الخميس، 20 أبريل 2017

يومها سقطت اوراق الربيع بقلم الكاتب والاعلامي السعدي ناصر الدين


 


ترى هل كان بالامكان حدوث " ربيع امازيغي" لو لم يصدر محمد بورزام محافظ تيزي وزو  قرارا يمنع الكاتب مولود معمري من دخول ولايته؟ هل فكرت نخبة من القبائل وانجزت مشروعا ناضجا لتطوير اللغة والثقافة الامازيغية وعرضته على الناس او رفعته الى السلطات؟ هل كانت توجد فعلا نخبة في منطقة القبائل مهتمة بالموضوع ؟ لم يحدث اي شيء من هذا، كل ما هنالك احتجاج من طلاب جامعة تيزي وزو عقب تدخل السلطات لافشال برنامجهم الثقافي الذي تصادف مع ذكرى يوم العلم وتضمن من بين ما تضمن محاضرة للاستاذ مولود معمري حول الادب البربري القديم تعذر تقديمها بسبب قرار المنع المذكور. احتجاج الطلاب قابلته السلطات بعنف لم يسبق ان شهدت مدينة جزائرية مثيلا له، حيث دخلت قوات الشرطة لاول مرة في تاريخ البلاد الى الحرم الجامعي لفض اعتصام الطلاب واعتقال قياداتهم، سلوك لم يحدث حتى غداة 19 جوان 1965 حين وقفت الحركة الطلابية ضد الانقلابيين واعتصمت لايام في الجامعة. العنف قابله تضامن عائلات الطلبة واقاربهم وجيرانهم ونزل الآلاف من القرى بحثا عن ابنائهم المهددين بالموت والاعتقال. كبرت الاحداث ككرة الثلج واخذت طابعا خطيرا حين دخل الاعلام الرسمي الحلبة في التحريض ضد "اعداء الوطن والوحدة الوطنية". وتوافدت فرق الشرطة والدرك من الولايات المجاورة للسيطرة على الوضع تماما مثلما حدث عام 2001. وعمل الاعلام الفرنسي كثيرا حول نقل الصور والتصريحات على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد وهو من اطلق عليها اسم "الربيع البربري" فعبارة " الامازيغية " لم تكن وقتها مستعملة تماما حتى ان أكاديمية باريس التي كانت تعنى بالشأن الثقافي القبائلي خصوصا كان اسمها " الاكاديمية الثقافية البربرية". وفي غمرة تلك المواجهات برزت مطالب ثقافية التف حولها طلاب ومثقفون تحولت الى تنظيم باسم " الحركة الثقافية البربرية" ومنها فقط بدأ العمل في القبائل حول الهوية المتميزة. اما مناطق اخرى كالاوراس وغيرها فكانت غائبة ولا يبذل بها اي جهد في هذا الاتجاه. ولقد كان من تبعات احداث القبائل ان انقسمت الصفوف وتشتت جهود القوى التي كانت في السبعينات ملتفة حول برامج التنمية ، اعتقل المئات من الطلاب والاساتذة والمحامين والنقابيين وغيرهم على مدى السنوات التي تلتها ليس في تيزي وزو فقط بل وفي عنابة وقسنطينة والعاصمة وبجاية وغيرها وشنت حملة كبرى لتشويه كل منجزات الجزائر السابقة ومسارها التنموي وتلميع بدائل مبنية على الاستهلاك. وقتها فقط تبين ان احداث تيزي وزو لم تكن محدودة في المكان والزمان بل كانت بداية لمنعطف كبير يدفع بالبلاد الى الازمة التي خنقتها بعد سنوات قليلة. فقد رتبت السلطات لتحول اتجاه البلاد على كل الاصعدة ليس بالصيغة الايجابية التي تضيف الى مسار التنمية حريات فردية وجماعية تسمح بترسيخها او بابتكار طرق تسيير تضاعف المردود وتقوي فرص النجاح، بل في الاتجاه المعاكس. فقد سنت قوانين الاقصاء الكبرى اهمها المادة 120 من القانون الداخلي للحزب التي تمنع تولي اي جزائري منصب مسؤولية ـ مهما كان ـ ما لم يكن منخرطا في جبهة التحرير وعلى الصعيد الاقتصادي شرع في برنامج كبير سمي ـ بهتانا ـ اعادة الهيكلة وهو في الحقيقة تفتيت للشركات الاقتصادية ومؤسسات الخدمات الى كيانات صغيرة غير قابلة للحياة. بالموازاة أطلقت الحكومة نظاما اغرائيا واغوائيا باسم " برنامج محاربة الندرة" وهو برنامج مبني على الاستيراد حوّل المحلات التجارية الحكومية من اروقة واسواق فلاح الى مخازن عملاقة لمنتجات اوربية عموما وفرنسية على وجه الخصوص تباع باسعار مدعومة من الخزينة العمومية حتى صارت اقل بكثير من اسعار منتجات مصانع الجزائر. وفتح برنامج محاربة الندرة والمادة 120 من قانون الحزب لاول مرة في الجزائر سوق شراء الذمم الذي تحول في هذه الايام الى ما صار يسمى " منطق الشكارة " عوض منطق قانون الدولة.يرفض كثيرون فرضية المؤامرة في احداث القبائل ، ويعتبرونها  نتيجة لسلوك فردي لمسؤول شاب ناقص الخبرة ومحدود المستوى الثقافي، لكن أكان منع مولود معمري من دخول ولايته فعلا مدبرا ومدروسا من جهة ما في السلطة او كان نتيجة غباء المحافظ محمد بورزام ، فهو كان فاتحة لتحول كبير في مسار الجزائر. كان منعطفا حقيقيا نحو تشتيت قوى البناء وفتح الطريق امام تشعبات ومهاترات و قرارات عمياء دفعت البلد الى ازمة عميقة بعد سنوات قليلة مع انه كان في الوقت الذي اندلعت فيه الاحداث على نفس خط التنمية مع اسبانيا وكوريا الجنوبية وكانت الجزائر الاوفر حظا لتحقيق السبق بالنظر الى مواردها الطبيعية. فلقد ركزت الجزائر في السبعينات على عامل التكوين في مجالات العلوم والتكنولوجيا تماما كما فعلت كوريا الجنوبية وكان مفترضا ان تكون الثمانينات عشرية الانطلاق الحقيقي لمختلف مجالات التنمية خاصة الصناعية منها بقدرات علمية وطنية عالية التكوين. فأكثر ما بني في السبعينات جامعات العلوم والتكنولوجيا ومعظم الاطارات العلمية والتقنية الجزائرية التي تعمر الآن الجامعات ومراكز رالبحوث في القارات الخمس تكونت في تلك الفترة لضمان الانطلاق الحقيقي الربيع الامازيغي اذن لم يكن ربيعا بقدر ما كان بداية مسار مغامر دفع الى نكبة عاشتها وتعيشها الجزائر حتى اليوم مسار ابعد البلد عن طريقه الذي كان سيكمل منجزات الاستقلال، كنا على نفس خط الانطلاق مع كوريا الجنوبية و اسبانيا فأين هم واين نحن الآن. ففي مثل هذا اليوم سقطت اوراق الربيع في الجزائر.



في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...