الاثنين، 16 مايو 2016

الجماعة الأحمدية ومحاوروها .... بقلم ابراهيم العجلوني

مهما يكن الامر في نشأة الجماعة الاحمدية التي قامت في الهند اواخر القرن التاسع عشر, ومهما يكن رأينا في ميرزا غلام احمد صاحب دعواها فإن من الملاحظ أن حوار نفر من اتباعها مع عدد من القساوسة حول التوراة والانجيل قد اثبت تهافت اللاهوت الكنسي وتجافيه عن المنطق والعلم وبقائه رهين العصور الوسطى.ومن الواضح أن للاحمدية جانبين في كلامياتهم, الاول هو الحجاج عن عقائدهم في المهدي المنتظر والمسيح الموعود, وذلك ما نملك ان نقف ازاءه ملياً وان نجاذبهم فيه ألوانا من المحاورات. والثاني هو النظر في العقائد اليهودية والمسيحية من خلال اسفار العهدين القديم والجديد مما يطلق عليه مجتمعاً «الكتاب المقدس».وفي الحق ان لمحاوري الجماعة الاحمدية تميّزاً واضحاً على من يقابلهم من الاباء, وأن لهم عليهم درجة في سعة المعارف وفي قوة المنطق. ومن يتابع القناة الاحمدية الفضائية يلمس – الى جانب قوة المعارضة – سماحة روحية واريحية اخلاقية في مجادلة «المختلف» ديناً.


ولعل مما تفردت به هذه القناة هو توفر محاوريها على ردود مفحمة على الاب زكريا بطرس. ولا سيما فيما يتعلق باللغة في القرآن الكريم وهي ردود تذكرنا بكتاب الدكتور كامل جميل ولويل: «حوار بين الحق والباطل» الذي فنّد فيه اقوال زكريا بطرس في لغة القرآن وفيما تناوله من آياته. وبيّن بالغ ضعفه العلمي في ذلك ومدى تخبّطه في الفهم والاستدلال.ويقتضي المقام هنا أن نشير الى ما مكتبه الاستاذ عباس محمود العقاد في كتابه «الاسلام في القرن العشرين» عن القاديانية التي تعتبر الجماعة الاحمدية امتداداً لها, والى ما كتبه احسان الهي ظهير في كتابه: «القاديانية», وأن نقول في الوقت نفسه إن «العرب» من اتباع هذه الجماعة يمضون بها اليوم في مسار ذي طابع كلامي حبذا لو ينتهي الى غاياته من المنطق السديد والنظر المحقق ومن قراءة الذات ونقدها في آن..


إن نجاح التجربة الاحمدية في «الحوار المباشر» مع المختلف ديناً يوجه الانظار الى ضرورة تبني «الحوار» اسلوباً في فهم المختلفين وتفهم البنى العقلية والشعورية التي عنها يصدرون. والفهم والتفهم هما المدخل الى تعارف الامم والحضارات استجابة لقوله تعالى في محكم كتابه العزيز (الذي لا ريب فيه): «يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم».


إن  للعرب اليوم فضائيات كثيرة معظمها انموذجات للسخف وضيق الافق وتملق الغرائز وسائر ضروب الجهالة والفساد. ولكننا لا نعدم, وعلى تباعد وندرة, برامج حوارية مفيدة مثل برنامج «الحوار المباشر» للفضائية الاحمدية, ونحن نحب لمثل هذه البرامج ان تكثر, وأن تتراحب بمن يقومون عليها الموضوعات والاهتمامات, وان يصب ذلك كله في تيار التنوير الذي لا يكنس الظلم والظلمات غيره فيما يعرف العارفون..

الأحد، 15 مايو 2016

لماذا ثبتت الملكيات العربية أكثر من الجمهوريات أمام الثورات؟ ..... ترجمة بلال ياسين

نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا خاصا حول دول العالم العربي، يتفحص السبب الذي جعل الأنظمة الملكية أقدر على البقاء في وجه الثورات من الأنظمة الجمهورية.
وتبدأ المجلة تقريرها من مكتب في القاهرة يطل على نهر النيل، حيث يضع رجل أعمال هاتفه في وعاء زجاجي مغلق، وفي مكتب آخر تضع كاتبة هاتفها في ثلاجة وتغلق عليه الباب، وتقول: "إن كانت أجهزة الهاتف الذكية أدوات ناجعة استخدمها الشباب الثوريون خلال ثوراتهم، فإن الخوف اليوم أنها أصبحت أداة تستخدمها المخابرات للتجسس على أصحابها من خلال قرصنتها برمجيا، وتحويلها إلى أجهزة تصنت على أصحابها، ولذلك فإن أي صحافي يعمل في العالم العربي يحتاج إلى جهاز هاتف مزود بآخر برمجيات الاتصال المشفر، ويفضل المصريون برنامج (سيغنال)، بينما يفضل السعوديون ببرنامج (تلغرام)، أما اللبنانيون فيكتفون باستخدام برنامج (واتس آب) واسع الانتشار".


ويشير التقرير إلى أنه "لم يحصل للدولة العميقة في مصر سوى أنها اهتزت قليلا، عندما أطاحت الثورة بحسني مبارك عام 2011، وهي الآن عادت لتنتقم، فقد أطاح الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي، تحت حكم الجنرال الذي يدعي أنه ابن الثورة، فإن مصر أصبحت أكثر قمعا مما كانت عليه عندما كانت تحت سيطرة مبارك، كما أصبح الاقتصاد في حالة أسوأ مما كان عليه، وتتزايد الاحتجاجات، خاصة بعد أن قرر الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إعطاء جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية، في صفقة مع العاهل السعودي الملك سلمان". 


وتذكر المجلة أن "الكثيرين ربطوا بين الظلم خلال حكم جمال عبد الناصر وحكم السيسي، لكن الأخير تنقصه الخطابات الرنانة حول القومية العربية، حيث حاول عبد الناصر القضاء على الإخوان المسلمين، وكما حصل مع عبد الناصر، فإن هناك مخاطرة بتحول (الإسلاميين السياسيين إلى حهاديين عنيفين)، وتنظيم الدولة أعلن سيناء، التي كانت مزدهرة بالسياحة الشتوية، إحدى ولاياته وقام في تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بإسقاط طائرة مدنية روسية كانت قد أقلعت من مطار شرم الشيخ". 
ويجد التقرير أنه "من المثير أن الزعامات العربية التي خلعت خلال عام 2011، كلهم كانوا يرأسون جمهوريات وليس ملكيات، ويبدو أن الرؤساء العرب، بالرغم من صلابتهم، إلا أنهم قابلون للكسر، فكانت مصر مثلا تحت حكم عبد الناصر هي نموذج الدولة، كما يصفها الدبلوماسي الفرنسي  جين بيير فيليو (الدولة المملوكية) كناية عن حكم المماليك في الفترة بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديين، كما يطلق فيليو هذا الاسم أيضا على الجزائر وسوريا واليمن، بتاريخها المؤلم من سيطرة العسكر". 


وتلفت المجلة إلى أن "هذه الجمهوريات (المملوكية) هي في الغالب تميل إلى الاشتراكية، مع ميل للسيطرة المركزية على الاقتصاد، حيث قامت ابتداء بحسب نموذج القومية الديكتاتورية في تركيا تحت مصطفى أتاتورك، وإن لم يشاركوه علمانيته المبالغ بها، ونظام الأمن الداخلي شبيه بأنظمة الاتحاد السوفييتي، الذي كانت في الغالب تحالفه".


وينوه التقرير إلى أن "القومية المتطرفة ساعدت أحيانا في إخفاء قاعدة التأييد الطائفية الضيقة، التي قامت عليها تلك الأنظمة: الأقلية السنية في العراق، والأقلية العلوية في سوريا، وليس مستغربا أن يكون نظاماهما هما الأكثر بشاعة، حيث أطلق الكاتب المعارض كنعان مكية (جمهورية الخوف) على العراق، أما سوريا فوصفها الفرنسي المستعرب الراحل مايكل سيويرات بـ(جمهورية الوحشية)، ففي العراق قام صدام حسين باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في مدينة حلبجة عام 1988، وفي سوريا قام حافظ الأسد بتسوية حماة بالأرض عام 1982، وفي الجزائر شنت الحكومة حربا قذرة على الجهاديين عام 1992، استمرت عقدا كاملا". 
وتقول المجلة إن "مصر مبارك حكمت بعنف أقل، وربما كان ذلك للحصول على دعم حلفائه الغربيين، بينما لم يتردد السيسي بسفك الدماء، فقد قتل الآلاف في قمعه للإخوان المسلمين، وسجن عشرات الآلاف".
ويورد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أنه "بحسب نظرية المؤامرة، فإن الجنرالات تلاعبوا بالثورة الشعبية المصرية عام 2011، فاستخدموا المتظاهرين للتخلص من مبارك، واستخدموا الإخوان لتهميش الليبراليين، وأخيرا استخدموا الليبراليين للتخلص من الإخوان، وإقامة حكم عسكري مباشر، لكن في الغالب كانت ردود فعل العسكر مرتجلة، إلا أن النظرية تعكس كيف ينظر الناس للدولة العميقة". 
وترى المجلة أن "القمع تعسفي ووحشي، ولم يساعد سعي السيسي للحصول على الاحترام الدولي قتل طالب الدكتوراه الإيطالي، الذي كان موضوع بحثه النقابات المصرية، حيث يعتقد أن من قتله الشرطة السرية".

 
وينقل التقرير عن يزيد صايغ من مركز كارينغي في بيروت، قوله: "لا أعتقد أن هناك دولة في مصر اليوم، بل هناك ائتلاف لمجموعات مصالح ومؤسسات، كل واحدة منها فوق الدولة، وتعمل كلها بأهداف متقاطعة وعادة ما تعمل على إضعاف السيسي".
وتذكر المجلة أن الجمهوريات بنت شرعيتها على هدفين؛ الأول هو الوحدة العربية، والثاني تحرير فلسطين، ولم يتم تحقيق أي منهما، مشيرة إلى أن الرؤساء استسلموا لإغراءات تحويل جمهورياتهم إلى جمهوريات وراثية، حيث إن حافظ الأسد ورثه بشار، ومبارك كان يخطط لتسليم الحكم لابنه جمال من بعده، وكذلك علي عبد الله صالح في اليمن كان يحضر ابنه أحمد لخلافته، وفي تونس كان يعتقد بأن زين العابدين بن علي كان يحضر لاستخلاف زوج ابنته صخر المطيري.
ويفيد التقرير بأن البعض يسخر من هذه الجمهوريات، بوصفها "جملكيات"، ويقول أستاذ العلوم في جامعة باريس غسان سلامة: "وصلنا إلى مرحلة سخيفة أصبحت فيها الدولة مثل السيارة أو الشقة، التي يمكنهم توريثها لأبنائهم، وهذا كان أحد أهم أسباب الانتفاضات".


وتبين المجلة أنه "في المقابل، فإن حال الأنظمة الملكية كان أفضل، على الأقل إلى الآن، فخلال حقبة الحراك القومي، بدت تلك الأنظمة مهددة بالانقراض، فقد تم إسقاط خمسة أنظمة ملكية من الملك فاروق في مصر عام 1952، والملك إدريس في ليبيا عام 1969، وشعر البقية بالخطر لعقود، لكن يبدو الآن أن هناك شيئا خاصا بالأنظمة الملكية العربية، من ملوك وأمراء وسلاطين، يجعلها أكثر تحملا من الديكتاتوريات الرئاسية".


ويرى سلامة أن هناك ثلاثة مصادر لشرعية الحكام العرب: التمثيل "لا أحد منهم ينتخب بشكل حر"، والإنجازات "معظم الجمهوريات لم تحقق ما تفتخر به"، والمنشأ "وهو أفضل المؤهلات"، بمعنى (أحكم لأنني أنشأت البلد" كما يقول سلامة، وتشير المجلة إلى أن "هذا هو حال العائلة المالكة السعودية، التي أعطت اسمها للبلد، وتستطيع بالعودة لحكمها إلى القرن الثامن عشر في أواسط نجد".
وبحسب التقرير، فإنه "بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي الستة المنتجة للنفط، السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعُمان، فإن مفتاح البقاء هو المال، حيث قامت هذه الدول بالإنفاق بسخاء خلال ثورات الربيع العربي، فرفعت الرواتب، وأطلقت مشاريع جديدة للحفاظ على شعبيتها، كما أن دول المجلس أيضا تحظى بدعم دبلوماسي وعسكري من حلفائها الغربيين، (ففي قطر، هناك قاعدة جوية أمريكية ضخمة، ويوجد في البحرين قاعدة بحرية)، فبعد قيام مظاهرات واسعة في البحرين، حيث تحكم الأقلية السنية الأكثرية الشيعية هناك، قامت دول الخليج الأخرى بإرسال قوات للجزيرة لدعم النظام الملكي هناك".


وتبين المجلة أنه "في المغرب والأردن لا يوجد نفط، لكن ملكيهما محمد السادس وعبدالله الثاني يستمدان شرعيتهما من الدين، إشارة إلى انحدارهما من سلالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كما يدعيان شرعية سياسية، فإن محمد الخامس أبعده الفرنسيون إلى مدغشقر، وصارت صرخة المتظاهرين الوطنيين هي المطالبة بعودته. أما الهاشميون فقاموا بإطلاق الثورة ضد الأتراك (بمساعدة البريطانيين) عام 1916".


ويجد التقرير أن "الأهم من ميراثهما ربما كان تمكن هذين النظامين من التأقلم مع التغيرات، فعلى عكس ما عليه وضع العائلات المالكة في الخليج، حيث يمسك أبناء العائلات المالكة بالمناصب الحكومية المختلفة، تبتعد العائلة الملكية في كل من المغرب والأردن عن المناصب الحكومية، كما أبدى النظامين براعة في استيعاب المعارضين، أو إبقاء خطوط الحوار معهم مفتوحة، وخلال فترة الربيع العربي قام النظامان بإظهار تجاوب مع المطالب بالمزيد من الحرية، وقام البلدان بإصلاحات دستورية محدودة، وأجريت انتخابات برلمانية". 


وتوضح المجلة أن "الوضع في الأردن أكثر توترا، حيث قاطع الإخوان المسلمون الانتخابات، وتحاول الحكومة شق الحركة، أما في المغرب فقد فاز حزب العدالة والتنمية المنبثق عن الإخوان المسلمين بأكثرية الأصوات، وأصبح رئيس الحزب عبد الإله بن كيران رئيسا للوزراء على رأس ائتلاف من أربعة أحزاب".


وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالإشارة إلى أن ثلاث إمبراطوريات هيمنت على تاريخ العرب منذ ظهور الإسلام، وهي: الأموية والعباسية والعثمانية، ويقول مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي: "فكرة السلالات الحاكمة تسيطر على تفكير الناس، ولو أجري استفتاء في الأردن سيصوت الأغلبية لصالح الملكية"، حيث وافقت الأحزاب السياسية في الأردن والمغرب على قبول الملكية، وأضاف الرنتاوي أنه في الأماكن الأخرى 

"تخلق الأنظمة الدموية معارضة دموية". 



الثلاثاء، 10 مايو 2016

اتهم نيل تايسون أبو حامد الغزالي بالتسبب في تخلف العلم في العالم الاسلامي. البروفسور الطائي يرد بالوثائق على ادعاءات تايسون

المعارك مع الموتى أكثر أمانًا !......... محمود عبده \ بتصرف


كلما رأيت الشيخ ميزو في برامج التوك شو استرجعت نضاله ضد جماعة الإخوان المسلمين قبل 30 يونيو 2013، وسألت نفسي: لماذا لم نسمع لهذا المناضل "الشرس" كلمة واحدة ضد الفاشية العسكرية الراهنة وعدوانها على الأرواح والممتلكات والحريات؟


والسؤال نفسه كان يراودني كلما طالعت الأخ إسلام البحيري يصول ويجول في حلقات برنامجه مهاجمًا ومتطاولًا على الأئمة، وأقول لنفسي: لماذا يرفض المفكر المجدد القتل والعنف في كتب الأقدمين ولا يستنكره من الحاكمين الحاليين؟!
ويتكرر الأمر وأنا أتابع بعض تفاصيل القضايا التي أثارها الدكتور يوسف زيدان مؤخرًا، فأجده "يفتي" بما يصب في صالح الصهاينة مغتصبي فلسطين، زاعمًا أنه "يجدد" الثقافة العربية!


وتتابع الأسئلة في عقلي:


أليس من تجديد "الخطاب الديني" الحرب على الاستبداد، والدفاع عن حقوق المواطنين الذين كرمهم دين الله فأذلتهم الأنظمة الحاكمة في طول بلاد العرب وعرضها وبخستهم حقوقهم، ولم تتورع عن دمائهم وأموالهم؟.
أليس من تجديد الثقافة العربية أن أحارب ثقافة الاستبداد والظلم وتسخير الدين في خدمة الحكام؟.
أليس النضال هو أن أدافع عن المظلومين وما أكثرهم في بلاد العرب؟
سر تلك الانتقائية في تجديد الدين، هو أن المعارك مع الموتى مثل(البخاري\الشافعي\ابن تيمية)آمنه ولن يخسر المجدد حياته بسببها بل سيكسب شهرة و رواج!! وإن حدث وتعرض أحدهم لبعض المشاكل فهو يعلم أن النظام لم يعاقبه إلا لأنه بالغ في أداء دوره فقط


أتذكر الآن حين كان أمن الدولة يسمح للمتحدثين في عهد مبارك بالهجوم على الرئيس(فقط الرئيس السابق فلا بأس من اتهام عبد الناصر بالعمالة لأمريكا وإسرائيل، ولا ضير في إبراز ما أحدثه السادات من إفساد في بر مصر)طالما لم يتعرض المناضل(الحر!) لمبارك وأسرته.

الاثنين، 9 مايو 2016

الكائنات ألفاظ.. والألفاظ كائنات .... بقلم محمد الأسعد




في أزمنة قديمة، ونعني أزمنة التفكير الخرافي والأساطير، كان بعض الملوك حين يصيبه الغيظ من أعداء بعيدين عن قبضته، يأمر بنقش أسمائهم وعناوين مساكنهم على أقداح من الفخار، ثم يقيم احتفالاً جماهيرياً مهيباً، ويقف على رأسه منذراً ومتوعداً، ويأخذ بتحطيم الأقداح واحداً بعد الآخر، مؤمناً إيماناً مطلقاً أنه بهذا الفعل يحطم أعداءه.
صورة شيء من الأشياء، أو شخص من الأشخاص، أو مجرد الاسم فيما بعد، لم يكن سوى تجسّد من تجسدات الشيء ذاته أو الشخص بكامل حضوره، وليس لافتة خارجية كما اعتدنا أن نرى أمر هذا أو ذاك في الأزمنة الحديثة. فإذا امّحى اسم شخص ما أو ذكره في التقاليد العربية، أضحى وكأنه لم يكن. أما إذا ظل الاسم والذكرُ قائماً في لوح أو ذاكرة، فمعنى ذلك أن صاحبه قائمٌ وحيّ. كان هذا أسلوب تفكير وما ينجم عنه من سلوك قبل أن يكون مجازاً شعرياً. أي أن الناس كانوا يفكرون ويتصرفون على أساس الإيمان بوجود علاقة عضوية حتمية بين الشيء وصورته، وبين الشيء واسمه. وحين اخترعت الكتابة ازداد هذا الإيمان رسوخاً، فالكتابة ليست مجرد بسط صور أو حروف على لوح طيني أو قدح أو صحيفة، بل استحواذ على صاحب الصورة والاسم. وسيكون محو الصور والأسماء من على النصب التذكارية والجدران التي تنقش عليها الأخبار، محواً لأصحابها على وجه الحقيقة لا المجاز في ذهن الفاعلين.
يروي رسامٌ غربيٌّ هذه الحادثة.: شاهد أحد سكان أمريكا الأصليين رساماً أوروبياً من الذين غزوا أرضه، يرسم في دفتره صور الثيران البرّية، فتنهد أسفاً، وقال: «أنت أخذت كل الثيران، فلم تعد هناك ثيران بريّة يمكن اصطيادها». وفي حادث آخر، لم تكن دهشة بعض هؤلاء السكان حين سمع باكتشاف العلماء لكوكب في أقاصي السماء بمناظيرهم المقربة سببها الاكتشاف ذاته، فالاكتشاف مفهوم ولكن غير المفهوم هو؛ كيف تسنى للعلماء معرفة اسم الكوكب ذاته. صورة الشيء ترتبط به، وكذلك الاسم، والعكس بالعكس. ويُلاحظ هذا في الكيفية التي تحرك فيها كلمات شاعر عواطف الحشود، وخاصة حين يسمّي ويجسد، فيثير ردود أفعال تقترب من ردود الأفعال الغريزية. كل هذا بالطبع سلوك دافعه غارق في أعماق النفس الإنسانية تحت طبقات تسمى اللاوعي أحياناً. ونجد هذا في صناعة التعاويذ أو تكرار التعازيم، كما يحدث في الممارسات الطقسية، حين تنساق الجموع البشرية إلى حالات هستيرية، تتقمص فيها شخصيات غريبة عنها، أو تتصرف تصرفات تبدو شاذة بتأثير غناء أو رقص جماعي أو شعارات. ولعلنا لا نبتعد عن الصواب كثيراً حين نرى في هذا الربط البدائي بين الأشياء والأشخاص والأسماء، بحيث يحضر الشخص أو الشيء إذا ذكر اسمه، أو تنوب صورته عنه كأنه هي، أو كأنه هو صورته، جذر ما يطلق عليه التفكير الوثني، أي تقديس وتبجيل حجر أو شجر أو جبل، والنظر إلى تمثال يمثل معبوداً على أنه المعبود ذاته.
هذا النمط من التفكير، الربط بين الشيء أو الشخص وبين اسمه، وبينه وبين صورته، وما يقتضيه من سلوك، لا زال يعيش ويحيا في لاشعور البشرية حتى أيامنا الراهنة، وإن عجز بعض الناس عن فهم جذوره.
ولنأخذ أبسط الممارسات مثالاً؛ فالكثير من الذين يعيشون بيننا لا يعتبرون تسمية المولود مجرد وضع علامة تدل عليه، بل هي هو في وقت واحد. والمؤمنون بهذا يقولون إن هناك أسماءً تلائم بعض المواليد، لأنها أسماؤهم الحقيقية، وهناك أسماء لا تلائمهم، لأنها ليست أسماءهم الحقيقية. وفي حالات كثيرة مشهودة تضطر عائلة إلى تغيير اسم المولود إذا كثر بكاؤه أو ألمه، وحجتها في هذا أن البكاء أو الألم، دليل على عدم التوافق بين الاسم والمولود فوجب البحث عن اسمه الحق الذي لا يلائمه إلا هو. ونجد هذا المعتقد شائعاً بوضوح في عادة عدم تسمية المولود، بقصد حمايته من الأرواح الشريرة، وكأن العائلة بهذه الممارسة تخفي مولودها، أو تجعل وجوده خفياً بعدم تسميته؛ لأن التسمية وفق هذا المعتقد تدل على المولود، فتعرف الأرواح الشريرة أو الشيطانية مكانه. وهكذا يطلق على المولود هذا الاسم «بلا اسم» ليظل مجهول الهوية ومحمياً. ويُنطق هذا الاسم في الشائع الشعبي من القول بصيغة «بلاسم». والطريف أن من العادات الشائعة تجنب ذكر أسماء الأشياء الشريرة والضارة، سواء كانت مرضاً أم شيطاناً، وحين يضطر أحدهم إلى ذكر شيء من هذا يطلق عليه لفظة «ذاك الذي لا يسمى»، أو «اللي ميتسماش» بالعامية.
حتى الآن ليس من خطر في هذا الميراث «السحري»، و «الأسطوري»، ولكن خطورته تتجلى في الخطابات بشكل عام، والخطاب السياسي بشكل خاص، حين نجد الزعيم السياسي يمحو في خطابه المشكلات والمعضلات بجملة واحدة أو جملتين، أو يمحو الأعداء بالأسلوب نفسه. ويذكرنا هذا الزعيم بالملك صاحب الأقداح الفخارية، وبممارس السحر الذي يسجل أسماء وصفات الأعداء على دمية ثم يغرس فيها دبوساً أو سكيناً أو يلقي بها في النار. واجتماعياً، تذكرنا هذه الممارسات بمشهد المتظاهرين الذين يحرقون الدمى أو الأعلام في الأزمنة الراهنة، ثم عودتهم إلى بيوتهم مبتهجين. وكل هذا يعيدنا شئنا أم أبينا إلى العصر الحجري وطقوسه ومعتقداته، في عالم لم يعد ذلك العالم فيه إلا ذكرى.
من بقايا ذلك العصر على صعيد الآداب، دهشة بعض الناس وذهولهم حين يبدو وكأن سحر مسهم تحت تأثير «بلاغة» قول أو خطاب ما، رغم تفاهة مادة القول والخطاب، وضحالة تفكير صاحبها. ويعلل هذا البعض الأمر بتأثير سحر الكلام أو بلاغته، بغض النظر عن مضمونه، من دون أن يدري أنه يختزن في أعماقه شخصية ذلك البدائي الذي ترتبط في ذهنه الأسماء بالأشياء ارتباطاً حميماً، إلى درجة أن ذكر «الاسم» بالنسبة له يعني حضوره، سواء كان اسماً مزعجاً أم ساراً.
آلية هذا التفكير الخرافي الموروث واحدة، وقد أعطِيت في الأزمنة الحديثة تسمية «التفكير الرغبوي»، وتعني تفكير من يفكر بشيء يرغب في حدوثه، ويتصرف وكأنه حدث فعلاً، كما رأينا في مناسبات عديدة، وخاصة في الأوساط السياسية، حين كان يكفي بيانٌ صاعق حول المجتمع الجديد القادم يعني أنه قدم فعلا، وعلى الناس أن يتصرفوا ويفكروا على هذا الأساس، وأي انتقاد لمثل هذا «الواقع الماثل توهماً» يعرض صاحبه لشتى التهم، وقد يلتهمه عداء الجماهير.
في الفلسفة يكتسب هذا الموروث تسمية الأقوال الخطابية في مقابل الأقوال البرهانية، فتؤدي الخطابية وظيفتها في الإقناع بكل الطرق، المغالطة والصوت العالي والتهديد والتخويف والتهويل، باستثناء طرق العقل في جلاء مناهج التجريب والتمحيص والاستدلال والاستنتاج، وربط المقدمات بالنتائج.
التفكير السحري أو الرغبوي أو الخطابي ينتمي إلى عالم آخر غير عالم قوانين الطبيعة والمجتمعات بظواهرها المادية والنفسية؛ إنه ينتمي إلى عالم يبطل فيه أن يكون الواقع واقعاً، واقع تلغيه وتحل محله الصورة فالكلمة، والرمز المجرد في نهاية المطاف، وربما الإيماءة، عالم تختفي فيه العلاقة بين دالّ ومدلول ودلالة، ويلتهم الدالّ كل شيء، ويتلبس وظيفة المدلول الذي يشير إلى وجود الواقع، ومع اضمحلال كل ما هو خارج الدالّ والدلالات، تتحول الكائنات إلى ألفاظ، والألفاظ إلى كائنات، تماماً كما كان الحال في عالم يسوده التعويذ والتعزيم بدل ممارسة الفعل والتغيير، فبوساطة هذين «الفعلين» يحدث التغيير والتطوير بمجرد التلفظ.
_______
*الخليج الثقافي

الخميس، 5 مايو 2016

الكلمات وأسرارها المثيرة ! .................. رشيد فيلالي

تعتبر الكلمات لباسا للمعاني ورغم أن هذا اللباس قد يظلّ كما هو أحيانا من غير تغيير، إلا أن المعنى قد يتبدل ويصبح له بعد آخر مثير ومتناقض وحتى مربك جدًا.


ومن هنا قد يتعجّب المرء حين يعلم أن الكلمات التي يتم تداولها اليوم مرّت على الكثير منها تغييرات وتقلّبات حوّلتها من معنى إلى معنى آخر، بعيد عنه كل البعد، ويبدو في أحايين كثيرة متنافرًا وغريبا وحتى طريفا جدًا.
والأمثلة كثيرة على ذلك، ولا بأس أن نسرد بعضها ضمن هذه الوقفة للتّدليل على فحوى ما نريد قوله، مثلاً كلمة «السُّفرة» التي تعني الآن مائدة الطعام، كانت تعني في الأصل الطعام الذي يتناوله المسافر أثناء سفره، قبل أن تتطوّر دلاليا وتطلق على الخوان أو المائدة، وكلمة «المناخ» بضم الميم (وفتحها أيضا) كانت تعني المكان الذي تبرك أو تُنيخ فيه الإبل وقد تطوّرت الكلمة لتعني في الوقت الراهن علم الظواهر الجوية!
وقد نعجب بأن كلمة «نجمة» بتاء التأنيث لا وجود لها بهذا الاستعمال في القواميس العربية القديمة، التي تستعمل كلمة النّجم فقط، وهي على هذا الأساس تعتبر كلمة محدثة، وتم إقرارها من طرف المجامع اللغوية العربية، والكلمة بعد تأنيثها أخذت مسارًا أكد حضورها في الاستعمال اليومي ورسخها بقوة.
وهناك أيضا كلمة «كافر»، التي كانت قبل الإسلام تطلق على الفلاح والمزارع، وتعني الذي يستر البذور داخل الأرض، قبل أن تتغير دلالتها لتعني العاصي لله أو الناكر لوجوده.
وهناك كلمات أخرى كثيرة انفتحت مجازيا على دلالات لا تخطر على بال من يجهلها، مثلا كلمة «استضاف» على وزن استفعل، هي في الأصل تعني طلب الضيافة، غير أن الاستعمال ونفوذه الطاغي حولها إلى النقيض من ذلك، فصارت تعني استقبال الضيف والاحتفاء به، وكلمة «نير» بكسر النون، هذه الكلمة في العادة نستعملها مقرونة بكلمة الاستعمار، فنقول تحت نير الاستعمار، أي تحت سيطرته وسطوته وطغيانه، هي في الأصل تعني الخشبة التي توضع فوق رقبة الثور المستخدم في حرث الأرض، وهي صورة بلاغية معبّرة فعلا.
ثمة أيضا كلمات تتضمن أكثر من دلالة واحدة، ولنأخذ مثلا كلمة «نجوى»، فهي لدى الشّعراء لها معنى البوح بأسرار الحبّ ولواعج الفؤاد الولهان، لكن الكلمة نفسها تعني ما يشبه «صكوك الغفران» لدى الفاطميين، ولنتصوّر أنه في العصر الفاطمي بمصر كان الخليفة يفرض على الرعية منح 3 دراهم للخزينة بقصد نيل رقعة قماش مذيلة بإمضاء الخليفة مكتوب عليها «بارك الله فيك وفي مالك وولدك ودينك»، فيأخذ المانح للدنانير ذلك ويفخر به أمام بقية الرعية على أساس أنه مؤمن قانت ومطبق لتعاليم الدين وأنه موعود بالجنة والغفران على ما قدّمه من عطاء لبيت المال.. فتأمل.
 

الأحد، 1 مايو 2016

الحرية والتنوير.. أيهما شرط للآخر؟ ....... علي مبروك

تكاد الحرية لا تنفك عن العقل، بل إنه يبدو أن تاريخها هو تاريخ العقل وهو يقلص مملكة الضرورة التى يجد الإنسان نفسه واقعا فى قبضتها على مستوى الطبيعة والمجتمع والتاريخ؛ بل حتى النفس. ويترتب على ذلك ضرورة أن يكون بناء عالم “العقل” حاكما لبناء مملكة “الحرية”. وتبعا لذلك، فإنه إذا كان العقل بناء يتطور عبر التاريخ، فإن ذلك يعنى أن الحرية لن تكون جوهرا يمكن للبشر أن يُمسكوا به مكتملا وجاهزا فى اللحظة التى يقررون فيها ذلك. بل إنها تكون مشروعا مفتوحا تصنعه الجماعات البشرية المختلفة فى قلب تجاربها التاريخية المتباينة، وليست نموذجا مثاليا أو وصفة جاهزة تقبل التعميم على كل الجماعات بصرف النظر عن مستويات تطورها العقلى والتاريخي. وإذ يبدو- تبعا لذلك- أن ممارسة الحرية تنضبط- أو حتى تتحدد- بمستوى التطور العقلى للجماعة، فإن ذلك يحيل إلى جوهرية إنجاز التنوير العقلى كشرطٍ لازم لهذه الممارسة فى مجالى الاجتماع والسياسة مثلا.
وضمن هذا السياق، فإن تعريف الحرية لا يعنى أن يفعل الفرد ما يشاء فى اللحظة التى يقرر فيها ذلك، وبمعزلٍ عن مستوى التطور العقلى للجماعة التى ينتسب إليها، بل الأمر يتعلق بما يسمح به مستوى تطور الجماعة العقلى للفرد بإتيانه من الممارسات فى لحظة بعينها فى مسار التطور العام للجماعة. ولعله يمكن القول- حسب فيلسوف التنوير الألمانى الكبير ايمانويل كانط- ان الحرية التى لا تتحدد بالعقل ومستوى تطوره، لا تكون مُفيدة للتنوير، بل إنها تكون- وللغرابة- مُعيقة له على نحوٍ شبه كامل. ومن هنا مفارقة أن ما يمارسه البعض من أدعياء التنوير فى العالم العربى يمكن أن تكون بمثابة عبءٍ كامل على قضية التنوير ذاتها. ويرتبط ذلك بحقيقة أن ما يمارسونه مما يقولون انها حريتهم قد يشتطُّ أحيانا، ولا يحدد نفسه بمستوى التطور العقلى الذى تعرفه المجتمعات العربية. ولعل قيمة كانط فى هذا السياق تتأتى من أن مستوى التطور العقلى والاجتماعى والسياسى الذى عرفته ألمانيا فى القرن الثامن عشر يتماثل إلى حدٍ كبير مع مستويات التطور الراهن فى المجتمعات العربية. ومن هنا إمكان الاستنارة بما مضى إليه فى مقالته الشهيرة: ما التنوير؟ كمدخلٍ لمقاربة الوضع الراهن فى العالم العربي.
فقد مضى، فى هذه المقالة الذائعة، إلى انه إذا كانت الحرية هى الشرط الجوهرى اللازم لفعل التنوير، فإن ثمة من هذه الحرية ما يكون مُفيدا للتنوير، وثمة منها ما يكون- وللغرابة- مُعيقا له. فإنه إذا كان التنوير لا يعنى ما هو أكثر من تجاوز حال القصور واستعمال العقل من غير جبنٍ أو كسل، فإنه يرى وجوب التمييز بين نوعين من هذا الاستعمال للعقل. فإن ثمة الاستعمال العمومى للعقل الذى يجب- على قوله- أن يكون حرا تماما، وهو وحده الذى يمكن أن يؤدى إلى تنوير الناس. وثمة من جهة أخرى الاستعمال الخصوصى للعقل الذى يمكن تقييده بصرامة دون أن يكون هذا التقييد مُعيقا للتنوير، بل لعله يفيده. ويعنى الاستعمال العمومى للعقل ذلك الاستعمال الذى يقوم به شخصٌ ما بوصفه رجل فكر أمام الجمهور العام، وأما الاستعمال الخصوصى للعقل فإنه يشير إلى ذلك الاستعمال الذى يقوم به المرء بصفته يتقلَّد منصبا أو وظيفة مدنية ما أمام جمهور بعينه.
ويضرب كانط مثالا لذلك برجل الدين الذى يكون ملزما- فى استعماله الخصوصى لعقله- بأن يعلِّم تلامذته وجماعته حسب مذهب الكنيسة التى يخدمها، لأنه قد تم تعيينه فى هذه المهمة على أساس هذا الشرط. ولكنه يتمتع فى استعماله العمومى لعقله، كرجل فكر، بكامل الحرية فى أن يفضى للجمهور الواسع بكل أفكاره المدروسة بعناية والمنبثقة عن نية حسنة حول ما هو خاطئ فى ذلك المذهب واقتراحاته الرامية إلى تدبير أفضل للنظام الدينى والكنيسي.
ولعله يمكن القول ان الإنسان فى استعماله العمومى لعقله إنما يفكر لبنى البشر على العموم، وأما حين يفكر لجماعة ما فى لحظةٍ بعينها، فإنه يستعمل عقله استعمالا خصوصيا لابد أن يكون مربوطا بجملة الشروط العقلية والتاريخية التى تعيشها تلك الجماعة. وضمن سياق هذا التمييز، فإنه قد يكون هناك قانونٌ ما يفرضه مستوى تطور الجماعة لإرساء النظام. ومع أنه قد يكون هناك قانون أفضل تعرفه جماعات أخرى تعيش فى مستوى تطور مختلف، فإن على رجل التنوير أن يقبل بالقانون الأول مع العمل على خلق الشروط التى تؤول إلى زحزحته ونقضه. وهكذا فإن من رأى كانط أن يبقى النظام الذى تم إرساؤه قائما مهما كان قاصرا من زاوية الاستعمال العمومى للعقل؛ وذلك إلى أن يبلغ الفهم درجة متقدمة تسمح بتفكيك الشروط التى تؤسس لبقاء هذا النظام.


إن ذلك يعنى استحالة التفكير فى مسألة التنوير استنادا إلى مجرد الحرية الخاصة للفرد، وبمعزلٍ عن مستوى التطور العقلى والتاريخى لجماعة بعينها، وإلا فإن هذا التفكير سيكون عبئا على قضية التنوير ذاتها.



نقلا عن جريدة القاهرة عدد 812 بتاريخ 26 يناير 2016

فيديو في غاية الأهمية ،، شاهد وشارك لاصحابك

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...