالة تتكرر على الشفاه والأوراق يكاد يكون منذ قرنين بلا انقطاع، ما زال هناك من يشعر أنه فطن حين يردّدها.
لئن كان هناك «مانع تفكير» ميبّس للبصيرة، فهو المسلك الذي يفرض المسيحية وتاريخها، كمرآة للنظر إلى واقع ومستقبل الإسلام والمسلمين، تشاؤماً أو تفاؤلا. في وقت طلّق فيه تاريخ الأديان المعاصر نهائياً مقاربة «السلّم التطوّري» التي كانت إلى قرن خلا تصنّف الأديان حسب حقباتها كمتدرّجة في بعدها ثم قربها من العقلانية الحديثة، أو بالأحرى «مطواعيتها» لهذه الأخيرة، لا يزال هناك من يريد الاستعانة ببدعة «السلّم التطوّري» هذه لرؤية «كم أنجز المسلمون» من الطريق التي سلكها قبلهم النصارى (واليهود).
المفارقة أنّه في عصر رواج بدعة «السلّم التطوري» غربياً في تاريخ الأديان، أي في القرن التاسع عشر ومطلع العشرين، وهو سلّم يختصر في أن كل دين أكثر يخطو خطوة أكثر مطواعية للعقلانية من الذي سبقه، وجد أهل هذه البدعة نفسهم في حرج، كون الإسلام المحمدي يأتي بعد المسيحية. قلة فقط أقرّت لأجل ذلك بامتياز العقلانية للإسلام في مقابل المسيحية. الآخرون حاولوا «تأويل السلّم التطوّري» هذا، بمحاولة ارجاع الإسلام إلى ما قبله، باعتباره اما يهودية محوّرة، واما مسيحية محرّفة، واما خلطة يهومسيحية، او مانوية معدّلة، أو الاستناد على المدونات الإسلامية التأسيسية نفسها، التي تقدّم الإسلام بما هو دين جميع الأنبياء منذ آدم، وبما هو دين الفطرة في الانسان، لتصنيفه كـ»دين طبيعي»، وبالتالي كدين سابق على «السلّم التطوّري» بالنسبة لأصحاب السلبية المسبقة من الإسلام والمسلمين، أو كغاية للسلّم التطوّري، مقارن في الجوهر لـ»ربوبية عصر الأنوار».
طبعاً، عرفت كتابة «تاريخ الفرق» في الإسلام شكلاً معيّناً من «السلّم التطوّري» لقياس الملل والنحل على بعضها البعض، لكن ذلك بقي جزئياً ونسبياً إلى حد كبير، مثلما أن التصورات الإسلامية حول «الخاتمية» و»التمامية» لم تتبلور بين ليلة وضحاها، ولا هي انحصرت بتحديد أوحد ونهائي، ولا هي من الأساس ربطت نفسها بحجية «السلّم التطوّري». بالعكس، كل فكرة الخاتمية والتمامية اتمام سيرورة نبوية تمتد من «آدم حتى محمد».
«السلّم التطوّري» لم يعد بزاوية النظر الصالحة لدراسة أي دين أو تجربة دينية أو روحية في تاريخ العالم وحاضر الكوكب المفارقة، أنّ كل التوترات الإسلامية – الغربية لم تدفع المسلمين تحديداً، بمن فيهم الإسلاميون، لفك الارتباط مع هذا «السلّم» المعيق للنظر والفعل. ما زال «السلّم التطوّري» هذا ملاذ البليد حين لا يكون أرعن، والأرعن حين لا يكون بليداً.
وهكذا، تجد تحديداً في المنطقة العربية، عند النخب الثقافية المسلمة، وكذلك عند النخب الثقافية من «انصاف المسلمين»، اي مسيحيي العالم الإسلامي، اوهاما كثيرة حول المراحل التي مرّ بها تاريخ المسيحية. تصور مغلوط حول العصر الوسيط الغربي، اذ يجري التعامل معه كعصر ظلمات، و«استبداد كنسي». وتصور مغلوط حول العصور الحديثة، التي يجري التعامل معها بغائية «فصل الديني عن الدنيوي» بشكل تراكمي، لا نكهة فيه ولا مفارقة.
لم يكن العصر الوسيط عصر ظلمات فقط. لم يكن «الاستبداد الكنسي» هذا شاملاً وصلباً، ولكم حطّمته مرجعية لها هالة دينية هي الأخرى، وان تكن «علمانية»، هي مرجعية الامبراطور المقدس. أما التراكم المعرفي والفكري فحدث لألف عام ضمن أديرة هذه الكنيسة وليس في أي مكان آخر. في المقابل، وكما يسعفنا المؤرخ الفرنسي المعمّر الفذ جان دليمو، بقي هذا العصر الوسيط «محدود التنصير» في أوروبا. «المسحنة الشاملة»، حدثت في بدايات الأزمنة الحديثة فقط. أما أعمال مؤرخ آخر، فقدناه العام الماضي، كريستوفر بايلي، فتظهر لنا أنه، ان كان من قرن اتسع فيه نفوذ الكنيسة الكاثوليكية أوروبياً وغربياً أكثر من سواه، فهو القرن التاسع عشر.
رفض اعتماد «السلّم التطوّري» كمرآة للنظر في تاريخ الإسلام وفقاً لمراحل قطعتها المسيحية يتكامل اذاً مع تنبيه للحاجة إلى الاعتناء عربياً، عند المسلمين كما عند مسلمي الشرق، بتاريخ المسيحية، وتاريخ «دار المسيحية» خصوصاً، اذ كانت المسيحية الأوروبية الميديفالية تعرف أيضاً بمداها الجغرافي الروحي، «الكريستندوم»، قبل ان يتراجع هذا المفهوم مع انبثاق المفهومين الحديثين لـ«أوروبا» و«الغرب».
فهم ما مرّت به «دار المسيحية» يعطي أبعاداً جديدة لدراسة ماضي المسلمين وحاضرهم، انما ليس أبداً باختزال المقارنة بالمسالك المتهافتة، وخصوصاً «السلّم التطوّري» ومعزوفة الاقتداء واللحاق.


٭ كاتب لبناني


الخميس، 28 يوليو 2016

أسطورة "الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود"... حقيقة أم خيال ؟

يقول د. خالد الخالدي - رئيس قسم التاريخ والآثار - الجامعة الإسلامية (بتصرف):إن كثيراً من أبناء الشعوب العربية قد صدَ'قوا الإشاعات التي نشرها اليهود، وروج لها أعوانهم، وأَهمها: "أن الشعب الفلسطيني باع أَرضه لليهود". وقد تعرضت أنا شخصياً لهذا السؤال مرات عدة، وفي بلدان عربية مختلفة.


سوف أتناول هذا الموضوع بحياد ونزاهة وعلمية، مدافعاً عن الفلسطينيين بما يستحقون، ومحملاً إياهم ما وقعوا فيه من أخطاء. وقد استقيت معلوماتي من كتب ووثائق موثوقة.
بلغت مساحة الأراضي التي وقعت تحت أيدي اليهود حتى عام 1948م من غير قتال أو حرب، حوالي (2) مليون دونم. أي ما يعادل 8.8% من مساحة فلسطين التي تبلغ 27 مليون دونم.
حصل اليهود على تلك الأرض (2 مليون دونم) بأربع طرق هي:
أقلية: 650 ألف دونماً حصلوا على جزء منها كأي أقلية تعيش في فلسطين منذ مئات السنين. وجزء آخر حصلوا عليه باستخدام الرشاوي من بعض الأتراك الفاسدين في السلطة أيام الحكم العثماني.
منحة بريطانية: 665 ألف دونماً حصل عليها اليهود بمساعدة حكومة الانتداب البريطاني المباشرة. فأعطوهم إياها إما منحة مجانية أو بأسعار رمزية أو هدية خاصة.
تفرق الأملاك بعد تقسيم بلاد الشام: 606 ألف دونماً اشتراها اليهود من إقطاعيين لبنانيين وسوريين، وكان هؤلاء الإقطاعيون يملكون هذه الأراضي الفلسطينية عندما كانت سوريا ولبنان والأردن وفلسطين بلداً واحداً تحت الحكم العثماني يُسمى بلاد الشام أو سوريا الكبرى، وعندما هزمت تركيا واحتل الحلفاء بلاد الشام، قسمت هذه البلاد إلى أربعة دول أو مستعمرات، حيث خضعت سوريا ولبنان للاحتلال الفرنسي، وشرق الأردن للاحتلال البريطاني، وفلسطين للانتداب البريطاني توطئة لجعلها وطناً قومياً لليهود. وهكذا أصبح كثير من الملاك السوريين واللبنانيين يعيشون في بلد وأملاكهم في بلد آخر، فانتهز كثير منهم الفرصة وباعوا أرضهم في فلسطين لليهود الذين دفعوا لهم فيها أسعاراً خيالية.
باع أرضه: 300 ألف دونم من فلسطينيين. بالرغم من جميع الظروف التي وضع فيها الشعب الفلسطيني والقوانين المجحفة التي سنها المندوب السامي الذي كان يهودياً في الغالب، إلا أنَ مجموع الأراضي التي بيعت من قبل فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً بلغت 300 ألف دونم، وقد اعتبر كل من باع أرضه لليهود خائناً، وتمت تصفية الكثيرين منهم على أيدي الفلسطينيين.
فتوى بالإجماع عام 1935 بتحريم بيع أي شبر لليهود :
قام أبناء فلسطين خصوصاً في الثلاثينيات من القرن العشرين بجهود كبيرة في محاربة بيع الأراضي، وكان للمجلس الإسلامي الأعلى بقيادة الحاج أمين الحسيني، وعلماء فلسطين دور بارز. فقد أصدر مؤتمر علماء فلسطين الأول في 25 يناير 1935 فتوى بالإجماع تحرِم بيع أي شبر من أراضي فلسطين لليهود، وتعدُ البائع والسمسار والوسيط المستحل للبيع مارقين من الدين، خارجين من زمرة المسلمين، وحرمانهم من الدفن في مقابر المسلمين، ومقاطعتهم في كل شيء والتشهير بهم.
السبب الحقيقي لخسارة الأرض:
إن الخسارة الحقيقية لأرض فلسطين كانت بسبب هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948، وإنشاء الكيان الصهيوني – إثر ذلك – على 77% من أرض فلسطين، وقيامه مباشرة وبقوة السلاح بطرد أبناء فلسطين، والاستيلاء على أراضيهم، ثم باحتلال باقي أرض فلسطين إثر حرب 1967 مع الجيوش العربية، وقيامه بمصادرة الأراضي تحت مختلف الذرائع.
بلغت مساحة الأراضي التي وقعت تحت أيدي اليهود حتى عام 1948م من غير قتال أو حرب، حوالي (2) مليون دونم. أي ما يعادل 8.8% من مساحة فلسطين التي تبلغ 27 مليون دونم.حصل اليهود على تلك الأرض (2 مليون دونم) بأربع طرق هي:أقلية: 650 ألف دونماً حصلوا على جزء منها كأي أقلية تعيش في فلسطين منذ مئات السنين. وجزء آخر حصلوا عليه باستخدام الرشاوي من بعض الأتراك الفاسدين في السلطة أيام الحكم العثماني.منحة بريطانية: 665 ألف دونماً حصل عليها اليهود بمساعدة حكومة الانتداب البريطاني المباشرة. فأعطوهم إياها إما منحة مجانية أو بأسعار رمزية أو هدية خاصة.تفرق الأملاك بعد تقسيم بلاد الشام: 606 ألف دونماً اشتراها اليهود من إقطاعيين لبنانيين وسوريين، وكان هؤلاء الإقطاعيون يملكون هذه الأراضي الفلسطينية عندما كانت سوريا ولبنان والأردن وفلسطين بلداً واحداً تحت الحكم العثماني يُسمى بلاد الشام أو سوريا الكبرى، وعندما هزمت تركيا واحتل الحلفاء بلاد الشام، قسمت هذه البلاد إلى أربعة دول أو مستعمرات، حيث خضعت سوريا ولبنان للاحتلال الفرنسي، وشرق الأردن للاحتلال البريطاني، وفلسطين للانتداب البريطاني توطئة لجعلها وطناً قومياً لليهود. وهكذا أصبح كثير من الملاك السوريين واللبنانيين يعيشون في بلد وأملاكهم في بلد آخر، فانتهز كثير منهم الفرصة وباعوا أرضهم في فلسطين لليهود الذين دفعوا لهم فيها أسعاراً خيالية.باع أرضه: 300 ألف دونم من فلسطينيين. بالرغم من جميع الظروف التي وضع فيها الشعب الفلسطيني والقوانين المجحفة التي سنها المندوب السامي الذي كان يهودياً في الغالب، 

إلا أنَ مجموع الأراضي التي بيعت من قبل فلسطينيين خلال ثلاثين عاماً بلغت 300 ألف دونم، وقد اعتبر كل من باع أرضه لليهود خائناً، وتمت تصفية الكثيرين منهم على أيدي الفلسطينيين.فتوى بالإجماع عام 1935 بتحريم بيع أي شبر لليهود :


قام أبناء فلسطين خصوصاً في الثلاثينيات من القرن العشرين بجهود كبيرة في محاربة بيع الأراضي، وكان للمجلس الإسلامي الأعلى بقيادة الحاج أمين الحسيني، وعلماء فلسطين دور بارز. فقد أصدر مؤتمر علماء فلسطين الأول في 25 يناير 1935 فتوى بالإجماع تحرِم بيع أي شبر من أراضي فلسطين لليهود، وتعدُ البائع والسمسار والوسيط المستحل للبيع مارقين من الدين، خارجين من زمرة المسلمين، وحرمانهم من الدفن في مقابر المسلمين، ومقاطعتهم في كل شيء والتشهير بهم.السبب الحقيقي لخسارة الأرض:


إن الخسارة الحقيقية لأرض فلسطين كانت بسبب هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948، وإنشاء الكيان الصهيوني – إثر ذلك – على 77% من أرض فلسطين، وقيامه مباشرة وبقوة السلاح بطرد أبناء فلسطين، والاستيلاء على أراضيهم، ثم باحتلال باقي أرض فلسطين إثر حرب 1967 مع الجيوش العربية، وقيامه بمصادرة الأراضي تحت مختلف الذرائع.



الأحد، 24 يوليو 2016

ملحدونا ومتنورونا والمروءة المفقودة ....... بقلم جمال ضو


لم يعد اليوم إعلان المرء لإلحاده على صفحات الفايسبوك أو في وسائل الإعلام يعتبر شجاعة ..ولا مهاجمة كل ماهو عربي وكل ماهو إسلام شجاعة...كما لم يعد تحقير العربية كلغة شجاعة...فعندما تكون الأمة الإسلامية والعربية ضعيفة أو أي أمة أخرى فإن هذه هي فرصة مثالية للجبناء فكريا بأن يعلوا صوتهم لاحتقار كل مقومات تلك الأمة...ويطفو على السطح منعدمي المروءة والشجاعة لينهشوا فيها ويتزلفون للأمم الأخرى...فيتنكرون لبني جلدتهم ودينهم ولغتهم وثقافتهم...بل يبحثون عن أثرة من التاريخ المزيف أو الحقيقي علها تصلهم بـأمة منتصرة اليوم...


إن صاحب المروءة والشجاعة والمثقف الحر تجده دائما في صف المستضعف حتى وإن خالفه فكريا ودينيا...صفات المروءة تكاد تكون صفات غير مكتسبة بل أصيلة في الإنسان...أي يجبل عليها المرء..لهذا تجد أغلب المفكريين الغربيين المعروفين بالنزاهة الفكرية والموضوعية لا يسلطون سيوفهم وأقلامهم على الأمة الإسلامية ولا على المستضعفين من الناس ...بل تجدهم دائما في موضع دفاع عن الضعفاء والمستضعفين والمظلومين ...بينما منعدمي المروءة ممن ينسبون مرة للثقافة ومرة للفكر من بني جلدتها فتجد سيوفهم وأقلامهم علينا وعلى المستضعفين من هذه الأمة ولا يفوتون فرصة للتقرب للآخر ولو على حساب كرامتهم..


الملحد أو المهزوم فكريا أو الملحد الحضاري كما سماه أحد الأصدقاء من المجتمع المسلم أو العربي تجده مسارعا في جلد أمته وسب دينها وتسفيه أحلامها...بل في أغلب الأحيان لا يجاريه حتى أشد المتطرفين والعنصريين من الغرب....إنه ظاهرة نادرة تثير الإشمئزاز...يتأفف منهم حتى أعداء هذه الأمة ويضيقون بخلقهم ذرعا...
وما أكثر هذه الكائنات في وطننا الإسلامي..بل إنهم يتصدرون المشهد الإعلامي والثقافي في جميع البلدان الإسلامية تقريبا وأوكل لهم شأن إدارة شؤون هذه الأمة...
الخصال التي تأسرني هي خصال المروءة والشجاعة والعدل...وأحترم اختيار الملحد لإلحاده أو أي إيديولوجية يعتنقها المرء ، ولكن حتما لن أحترمه إذا تنكر لإنسانيته وأفتقد العدل ..فهذا يدل على أن اختياره للإلحاد أو أي أيديولوجية أخرى غير نابع عن قناعة فكرية أو تأمل ، بل نابع عن محاولة منه للتنكر لقومه ومجتمعه عله يجد القبول والرضا عند المجتمعات المنتصرة، إنه نابع عن هزيمة فكرية بداخله...يختار جانب القوي المنتصر دائما، فهذا يكفيه عناء التفكير في هموم أمته ويختصر له الطريق...فهو يصبو إلى الذوبان في الآخر والتماهي معه....وهذا في الواقع يعطينا صورة لما يمكن أن يقوم به هذا النوع من بني جلدتنا أذا آل له أمر هذه الأمة وسلطانها...


هذا التصرف من انعدام المروءة والهزيمة الحضارية أو الإلحاد الحضاري قد يكون تصرف أفراد أو جماعات..فلقد تتطور حالة الإلحاد الحضاري أو الهزيمة الحضارية من حالات فردية نخبوية إلى حالة أو ظاهرة مجتمعية تأخذ أشكالا متعددة تحاول في كثير من الأحيان أن تظهر في شكل عقد تفوق- بحكم تشكل قناعة زائفة أن هذه الجماعة لا يسري عليها ما يسري على باقي الأمة- ولكن في واقع الأمر هي انعكاس لعقدة نقص متجذرة بل أبدية. لأن هذا النوع من الناس سرعان ما تتغير بوصلتهم بتغير دورات الحضارة...وبهذا الشكل يحرمون أنفسهم من أن يكونوا مشاركين في صناع حضارات ويجدون أنفشهم مجرد متزلفين متملقين للحضارات وعبئا عليها وأسرع الناس إلى الخيانة والغدر.3

 

الجمعة، 22 يوليو 2016

«بني عداس» غجر الجزائر المنبوذين ........... بقلم راضية آيت خداش


«بني عداس» أو «عدايسية» هي كلمات توارثها الجزائريون عن الأمهات والجدات لنعت الأشخاص المنحطين أخلاقيا ولكن قليل منهم يدرك أصل هذه التسميات، اللهم عدد قليل جدا من أهل الاختصاص من المؤرخين وطلبة معاهد البحوث التاريخية والمتخصصون في علم الأنساب.
في الحقيقة فإن أصل هذه الكلمات يعود إلى فئة من الناس يتعايش معها الجزائريون بحذر ولكنهم يجهلون تاريخهم وأصولهم، البعض من الجزائريون يطلقون عليهم اسم "بني عداس" و"بني هجرس" والبعض الآخر ينعتونهم ب "الجيطانو" أو "الجواطنة" وتعني الغجر. قد تختلف التسميات من منطقة إلى أخرى، لكن هؤلاء القوم يشترك جميعهم في أسلوب عيش واحد وموحد، هو الترحال المستمر، ويشتركون أيضا في ميزة واحدة وهي أنهم إذا حلوا بأرض عاثوا فيها فساداً. هم رغم وفرة المال عندهم لتربيتهم الماشية من غنم وضأن ومعز وجمال، تجدهم يفضلون الخيام والعربات المتنقلة التي تجرها البغال يستخدمها هؤلاء عادة كمراقد مؤقتة تستجيب لتفاصيل حياة التسكع تحت نجوم السماء بعيدا عن جدران الإسمنت الآمنة .

و

يتميز بني عداس كباقي قبائل الغجر بلباس مميز يختلف عن باقي المواطنين وعلامات الوشم الموزعة عبر أنحاء الجسم ويعرف نساءهم باسم  "القزانات" وتعني المتسولات والمشعوذات، يتظاهرن بالفقر لاستعطاف المارة عن طريق ارتداء ملابس رثة كما يغطي الوسخ ملامح وجوههن. 

"عقلية بني عداس "

 "ترخسي يا الزرقا ويركبوك بني عداس" ... هو مثل آخر يتردد كثيرا على ألسنة سكان الشرق الجزائري و هو يضرب للشيء الغالي حين يرخص ويصبح في متناول رعاع الناس.
والحقيقة أن هذا المثل مرتبط بواقعة تاريخية تعود إلى الأيام الأولى لدخول الاستعمار الفرنسي للجزائر حيث جوبه بمقاومة شرسة من القبائل الجزائرية الأصيلة استمرت عقودا من الزمن دفع فيها الشعب الجزائري كل غال و نفيس, فلم تجد فرنسا من يؤيدها و يدعمها في هذه الأرض المقاومة سوى قبائل بني عداس . و هم قوم من الغجر يعيش رجالهم على السرقة والاحتيال و نساءهم على قراءة الكف و (أمور أخرى).. فألبستهم فرنسا البرانيس والعمامات وأركبتهم الجياد الأصيلة وأطلقتهم على البلاد والعباد ليعيثوا فيها فسادا ويجعلوا أعزة أهلها أذلة.
ووفقاً للواقعة التي دونها المؤرخون، نظر أحد الموطنين الأحرار إلى واحد من هؤلاء الرعاع وهو يمر في كامل زينته متبخترا على فرس زرقاء وقال مخاطبا الفرس التي عز عليه أن يمتطيها حثالة الناس.."ترخسي يا الزرقا ويركبوك بني عداس". فأصبح قوله هذا مثلا يتردد على ألسنة الخلق.
خرجت فرنسا وأصبحت من الماضي، لكن عقلية بني عداس توارثها أهلها.
ولقد ظل وما يزال تعبير "بني عداس" محملا إلى يومنا هذا بشتى المدلولات اللاأخلاقيّة التي تنوب مناب الشتيمة للشخص المراد إهانته، شتيمة عادة ما تُطلق لوصف أصحاب الأخلاق المنحطّة والفئات الرذيلة في المجتمع، ولا غرو أن تسمع أمّا تنعت واحدا من أولادها رفض الانصياع لأوامرها أو توجيهاتها، أو أظهر سلوكا مشينا، بأن تقول له "روح يا بني عداس" أو "روح يا لعدايسي". ومثلها تفعل أمهات أخريات مع بناتها عندما تزّل إحداهن أو تخطئ، فتروح قائلة لها "أيتها العدايسية" ، والاستعمالات جميعها تحيل إلى قلة التربية والحياء.
أصل بني عداس:

يرجح بعض المؤرخون أصل قبائل بني عداس إلى تونس، فيما يقول بعضهم أنهم عصبة من المتشردين واللصوص والشحّاذين والسحرة جاؤوا من الهند، أو أنهم جاءوا من افغانستان في الألف الأول الميلادي.


تروي أغلب الروايات التاريخية أن السلالة البشرية للغجر تعود للقرون الغابرة وهم ينحدرون من الأصول الهندية، انتقلوا إلى أرض اليونان ليتوسعوا في باقي أنحاء أوروبا، اشتهر تعريفهم حتى في الأكاديميات بأنهم جنس رحالة يعيشون في شكل قبلي، يمتهنون التسول والكهانة ولا وجود لأية قيمة اجتماعية عندهم. وجودهم في أوربا لم يقصي وجودهم بالجزائر إذ تمكنوا من الوصول إليها عن طريق رحلاتهم، فمن بين أشهر القبائل الغجرية المعروفة في الجزائر بني هجرس وبني عداس الجزائرية و العمريون على غرار تجمعات منطقة الحاسي بضواحي سطيف، ومناطق أخرى في ولايات من الشرق والغرب مثل ولاية غليزان، تيارت وسعيدة وحتى الجنوب الجزائري ولعل المتتبع لبعض الشوارع الجزائرية يكتشف انتشار العمريون من خلال ما يخترعونه من بدع وطلاسم يحاولون أن يملؤوا بها عقول الناس رغبة في الحصول على المال والاسترزاق.
لا جنائز ولا هويات لتشييع أموات الغجر

نقلت صحيفة "جزايرس" عن الشيخ محمد في الستينات من العمر، وهو من أحد أفراد قبيلة بني عداس في ولاية سعيدة، قوله أنه فيما يتعلق بدفن الموتى، يتوجه الأهالي إلى أقرب المساجد، ويتركون الميت هناك من دون تشييع جنائزه ولا حتى الوقوف على دفنه وتوديعه؟ وتجدر الإشارة إلى افتقاد هؤلاء لوثائق هوية، مأساة تمتد إلى جوانب أخرى، حيث كثيرا ما يضطرون إلى نقل مرضاهم إلى المستشفيات وربما تنتهي القضية بوفاة، فتكون الطامة أكبر، حيث يصعب تسجيل العملية إداريا وإخراج الميت للدفن، فضلا عن عدم معرفة هؤلاء بطرق التعامل مع الإدارة.
والمثير للانتباه أن قبائل بني عداس لا يملكون وثائق الهوية فهم عادة يتزوجون "عرفيا" دون تسجيل زواجهم في الحالة المدنية مما يمنع أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة والتعليم كما ليس لهم الحق في الاستفادة من السكنات الاجتماعية وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية.

المصدر    http://www.albayan.ae/editors-choice/varity/2015-09-15-1.2459623

 

الأربعاء، 20 يوليو 2016

شحاذ في سوق بغداد ........ بقلم الصادق النيهوم

قصة البترول في البلاد النامية، مثل قصة علاء الدين والمصباح السحري، رمز شديد الحدة لما يستطيع النهم البشري أن يفعله في مجتمع من الرجال البسطاء. رمز للبطن المتورمة التي لا تستطيع أن تجعل عالم الإنسان مجرد كيس جلدي معبأ بالأطعمة المعلبة.


البترول ومصباح علاء الدين قصتان مضحكتان. والمرء لا يستطيع أن يغالب الضحك عندما تخطر بباله كل الجهود اليائسة التي بذلها الإنسان في قتال بطنه عبثاً.خلال عام 1904 اكتشف أحد المغامرين منجماً للذهب في الآسكا، تلك الصحراء الجليدية الموغلة في القبح عند القطب الشمالي، واشترى لنفسه فأساً وطفق يعبئ جيوبه بالذهب ويحتل مكان الصدارة في الحانات ويدفع حساب بقية الرواد.وكانت الآسكا مجرد جحيم معبأ بالصيادين الفقراء بلغ من سوء سمعتها أن الولايات المتحدة رفضت أن تضمها إلى الاتحاد ست مرات خلال عام واحد. ولكن اكتشاف الذب غيّر خطة واشنطن تجاه (الجحيم) بصورة تدعو إلى الإثارة. ثم غيّر خطط الآخرين أيضاً.وخلال عامين فقط تضاعف عدد سكان آلاسكا ثلاث مرات، وحفر المغامرون ثلاثة عشر ألف منجم، وجاء من واشنطن خمسة آلاف خبير اقتصادي لخدمة الشركات، ونهضت المدن في وسط الجليد، وامتدت الطرق والسكك الحديدية والحانات على طول الدائرة القطبية، وامتلأت الآسكا بالجثث والمسدسات والقصص التي تثير القيء.ثم نفذ الذهب وعاد كل امرئ إلى بيته، ونقص عدد السكان ثلاث مرات، وغطى الجليد كل الطرق.. وعادت الآسكا مرة اخرى جحيماً معبأ بالصيادين الفقراء والقواعد العسكرية. لم يبق شيء من سني الإثارة.لا شيء على الإطلاق سوى أشباح القتلى الذين فقدوا رؤوسهم في المبارزات القديمة عند مناجم الذهب.وفي إيران اكتشف أحد المغامرين ذهباً أسوداً ودعاه البترول. حدث ذلك خلال عام 1906 وبعد ثلاثين عاماً أخرى كانت إيران رابع دولة منتجة للبترول في العالم بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفنزويلا.وجاء الخبراء كالعادة وتضاعف عدد السكان ونهضت المدن على مد العين، وفتح أحد الفقهاء دكاناً للكتابة العمومية ليبيع فيه الخطب الفصيحة بنصف ريال، وازدحمت ميادين طهران بالمستمعين، وتحدث الرجال الفصحاء ثمانية وثلاثين عاماً بلا انقطاع، ولم يقل أحد منهم أنه ارتكب خطأ ما أو وضع قرشاً في غير محله أو أساء التصرف.أما الإحصائيات غير الفصيحة فمازالت تقول: إن نسبة الأمية في إيران تصل إلى 24% وهي من أسوأ النسب في العالم، وأن متوسط دخل الفرد يقل عن مائة جنيه في السنة.. وهو أيضاً من أسوأ الأرقام في العالم، وأن أراضي إيران المزروعة لا تتعدى 2% من المساحة الكلية، وأن إيران – بعد ثمانية وثلاثين عاماً من إنتاج البترول – تأتي في الترتيب السابع والثمانين بين دول العالم في نموها الاقتصادي.أليس ذلك مثيراً للدهشة؟الواقع أن أحداً لم يلق نقود إيران من النافذة. أعني أن أحداً لم يسرق تلك النقود ويخبئها في المحيط. كل ما حدث أن دخل البترول ابتلعته المشاريع الميتة وصار كوماً ميتاً من الحجر، أما الأرض والمصانع والاستثمارات الحية فلم يهتم بها أحد سوى الفقي صاحب دكان الكتابة العمومية.والنتيجة أن ارتفع مستوى الدخل في إيران خلال العشر سنوات الأولى بمقدار الضعف ثلاث مرات ثم توقف خلال عام 1948 ثم طفق ينخفض أيضاً. ومن المتوقع أن يواجه ذلك البلد كارثة اقتصادية تضاهي ما حدث في الآسكا قبل عام 1904 إذا فشلت ثورة الشاه الحالية ضد الإقطاع الرأسمالي، ومع ذلك لا تتركوا يران تستدر عطفنا كله قبل أن نسمع قصة فنزويلا. إنها تملك 6% من بترول العالم، وتملك كل لؤلؤ البحر الكاريبي، ومخازن الذهب الهائلة تحت بحيرة (ماراكيبو) إلى جانب سبعين مليون طن من الحديد الخام في منطقة (البابو)، وجبلاً آخراً من الحديد في منطقة (كيرو بولفاروا).إن فنزويلا بلد ثري من جميع الوجوه. والفقي الذي فتح دكاناً للكتابة العمومية هناك يعرف هذه الحقيقة أكثر من سواه، فقد كتبها في كل خطبة إسبانية فصيحة تردد صداها في شرفات (كاركاس) العاصمة، وكتبها بلغات المواطنين الحمر أيضاً.. كتبها بالفحم على الجدران.وفنزويلا تنتج البترول منذ عام 1920 بهمّة تدعو إلى الإعجاب وتنتج الذهب والحديد وبقية الأشياء الأخرى التي قررت شهرزاد أن تدعوها (مصباح علاء الدين) ومع ذلك.. أعني ورغم كل النوايا الطيبة وخطب الكاتب العمومي فإن الإحصائيات تروي قصة أخرى:نسبة الأمية في فنزويلا 49%.ثمة طبيب واحد لكل عشرة آلاف من السكان.مائة وستون ألف مواطن يملكون 75% من الأراضي المزروعة، وبقية السكان – وهم ثمانية ملايين – يملكون 15%.نسبة الأراضي المزروعة إلى مساحة فنزويلا كنسبة واحد إلى تسعين.لا صناعة على الإطلاق سوى مصنع التبغ المحلي.الماشية نقصت بمقدار النصف، من ثمانية ملايين رأس إلى أربعة ملايين فقط خلال الخمس سنوات الأولى من بدء إنتاج البترول.متوسط دخل الفرد مائة وسبعون جنيهاً في العام.فنزويلا تأتي من حيث نموها الاقتصادي في الترتيب الخامس والستين بين دول العالم.أليس ذلك مدهشاً؟الواقع أن أحداً لم يلق نقود فنزويلا من النافذة، أعني لم يسرقها ويخبئها في المحيط، كل ما حدث أن دخل البترول ابتلعه بناء (كاركاس)، بناء الأورتيوريوم المرمري وحدائق لاغوريا وتماثيل النحاس في سان كريستول والرواتب ونفقات الشرطة وصدقات رئيس الجمهورية على الفقراء.وقد نسي الخبراء في فنزويلا بقية الأشياء الاخرى، ونسوا انهم معرضون للموات في شوارع كاركاس إذا قررت الولايات المتحدة أن تكف عن شراء بترولهم كما حدث خلال عام 1950، ولم يتذكر أحد تلك الحقيقة القديمة حتى طلب الرئيس جونسون من وفد فنزويلا في الأمم المتحدة لصالح إسرائيل أو يمنع عنهم الخبز.وأعطى الوفد صوته كما أراد الرئيس، ونسي القصة مرة أخرى على عادة الفرسان الأسبان القدماء، فالمرء – في فنزويلا أبيض القلب على الدوام.نهاية المطاف.أن البترول ومصباح علاء الدين قصتان مضحكتان. وأن كلاً منهما يستطيع أن يحيل – المرء في لمحة عين – عجوزاً بدوياً نصف متحضر إلى عارض لأحدث الأزياء ويجعله أضحوكة تبعث على السأم، ويغري بالجواري ووسائد ريش النعام. فإذا ضاع المصباح اكتشف علاء الدين أنه مازال شحاذاً في سوق بغداد.ونهاية المطاف:


يا إلهنا! هل ستترك ذلك يحدث في ليبيا.





الأحد، 17 يوليو 2016

الجمال إن حكى ........... بروين حبيب

قال المفكر المغربي محمد إقبال عروي، «إنّ تذوق الجمال يحتاج إلى تغيير في مناهج التّعليم وفلسفة التربية في مجتمعاتنا». وجاء كلامه هذا في سياق مقابلة تلفزيونية ممتازة تناولت موضوعا جد حساس حول جماليات النص القرآني، مع إلقاء نظرة على علم الجمال وما يزخر به التراث العربي من قيم جمالية، وكانت في كلامه دعوة لطيفة وذكية لإعادة قراءة تراثنا من منظور جمالية التّلقي.
وقد تذكرت وأنا أتابع حديث المفكر عروي القليل مما قرأته لعالم النّفس مصطفى سويف حول علم النّفس الإبداعي، وما كشفه لنا من خيوط متينة رابطة بين العلم والفن، وأن هذه المتلازمة هي التي تصنع الأمم المتحضرة.
أن يقفز اسم مصطفى سويف من عمق ذاكرتي وأنا أصغي لمحمد إقبال عروي ليس سوى واحدة من المحفِّزات الفكرية، التي تنشط الذاكرة وتربط بين عناصر متشابهة في بناء الأفراد والجماعات وانبثاق ما يسمى بمجتمعات متميزة وأخرى لا، إذ كثيرا ما أجد الترابط بين أفكار مفكر من المشرق وآخر من المغرب تصب في نظرية واحدة لا يمكن إشباعها وقطف ثمارها إلاّ حين تجمع لإكمال بعضها بعضا.
و كثيرا ما قرأت تعليقات قرائي المحترمين الذين يتميزون بمستوى فكري عالٍ أبهرتني بحجم الإضافات العميقة، التي يثرون بها مقالاتي، ما يجعل تلك المكملات جزءا مستمرا للفكرة المطروحة لا تقليلا من قيمتها. وهذا ما يلزمنا لجعل الفكرة تستمر حتى تبلغ مرحلة تجسيدها على أرض الواقع.
فكرة عروي تقوم على تأمل الجمال الذي يزخر به الكون الرّباني، من خلال قراءة القرآن، وبهذا فهو يدعو لقراءات تأملية للنص القرآني، وقد أعطى نماذج من الآيات التي تذهب بنا بعيدا في ما خلقه الله من عوالم لا نراها، لارتباطنا في قراءاتنا بالمعنى الضيق للكلمة، وبالتفاسير التي بقيت محصورة بالملفوظات المفرغة من روحانيتها واستئصالها لأهداف فقهية محضة عن معناها الجمالي، مع أنّ هذا المعنى له تأثير أعظم وأمتن في النفس البشرية.
لكن ما أشار إليه أيضا في إطار هذا اللقاء الجميل هو أن فعل القراءة عندنا لم ينبش الصور الجمالية لا في النّص القرآني ولا في نصوص أخرى وأهمها النّص الأدبي، ما جعل الأدب يفشل في ملامسة روح أجيال بأكملها وحوّل العلاقة بين مجتمعاتنا وبين الكتاب علاقة عدائية مبنية على الرّفض المسبق ما دامت نصوصا لا ترقى للنص القرآني الرّباني وبالتالي لا فائدة منها للإنسان بحكم غريب لا نعرف من أصدره، وكيف نال من نفوس شعوبنا جيلا بعد جيل. فاعتبر القرآن دستورا يجب التعامل معه كوثيقة قوانين مع أنّه أكثر النصوص نبضا بالحياة وتجددا عند كل قراءة له، حتى أنه عبر الأزمنة والأمكنة بمحتواه الإعجازي.
فكرة أن نبحث في جماليات النص وصلتنا متأخرة وهي فكرة بلاغية قديمة انطفأت بسبب الحروب ودخول العالم العربي في أنفاق مظلمة تبعت تلك الحروب والانتكاسات وانشغال الفرد بأمور مادية كثيرة، حتى أعاد الغرب تدويرها بطريقة معاصرة فدخلت إلينا من أبواب الجامعات من جديد بحلّة هضمها العقل المعاصر وتبناها وعمل على توسيع دوائرها.
و من بين ذلك القديم ما يزخر به كتاب «نهج البلاغة» وما يحويه من جماليات القول للإمام علي رضي الله عليه. أما الأقرب إلينا زمنيا من ذلك القديم القيّم، فهو ما تركه لنا عبد القاهر الجرجاني خاصة في مؤلفيه «دلائل الإعجاز» وكتاب «أسرار البلاغة»، وهما من أعمدة الكتب التي عنيت بجماليات اللغة وتدرّس في الجامعات العربية وغيرها ببالغ الأهمية.
ما يعنينا الآن هو أين أخفقنا حتى أفرغت حياتنا من كل المفاهيم الجمالية؟ ما الذي حوّلنا إلى مجتمعات تأكل لتعيش؟ تركض خلف لقمة العيش ولا تهتم بأدنى مغذيات الرّوح لتحسين طريقة حياتها وتخفف من حجم المنغصّات التي تتخبّط فيها؟
يقول إيليا أبو ماضي «والذي نفسه بغير جمال … لا يرى في الوجود شيئا جميلا» وهذا شق من الجواب عن الأسئلة المطروحة، أما الشق الثاني فيكمن في مقولة دانتي: «الجمال يوقظ الرّوح»..
أرواحنا الميتة المكتئبة المظلمة نتاج تربية قاسية مفرغة من الجمال، بدءا من العائلة إلى المدرسة إلى المحيط الذي لا يعرف سوى ملء قائمة الممنوعات علينا بطريقة قمعية قاتلة. فهل يمكن أن نغير مناهجنا التّعليمية ونفوسنا خاوية من أي مكوّن جمالي؟ أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟
في التجربة الإماراتية نجحت المنظومة التّربوية في قلب الموازين وتحسين مستوى التّعليم وبناء الفرد الإماراتي تكوينا يضاهي ما بلغته الشعوب المتقدمة، وذلك استنادا إلى الخبرات المستقدمة للإمارات. وهذا في حدّ ذاته ينبئنا بأن التّجربة ناجحة ويمكن تحقيقها. إذن ما ينقصنا هو معالجة الرّفض لإقامة الإصلاحات، لأن أغلب مجتمعاتنا ترى أن الاستفادة من أي خبرة أجنبية ليست سوى نوع من الخيانة للذات، وتقليد للغرب الغريب عنا في عاداته وتقاليده، وهذا ما يذهب إليه المحافظون الذين جمّدوا العقول وأوقفوا الزّمن في نقطة واحدة عندنا، حتى أصبحنا نشعر بتقدم العالم حولنا وأننا نعود للخلف.
طبعا نحن لا ندرك أننا لسنا بعيدين عن التجديد والإصلاح، وأننا على سبيل المثال نقدم على شراء بضائع غربية كثيرة بعد الترويج لها بإعلان جيد، يقدم لنا أي منتوج مستورد بجماليات عالية. السيدة الجميلة التي تنشر غسيلها النّاصع البياض على شرفة جميلة مع كلمتين بليغتين مع مقطوعة موسيقية خفيفة تخطف السمع، كلها عناصر جمالية جمعت بطريقة ذكية للتأثير على المشاهد الذي تقنعه هذه المعطيات بالشكل الجميل الذي قدمت به فيهب لشراء المنتوج.
لماذا نحب الجنة ونكره النّار؟
تميل كفّة عواطفنا نحو الجهة التي قُدِّمت لنا بمدلولات جمالية أكثر. وهذا كل ما نحتاج إليه في ثورة تعليمية حقيقية، تتجاوز مرحلة «فكّ الخط» وكل المراحل القاتمة التي تبحث عن طعن الآخر في عقيدته أو في معتقداته السياسية. أمّا فلسفة التربية فقد تحتاج لمجهودات أكبر، فكثيرا ما سمعنا أساتذة يرددون أنهم جيل تربّى بالعصا وأنّهم أفضل من الأجيال التي يتحاورون معها فهل هذه حقيقة أم اعتراف بالفشل في التّحاور مع الآخر؟ فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الحوار فن من فنون التعامل بين الناس، وأنه كلما انبثق من ذائقة إبداعية ومعايير جمالية كان أكثر نجاحا في إيصال الفكرة.
يمكنك أن تحمل العصا وتنهال بها على ابنك حتى لا يكذب مرة أخرى، وبإمكانك أن تجلسه قربك وتحكي له قصّة عن الكذابين ومصيرهم السيء في الحياة. إلى يومنا هذا نصدق ونحب قصص كليلة ودمنة وقصص لافونتين ومكتباتنا لا تخلو من كم هائل من القصص، أما إن كان سعرها عاليا وصعبة المنال فإن شبكة الإنترنت ثرية بمختلف القصص التي يسكن أغلبها قعر ذاكرتنا!
ليس صحيحا أننا جيل تمت تربيته بالعصا، وليس صحيحا أن أنفسنا مليئة بالقبح، جميعنا يحمل في قلبه مضمونا جماليا ما، وقرائن إبداعية بمعايير مختلفة، وكل ما نحتاج إليه هو فك قيودها وإطلاق سراحها لنعيش حياة أجمل.
٭ شاعرة وإعلامية من البحرين





دروس سريعة من انقلاب تركيا الفاشل .......... بقلم محمد المهندس

 كانت محاولة الانقلاب العسكري في تركيا ثالث الانقلابات العسكرية التي نرى فشلها مباشرة على شاشات التلفزيون؛ مع الفارق طبعا أن انتماء تركيا إلى محيطنا الجغرافي والثقافي وتداخلها مع واقعنا السياسي جعل متابعة محاولتها الانقلابية الفاشلة أعمق من محاولتي فنزويلا وبوركينا فاسو اللتين حدثتا في العامين 2002 و2015  على الترتيب.
لا شك أن كل محبي الديمقراطية والكارهين للحكم العسكري الغاشم والفاشل قد عاشوا ساعات عصيبة وهم يتابعون أخبار محاولة الانقلاب على الديمقراطية في تركيا على يد حفنة من العسكر الذين عز عليهم أن تُحكم تركيا ديمقراطيا بعيدا عن سطوتهم وفسادهم المعهود.
سنحتاج إلى مزيد من الوقت بالطبع حتى نتعرف على تفاصيل أكثر عما حدث في ليل 15 يوليو 2016، وكيف حدث، ومن رتب له، ومن شارك فيه، ومن دعمه داخليا وخارجيا، وسنحتاج كذلك إلى وقت أكثر حتى نتمكن من تحليل الحدث بشكل أعمق وحتى نستخلص منه دروسا سياسية واستراتيجية بعيدة المدى، ولكن ما شاهدناه على شاشات التلفزيون من أحداث وردود أفعال رسمية وسياسية وشعبية به من الدلالات الكثيرة التي نستطيع أن نتعلم منها دروسا سريعة قد تفيدنا في قراءة ما حدث في مصر في الماضي القريب بشكل هادئ، كما أنها ستفيدنا حتما في تغيير واقعنا السياسي الذي بات مريضا ومنهكا مرض الدولة المصرية ذاتها إن كانت هناك رغبة في ذلك التغيير.

(1)
ستبقى الشعوب الواعية كلمة السر الأولى في القضاء على أي مخاطر تهدد مكاسبها الديمقراطية، ولكن ذلك سيظل مرهونا بتوحد الغالبية العظمى من الشعب حقا خلف الديمقراطية وآلياتها ووسائلها مهما كان الخلاف السياسي؛ لأن الشعوب المنقسمة من جهة وغير الواعية لمفاهيم الديمقراطية ومدلول سيادة الشعب من جهة أخرى لا يمكن لها أن تواجه قوة السلاح ولا أن تجابه الدبابات أو الطائرات التي لها القدرة المطلقة على حسم أي خلاف شعبي أو سياسي عميق.

فشل الشعب التركي من قبل في مواجهة 4 انقلابات عسكرية خلال أكثر من 50 عاما ماضية؛ لأنه لم يجن مكاسب من الديمقراطية وخلافات السياسيين سوى الفقر والصراع السياسي الفارغ بما أهله للرضا أو للسكوت على الأقل بتلك الانقلابات العسكرية المتوالية.

تعلم الأتراك دروسا عدة من انقلابات متوالية لم يجنوا من خلالها إلا مزيدا من الفقر ومزيدا من الفساد ومزيدا من الفشل؛ بما جعلهم أكثر وعيا وأكثر إدراكا بمخاطر الانقلاب على الديمقراطية ومؤسساتها.

(2)
لم يركن القادة الديمقراطيون إلى الثقة المطلقة في قادة الجيش فسلموا لهم الرقاب اعتمادا على تدين ظاهري أو على احترام مغشوش، ولكن ما رأيناه أوضح بما لا يدع مجالا للشك أنه قد كانت هناك خطط ثانية وثالثة ورابعة في حال حدوث أي محاولة انقلابية محتملة؛ فقدرة رئيس الوزراء وبعض من وزرائه على إصدار بيانات سياسية من أماكن آمنة فور توارد أنباء تحركات عسكرية مشبوهة وتصديرها عبر وكالة الأنباء الرسمية وعبر بعض القنوات التلفزيونية، ثم ظهور رئيس الجمهورية على شاشات التلفزيون بعد وصوله لمكان آمن كذلك يعني أن الأمور لم تكن متروكة للصدفة ولا لخيالات "رجالات الذهب" أو أوهام "الرفض الأمريكي" كما حدث في مصر.

لا شك كذلك أن مواجهة الشرطة لقوات الجيش الانقلابية كانت كذلك ضمن خطة معدة سلفا، وأن مواجهتها المباشرة للانقلابيين كانت مفاجئة لهم في وقت توقعوا فيه سيطرة تامة دون أي نوع من الاشتباكات، وهو ما يعني أن القيادات الديمقراطية كانت تملك من الأدوات والوسائل ما يؤهلها للمواجهة ودحر الانقلاب سريعا في حال حدوثه.

(3)
على الرغم من بعض سلوكيات أردوغان السلطوية التي زادت وتيرتها في الفترة الأخيرة بشكل يثير الأسى، إلا أن قوى المعارضة التركية لم تدع الجيش التركي للتحرك وللانقلاب على الديمقراطية، ولم تشكل تلك القوى جبهة إنقاذ سياسي ترفض المشاركة في الانتخابات البرلمانية من جهة بينما تدعو الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في الأزمة السياسية من جهة أخرى كما حدث في مصر مثلا.
لم يقف أمر المعارضة التركية عند ذلك الموقف الملتزم بقواعد اللعبة الديمقراطية وعدم الاشتراك في الخفاء في ترتيبات الانقلاب ثم دعوة القوات المسلحة لإصدار البيان رقم (١) للانقلاب على الديمقراطية كما حدث في مصر، ولكنها زادت فوق ذلك بأن رفضت فكرة الانقلاب فور توارد أنباء المحاولة الانقلابية كما أعلن ذلك حزبا الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية ذوا الثقل الأكبر بين قوى المعارضة التركية.
(4)
القوى الدولية الكبرى ليست نصيرا للشعوب ولا لقيم الديمقراطية كما تدعي دوما، ولكنها لا تبحث إلا عن مصالحها الاستراتيجية والمادية، ولا تحترم إلا القوة وعلى رأسها هؤلاء القادرين على حماية مؤسساتهم وديمقراطيتهم لا أولئك الضعفاء الذين يستجدون تدخلا من هنا أو من هناك.

على الرغم من الموقف المخزي للإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في السويعات الأولى من المحاولة الانقلابية إلا أن قدرة الدولة التركية وقياداتها الديمقراطية على استعادة السيطرة تدريجيا على مجريات الأمور قد أجبر القوى الغربية على إصدار تصريحات تالية داعمة للديمقراطية ورافضة للانقلاب على النظام الديمقراطي كما جرى على لسان الرئيس الأمريكي ورئيس المجلس الأوروبي بعد أن مالت الكفة مرة أخرى.

(5)
الدخول في مواجهة مع قوات الجيش دون امتلاك لأدوات قوة سياسية، ودون استناد إلى حالة توحد شعبي غالبة، ودون أي سيطرة على أي من أجهزة الدولة ومؤسسات قوتها، ودون تقديم أي تنازلات أو حتى القدرة على المناورة السياسية هو انتحار كامل يتحمل وزره الداعون له دون تخطيط ولا ترتيب مهما حسنت نواياهم؛ فسنة الله التي لن تجد لسنتها تبديلا لا تحابي ولا تجامل أحدا أبدا. 



الثلاثاء، 12 يوليو 2016

هل للدولة دين ؟ عقيدة التأسيس ............. الباحث والمحلل السياسي الدكتور رفيق حبيب

تتعدد زوايا النظر لمسألة العلاقة بين الدين والدولة أو الدين والسياسة، بل وتعدد أيضا القضايا الجدلية التي لا يتوقف الجدل فيها، ومن خلال جملة ما يتردد من آراء وأفكار حول تلك المسألة، يلاحظ أن القضية الأساسية لم تحدد بدقة.هل هناك علاقة بين الدين والسياسة؟ وهل العلاقة بين الدين والسياسة تستلزم العلاقة بين الدعوي والسياسي؟ وهل يمكن فصل الدعوي عن السياسي؟ وهل الفصل بين الدعوي والسياسي يؤدي إلى العلمنة؟ فما هي العلمانية أساسا؟إذا حاولنا تفكيك القضية أو تحليلها من خلال بعض مظاهرها، فسوف تغيب القضية الأساسية، مما يعني أهمية البحث في أساس القضية أولا، ومن ثم يمكن تحديد الموقف من الأطروحات المختلفة، والأساس هو البحث في عقيدة تأسيس الدولة.هناك عقيدة تتأسس عليها الدولة وبالتالي النظام السياسي، وعقيدة التأسيس هي أولا عقيدة تنظيم المجال العام بكل ما يشتمله من حركة المجتمع والأفراد في المجال العام، فعقيدة التأسيس ينبع منها النظام العام الحاكم للنشاط في المجال العام.عقيدة تأسيس الدولة، هي بالتالي عقيدة تأسيس النظام السياسي الحاكم، والتي تحدد القواعد الملزمة لكل أجهزة النظام السياسي، وكل السلطات فيه، ومن ثم فإن عقيدة التأسيس تشكل النظام السياسي وتضع له الإطار العام، الذي لا يخرج عنه.عقيدة تأسيس الدولة، هي في الأساس عقيدة تأسيس المجتمع، أو عقيدة إعادة تأسيس المجتمع في مراحل التغير والتشكل الجديدة، والتي تستمد أساسا من موروثه الثقافي والحضاري، وتتجدد وتتحدد في كل مرحلة بكيفية تعبر عن روح العصر.هل يجب أن تكون عقيدة تأسيس الدولة نابعة من الدين، أم أنها لا ترتبط بالدين؟ هذا هو السؤال المتكرر، ولكن السؤال الأصح، هل عقيدة تأسيس الدولة، والتي هي عقيدة تأسيس المجتمع أيضا دين؟ أليس لكل دولة دين؟العقيدة المؤسسة للدولة، هي أولا العقيدة المؤسسة للمجتمع أو الأمة، وبالتالي هي المقدس الذي يستند له الاجتماع البشري، وكل اجتماع بشري منظم يستند لمقدس، لأن المقدس هو الذي يؤسس لنظام قائم على إطار عام حاكم له.المجتمع يستند أساسا إلى نظام عام، يشكل للمجتمع كيانه المتماسك، الذي يمكنه من الحفاظ على استمراره وفاعليته، كما أن المجتمع لا يتشكل بدون انتماء وولاء، والانتماء للمجتمع هو انتماء مؤسس على توافق المجتمع على ما هو مقدس.المقدس، هو المبادئ المتفق عليها والتي تمثل ثوابت النظام العام، وبالتالي ثوابت النظام السياسي والاجتماعي، والتي يتأسس عليها المجتمع وتتأسس عليها الدولة، وهذا المقدس يكتسب طبيعته من مصدره النابع منه.هناك مقدس مطلق، وهو النابع من مصدر مطلق، وهناك مقدس نسبي، وهو نابع من مصدر نسبي، وهناك بينهم حالات مختلفة، حيث قد يكون مصدر المقدس نسبي، لأنه ليس إلهي، ولكن يعتقد مجتمع ما أنه مطلق، وهكذا.في كل الحالات التي عرفتها البشرية حتى الآن، عرفنا المقدس الإلهي والمقدس الوثني والمقدس البشري، وتراوحت حركة المجتمعات وخياراتها بين هذه المقدسات، ولكن لم تتحرك خارج أي مقدس، إلا في مراحل ما قبل التاريخ، وما قبل الاجتماع البشري.إذا اعتبرنا كل مقدس هو الدين الذي يدين به المجتمع أيا كان مصدره، فكل المجتمعات لها دين، وهو الإطار المنظم لحياتها، وكل الدول تتأسس على دين، هو المبادئ والقواعد الحاكمة لها، والتي تمثل الثوابت التي تلتزم بها الدولة.في التشريح العلمي، هناك عقيدة فلسفية تؤسس مختلف الأنظمة، بل وتؤسس مختلف الثقافات والحضارات وتميز بينها، وتلك العقيدة هي عقيدة التأسيس، والتي تشمل العقائد الأساسية، التي يتفق عليها المجتمع، وتؤسس عليها الدولة.يمكن القول: أن عقيدة التأسيس هي التي تشكل الحضارة، كما أنها عماد وجود المجتمع، ومصدر الانتماء في المجتمع، وهي التي تؤسس الدولة وتقيم النظام العام، وتؤسس النظام السياسي والنظام الاجتماعي، أي أنها حجر الزاوية.ما هي العلمانية إذن؟ كنموذج تطبيقي للتصورات السابقة، يمكن النظر إلى المجتمعات الغربية، حتى نعرف كيف تشكلت مرحلتها المعاصرة، والتي قامت أساسا على الخروج من أزمة السلطة بسبب تزاوج السلطة الزمنية والسلطة الدينية.العقيدة الأساس في الحضارة الغربية المعاصرة، تستند على مقولة أن الإنسان مركز الكون، وهي عقيدة تخرج الخالق من التصور العقدي الأساسي المشكل للعقيدة المؤسسة للدولة والمجتمع، ومنها ينبع الدور المركزي للإنسان في تشكيل العقيدة المؤسسة في الغرب.مركزية دور الإنسان، وأنه مركز العالم حسب التصور الغربي تتبعها مقولة العقل الطبيعي، أي القول بأن العقل الطبيعي للإنسان، قادر على معرفة الحقيقة والتوصل للحق، مما جعل العقل البشري هو مصدر المقدس.العقيدة المؤسسة في الغرب إذن، هي عقيدة بشرية تجعل العقل البشري هو مصدر القواعد والمبادئ المقدسة، والتي تأسست عليها الدولة والنظام السياسي في الغرب، وهو ما أسس لدين بشري، يتمثل في الفلسفة المادية.من أهم قضايا المجال السياسي هي مسألة العلاقة بين الأخلاق والسياسية، أو بمعنى أدق مسألة تحديد القيم الأخلاقية الحاكمة للنظام السياسي والحاكمة للمجال العام والحاكمة أيضا للمجتمع، والتي تمنع تحوله إلى الفوضى وحياة الغابة.من أهم قضايا الفكر الإنساني، هي تلك القضية الخاصة بالعلاقة بين الأخلاق والدين، فهناك رؤية تؤكد على أن الأخلاق تنبع من الدين، وهناك رؤية أخرى ترى أن العقل قادر على الوصول إلى الأخلاق بدون الحاجة للدين.يمكن اعتبار مسألة العلاقة بين الأخلاق والدين، بوصفها مسألة جوهرية تحدد العقائد المختلفة والفروق بينها، فعندما تكون الأخلاق والقيم الأخلاقية الأساسية نابعة من الدين، تكون قيما مطلقة، لأن مصدرها مطلق.عندما تكون القيم الأخلاقية نابعة من العقل البشري، تكون بالتالي قيما نسبية، لأن مصدرها نسبي، وهو ما يعني أن الأخلاق لا تطبق بشكل نسبي حسب ظروف التطبيق والحياة فقط، بل يعني أنها نسبية في أساسها.عندما ظهرت في الغرب نظرية أن العقل هو مصدر الأخلاق، أصبحت العلاقة واضحة وربما مباشرة بين الأخلاق والمصلحة، لأن العقل البشري، أو العقل الطبيعي كما يسمي، يفكر في ضوء المصالح والمنافع.الأخلاق المصلحية واحدة من تداعيات مركزية الإنسان، واعتبار العقل الطبيعي مصدرا للعقيدة المؤسسة، وهو ما جعل القيم الأخلاقية تتحور عبر تاريخ الغرب الحديث حسب مسار المصالح، مما يعني أن نسبية الأخلاق، قد تغير مضمون تطبيقها.فما العلمانية؟تمثل العلمانية الخلاصة السياسية للعقيدة البشرية المؤسسة للحضارة الغربية المعاصرة، والتي تمثل التطبيق السياسي للفلسفة المادية، وهي بهذا تمثل اختيارا حضاريا عاما للمجتمع، كما تمثل الإطار المؤسس للدولة.في العلمانية، والترجمة الأدق لها في تصوري هي الدنيوية، يستند النظام السياسي على قدرة العقل البشري على معرفة الحقيقة، وعلى تحديد الأخلاق، وأيضا على تحديد المصالح، من خلال نظر العقل للعالم المحيط به، بحيث تكون مرجعية النظام السياسي هي العقل البشري فقط.قواعد العلمانية تحكم الدولة، وبالتالي تحكم النظام السياسي وكل السلطات، ويكون على كل السلطات الالتزام بتلك القيم والقواعد التأسيسية، والتي تتمثل في عقيدة التأسيس، التي تنبع منها عقائد مقدسة، ثم قيم وقواعد دستورية.الدستور في أي نظام، ليس هو المطلق ولا هو المقدس، بل هو نابع من المقدس الذي يمثل عقيدة المجتمع، ومن ذلك المقدس يوضع الدستور، والذي يكون نصه محددا للمبادئ والقواعد المنظمة للنظام السياسي، والتي تتوافق مع المقدس الذي ينبع منه.يظل النظام السياسي في كل تصرفاته ملتزما بالدستور، وأيضا ملتزما بالعقيدة المؤسسة التي نبع منها هذا الدستور، والتي تتمثل في القيم العليا التي يدافع عنها كل نظام سياسي، ويدافع عنها المجتمع، لأنها حاكمة للجميع.العلمانية إذن، هي محاولة للإجابة على سؤال مركزي، فهل تؤسس الدولة على مرجعية الدين أم مرجعية العقل البشري، أي هل تؤسس على دين بشري أو دين إلهي، أي أن العلمانية إجابة على سؤال ما وراء الطبيعة.هناك منظور يتأسس على أن الحق المطلق يوجد في ما وراء الطبيعة، وهناك منظور آخر يرى أن الطبيعة مكتفية بنفسها، وأن الحق موجود فيها، حتى وإن كان ليس مطلقا بنفس الدرجة، وأكثر نسبية لأنه يتم الوصول له بالعقل البشري.الحالة الغربية توضح مسارا مهما، ففي التجربة الغربية التي قامت على تزاوج السلطة الدينية والزمنية، قامت حركة النهضة الغربية على التحرر من السلطة الدينية، وإحلال العقل البشري محل الدين الإلهي.العلمانية حلت محل المسيحية، بأن أزاحت المسيحية عن أن تكون مصدرا للعقيدة المؤسسة للمجتمعات الغربية، وأزاحت المسيحية عن أن تكون مصدرا للأخلاق، وأزاحت المسيحية أيضا عن أن تكون مصدرا للحق.يمكن القول: أن العلمانية لم تكن ضد الدين، بل أكثر من هذا، أنها حلت محل الدين، وكانت النتيجة لذلك أن أصبح الدين محصورا في المجال الخاص، وتمددت العلمانية في المجال العام، وهو ما نتج عنه انحسار المسيحية تدريجيا في أوروبا والغرب عامة.هناك بالطبع أكثر من رؤية علمانية، فهناك الرؤية المتطرفة مثل النموذج الفرنسي، والتي تتمادى فيها العلمنة لدرجة تؤدي عمليا إلى حصار الدين في زاوية شديدة الضيق، وهناك العلمانية المعتدلة مثل أمريكا، والتي تتيح مجال حركة للدين.المتابع لمدى انتشار الدين في الغرب، يلاحظ عدة ملاحظات هامة، فالغرب المسيحي والذي كان يسمى بالعالم المسيحي، أي المنطقة التي توجد فيها المسيحية دون غيرها، تراجعت فيه أعداد المسيحيين في العقود الأخيرة.لم تعد أوروبا مركز التواجد المسيحي، وتزايدت نسب الملحدين بصورة واضحة في أوروبا، وبدأت في التزايد في أمريكا، بل أن كل الكنائس التي تكيفت مع العلمانية، تراجعت عضويتها بشدة، فالرؤية المسيحية العلمانية تؤدي إلى علمانية خالصة.التجربة تشير إلى أن إزاحة الدين من المجال العام، يتبعها إزاحة للدين من المجال الخاص والفردي، وهي وإن كانت إزاحة اختيارية، فإنها نتاج لعلمنة المجال العام، وهو ما يؤثر على الفرد نفسه، بصورة تؤدي إلى علمنة الفرد.العلمانية في النهاية عقيدة، وهي تؤسس الفرد العلماني، فمعنى تأسيس المجال العام على العلمانية، أي جعل العقل مصدرا للحق والأخلاق والمصلحة، يؤدي إلى تشكل الفرد العلماني، الذي يعتبر عقله مرجعه الوحيد.قد يتسأل البعض عن أسباب حضور المسيحية في الجدل حول المهاجرين واللاجئين، وبالفعل نجد المسيحية حاضرة في تعريف الهوية القومية للمجتمعات الأوروبية وأمريكا أيضا، فهي حاضرة بوصفها ملمح من ملامح القومية.حضور الدين بوصفه ملمح من الملامح المميزة لقومية ما، لا يعني حضوره في المجال العام كمرجعية، ولا حتى حضوره الفاعل في المجال الخاص، بقدر ما يعني أن المسيحية تتحول إلى أحد الملامح المميزة لعرق ما، مثل الملامح الأخرى.في أوروبا خاصة، تعريف المجتمع بأنه يمثل حضارة الرجل الأبيض، مثل أن يعرف بأنه مجتمع مسيحي، فكلها ملامح شكلية لعرق، ولكن عقيدة هذا العرق أو هذه القومية، هي مركزية الإنسان في الكون، ومرجعية العقل الطبيعي.لأن المرجعية الغربية هي الفلسفة المادية، أي أن الغرب دينه المادية، لذا فإن مؤسسة المادية في الغرب أصبحت الدولة، أي أن الدولة في الغرب، تمثل مؤسسة الدين البشري الذي ينتمي له الإنسان الغربي، أي مؤسسة العقيدة المادية.الدولة في الغرب، هي مؤسسة تستند على دين مادي، وهي أيضا المؤسسة المنوط بها حماية هذا الدين والحفاظ عليه، ومنع أي خروج عليه، وبهذا تأسست الدولة القومية القطرية في الغرب، بوصفها حامية الدين المادي، إن صح التعبير.الدولة المستوردةمن المهم أن نسأل عن هذه الدولة العلمانية التي أسسها الاحتلال في البلاد العربية والإسلامية، والتي تمثل استيرادا للدولة كما هي في النموذج الغربي، فهل تم استيرادها كما هي أو حدثت بها تحولات مهمة غيرت من العقيدة التي تستند إليها.عندما أسست الدولة القومية العلمانية القطرية في البلاد العربية والإسلامية، فرضت على المجتمعات ولم تنبع منها، وجاءت بعقيدة مخالفة للعقيدة المؤسسة للمجتمعات، وفرضت تلك العقيدة على هذه المجتمعات.لم تقم الدولة المستوردة بعد الاستيراد على مركزية الإنسان في الكون، بل على مركزية الغرب في الكون، لأنه مؤسس الدولة، فأصبحت دولة تابعة، مؤسسة على نموذج آخر، ومستوردة منه، فأصبح الغرب مركز الكون للدولة العربية المستوردة.لم يصبح العقل البشري أو العقل الطبيعي، هو المرجعية ومصدر المقدس، لأن العقل البشري في المجتمعات العربية نظر له أنه غير عقلاني ومتخلف، ولا يمكن أن يكون مرجعية الدولة المستوردة، فأصبحت الدولة المستوردة تعتبر أنها مرجعية نفسها.بفعل انفصال الدولة عن المجتمع، أصبحت طبقة الحكم الاستبدادي ونخبة الدولة، هي التي تمثل مرجعية الدولة، وهي مرجعية تابعة للمصدر الغربي، تقوم أساسا على تقليد الغرب، مما يجعل التبعية سياسية وحضارية، وهو ما شكل طبقة حكم فوق المجتمع.تأسست الأخلاق في الدولة المستوردة، لا على العقل باعتباره قادرا على التمييز بين الحسن والقبيح، ولكن على طبقة الحكم التي جعلت مصلحتها هي المصلحة العليا للدولة، وهو ما نتج عنه غياب الأخلاق من المنظومة السياسية، ثم من المجتمع.الدولة المستوردة إذن، هي دولة قومية علمانية قطرية، تستند لمرجعية مؤسسة لها في الغرب، مما يجعلها تابعة، ثم تستند لمرجعية من داخلها تتمثل في الطبقة الحائزة على السلطة، مما يغيب دور العقل والأخلاق، بعد تغييب دور المجتمع.الخلاصةفي مسار الثورة والتحرر، تكون البداية والتأسيس متمثلة في إعادة تأسيس الدولة على العقيدة المؤسسة للمجتمع وباختيار المجتمع، وأول سؤال يجب أن يجيب عليه المجتمع، هو حول دور الدين، وهل هو مصدر المقدس، أم أن العقل البشري هو مصدر المقدس؟




الاثنين، 11 يوليو 2016

سعدالله يردّ على الفرنسيين: .......... مراحيضنا.. وحضارتكم .............

سخر المؤرخ والصحفي والروائي الجزائري فوزي سعدالله من ادّعاء الفرنسيين أن استعمارهم للجزائر أضفى عليها حضارة، كما وانتهز الفرصة للردّ على من قالوا إن الوجود التركي في الجزائر كان احتلالا.
وقال سعد الله في منشور على “فيسبوك”.. “كانت مدينة الجزائر تستحم في 33 حمّاما، في فترة لم يكن يعرف خلالها ملوكٌ في أوروبا ما معنى المرحاض”.
وجدير بالذكر أن فرنسا سنت قانونا لتمجيد استعمارها للجزائر وبلدان شمال إفريقيا، وأثار القانون موجة سخط كبيرة في الجزائر، ورغم محاولة نواب في المجلس الشعبي الوطني سنّ قانون مواز لتجريم الاستعمار، إلا أن رغبتهم اصطدمت برفض السلطة، ما اعتبره كثيرون “خضوعا لفرنسا”.
وفيما يلي نص منشور فوزي سعدالله كاملا:
_________________________________________________________________



مدينة الجزائر العثمانية….ضحية “المهمة الحضارية” الفرنسية 1830م…في ذكرى الأيام التي سبقت الغزو كانت تُسمّى جزائر بني مزغنه، باسم القبيلة الأمازيغية التي كانت تعمِّرها، ثم جزائر الثعالبة نسبة إلى قبيلة الثعالبة الهلالية العربية التي التحقت بها منذ القرن 13م و14م، ليُختزَل اسمُها في “الجزائر” فقط، بمعنى: الجُزُر.
ومن “الجزائر” استوحى الفرنسيون اسم “آلْجي” بما يستسيغه لسانهم.
هذه المدينة العتيقة بُنيتْ في شكل مُدرَّج يطل على البحر وفق التقاليد المعمارية اليونانية القديمة، وقد أطلقت أثينا على عاصمتنا حينذاك اسم “إيكوزيس”.
في القرن 18م، الفترة العثمانية من تاريخ الجزائر، كان يعيش في المدينة العاصمة ما بين 100 ألف إلى 120 ألف نسمة، غالبيتهم من المسلمين، لكن أقام بينهم عشرات آلاف اليهود والنصارى. وقد جاء هؤلاء جميعا من مختلف البقاع والأصقاع، مسلمين وغير المسلمين.
كانت مدينة الجزائر توفر الحظ لكل من لم يسعفه الحظ في بلاده أن يعيش حياة كريمة. إيطاليون، ألبانيون،أتراك، يونانيون…وغيرهم من الأقوام تداولوا بمقتضى هذا الانفتاح على حُكم البلاد، من بينهم: الحاج حُسين ميزُّو مورْتُو، الحاج حسان فِينِيزّْيانُو، قُورْصُو، آرْنَاؤُوطْ، وغيرُهم.
هكذا كانت مدينة الجزائر في أيام عزها… أقولها للذين لا يعرفونها ولا يشاهدونها سوى بأعين الذين دَمَّروا ثلثيْها (2/3) خلال الأعوام الأولى للاحتلال بدعوى نشر الحضارة التي كانوا هم أحوج إليها…
كانت الجزائر تنعم بمرافق لم تتوفر في كبريات المدن المتوسطية والعالمية، فقد احتوت على 60 مقهى، على غرار أشهرها وهي القهوة الكبيرة والقهوة الصغيرة وقهوة بحاية وقهوة العريش. وشربت وارتوت من عدد مماثل أو أكبر من العيون والنافورات العمومية، فضلا عن تلك المتواجدة في الديار والقصور. وكانت تستحم في 33 حمّاما، في فترة لم يكن يعرف خلالها ملوكٌ في أوروبا ما معنى المرحاض. وكانت تنام مطمئنة بجنودها الـ: 12 ألف الساهرين على أمنها في 8 ثكنات، عكس ما تُرَدِّدُه النّظريات التي يُسوِّقها مَن يروِّجون لفكرة “الاحتلال التركي” للبلاد…
كما عبدت المدينة الله في أكثر من 120 جامعا ومسجدا وعشرات الزوايا والأضرحة، وأيضا في الكنائس والبِيَع اليهودية. وتَعلَّم أبناء أهل الحاضرة القراءة والكتابة والعلوم في المدارس والزوايا وباحات المساجد والمِدْرَاشْ، بالنسبة لليهود، وطالعوا المخطوطات في المكتبات والورّاقات في حيّ القَيْصرية الذي كان يؤمّه المثقفون والطلبة والعلماء.
وكان في المدينة أسواق شاع ذِكْرُها في البحر المتوسط تمتد من باب عزون إلى باب الوادي، فضلا عن الأسواق الصغيرة الجِوارية في مختلف الحوْمات على غرار حوانيت سيدي عبد الله أسفل حوْمة سيدي محمد الشريف وحوانيت بن رابحة في سور السّْطارة…
وفي قلب “البهجة”، كما كان يُطلق على المدينة، انتشرتْ الفنادق والمخازن بملاهيها وطَبَرْنَاتِها للترفيه عن المسافرين والتجار وعابري السبيل متعددي الجنسيات…
أما خارج أسوار المدينة، فقد تعددت الجنان والبساتين المحيطة بالقصور والفيلات؛ من حيّْ الثغريين في مرتفعات المدينة إلى بوزريعة، ومن باب الوادي إلى مرسى الذبان، لا بوانت يسكاد حاليا، وأيضا من جنان مصطفى باشا الممتد عبْر ساحة أول ماي وتيليملي إلى حيدرة وبئر مراد الرايس وبئر الخادم….
هكذا كانت مدينة الجزائر في أيام عزها… أقولها للذين لا يعرفونها ولا يشاهدونها سوى بأعين الذين دَمَّروا ثلثيْها (2/3) خلال الأعوام الأولى للاحتلال بدعوى نشر الحضارة التي كانوا هم أحوج إليها…

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...