الأحد، 16 أكتوبر 2016

"أمريكا وروسيا ورعاية الطرق الصوفية.. الأهداف والوسائل"


Cq8VpIEXgAAGvlO.jpg
- ما علاقة مؤتمر الشيشان الذي رعته المؤسسات الصوفية في روسيا بانقلاب جماعة كولن الصوفية في تركيا قبله بشهر واحد فقط؟
- ما العلاقة بين السيسي والجفري ليحييه في حفل عسكري؟
- ما سر زيارة الجفري وعلي جمعة للقدس تحت الاحتلال الصهيوني؟220152201434.jpg
- ما علاقة مؤتمر ماردين بخطاب ابن بيه في الأمم المتحدة حول التطرف؟
- ما قصة ظهور الجفري ومؤسسة طابة ومجلس حكماء المسلمين بدعم مالي وإعلامي إماراتي؛ وما المهمة التي تريد تحقيقها من وراء ذلك؟
- ما سر هذا الحراك الصوفي الدولي فجأة وبرعاية دولية وإقليمية؟854.jpg
- ما علاقة كل ما يجري بالاحتلال الامريكي والروسي للعالم العربي؟
- في دراسة موثقة؛ مركز التأصيل للدراسات والبحوث يجيب بتقرير بعنوان "مؤسسة طابة الصوفية الخطر القادم" عن كل هذه التظاهرة السياسية التي يشهدها العالم الإسلامي في ظل الحرب الصليبية الروسية الأمريكية..
مختصر التقرير:
يقول المؤرخ والباحث دانيال بايبس[1]: "الغرب يسعى إلى مصالحة التصوف الإسلامي ودعمه، لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة، وإقصائه نهائيًا عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استُخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة"[2].
ونشرت مجلة تابعة لشبكة إعلامية أمريكية[3] تقريرا بعنوان: "عقول وقلوب ودولارات"، جاء في أهم فقراته: "يعتقد الإستراتيجيون الأمريكيون بشكل متزايد أن الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون واحدًا من أفضل الأسلحة؛ ولذا فإنهم يدفعون علنًا باتجاه تعزيز العلاقة مع الحركة الصوفية، ومن بين البنود المقترحة استخدام المعونة الأمريكية لترميم المزارات الصوفية في الخارج والحفاظ على مخطوطاتها الكلاسيكية التي تعود إلى القرون الوسطى وترجمتها، ودفع الحكومات لتشجيع نهضة صوفية في بلادها"[4].
ولهذا يقول د.عبد الوهاب المسيري: "ومما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشارًا الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي وأشعار جلال الدين الرومي"[5].
ولم تكمن خطورة الصوفية في العمل الفردي أو حتى العمل الجماعي على مستوى الفرق أو الطرق الصوفية؛ بل إن الخطر الصوفي الأكبر يكمن في التحرك الصوفي المؤسسي والمنهجي. فدعم الصوفية من قبل الغرب لا يسمح لها أن تسير بلا خطة ولا منهج ولا عمل مؤسسي. وهذا هو مكمن الخطورة الأكبر الذي سيبرز في السنين القليلة القادمة؛ والذي يجب أن تستعد له الدول الإسلامية كلها، وبالأخص منه أبناء الفكر الإسلامي السني الذي يريد العودة بالإسلام إلى الصورة النقية التي كان عليها سلف الأمة في القرون الفاضلة الأولى.
ومن المؤسسات التي ظهرت بعض ملامحها في الفترة الأخيرة، والتي لم تظهر بعد مشكلاتها الكبيرة على المستوى الإسلامي كله مؤسسة (طابة)، التي بدأ اسمها في الترداد مؤخرا بشكل لافت. وهي مؤسسة صوفية تتخذ من مدينة أبو ظبي الإماراتية مقرا لها. وأسسها علي الجفري -الصوفي اليمني؛ وهو يديرها بالإضافة إلى مجموعة من رموز التصوف في العالم الإسلامي.
816061433020504.jpg
ومن التعريف الرسمي للمؤسسة من موقعها يتضح مدى خطورة ما تقوم، وما ستقوم به في الفترة القادمة، من تأثير على مجريات الأحداث في العالم الإسلامي.
فهي تعرف نفسها بأنها "مؤسسة غير ربحية تسعى إلى تقديم مقترحات وتوصيات لقادة الرأي لاتخاذ نهج حكيم نافع للمجتمع، بالإضافة إلى إعداد مشاريع تطبيقية تخدم المثل العليا الخالدة لدين الإسلام، وتبرز صورته الحضارية المشرقة؛ ومن خلال ذلك نضع مقاييس جديدة ومعايير قِيَميّة لأنظمة العمل المؤسساتي"[6]. بينما تنص رؤية المؤسسة على: "إعداد الدراسات والكوادر والمؤسسات لتطوير خطاب إسلامي واضح وإيصاله للعالم بأسره بطريقة تؤدي للإدراك".
وبالنظرة الأولى للمؤسسين، والهيئة الشرعية التي لها المرجعية فيها، ومن يسمى بالمجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة طابة نجدهم أقطاب الصوفية في العالم الإسلامي. وهم السوري الراحل د. محمد البوطي، والموريتاني د. عبد الله بن بيّه، والمصري د. علي جمعة -مفتي الديار المصرية السابق، واليمني الحبيب عمر بن حفيظ، والأردني د. نوح القضاة -مفتي عام الأردن الراحل، بالإضافة إلى المؤسس اليمني علي الجفري.
وهؤلاء أعمدة التصوف في العالم الاسلامي حاليا، وهم الحاصلون على المراتب المتقدمة ضمن الشخصيات الإسلامية الأكثر تأثيرًا في العالم لعام 2011م[7].
وتتصل مؤسسة طابا بالغرب اتصالا فكريا وثيقا؛ بما يمكنها من إحداث تأثير قوي على الفكر الإسلامي في الغرب؛ حيث تجمع في إدارتها بالإضافة إلى الشخصيات الصوفية البارزة في العالم الإسلامي آخرين من خارجه، منهم الأمريكي جهاد هاشم براون -عضو مجلس الإدارة وكبير أعضاء مجلس الأبحاث في طابة، تتلمذ على يد د. البوطي، وله نشاط واسع بالتدريس وإلقاء المحاضرات والبرامج التلفزيونية الفضائية في الغرب بفكر صوفي خالص؛ وكذلك الشيخ موسى فيربر، الذي يحاضر في كلية "كامبردج مسلم كوليدج" البريطانية التي تنتقي أفضل الطلاب من خريجي المدارس الشرعية العليا.
وتتضح ملامح خطورة هذه المؤسسة لوجود علاقات بينها والدوائر السياسية في الغرب، مع صلتها القوية بأنظمة حكم في كثير من الدول العربية والإسلامية، بدعمها لهذه الأنظمة ضد شعوبها وضد التيارات الإسلامية فيها؛ مع عملها الدائم على بناء كوادر متخصصة لذلك. ويظهر ذلك في وجود ممارسات شاذة عن الخط الإسلامي يفرح بها الغرب. مثل موقفهم من قضية الإساءة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنمارك، بالإضافة إلى شرعنة التطبيع السياسي والديني مع الصهاينة، مما سيتبين لاحقا من خلال أنشطتهم التي قاموا بها.
بعض الأنشطة التي قامت بها المؤسسة:
من خلال استقراء أنشطة المؤسسة يتبين حجم الحراك داخل الدول العربية والإسلامية، لأعضاء المؤسسة النشطين جدا، والذين يتحركون في كافة الأرجاء دون أي معوقات، ودون أن تعوزهم النفقة، ما يوضح حجم الإغداق المالي لهم. ومن هذه الأنشطة:
مؤتمر بـ(سيدي شقير) بالمغرب -عام 2004م، تحت عنوان: "المؤتمر العالمي للطرق الصوفية"، وحضره مندوب أمريكي، وبحضور -لافت للنظر- للنقشبندية التي يتزعمها ناظم الحقاني -المقيم في قبرص، وشارك فيه الأمريكي (داود كيزويت) -رئيس اللجنة المغربية الأمريكية للتعاون الثقافي والتربوي![8].
خروج المؤسسة على إجماع العلماء في قضية مقاطعة الدنمارك عام 2006م، فشارك الجفري مع آخرين وعقدوا مؤتمرا حواريا معهم؛ فساهموا في إفشال هذه المقاطعة.
ماردين.png
في عام 2010 أقامت مؤسسة طابة مركز د.عبد الله بن بيه، والمركز العالمي للتجديد والترشيد، وأقامت مؤتمر "ماردين دار السلام" في مدينة ماردين بتركيا، وكان الهدف الرئيس إيجاد تسمية جديد للعلاقة بين الدول الإسلامية وغيرها، بدل التسمية الشرعية الواردة في كتب الفقه: دار إسلام ودار حرب. وأطلق عليها ـ"فضاء سلام"، أو "فضاء التسامح والتعايش"[9]. وتم فيه التأكيد على حصر أنواع الجهاد في الإسلام في نوع واحد منه، وهو جهاد الدفع فقط. وإن كان حتى هذا النوع من الجهاد لا يعمل به كثير من الصوفية، فهم أبعد الناس عنه!
thumb.jpg
ali-gom3a_l_2012419111623_s4.jpg
كما قام اثنان من كبار مؤسسي مؤسسة طابة بزيارة المسجد الأقصى للتطبيع مع العدو الصهيوني، في محاولة لكسر عزلة الصهاينة، حيث يريدون أن يتعامل المسلمون معهم كواقع لا يمكن تغييره. فقام الجفري بزيارة مدينة القدس -في 4/4/2012م، مسببا صدمة للمسلمين داخل فلسطين وخارجها، وبعدها بأيام قام الشيخ علي جمعة -في 8/4/2012م، بزيارة القدس أيضا!
فلم تترك المؤسسة حتى لجهاد الدفع مكانا في الخلفية الفكرية لها..!
tasawwufconf.jpg
hqdefault.jpg
hqdefault (1).jpg
وشاركت المؤسسة مشاركة قوية بمؤتمر "التصوف منهج أصيل للإصلاح"، بالقاهرة عام 2011م، والذي نظمته أكاديمية الإمام الرائد لدراسات التصوف وعلوم التراث بالعشيرة المحمدية. وكان المؤتمر برئاسة الدكتور أحمد الطيب -شيخ الأزهر، وهو شيخ طريقة صوفية.
waqfjordon.jpg
وفي مارس 2013م، أشرفت المؤسسة على وقفية[10] كرسي "الإمام الغزالي" في القدس، وجعلت من شروط أستاذ الكرسي أن يكون من أهل السنة والجماعة، والمقصود بهم عندهم الأشاعرة الماتريدية، لتكون خطوة إضافية في سبيل التطبيع مع الصهاينة. كما كانت التسمية ذات دلالة عندهم، حيث إن الغزالي -وهو من أعمدة التصوف- عاش فترة في حياته في مدينة القدس، إبان الحروب الصليبية، دون أن يكتب حرفا في إحيائه عن جهاد هؤلاء المحتلين، ولم يذكر أصلا بابا لجهاد الأعداء في تزكية النفس، في ذات الوقت الذي كان فيه بطرس الناسك أو الفاتك يكتب محمسا جنوده الظالمين المعتدين!!
وتشرف المؤسسة على وقفية كرسي "الإمام الرازي"[11] -وهو من أعمدة الصوفية أيضا، في عمَّان، تحت عنوان: "الكرسي المكتمل لدراسة فكر الإمام الرازي"، لتدريس فكر الإمام الرازي (الصوفي) ومنهجه في الجامعة الأردنية وجامعة العلوم الإسلامية العالمية ومسجد الحسين بن طلال، وإنشاء جائزة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين للدراسات التي تتناول الإمام الرازي وفكره ومنهجه.
الكانون 029.JPG
20120411-195501.jpg
وشاركت المؤسسة في مؤتمر "نصرة القدس" بدمشق، في 10/4/2012م، والذي رفع لافتة: (القدس فقط)، واستغل لمآرب أخرى. فكان من مقرراته: تأييد بشار الأسد في سفك دم وانتهاك أعراض الشعب السوري، وإنشاء اتحاد لعلماء الشام برئاسة د. البوطي، وهي رابطة مقربة جدا من حزب الله الشيعي.
2012Apr08389imageSOFA.jpg
وفي إبريل 2012م، افتتحت جامعة الصفاء الإسلامية بماليزيا لتدريس علوم الصوفية. حيث قال الجفري في افتتاحها: "إن مؤسسة طابة ستقوم بتدعيم الجامعة بالتعاون مع الحكومة المحلية لولاية تيجري سيمبلان [التي افتتحت فيها الجامعة]، وأن الجامعة ستقوم بتدريس علوم الشريعة على منهج أهل السنة الأصيل، الذي قبلت الولاية دخول الإسلام من خلاله". وهو منهج الصوفية من كبار التجار المسلمين الذين نشروا الإسلام هناك!
وقام مسئول الفلسفة واللاهوت -في مؤسسة (جون تمبلتون) الأمريكية- بزيارة للمؤسسة، وجرى الاتفاق بين الطرفين للشراكة البحثية في موضوعات محددة، مثل: "التطور والتجديد، والتسامح، والإبداع وحرية الرأي، والمحبة والدعوة للحوار بين العلماء والفلاسفة وعلماء اللاهوت وعلماء الدين الإسلامي، والدخول في حوار الأديان وحوار الحضارات، وحوار الثقافات لتعميق التفاهم بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية"! ولا شك أن تناول هذه الموضوعات يقصد به سلخ الإسلام من حقيقته؛ ليكون النموذج الذي يرضى عنه مستشرقو الغرب!
أقامت المؤسسة الملتقى السنوي الثالث لأئمة ودعاة شرق أفريقيا، الذي اجتمع فيه عدد كبير من الأئمة والدعاة من دول شرق أفريقيا كينيا وأوغندا وروراندى وجزر القمر، وذلك بمدينة مالينزي في كينيا. وافتتح الملتقى علي الجفري -في 20/2/2013م- مؤكدا على إفشاء "روح التسامح" بين المسلمين وغير المسلمين، مع إبراز نموذج مدرسة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بالتعاون مع مؤسسة طابة، وهي مدرسة مختلطة تجمع بين الإناث والذكور دون تفريق تجمع بين المسلمين والمسيحيين!
بذلك نجد أنَّ مؤسسة طابة ليست إلا تنفيذا كاملا للتصور الأمريكي والغربي للإسلام، الذي ينتزع منه أي قدرة أو رغبة في مقاومة أي محتل لأرضهم أو لأدمغتهم، بتمكين الصوفية الذي يتم الآن تدويلها وجعلها ظاهرة عالمية تجمع شتات الأديان والعقائد، مما يمكِّن مِن توظيف الصوفية سياسيا، بدخولها ميدان السياسة، رغم ادعاء نبذ الصوفية لكل ما في الدنيا. فيمكن التأثير بها على صناع القرار في العالم الإسلامي من جهة، والتأثير المقابل على الشعوب من جهة أخرى. فتكون الصوفية هي حلقة الوصل المقبولة عالميا بين الإسلام والغرب؛ ومن ثم يتقبل العالم الإسلامي كل أفكارها الانسحابية من الحياة، وتضيع الحقوق التي دفع آلاف وملايين المسلمين دماءهم ثمنا لها بتطبيع الصوفية مع كل محتل!
هذه الصوفية خطر قادم؛ لأنها تتحول الآن عن طبيعتها غير المنظمة إلى طبيعة منظمة، وبخطة طويلة الأمد، وذات انتشار واسع من ماليزيا إلى المغرب إلى جزر القمر. وستكون لمؤسسة طابة الكلمة الأشد خطورة خلال العقد القادم! حيث ستكشر الصوفية عن أنيابها أمام جميع الحركات الإسلامية، مدعومة من الأنظمة في الداخل ومن الولايات المتحدة والعالم الغربي من الخارج!
…………………………..
_____________________________________________________________________

[1]  مؤلف ومؤرخ أمريكي متخصص في نقد الإسلام، وهو مؤسس ومدير مركز أبحاث منتدى الشرق الأوسط، وكذلك مؤسس (كامبس) المؤيدة بشدة للكيان الصهيوني.
[2]  نشرته جريدة الزمان، العدد (1633)، في 12/10/2003م؛ وذكر ذلك د. محمد يسري في كتابه (ولتستبين سيبل المجرمين: ص116).
[3]  هي مجلة (يو إس نيوز آند وورلد ريبورت)، وهي شبكة إعلام أمريكية مقرها في مدينة واشنطن، و(براين كيلي) هو مديرها.
[4]  الملحق الأسبوعي للعرب اليوم الأردنية، في: 25/4/2005م، وأيضا الطبعة الإلكترونية من مجلة (يو إس نيوز آند وورلد ريبورت) الأمريكية، عدد: 25/4/2005م.
[5]  في حديث له مع قناة الجزيرة الفضائية.
[6]  على الموقع الرسمي للمؤسسة www.tabahfoundation.org.
[7]  بحسب تقرير المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية بعمان، بالتعاون مع مركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون.
[8]  لمزيد من التفاصيل حول المؤتمر يرجع إلى موقع مجلة الصوفية، عدد (7).
[9]  مقال: مؤتمر ماردين 2010م دراسة ومناقشة، د. لطف الله خوجه، منشور على صفحته بموقع صيد الفوائد.
[10]  أوقف الملك عبدالله الثاني -في 25/1/2012م- مبلغ مليوني دينار أردني لكل كرسي منهما على حدة.

[11]  العلامة الذهبي -رحمه الله- يقول، في (تاريخ الإسلام)، بإسناد صحيح عنه، برجوع الرازي قبل موته عن الصوفية، وينقل الأستاذ عبدالقادر بن حبيب الله السندي -في كتاب (التصوف في ميزان البحث والتحقيق)- رأي الرازي في الصوفية والرافضة فيقول: "قال فخر الدين الرازي عنهم: ومنها الحلولية، وهم طائفة من هؤلاء القوم الذين يرون في أنفسهم أحوالاً عجيبة، وليس لهم من العلوم العقلية نصيب وافر، فيتوهمون أنه قد حصل لهم الحلول أو الاتحاد، فيدعون دعاوى عظيمة, وأول من أظهر هذه المقالة في الإسلام الروافض، فإنهم ادعوا الحلول في حق أئمتهم, ومنهم المباحية، وهم قوم يحفظون طامات لا أصل لها، وتلبيسات في الحقيقة، وهم يدعون محبة الله تعالى وليس لهم نصيب من شيء من الحقائق، بل يخالفون الشريعة ويقولون إن الحبيب رُفع عنه التكليف!! هم الأشر من الطوائف، وهم على الحقيقة على دين مزدك".

المصدر https://docs.google.com/document/d/1JdLIC8kY2lBoinCCrUwrJmEIfXx3MBw3THVjbeP4vOM/edit

الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

البكاء والنواح الذي يقوم به الشيعة ???? فاضل الربيعي


إذا كان هناك من يقول بأن التاريخ مليء بالأساطير فآنَ لنا أن نقول الآن بثقة إن الأساطير هي الأخرى مليئة بالتاريخ. هذا ما أكده الباحث العراقي فاضل الربيعي في هذا الحوار، داعيا إلى "ضرورة اعتماد علم الميثولوجيا في تحليل كثير من الظواهر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية"!

وأشار الربيعي إلى "أننا لا يمكن أن نفهم مثلا البكاء والنواح الذي يقوم به الشيعة في إيران وسوريا ولبنان والعراق في عاشوراء على الإمام الحسين إلا من خلال عودتنا إلى أساطير المنطقة والثقافة الراسبة بها".

ومن المعروف أن الدراسات الميثولوجية (الدراسات المهتمة بالأساطير) أثارت كثيرا من الجدل خاصة بعد دراسات فراس السواح التي نفت النسب الإلهي عن الدين، واعتبرته جدلا اجتماعيا ميثولوجيا في كثير من جوانبه؛ وهو ما أعطى لهذا الحوار مع متخصص من الوزن الثقيل زخما حقيقيا، يتضح من هذه التفاصيل:


* يلاحظ اهتمامك بعلم الأساطير حتى إن جميع كتبك الأخيرة اعتمدت عليه بشكل خاص.. ما سر هذا الاهتمام؟

- علم الأساطير أو الميثولوجيا هو جزء من منظومة علوم متقاربة ومتشابكة في المناهج مثل السيسيولوجيا والإنثربولوجيا، وبالتالي هي تتشابك معها وتتقاطع، فعلم الأساطير يبحث في تاريخ وأساطير المجتمعات القديمة، بينما الإنثربولوجيا تهتم بالمجتمعات في تطورها التاريخي، والسيسيولوجيا تهتم وتختص بتحليل الجانب الاجتماعي من حياة البشر.

فهذه العلوم متقاربة ومتماثلة في الأدوات، لكن للميثولوجيا ميزة أو خصوصية تفرض علينا الاهتمام بها كعلم جديد في ثقافتنا العربية المعاصرة.

وأتعجب من عدم اعتماد هذا العلم وتدريسه في الجامعات العربية، في الوقت الذي اعتمدته معظم جامعات العالم، وأذكر على سبيل المثال أن جامعة لايدن في هولندا افتتحت فرعا خاصا في علم الأساطير أو الميثولوجيا، بينما لا يجري مثل هذا الاهتمام في العالم العربي.. فهناك التباس لدى العامة من الناس وحتى أهل الاختصاص مرده الخلط بين الأسطورة والخرافة.

وثمة معتقدات سطحية تجتاح حتى النخب الفكرية والسياسية والاجتماعية، فتخلط بين ما هو أسطوري وما هو خرافي، وعدم التمييز هذا ناجم عن أن الثقافة العربية المعاصرة لم تتمكن من تحديد دخول كثير من العلوم والثقافات والمناهج والفروع الثقافية التي تهتم بها.

وعلى الصعيد الشخصي بدأ اهتمامي بالمثيولوجيا منذ وقت طويل، وهو اهتمام ينصب على دراسة أساطير العرب القديمة بشكل خاص وليس اهتمام بالأسطورة بشكلها المطلق، بل بشكل أخص على أساطير العرب قبل الإسلام، بينما احتلت الأساطير البابلية والفارسية والسومرية وأساطير الفرس والأتراك والهنود مرتبة أدنى في سلم اهتماماتي؛ لأنني وجدت أن أساطير العرب قبل الإسلام تستحق أن يجري الاهتمام فيها كفرع مستقل عن بقية الثقافات في المنطقة.

الأسطورة مفتاح الوعي

* ما هو السبب الذي أعطى للأسطورة عند العرب قبل الإسلام هذه الأهمية؟

-السبب الرئيس هو أن الفرد اليوم، سواء كان ينتمي إلى النخبة الثقافية أو فردا عاديا، يعجز عن فهم مجتمعه ما لم يتمكن من التعرف على الراسب الثقافي القديم المستمر باستمرار المجتمع.

هذا الراسب الثقافي الهائل الذي يمتد في الزمن إلى آلاف السنين هو الخزان الثقافي الهائل الذي يتضمن كثيرا مما هو مفتاحي وأساسي في فهم المجتمع المعاصر.

فالإنسان لا يستطيع اليوم فهم سلوك المجتمعات العربية المعاصرة في كثير من الميادين دون العودة إلى الثقافة القديمة التي تشكلت هذه المجتمعات في إطارها.

وعلى سبيل المثال هناك نقاش تجده عند المثقفين وعند السياسيين وعند العامة من الناس مفاده أن طقوس البكاء والمناحة على سيدنا الحسين (رضي الله عنه) هي اختراع (فارسي) أو هي دليل على تخلف جماعة بشرية بعينها، وفي بعض الحالات يقال باستغراب إننا لا نفهم سبب هذا النواح الذي يمارسه الشيعة في لبنان والعراق وإيران على الحسين.

وفي هذا السياق يجب ألا نصرف جل اهتمامنا لثقافتنا فقط، بل أن نضفي على هذا الاهتمام كل ما يلزم من احترام الخصوصيات الثقافية.

وبالتالي عندما نضع هذه الطقوس في إطارها التاريخي بالعودة إلى أساطير المنطقة والثقافة الراسبة بدءاً من المناحة على الإله تموز في العراق، مرورا بالمناحة على الإله المصري الشهيد أوزيريس في مصر، وصولا إلى المناحة على السيد المسيح في العقيدة المسيحية "قيامة وبعث المسيح"، سوف تكتشف أن الإطار التاريخي لهذه المناحة يتصل بوجود ثقافة بكائية قديمة في المنطقة وما تزال مستمرة بأشكال مختلفة.

ولذلك من أجل أن نفهم طقوس مجتمعاتنا المعاصرة يجب أن نعود إلى الأساطير؛ لأنها مفتاح مهم في فهم المجتمع، فما يقوم به الشيعة من ممارسات طقوسية في عاشوراء ليس مجرد اختراع أو مجرد دليل على تخلف جماعة بشرية أو هو شيء غير مفهوم، بل هو متصل بوجود ثقافة بكائية قديمة في العراق، بدأت بالمناحة على تموز وهو الإله العراقي الشهيد القديم الذي يقتل ويرمى في الماء ثم يبعث وتبدأ المناحة عليه.

حتى إن هيرودوت (500 قبل الميلاد) يذكر في كتابه الشهير (التاريخ) أنه عندما زار بابل ومصر شاهد بعينه مواكب العراقيين وهي تخرج في بابل تنوح وتلطم وتبكي على الإله تموز، بل إنك تجد في التوراة كثيرا من المشاهد التي يقرع فيها أنبياء اليهود أتباعهم بأنهم ينوحون على تموز، بمعنى آخر هذه المناحة بالأساس هي جزء من ثقافة عالمية كانت في المنطقة.

عودة المناحة


* وما علاقة الإمام الحسين بكل هذا؟!

- الإطار التاريخي لا علاقة له بالحسين، ولكن هذه الثقافة مع وقوع حادثة استشهاد الإمام الحسين وجدت ترابطا مع الإطار التاريخي القديم، بمعنى أن العراقيين استعادوا تقاليد البكاء القديمة المستمرة باستمرار مجتمعهم القديم، وقاموا بتضمينها واقعة جديدة من الإسلام وهي واقعة استشهاد الإمام الحسين.

أما في الأصل فالإطار التاريخي للمناحة هو إطار قديم، ومن يدقق في الرواية السائدة عند أبناء الشيعة حول استشهاد الإمام الحسين فسيجد كثيرا من العناصر المتماثلة مع قصة مقتل الإله تموز من قطع الرأس وعملية التمثيل بالجثة ثم النواح عليه...الخ.

الأسطورة تساعدنا على فهم مجتمعاتنا والتعامل معها بطريقة صحيحة؛ إذ إن هذه تقاليد لا يمكن أن تفهم دونها، ومن أجل أن تفهم بطريقة صحيحة ينبغي العودة إلى هذا الخزان الهائل لنغترف منه وندقق فيه.

* إذا بقينا ضمن هذا الإطار تحديدا فلماذا لا نجد مثل هذه الطقوس عند السنة رغم وجودهم بنفس المنطقة وخضوعهم لذات الأسطورة؟

- الأمر لا علاقة له بالمذاهب، فنحن نتحدث عن ثقافة قديمة راسبة، وهذه الثقافة بدأت تتشكل مع عناصر الصراع السياسي والمذهبي حسب حاجات كل جماعة، فالجماعات التي وجدت نفسها مطاردة ومضطهدة وتشعر أنها مظلومة- في التاريخ على سبيل المثال ما يسمى بـ"المظلومية الشيعية" عند أبناء الشيعة- وجدت أنفسها من خلال العودة إلى هذه الطقوس البكائية.

أي إن بعث طقوس النواح على الإله الشهيد مع حدوث واقعة استشهاد الإمام الحسين لها صلة بارتباط جماعة بعينها تسمت باسم الشيعة وتعرضت للاضطهاد، فماثلت بين ما تتعرض له من اضطهاد وبين ما وقع للإمام الحسين الذي ناصرته، ثم دمجت هذين العنصرين بما وقع في الثقافة القديمة للإله الشهيد "تموز" في الثقافة العراقية القديمة، أي إن هذا الاهتمام الخاص بهذه الجماعة له علاقة بارتباط الشيعة بالصراع لنصرة الإمام الحسين، حيث انحازت هذه الجماعة للحسين وناصرته وأيدته ورفعت راياته، وعندما استشهد واضطهدت هي ماثلت بين اضطهادها واضطهاد الإمام الذي آمنت به، وقامت بدمج كل هذه العناصر مع عناصر الثقافة القديمة وهي عناصر النواح أو المناحة العظيمة التي كانت في هذه الأرض.

وبالتالي الأمر لا علاقة له بالمذاهب، ولا أميل إلى رؤية هذه الأمور وحصرها في جماعة معينة، صحيح أن طقس النواح على الإمام الحسين يخص طائفة بعينها وهي الشيعة، ولكن الإطار التاريخي للمناحة أبعد وأشمل من هذه الجماعة..

هذه الجماعة استثمرت هذا الجانب للتعبير عن شخصيتها والتعبير عن ذاتها وأفكارها ومعتقداتها وذلك بقيامها بدمج كل العناصر المعاصرة والقديمة من هذه الثقافة.

المهدي المنتظر

* تحدثت في كتابك الجديد "المناحة العظيمة" حول الثقافة البكائية القديمة وطقوس النواح على الحسين في عاشوراء عن موضوع المهدي المنتظر؟

- نعم.. أشرت إليه من منطلق أننا اليوم لا نستطيع فهم السبب الحقيقي لوجود معتقد لا يزال قويا، وهو الاعتقاد بالمهدي المنتظر، وهو شخصية حتى في الأدبيات الشيعية الفقهية يدور حولها كثير من الأسئلة الشائكة، بالطبع أهل السنة لديهم مهدي منتظر يخص عقيدتهم، ولكن شخصية المهدي المنتظر في المذهب الشيعي تبلورت باجتهادات الفقهاء بالتلازم مع فكرة الخلاص من الظلم.

وهذه الشخصية التي يعتقد بها الملايين من الشيعة في العالم، لا يمكن أن ينظر لها باستخفاف أو استهزاء، ويجب أن تحظى معتقدات الجميع بالاحترام باختلاف مشاربهم أيا كانت أديانهم ومذاهبهم، الدين لله في النهاية، كما يجب أن تحترم كل هذه الخصوصيات الثقافية والحقائق.

وحتى نفهم لماذا عقيدة المهدي المنتظر قوية إلى هذه الدرجة ومستمرة بهذه القوة لابد من معرفة أن هذه العقيدة هي من أقدم العقائد في التاريخ البشري، ولها صلة بعقيدة الإله المخلص الذي تنتظره كل الشعوب في بني إسرائيل.

فقد كان سيدنا موسى هو المخلص في اليهودية، كما كان السيد يسوع هو المخلص في المسيحية، وفي بلاد ما بين النهرين والنيل كان إيزيس وأوزوريس وعشتار وتموز؛ بمعنى أن فكرة المخلص أو عقيدة المخلص فكرة قديمة تبلورت في إطار الإسلام في فكرة المهدي المنتظر.

إذًا لا يمكن فهم هذا الجانب من معتقدات مجتمعاتنا المعاصرة إلا بالعودة إلى هذا الخزان الهائل من الأساطير، وبالتالي رؤيتها في سياق من الاستمرارية التاريخية، فضلا عن كل ذلك لا يمكن بناء مجتمعات عربية معاصرة وحديثة من دون دراسة هذه المجتمعات بطريقة علمية وصحيحة، فالمشكلة أننا في الثقافة العربية المعاصرة لم نولِ أي اهتمام تقريبا بهذه الثقافة القديمة.

الخرافة والأسطورة

* يبدو أن هناك خلطًا لدى العرب بين علم الأساطير والخرافة. وقد يكون هذا سبب عدم الاهتمام؟

- هذا صحيح.. وغالبا ما ترى في كثير من الدراسات ما يشبه الدمج بين مفهوم الأسطورة ومفهوم الخرافة، في حين أنه يجب التمييز بينهما، فالأسطورة شيء والخرافة شيء.

الأسطورة هي جهاز رمزي أو جهاز سردي يقوم بإرسال رسالة رمزية مشحونة بكثير من الدلالات، وهذا الجهاز له وظائف وأشكال من التشغيل قد لا يعرفها حتى كثير من المثقفين والكتاب الذين لا يهتمون بهذا العلم مثلهم مثل عامة الناس، وهذا طبيعي لأنه علم حديث.

فالأسطورة لها أبجدية تبدو منسية، أو أننا نسيناها، أو نسينا تعلمها، وعندما نتمكن من تعلم أبجدية الأسطورة فسنتمكن من فك فحوى الرسالة الرمزية التي ترسلها وعلى سبيل المثال بالنسبة للمواطن العادي عندما يسمع جهاز الإرسال القديم المورس وهو يصدر أصواتا غريبة مزعجة قد تشعر من يسمعها بالضيق أو النفور.

ويعتبر هذا نوعا من الطنين غير المفهوم، ولكن على الضفة الأخرى فإن الشخص الذي يعرف أبجدية المورس ويسمع هذا الطنين فإنه يحوله فورا إلى كلمات يفهم من خلالها الرسالة، والفارق بين الشخص وذاك أن الأول نسي هذه الأبجدية أو لم يتعلمها أصلا، بينما الآخر مازال يتذكرها وربما يكون قد طور مهاراته وتعلمها بحيث تمكن من فض الرسالة وقراءتها.

والأسطورة تعمل تماما كما يعمل جهاز المورس، هي ترسل إشارات وتبعث رسالة بلغة مشفرة وبأبجدية لا يعرفها الكثيرون، فقط الذين لهم صلة بعالم الميثولوجيا ويستطيعون تفكيك بناها وشفراتها المغلقة يستطيعون فهم مغزاها، على سبيل المثال بالنسبة لدارس التاريخ العربي القديم لا يستطيع أن يحصل على كل الملفات القديمة الخاصة بهذا التاريخ؛ لأنها إما تلفت أو بيعت أو طمرت تحت التراب، ونحن نعلم أن جزءا كبيرا من تاريخ العرب لم يدون وبقي شفهيا متناقلا في الرواية بواسطة القصائد والحكايات والأساطير.

وعندما نعود إلى هذا الخزان فسوف نكتشف جزءا من التاريخ الذي ضاعت ملفاته، أي إننا إذا لم نجد اليوم ملفات ونقوشا وسجلات عن قبيلة عاد وثمود مثلا فسنجد أن أساطير هذه القبلية سوف تساعدنا في إعادة تركيب هذا التاريخ الرائع.

أهمية ذلك بالنسبة لدارس التاريخ هو أنه من أجل أن يقدم رؤية متماسكة عامة يجب أن يعود إلى السجلات والنقوش والوثائق، ولكن إذا لم يتمكن من الحصول على سجلات ووثائق فعليه العودة إلى الشعر والأساطير والمرويات القديمة ليعيد من خلالها بناء هذا التاريخ، وكما قلت لك نحن نعيش في قلب مجتمع ما تزال فيه الأسطورة حية، وهنا يجب أن نفرق بين الأسطورة والخرافة.

خرافات وأساطير

* ما هو الخط الفاصل بين الخرافة والأسطورة؟

- الخرافة هي حكاية ليس فيها أي مدلول ولا تتضمن رسالة محددة، وهي أقرب إلى أدب التسلية، والفارق الجوهري بينهما أن الأسطورة هي التاريخ!

عندما كان جيمس فريزر في غينيا الجديدة يسأل أبناء القبائل الأفريقية (البدائية) أن يرووا له جزءا من تاريخهم، كانوا يقومون برواية الأساطير؛ لأن (العقل البدائي) لا يفرق بين الأسطورة والتاريخ.

وأيضا هناك تماثل من الناحية اللغوية بين كلمةhistory) ) الإنكليزية وكلمة (أسطورة)، هذا التداخل له صلة بحقيقة أن التاريخ بمعنى من المعاني هو الوجه الآخر للأسطورة.

الفكرة التي أريد إيصالها الآن أن التاريخ كما يقال مليء بالأساطير، ولكن حان الوقت لنقول إن الأساطير هي الأخرى مليئة بالتاريخ، ونحن نستطيع أن نحصل على هذا التاريخ إذا عدنا للأساطير.

إذًا الفارق بين الأسطورة والخرافة هو أن الأسطورة كجهاز سردي تتضمن شيئا من التاريخ فضلا عن الرسالة الرمزية المشفرة التي تريد إرسالها، ولها وظيفة محددة لها طابع اجتماعي وأخلاقي وديني، بينما الخرافة هي مادة تسلية لا وظيفة محددة لها؛ لذلك قال العرب قديما هذا حديث خرافة.

ليس صحيحا ما يزعمه البعض من أن مفهوم "الخرافة" يتمثل في رجل كان يروي الخرافات، وأن العرب في الجاهلية كانوا يقولون هذا حديث خرافة، هذا التأويل غير صحيح وغير دقيق، فقد قصد العرب بقولهم هذا خرافة أنه حديث لتمضية الوقت والتسلية ولا معنى له، بينما قال العرب أيضا تلك أساطير الأولين بمعنى أن هذا جزء من تاريخ منسي قديم، هذا هو الفارق الجوهري الذي ينبغي أن ننتبه إليه.

بالمناسبة واحدة من المخلفات الفظيعة التي تركتها المدرسة العقلانية الغربية في ثقافتنا العربية المعاصرة تتمثل في هذا الجانب، فالمدرسة العقلانية الغربية أوهمتنا أن الإنسان كائن عقلاني، بينما الحقيقة أن الإنسان نصفه كائن عقلاني ونصفه الآخر ميثولوجي؛ ولذلك هناك عقل باطن وعقل ظاهر، وفي الكتابة الإبداعية نجد هذين المستويين.. هناك العقل الواعي والعقل اللاواعي أو ما يسمى تيار اللاوعي؛ ولذلك من أجل أن نحترم مجتمعاتنا ونفهم خصوصياتها يجب أن نتعلم أبجدية الأسطورة، ونقوم بتفكيك هذا التاريخ لدراسة هذا المجال.

ولذلك قلت إن الميثولوجيا هي جزء من منظومة العلوم، فهي تمشي بالتجاور والتلازم مع الإنثربولوجيا في دراسة المجتمعات، أي إن دراسة ثقافة المجتمع "أساطيره وتاريخه" كما في علم الميثولوجيا لها صلة بدراسة المجتمع؛ إذًا نحن ندرس المجتمع وندرس ثقافته القديمة. 

المصدر  http://alharah2.net/alharah/showthread.php?t=26509



في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...