الخميس، 30 يونيو 2016

علامة الهزيمة استبطان المهزوم دعاية أعدائه ............ المفكر التونسى ابويعرب المرزوقى

من أكبر أدواء فكر المهزوم استبطانه دعاية أعدائه بدرجة تجعلها لديه حقائق نهائية لا تقبل النقاش: من ذلك أن غالب المتكلمين في السنة لها أو عليها استبطنوا دعاية إيران والغرب ضدهم.


2-فجميعهم باتوا يبحثون عن تفسير ظاهرة عامة لا تخلو منها جماعة بما لا يوجد إلا عندهم فيكون ما عندهم سببا لظاهرة كونية لكأنها لا توجد إلا عندهم فحسب.3-وسأضرب مثال الشقيقين اللذين قتلا والديهما. لو حاولنا أن نفحص الأحداث العادية في كل بلاد العالم لوجدنا ما هو أسوأ من ذلك في الكثير منها.4-وهذه البلاد التي فيها ما هو أسوأ من الحادثة ليست مسلمة ولا وهابية ولا سنية. فهل يفسر المتكلمون على السنة ما يحدث فيها بعقائد السنة أم بـماذا؟ولو أحصينا جرائم الحشد الشعبي في العراق ومليشيات إيران العربية والافغانية إلخ..في الشام هل هي جماليات أم هي إرهاب وهل هم سنة ووهابيون أم شيعة وباطنية؟إذا كان الإرهاب والإجرام ظاهرتين عامتين في كل المجتمعات بل هما من أهم أدوات الدول الاستعمارية أو الدول التي لها طموح تقليدها فهل نفسره بعقد خاص هو عقد السنة؟ما يستفزني أكثر من أي شيء آخر هو لما أرى سنيا معمما يحاول أن يظهر بمظهر الحداثي فينصح بتغيير كذا أو كذا في المناهج التربوية السنية مثل العلماني والليبرالي.ألا يسأل هؤلاء أنفسهم: لماذا لم تطغ هذه الظاهرات الإرهابية إلا بعد حصول ما يسمى بثورة الخميني ومحاولات الحرب الطائفية التي تخوضها في كل بلاد العرب؟ ألا يفترض التزامن بين بروز ظاهرتين متلازمتين علاقة سببية ما؟فهل السنة بنت اليوم وحتى الوهانية هل عمرها بالعقود أم بالقرون؟ فلم ينسب إليهما ما كان من البداية جوهر العقيدة الباطنية والشيعية مع التقية وأسقاط صفاتهم على غيرهم ؟فالتقية هي الإرهاب بعينه لأنها تعني الغدر الذي ينتظر الفرصة وليس التستر بسبب الخوف كما يتوهم الكثير. ولنا في التاريخ مثالان كانا فرصتين للشيعة أظهرت فيهما خيانتها ووحشيتها.وأول المثالين هو الحلف مع مغول الشرق وتهديم دولة السنة أو الخلافة تهديما اقترفت فيه كل الجرائم التي تسمى اليوم جرائم ضد الإنسانية وهو يتكرر الآن.والمثال الثاني هو الحلف مع مغول الغرب وتهديم السنة في العراق والشام واليمن بنفس الوحشية: فقد رايت مليشياويا يتدفأ بحرق سني في العراق وآخر يفاخر بذبائحه منا.قتل الوالدين جريمة بشعة دون شك. لكن لا شيء يثبت أنها ناتجة عن منظومة تربوية سنية وإلا لكان جل الجرائم الحادثة في أمريكا ناتجة عن تربية سنية فيها.لماذا مجرموهم يمرضون بكل الأمراض التي تبرئهم من تهمة الإرهاب وكل مرضانا يبحثون عما يبرئهم من كل مرض عدا ما ينسبونه إلى معتقداتنا ونظامنا التربوي؟هل معتقداتهم ونظام تربيتهم مبرأ بالجوهر في حين أن ما به نحن وما يجعلنا نصمد أمام غزوهم هو الذي يعتبرونه إرهابا في حين أنه دفاع شرعي على أرضنا وعرضنا؟ما يجعلني أكتب ما أكتب ليس هذا المرض المتمثل في استبطان دعاية الأعداء بل طبيعة الخطأ المنطقي الذي يؤسسه في فكر بعض الغافلين: كيف بعلة خاصة نفسر معلولا عاما؟15-الجواب الوحيد هو أن المتكلمين في الموضوع بهاليل أو سخفاء أو عملاء أو أميون يتكلمون في ما لا يفهمون أبواقا لدعاية الأعداء. وما أكثرهم فهم كالجراد المنتشر في الإعلام الذي نموله ليحارب مرجعياتنا الروحية.وماذا لو تكلمنا على عادات هي في الحقيقة جرائم ضد الإنسانية تحررت منها السنة وهي من سنن من يتهمنا بالإرهاب: وسأكتفي بمثالين شيعي وما بات يعتبر شرعة دولية.1فأما المثال الشيعي فهو اعتبار المراة مجرد وعاء جنسي لمني الرجال: فالمتعة كانت حلا مؤقتا في الحروب لمنع فساد الأنساب لكنها صارت عندهم إفسادا عاما لها.فلما شرعت المتعة أول مرة في الإسلام كانت لمنع اغتصاب نساء المغلوب كما يحصل في كل غزو. الإسلام بالمتعة قلل من الاغتصاب بين قبائل العرب خلال الفتح فحمى الأنساب.ولما تطور الجيش الإسلامي وأصبح ينتقل العسكر ومعه نساؤه لم يعد بحاجة إليها فحظرت المتعة. لكن التشيع حافظ عليها كراهة في الفاروق لا غير.وهي الآن لا تحمي الأنساب بل هي تزيلها عندهم أصلا. فلا أحد يدري هو ابن من أو حتى إن درى فهو ليس واثقا من أن اخوته هم اخوته وفيه شيوعية متخفية للمرأة.والمثال الثاني صار يعتبر شرعة دولية. سلطان المثليين بلوبيات دولية يريد فرض هذه الشرعة على العالم كله. صحيح أن المثلية ليست كلها ثقافية فبعضها طبيعي.والطبيعي من المثلية ككل الحالات الخاصة من الطبيعي لا بد أن يجد له المجتمع الإنسان علاجا. لكن غالب الظاهرة صار موضة وهي ثقافية مثل الخيانة الزوجية.ففي الخيانة الزوجية ما هو طبيعي لا يخلو منه مجتمع وإلا لما وجدت أحكام تخصها في كل المجتمعات. لكن عمومها في الغرب وخاصة في الأدب والمسرح جعلها موضة يبشر بها ببغاواتنا من الحداثيين.وهي مثل المتعة قضاء مبرم على الأسرة. ومن ثم فهي تقضي على أسلم نظام عضوي ونفسي وخلقي للتربية الأولـى. إنها جريمة في حق الإنسان : فالطفل البشري لا يستقل مباشرة بعد الولادة.ومن دون الأسرة ستصبح كل المجتمعات من جنس ما يقض مضجعي كلما زرت مصر. فأطفال الشوارع فيها كالذباب لا يتركونك تجلس في مقهى لأنهم موجات ذباب من الـمتسولين (وقوله مؤلم لكن وجوده أكثر إيلاما).وما يحيرني حقا هو سخف العلمانيين والليبراليين وتناقضهم البديع. فهم يلومون المسلمين لأنهم سبقوا جميع البشر في فهم أهمية الجنس في الحياة حتى اعتبروا ثقافته وأخلاقه بابا من أبواب فقههم.وهم لا يكتفون بتعييرهم بإيلاء هذه الأهمية للجنس فيصفونهم بالهوس الجنسي بل ويفسرون به التزام الشباب باسمى قيمة سمتها حضارتنا رباطا ورهبانية الإسلام.ولأنها شرط الحماية في كل أمة لخص فيها ابن خلدون كل القيم وسماها “معاني الإنسانية”. إنها الجهاد الذي يحاربونه ويتهمون من يؤمن به لا يطلب الشهادة بل الحور العين إلخ..وينسون في آن أمرين: فالبشرية اكتشفت الجنس مع تشويهه بجعله بورنوغرافيا محرفين الحلول الإسلامية التي تحافظ على الشرعية فيه فجعلوه مرميا على قارعة الطريق. وهو مرضهم وهوسهم.ثم هم يطالبون بالجريمتين اللتين وصفنا أي جنس المتعة وجنس المثلية معتبرين ذلك تقدما بالمقابل مع ما يعسكون دلالته فيصفوه بالمحافظة والتخلف السنيين.من ذلك ما قرأت عن وصف أحد المتحذلقين لنساء السعودية بكونهن كيس فحم. وكان عليه أن يقول إنهن صدفات لؤلؤ في حروز. فاللون الأسود وإن لم يكن مفروضا فهو أستر.والزي كان ولا يزال للتمييز الموجب وليس للتحقير: فالمحصنات من الحرائر غير الجواري. من يريد الجواري فليذهب إلى المواخير وطلابها غالبا ما يكونون من العنينين (العاجزين جنسيا).فإذا أردوا الشارع معرض بورنوغرافي فليس عسيرا: فليـزوروا مواقع السياحة في البلاد العربية فهي معارض بورنوغراقية غير متنكرة بل سافرة وعافنة.وفيها العاهتين : عاهة تحويل الجنس إلى برنوغرافيا وعاهة المثلية التي تعتبر من أهم دوافع عجائز اوروبا السياحية التي يراد إخفاءها باسم مصلحة العاملين في القطاع.لما عشت في الغرب رايت أنه بخلاف ما يظن الكثير من السفهاء الذين يتصورون الغرب مثل السينماء فيه من الحشمة والمحافظة واحترام القيم والتقاليد ما لا يعيه سطحيو الحداثة من العرب.ففي كل الأمم يوجد نبلاء وشرفاء ويوجد سفهاء ولقطاء وتوحد حرائر وجواري. والحضارة لا تقاس بالقشور بل بالبذور: ماذا أنتج هؤلاء الحداثيون غير الاستهلاك العاجز؟لكن اتهام السنة عامة والوهابية خاصة هو سلاح إيراني وغربي ضدهما وهو صار مصعدا للتافهين ممن يريد أن يعد من النخب في رأي أهل الحل والعقد في شللهم العميلة.خذ مثال الجهاد فسواء كان للطلب أو للدفع هل يوجد في العالم اليوم من يعمل بـما هو من جنسه أكثر من الأمريكان؟ لكن رغم طابعه العدواني لا أحد اتهمه بالإرهاب.والجهاد الذي يوصف بالارهاب تهمة للمسلمين هو مجرد كلام في التعليم لأن الدول الإسلامية لا تجاهد لا طلبا ولا حتى دفعا. فهي جميعا محتلة صراحة أو خفية.فما يمخر بحار العالم ليست الأساطيل الإسلامية حتى في مياهها الأقليمية بل المواخر هي أساطيل أعداء الأمة التي تندد بالجهاد المعدوم بوصفه إرهابا.قلة من الشباب ما يزال فيهم رجوله دفعتهم الحمية لجهاد الدفع وبوسائل بدائية يقوم عالم الأعداء ويقعد ومثله عالم العملاء حتى يبقونا هنودا حمرا.حضرت ندوة الوسطية. فنددت بهذه العقلية الغبية. وسطية؟ مع من؟ يحتل أرضك وينتهك عرضك ويطلب منك أن تكون متسامحا فتدير خدك الأيمن بعد الأيسر.ثم تجد بعض المتقعرين يبحثون في ثقافتنا عن أي عرق ما زال ينبض من قيم الحماية الذاتية ليقتلوه حتى نصبح هنودا حمرا نكتفي بتدخين “كالامي” السلم مع المحتلين.وبذلك نعود إلى الخطأ التاريخي الثاني: ففقهاء السلطان شرعوا ولاية المتغلب الداخلي بدعوى تجنب الفتنة وهاهم اليوم بمايسمونه وسطية يشرعون المتغلب الخارجي.أي فكر هذا وأي انحطاط؟ قبلوا بأن ثقافتنا تولد الإرهاب وأن أنظمة تعليمنا وخاصة تعليم القرآن والسنة يولدان الإرهاب فهل الغرب في سلام دائمة؟لعلنا نحن الذين أفنينا الشعوب؟ وقتلنا اللغات؟ وأفنينا أجناس الحيوان. والنبات؟ وكدنا نميت الأرض؟ وشننا الحربين العالميتين؟ وقتلنا ملايين البشر؟ثم من يعمم هذه التهم ؟ مذهب هو بالطبع طائفي وتحريفي وإرهابي-الحشاشين ليسوا سنة-وبدأ بقتل ثلاثة خلفاء راشدين ليعيد دولة المجوس والوثنية.وأبواق هذه الدعاية هم أصحاب الفكر السطحي ممن يسمون أنفسهم دعاة الحب والتسامح مع المعتدين. إنهم في الحقيقة نفاة لقيم القرآن بتحالفهم مع الأستبدادين الداخلي والخارجي.

الأربعاء، 29 يونيو 2016

افلاس دول العرب ... أنظمة الحكم مخدومة داخليا خادمة خارجيا ............. المفكر أبو يعرب المرزوقي

إذا أفلست تونس -وجل بلاد العرب مفلسة اقتصاديا بسبب هشاشة بناها الإنتاجية-فلا ينبغي ان نعتبر ذلك بسبب السرقات المباشرة فـحـسب على كثرتها.وحتى الاقتصاد الموازي على كبر حجمه فإنه لا يفسر إفلاس تونس لا قدر الله لأنه عادة يقلل مداخيل الدولة لكنه يسهم في إدارة عجلة الاقتصاد وخلق مواطن شغل وخاصة عندما لا يتعلق بما ينافس المنتوج المحلي.


أسباب الإفلاس أعمق من ذلك بكثير. وهي تقبل الرد إلى ظاهرتين من العسير أن يعترف بهما الساسة والنقابيون الذين يعتبرون الدولة بقرة حلوبا يرضعونها.وقبل ذلك فلأقسم بلاد العرب إلى صنفين: صنف يدعي الحداثة وله أحزاب ونقابات وصنف ما يزال من دونهما ولكن له ما يماثلهما في النهب والسلب كما نحاول وصفه.ذلك أن البنية السياسية والنقابية مثلها مثل ما يوجد لدى بلاد العرب التي لم تتبن ذلك بعد ليست إلا مسارب الظاهرة التي هي داء الاقتصاد العربي كله.فداء الاقتصاد العربي-بنوعي الدول العربية-هو الدولة نفسها وبصورة أدق طبيعةالحكم الذي يجعلها منافية لوظائفها لأنها في الحقيقة أصبحت نظام استغلال للجماعة.وحتى نختصر فلنعتبر أن صنفي الأنظمة العربية هما الـملكية والجمهورية. وكلتاهما فوق القانون والأخلاق. فالأولى ما يزال أغلبها قبلية ببنية تقليدية والثانية ما يزال أغلبها عسكرية وذات بنية حداثية في القمع لا غير.وكلا الصنفين يعتبر من بيدهم مقاليد الحكم فيهما أرباب كل شيء وأصحاب توزيع الثروة والسلطة لصالحهم ولصالح من يدورون في فلكهم باستغلال البلاد والعباد.فهم لا يعتبرون أنفسهم أجراء عند الجماعة بل يعتبرون أنفسهم أربابا والجماعة خدما لهم وثروات الوطن ملكا لهم يوزعونها بينهم وعطاياهم رشاوى لإسكات من يمكن أن يعارض.وحتى يمر ذلك يحافظون على مبدئين شعبويين هما سر الفقر والانحطاط لأنهما ضد العمل السليم لأي اقتصاد سوي: ما يسمونه مجانية الخدمات وخاصة التعليم والصحة ثم دعم السلع والخدمات الأساسية للفقراء.ولما تقتصر على السطح ستقول: فيهم خير فهم يقدمون أهم الخدمات بلا مقابل ويرحمون الفقراء بالدعم. لكن ذلك في العمق هو سبب للفقر وليس علاجا له لانه علة تدني جودة الخدمات بل وصيرورتها اسما بلا مسمى.ففضلا عن كونه يجعل جل الشعب من المعوزين الذين يعيشون على المساعدات غير المباشرة لهذين العلتين فإنهم يبخسون كل جهد وعمل شرطا في ذلك بعدم تطبيق حقيقة الأسعار.وهذا هو العلة الأولى لهشاشة الاقتصاد والفقر أما العلة الثانية وهي أبعد غورا وأعمق فيكمن أن تدركها بمجرد النظر حولك في ما يسمى بالشركات المؤممة بنفس العقلية.ففي العالم كله المؤسسات الانتاجية كائنات حية تولد وتتطور وتموت إذا لم تتكيف مع المحيط الاقتصادي الوطني والعالمي بقدراتها الذاتية. وسر حياتها هو قيمة منتجها وانتاجية عملها.بعبارة اقتصادية حتى لو لم يكن العالم مفتوحا فالسر هو قابلية منتجها للمنافسة ولمطابقة حاجة المستهلك. وهذا ما سيدعونا إلى الكلام في علل أعمق لاحقا.لكن قبل ذلك فعلى أساس اعتبار المؤسسات العامة ملكا لذوي السلطة تتحول إلى مؤسسات توظيف لمن هم منهم أو معهم فوق طاقتها بأضعاف فتفلس: يكفي مثال شركة الطيران التونسية ومثلها كل الشركات العمومية.وحتى الضمان الاجتماعي والصحي والتقاعد فهي تحولت إلى إدارات توظيف نفس المافية الحاكمة سياسيا أو نقابيا ومن كان من تابعيهم بنفس الفائض التوظيفي الذي هو بطالة مقنعة.لذلك فهي كلها مفلسفة أو على أبواب الإفلاس وكل ذلك رضاعة مقنعة للاقتصاد الوطني الذي يزداد غرقا في المديونية والتخلي عن العمل المنتج.والدولة-وهي عندهم أكثر من ملكهم ومثلها ثروات الوطن- تعوض هذه الشركات والمنظمات التضامنية والتقاعدية والصحية ومن ثم فالدولة وإن بصورة مباشرة توظف توابع اصحاب السلطة فوق حاجة الشركات المفلسة.وطبعا فنتيجة ذلك أن مواطن الشغل مهما ضاعفوها لن تكفي لاستخدام كل اليد العاملة التي ليس لها وسائط فتكثر البطالة في بقية الشعب وهو ما ينتج الاقتصاد الموازي.وحتى هذا الاقتصاد الموازي فهو قد أصبح بيد أصحاب السلطة السياسية والنقابية إما مباشرة أو بوصفهم شركاء سريين ليحموا أصحابه في نظام مافياوي بين للعيان.لذلك فهو ليس اقتصادا موازيا منتجا بل هو بالأساس تجارة موازية تعتمد التوريد بالتهريب ما ينتج عنه نكبتان: نقص الجباية ومنافسة الانتاج المحلي.والاقتصاد الموازي الذي من هذا الجنس لا يمكن أن يحصل من دون فساد تام للأمن بمعنييه أي أمن الحدود وأمن الأسواق. الكل يغض الطرف بمقابل يصل إلى مقاسمة المجرمين ثمرات الإجرام.لكن الأخطر من ذلك كله هو الحلول التي هي عين الأمراض: فالحل الأول هو اللجوء للاقتصاد الهش وسريع المردود لكنه غير المنتج لأنه خدمات ثانوية.وفي مقابل ذلك يتم إهمال القطاعات التي تحقق شرطي صلابة الاقتصاد: ما يسد الحاجات الأولية كالزراعة للأمن الغذائي وما يحقق شروط السيادة كالصناعات الاستراتيجية والدفاعية.ومن ثم فـمداخيل الدولة تقسم بين هذين البابين ولا يبقى إلا الفتات لشروط فاعلية الاقتصاد: إشباع ذوي السلطان سواء كانوا أمراء قبيلة أو أمراء جيش وراحتهم ثم تمويل أجهزة حمايتهم. ومن ثم لن يبقى شيء لتمويل الاستثمار.وما يبقى يمول الخدمات المجانية المتدنية التي ذكرت والدعم أعني السببين الأولين لتردي الخدمات وتعميم الفقر لأن الدعم يلغي الانتاج حتما : مثال ذلك ما يحدث للزراعة التي أفلست وقلاها الجميع.فالحكام لا يدعمون من جيوبهم التي تمتليء وفائضها يملأ بنوك سويسرا إلخ... بل حلهم هو بخس المنتجات المحلية ومن ثم قتلها: فالمزارع يفقد دافع الإنتاج لرخص بضاعته.والموظفون الذين ليسوا من أهل الحكم يبخسون أجرهم فلا يعملون ويبحثون عن عمل مكمل لسد حاجاتهم فلا يكون عملهم منتجا أصلا بل هو مجرد دوام.ولما كانت الإدارة والشركات الوطنية والمسؤوليات الكبرى في الأجهزة الحاكمة أي الأمن والجيش والإدارة بيدهم فإن كلها بطالة مقنعة لا تنتج شيئا ينمي ثروة البلاد.ونأتي الآن إلى دور النقابات بصنفيها: المهنية والتابعة لأرباب ما يسمى بالعمل وما هو بالعمل. فهؤلاء مثل الحكام يرضعون الدولة والجماعة على النحو التالي.فجل الموظفين موظفون لدى الدولة وإذن فـدفع مشاركاتهم في نقابة العمال مصدره الدولة. ومن ثم فاتحاد العمال بنبغي ان يكون متواطئا مع أهل الحكم حتى يمولوه.واتحاد أرباب العمل بلا عمل يرضع الدولة والجماعة لأن كل عقود العمل التي يدعي انجازها تأتي من الدولة وهي لا تعطى إلا لمن يستفيد منه الحكام.فتوزع العقود بحسب الجاه ومقدار العمولة التي تعطى للحكام أو لمن هم من ذويهم أو لمن يرضون عنه. ومن ثم فنقابة أرباب العمال متواطئة مع الحكام كذلك.والحكام والمتوطئون معهم بحاجة إلى أمرين حتى يبقوا على هذه الوضعية التي تجعلهم استعمارا داخليا ينهب الجماعة: الحماية الأجنبية والسياسة الشعبوية.فالحماية الأجنبية تحميهم من غضب الشعب وبعض من يريد الإصلاح من نخبه.والسياسة الشعبوية رشاوى وترضيات دنيا للدهماء التي يؤلبونها ضد دعاة الإصلاح.وإذا لم يكف ذلك يحدث ما نراه في مصر وسوريا وفي كل بلاد العرب: يختلقون لهم غولا يسمونه الإرهاب المحتمل ثم الواقع ويلجأون لسلاح الخوف والقمع باسم حماية الدولة التي خربوها.ولما يشعر الشعب بالخوف يصبح طلبه الأول حيوانيا. لن تعنيه الثورة ولا الكرامة ولا الحرية ولا حتى الحد الأدنى من العيش الكريم.تلك حال مصر مثلا.وإذا صمد ولم يقبل رغم الخوف تهدم البلاد كلها على رأسه كما نرى ذلك في سوريا وليبيا ومصر واليمن وكل شعب حاول أن يقاوم كما حدث في كوبا التي أصابها الفقر المدقع.وعندما أضرب مثال مصر فليس ذلك للتحقير بل لأن الظاهرة فيها هي بحجم مصر في الأمة: فما حدث خلال ستين سنة فيها هو في الحقيقة مصداق ما عرضت.لكن كل بلاد العرب رغم اختلاف صنفي الأنظمة القبلية والعسكرية تعيش نفس المأساة. لاوجود لاستراتيجية اقتصادية يكون فيها الحكم خادما لا مخدوما.ولهذه العلة فضلا عن الدواعي العقدية بخصوص الحريتين الروحية والسياسية وضرورة الإصلاح الإسلامي التزمت بالعمل مع الثورة ولو بالكتابة على الأقل.حاولت المساهمة في الحكم ظنا أن الإصلاح يمكن أن يبدأ من الداخل وإن بدور متواضع هو المشورة. لكن ثورة تحقق هذا التغيير الجذري فتنقل الحكم من مخدوم إلى خادم بعيدة المنال وإن كنت أعتقد أنها ليست مستحيلة.فشرطها أن يصبح شباب الثورة مدركا لهذه الحقائق وقد بدأت اليوم فتكلمت في الحلقة المفرغة المتعلقة بالاقتصاد وسأواصل بإذن لله الكلام في في العوامل الأخرى كلما سنحت الفرصة.وعلى كل فعندي ان شباب الثورة ينبغي أن يتعلم معنى العمل على علم سواء في الاجتهاد شرط كل ثورة أو في الجهاد شرط كل تصد للثورة المضادة.لكني لم أصف الإصلاح الاقتصادي الذي أراه علاجا لعلتين: الأولـى لأن الناس ينسون حتى اسم الاقتصاد ويغفلون دعن لالة اسمه. فهو يسمى الاقتصاد السياسي.والسياسي هنا تعني اقتصاد الدولة -لأن بوليس تعني المدينة التي هي الدولة باليوناني-في مقابل الاقتصاد المنزلي في الفلسفة القديمة.وهي لا تعني الاقتصاد بمعنى الانتاج والاستهلاك الماديين فحسب بل هي تعني أمرين آخرين كذلك: سياسة تنظيم موارد سد الحاجات ونظام التوزيع العادل المشجع على سدها.ومعنى ذلك أن الاقتصاد مبني على مفهومين: حاجة مباشرة وغير مباشرة وعمل لسدها مباشر وغير مباشر : والأولان هما معنى العمران البشري والثانيان هما معنى الاجتماع الإنساني في نظرية ابن خلدون. والحاجة بمعنييها تكاد تكون واحدة في كل المجتمعات إذا ما استثنينا ذوي الحاجة الخاصة لكن العمل بمعنيه هو معيار التمييز لأنه هو المنتج المادي والرمزي.تحديد الحاجة ثم انتخاب التكوين التربوي والتنظيم السياسي وأساس ذلك تقديم العمل العلمي والنظري (البحث العلمي) على العمل العملي (تطبيق البحث العلمي) ذلك هو الحل الذي يجعل الحكم خادما لا مخدوما.فيكون الاقتصاد بهذا المعنى جوهر الدولة لأنه يعني أمرين: سياسة وتربية. والثانية تكون المنتج وأدواته وطرقه والثانية تنظم التوزيع الخدماتي والبضائعي وتحمي الحقوق. لكن دورها يعم الأولى لأنها مسؤولة على الحماية والرعاية.لذلك فلا بدمن تأجيل الكلام في إصلاح الاقتصاد بهذه المعاني العميقة بعد أن وصفنا الداء حتى نفرغ من الكلام في فساد الحكم الحائل دون وظيفة التنظيم والتوزيع العادلين.وختاما: فداء الاقتصاد العربي هو فساد الحكم الذي هو علة موجبة وسالبة لأسباب التخلف والهشاشة. والعلة الموجبة هي جعل الدولة مخدومة لا خادمة والعلة السالبة هي اعتبار الجماعة مستعمرة تنهب وتضطهد.,


وهذا الاستعمار مضاعف: هم مستعمِرون للجماعة لكنهم مستعمَرون من حماتهم ولإخفاء ذلك يطبقون سياسة شعبوية تحول دون أي إصلاح ممكن في زمن معقول.ذلك أن أي مصلح صادق سيكون ضحية ديماغوجيا الحكام ونخبهم العميلة فهم ماكنتهم الأعلامية والأمنية سيجعلونه مكروها من الدهماء لأنه يطالب بأمور تبدو مناقضة لمصلحة الشعب ببادئ الراي العامي. فيسهل القضاء عليه أو على الاقل تهميشه.

الثلاثاء، 28 يونيو 2016

النسيء! ما هو؟ .............. الباحث ابن قرناس


بين فترة وأخرى يعود الحديث عن الأشهر القمرية وأنه يجب أن تعادل بالأشهر الشمسية لكي تبقى في نفس موسمها على الدوام.. وذلك بإضافة شهر كل ثلاث سنوات. وقالوا تبريرات كثيرة منها أن هذا سيجعل الحج في الشتاء في كل السنوات وأولوا معنى (ولا تحلوا الصيد وأنتم حرم) نتيجة لذلك




، وتأويلات أخرى، ظاهرها فيه الرحمة، فهل هذا ما يقول تعالى؟


ما سنفعله اليوم هو استعراض كيف تأولوا الآية، ومن ثم نقرأ الآية ونفهمها بأسلوب بسيط.
والآية وردت في سورة براءة التي نزلت قبل وفاة الرسول ببضعة أشهر، وهي تتحدث عما كانت قريش تفعله، ونصها:
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) براءة.
الآية في نظرهم تقرأ كما يلي:
إنما النسيء – زيادةً في الكفر – يُضِل به الذين كفروا.
فتكون جملة (زيادة في الكفر) جملة اعتراضية لو حذفناها فلن يتغير معنى العبارة.
فكأن الآية تقول: إنما النسيء يَضِل به الذين كفروا.
النسيء (أداة) يَضِل بها الذين كفروا.
بالنسيء ضل الذين كفروا، الذين كفروا ضلوا بالنسيء، استخدام النسيء تسبب في ضلال الذين كفروا.
إذا كان النسيء سبب في ضلال الذين كفروا، فكيف يريدون منا أن نستخدمه؟
(النسيء بتعريفهم يعني أن نقوم بإضافة شهر كل ثلاثة أشهر للتقويم القمري، وهو ما يريدوننا أن نفعل في نفس الوقت الذي يقولون إن النسيء تسبب في ضلال الذين كفروا).
والآن
ما هي الجملة الاعتراضية؟
هي جملة تقع بين شيئين متلازمين، كالمبتدأ والخبر أو الفعل والفاعل أو الصفة والموصوف، لتوكيد الكلام أو توضيحه أو تحسينه. وتكون ذات علاقة معنوية بالكلام الذي اعترضت بين جزأيه.
يعني ببسيط الكلام: هي جملة تأتي وسط العبارة لها علاقة بالكلام حولها ولتأكيده أو توضيحه أو تحسينه. وهي من أساليب البلاغة في اللغة، وترد كثيرا في كلام العرب وفي القرآن. مثل قوله تعالى: حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ - إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ - فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) مريم.
فالجملة الاعتراضية (إما العذاب أو الساعة) لها علاقة بما حولها، وتقويه. حتى إذا رأوا ما يوعدون (سوا كان هذا على شكل عذاب في الدنيا كالكوارث الطبيعية أو كان بعذاب النار يوم القيامة) فسيعلمون في كلتا الحالتين من هو شر مكانا وأضعف جندا.
فالجملة الاعتراضية من صلب الموضوع.
ومن سورة براءة نفسها نقرأ:
وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ - يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ - وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا - هُوَ مَوْلَانَا - وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
وكما هو ملاحظ فالجملة الاعتراضية تقوي وتؤكد وتحسن العبارة حولها، وليست زائدة لا شأن لها.
فهل جملة "زيادة في الكفر" جملة اعتراضية؟
هل أكدت أن النسيء يضل به الذين كفروا؟
هل حسنت من العبارة؟
هل زادت من قوة العبارة؟
إن كان الجواب بلا، فتعالوا نقرأ الآية على اعتبار أن "زيادة في الكفر" ليست اعتراضية ونضع علامات وقف ونرى هل يستقيم المعنى؟
إنما النسيء زيادةً في الكفر. يُضِل به الذين كفروا. يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا - لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ - فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ. زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ، وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ.
إنما النسيء زيادة في الكفر.
عبارة تقريرية، تؤكد أن النسيء إمعان في الكفر.
وما بعدها يشرح ويبين كيف يكون النسيء زيادة في الكفر:
يضل به (يضل بالنسيء) الذين كفروا.
النسيء تسبب في زيادة الكفر عند الذين كفروا. فعلهم للنسيء زادهم كفرا على كفرهم.
ما هو النسيء؟
لا نحتاج لابتكار معنى له من عند أنفسنا فالآية تشرحه بالقول:
يحلونه عاما ويحرمونه عاماً.
يحلون شهرا حراما في هذا العام أي ينسأونه، ثم يعودون لاعتباره محرما العام التالي... وليس بعد ثلاث سنوات أو (19) سنة.
فيحلوا ما حرم الله.
في العام الذي يحلون شهرا من الأشهر الحرم ويعتبرونه غير محرم هم أحلوا ما حرم الله.
زين لهم سوء أعمالهم.
وزين لهم سوء عملهم هذا فاستمروا عليه قبل الإسلام.
والله لا يهدي القوم الكافرين.
انتهت الآية.
الحديث عما كانت تفعله قريش وليس عن حدث سيغيره بني أمية بعد الرسول، لأن القرآن لا يتحدث عما سيأتي.
وليس هناك أي إشارة في أي مرجع تاريخي إلى أن العرب قبل الإسلام كانوا يقومون بإضافة شهر كل (32) شهر والسبب بسيط جدا لأنهم لم يقعلوا هذا ولم يكونوا بحاجة لفعله.
فالعرب كانوا يعيشون في بلاد ليست زراعية تعتمد في زراعتها على البروج التي تعتمد على الشمس، ولكنهم أقوام يعتمدون القمر الذي يرونه بأعينهم ويمكنهم رصد متى يبدأ الشهر ومتى ينتهي دون عناء ودون حاجة للحساب والتأريخ والتسجيل لأنهم أمة لا تسجل.
وما قيل من تبريرات حول وجوب إضافة شهر كل (32) شهر أو غير ذلك، فعله اليهود عندما خرجوا من موطنهم الأصلي (جزيرة العرب) وعاشوا في بلاد الرافدين حيث الزراعة والاعتماد في الزراعة على الشمس (وليس الأشهر الشمسية) .. فقاموا بمحاولة تثبيت شهورهم القمرية لتكون متوافقة مع الشمس وذلك بإضافة شهر كل عدة أشهر... ومازالوا يقومون بهذا إلى اليوم بواسطة طريقة حسابية معقدة.
يرجى قراءة ما كتب عن تقويم اليهود على هذا الرابط:
https://ar.wikipedia.org/wiki/تق�...فاليهود في الأصل كانوا يعتمدون القمر ولم يعرفوا التقويم الشمسي إلا بعد السبي وفي بلاد الرافدين الزراعية. ولو عدنا لسورة براءة التي ذكر فيها النسيء لمرة واحدة سنقرأ ضمن سياق الآية ما يلي:
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
الأشهر عددها (12) شهراً، والمقصود بها الأشهر القمرية لأن العبادات الإسلامية تقوم عليها (رمضان والحج) ولم تقل الآية إنها (12) شهرا ويضاف لها شهر ليس له اسم.
والذي لا ينتبه له الكثير من الناس هو أن هذه الآية هي بداية الحديث عن النسيء.
وهي تقول بكل وضوح الأشهر (12) منها أربعة حرم، فلا تظلموا أنفسكم في الأشهر الحرم بأن تحلوا شهرا منهن عاما وتعيدونه في العام التالي للتحريم.
"ذلك الدين القيم" جملة اعتراضية.
والحديث عن الأشهر توقف عند قوله تعالى: "فلا تظلموا أنفسكم فيهن".
ثم عادت السورة لتكمل الحديث في الآية التي تلت: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37).
ولا حاجة أبدا لأن نضرب ونطرح ونقسم ونتأول ونضع التبريرات العاطفية.. الآيتان واضحتان لمن أراد أن يستمع لهما، ومن لا يريد فله ذلك.
والسلام.

السبت، 25 يونيو 2016

خروج بريطانيا … دلالته أوروبياً وعالمياً وفائدته عربياً وإسلامياً .................. المفكر التونسى البروفيسور ابو يعرب المرزوقى

ماذا يعني خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لأروبا وللعالم؟ ومافائدته بالنسبة إلينا كعرب ومسلمين؟ معان عدة سأحاول فحصها بترتيب هذين السؤالـين.
بالنسبة إلى أوروبا فقدت أوروبا لسانها أو لاتينيتها الجديدة: فلا يمكن أن تبقى الأنجليزية لاتينية أوروبا الحديثة بعد خروجها وهو مؤشر خطير.
فبفقدان اللاتينية تفتت أوروبا وأصبحت عامياتها لغات وطنية. لكن ذلك حصل خلال قرون وتولد عنه تنافس في الزعامة اللسانية في حضارة أوروبا. وسيتكرر بعد خروج لغة شكسبير.
وبخروج بريطانيا سقط الجسر بين أوروبا اللاتينية وأوروبا الجرمانة لأن الأنجلوسكسون يجمعون بين الثقافتين مكوني اللغة الانجليزية: وهذا انقسام أول سيترتب عليه الكثير.
لكن في ما يتجاوز العلاقة الأوروبية الأوروبية يوجد عاملان مهمان على جانبي أوروبا ثم من فوق ومن تحت أومن الشمال والجنوب. فعلى جانبيها روسا وأمريكا.
6-والشد إلى الجانبين سيعيد دور روسيا ودور أمريكا بأكثر بروزا بسبب التبعية الطاقية للأولى وبسبب التبعية الدفاعية للثانية فتعود أوروبا لما قبل الحرب الباردة.
والشد من فوق ومن تحت أيضا سيزداد لأن فرنسا ستبحث عن تحقيق التوازن مع ألمانيا التي لها الشمال وهي ستحاول ربح الجنوب الأوروبي ومعه العرب وافريقيا.
وفي الحالتين فإن فرنسا ستشعر أن عدم سماع ميتران لنصيحة تاتشر بعدم السماح بوحدة ألمانيا يضعها أمام خطر عدم التوازن فلكأن مشروع هلتر تحقق سلميا.
9-وبين أن مشروع هتلر مثل مشروع نابليون هو سيطرة عشكرية على أوروبا لكن مشروع هتلر هو اليوم اقتصادي وقد يصبح ثقافيا لأن التنافس اللغوي سيعود بخروج الانجليزية.
وعودة التنافس اللغوي والاقتصادي قد يفكك النواة الأوروبية أعني ألمانيا وفرنسا التي هي الأضعف وفيها ستبدأ النزعات الحمائية والقومية فالانفصالية.
ولما كانت أوروبا تعاني من الشيخوخة وتتخوف من الإسلام فإن النزعات اليمينية المتطرفة قد تسيطر على المسرح السياسي وتشرع في حرب دينية محتملة.
ولست أعني حربا دينية مع الدول الإسلامية فهذه أعجز من أن تتصدى لأي ظاهرة من هذا النوع فهي مغزوة حاليا وليست غازية بل أقصد حربـا داخل أوروبا نفسها.
لكن حاجة فرنسا للجنوب قد تصد مثل هذه النزعة الممكنة. وحاجتها إلى الجنوب هي قارب النجاة الوحيدة. فاقتصادها من دون افريقيا لن يستطيع المنافسة.
لكن ذلك يعني أن افريقيا وفيها ثلثا العرب-رغم سيطرة عرب آسيا بسبب النفط-ينبغي أن تكون لها قيادات تجعل ذلك تعاونا نديا لا استعمارا فرنسيا جديدا.
لهذا كتبت هذه التغريدات السريعة. والحدث جلل ويحتاج ربما إلى تحليل أعمق. لكن أهم ما يمكن أن ينتج عليه هو ما أشرنا إليه. والله أعلم.
وأتوقع حدوث مفارقة عجيبة لكنها ذات سابقة تاريخية. ففي الحرب العالمية الأولى كانت تركيا حليفة ألمانيا التي كانت بلا مستعمرات بعكس فرنسا وأنجلترا.
واليوم قد تحتاج فرنسا كما سبق أن احتاجت إلى تركيا. فقد احتاجت إليها في نهايات القرون الوسطى حليفا ضد ألمانيا التي كان يمثلها شارل الخامس.
ومن ثم فللعالم الإسلامي ممثلا بتركيا فرصة أداء دور في ما يحدث في أوروبا. اقتصر على تركيا لأن العرب قصيرو النظر ومنشغلون بالملاهي ونطح السحب.
فالزلزال الذي يهز أوروبا قد يجعلها جزءا من الإقليم الذي يمكن أن يفتح فيه باب التنافس وكان يمكن للعرب أن يدخلوه لو كانت لهم قيادات ذات طموح.
لكن كلما نظرت حولي لم أر للعرب ما يمكن أن يعبر عن طموح جدير بالاعتبار: فأهم استثماراتهم في اللهو والمتعة حتى جعلوا بعض بلاد العرب مواخير لهم.
وتلك من مهازل الدهر العربي: يدعون الانتساب إلى الإسلام وهـم أكفر خلق الله بكل القيم ما عدى العيش عيش المخلدين إلى الأرض وملء بنوك الغرب.
صحيح أن الثورة فضحت على الأقل خمسة أنظمة: تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن. لكني لا أتصور البقية مختلفة بل لعلها أفسد بالتناسب مع الثروة.
ولوجمعنا المسروق في بلاد العرب الخمسة لكان وحده كافيا لإخراجـهم من التبعيتين في الحماية والرعاية ولما بقيت دول العرب محميات يساعدونها بما نهب منها.
فما بالك لو أضفنا إليه ما سرق من بلاد العرب الأخرى وهي الأغنى إما مباشرة أو في شكل تحيل وعمولات في الصفقات العمومية التي هي نهب خفي للثروة.
وما لم أستطع له فهما هو ظن الحكام أن البلاد ملك لهم والعباد خول لديهم وهم أرباب لا يسألون. ثم لهم علماء سوء يرون الإسلام الصحيح هو إسلامهم.
فيمكن حتى لأكثر المسلمين تحريفا للإسلام -التشيع والتدعشن-أن يبدو أكثر شرعية وإقداما منهم لأنهم في الحقيقة مخلدون إلى الأرض ويعبدون الفاني والمغاني.
فلو قارنت قوة إيران المادية بما لدي العرب لعجبت: فهي دونهم بما لا يقدر في كل مجال اقتصادي أو حتى تقدم حضاري لكنها تغزوهم في عقر دارهم.
فكيف لي أن أطمع في أن أراهم يدخلون معركة التنافس التي فتحت ببداية انفراط عقد الوحدة الاوروبية وعودة أوروبا لما قبل الحرب العالمية الثانية.
فالطموح إلى المجد قد غادر قلوب العرب منذ قرون ولم يبق لهم إلى عبادة الكراسي ولو في محميات فكيف تنتظر طموحا كونيا كالنشأة الأولى.


لا أحد منهم فيه شيء يثبت أنه من أحفاد بناة المجد الإسلامي أو العربي. كلهم “عياشة” أي يؤمنون “بالعيش في ظل” حام تجهلنوا وتغسننوا وتمنذروا



الخميس، 16 يونيو 2016

ملعون أبو الوطن .. الذى يملكه المستبد .! ............... بقلم أحمد صبحى منصور


ملعون أبو الوطن .. الذى يملكه المستبد .!


أولا : الضحك ألما .!!

1 ــ أضحكنى الى درجة الألم عنونا كتبته إعلامية سعودية عن ( القومية السعودية ) أو قوميتها السعودية . المسكينة نسيت تاريخ قومها وقبيلتها ونسبت نفسها وبقية السكان فى تلك المملكة الى القومية السعودية ، أى أصبحت الأسرة السعودية بعدد أفرادها هم القومية للسكان ، أى إن القومية السعودية كالقومية العربية والقومية التركية والقومية الكردية والقومية الأمازيغية . هو نفس الهراء الذى يجعل الدولة السعودية هى الشقيقية الكبرى لمصر . مصر أقدم دولة باقية من بداية التاريخ ، والتى تحتوى على عمارات حديثة ومتاجر حديثة مثل ( عمر أفندى ) ( شيكوريل ) و ( صيدناوى ) أقدم عمرا من تلك الدولة السعودية المُنشأة عام 1932 . 
2 ـ ويضحكنى الى حد الألم أن يتغنى بعض سكان تلك المملكة عن ( الوطن ) وهو وطن مملوك للأسرة السعودية التى تسترق السكان بحق الفتح وحُكم السيف كما قال مؤسس تلك الدولة عبد العزيز آل سعود. 
3 ـ ويضحكنى الى درجة الألم تغنى السكان بحب الوطن والحماس فى الدفاع عنه ـ فى بلد يتحكم فيه مستبد ، يجعل نفسه هو الوطن ، وهو مالك الوطن ومن يعيش على أرضه ، وهو يتعامل بمنطق الملكية المطلقة فى الوطن ترابه ومائه ، ولا يتصور أحدا يناقشه فيما يقرر .
4 ـ على سبيل المثال : ذلك الضابط الذى يتملك مصر الآن قد إرتفع صوته محتجا فى مؤتمر عالمى مع الرئيس الفرنسى ، السبب أن الرئيس الفرنسى اشار الى حقوق الانسان ( المصرى ) فإستشاط الضابط الحاكم محتجا بأن معايير حقوق الانسان الغربى لا يمكن تطبيقها فى مصر ، أى ليس فى مصر بشر وإنسان ، بل مواشى . هذه نظرته للمصريين . هذا الضابط الذي يتملك مصر وسكانها قد تبرع أو تنازل أو باع جزيريتين مصريتين لأسياده آل سعود فلما نوقش فى هذا أعلن قفل باب النقاش لأنه موضوع منتهى . يتنازل ويوقع إتفاقات دولية يبيع فيها أجزاء من الوطن بكل بساطة ، يستدين بالمليارات من روسيا فى شراء مفاعل نووى ، دون أن يملك أحد مساءلته لأنه هو مالك الوطن ، أو لأنه هو الوطن ، لذا أعلن أنه لو إستطاع أن يبيع نفسه لباعها . منطق الاسترقاق ، حتى فى الاستظراف والمبالغات الهزلية . ولأنه يملك الوطن ومن يعيش فيه فلا يتصور أن يعترض عليه أحد ممن يملكهم ويتحكم فيهم ويملك قتلهم وتعذيبهم . ببساطة يطلق عليهم كلابه البوليسية تنهش لحومهم وكلابه الاعلامية تنهش أعراضهم وكلابه القضائية تسجنهم وكلابه السلفية والأزهرية تحكم بكفرهم . إ
5 ـ المستبد مالك الوطن وسكان الوطن ذا ثار عليه شعبه ضربهم بكل ما يستطيع من قوة ، وبكل قسوة . أمر حسنى مبارك الجيش بضرب مئات الألوف من المتظاهرين فى التحرير ، أى يريد مذبحة مشابهة للمذبحة الصينية فى ميدان السماوى فى بكين فى أول يونية عام 1989 . ولولا تدخل أمريكا لحدثت مأساة .. !! . صدام حسين أقام مذابح للشيعة والأكراد واستعمل الغازات السامة فى حلبجة ، واتبع اسلوب العقاب الجماعى فى الانفال وغيرها . حافظ الأسد ارتكب مذابح حلب وحماة وضرب السكان المدنيين بالطائرات واحرقهم بالدبابات ، وابنه بشار لا يزال يضرب شعبه بالبراميل المتفجرة ، والقذافى هل نسينا ما فعله بالشعب الليبى ؟ .
6 ـ المستبد شعاره (أنا الدولة ، أنا الوطن ) لذا يقوم هو بتدمير الدولة والوطن إذا ثار عليه الناس . وفى الاحوال العادية يستمتع بتعذيب الناس فى سلخانات سجونه ، فإذا ثاروا عليه أصبح شعاره : ( إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم )!
ثانيا : أى وطن هذا ؟!
1 ـ أى وطن هذا الذى يملكه فرد واحد ، ويتحكم فى مقدراته وسكانه ، يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء ويأمر الشعب بالتهليل له ؟! 
2 ـ هذا الوطن ليس سوى سجن للاحرار ، يدعون ربهم جل وعلا (يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) النساء ) وإذا تخيل فى أحلام اليقظة خروجه منها قال ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) المؤمنون ) ،والمؤمنون من أحرار مصر التى يتحكم فيها الفراعنة يقول أحدهم يدعو ربه جل وعلا (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) التحريم )، وإذا قُدّر لأحدهم الخروج منها قال لنفسه مبتهجا (نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) القصص ) وحمد الله جل وعلا وقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28) المؤمنون ). 
3 ـ لا يمكن أن يكون وطنا على الاطلاق هذا الوطن الذى يفرّ منه سكانه حتى لو غرقوا فى البحر المتوسط.
ثالثا : ما هو الوطن ؟ 
1 ـ الوطن ليس مجرد مكان ، أو مساحة من الأرض تتغنى بسمائه وأمجاده التى هى أمجاد الفراعنة والجبابرة ومصاصى الدماء . الوطن هو البشر الذين يعيشون فى هذا المكان وتلك المساحة من الأرض ، وهم يعيشون فى وطنهم هذا متمتعين بالعدل والمساواة المطلقة فى الحقوق والواجبات ، بحيث يتقسّم الوطن بالتساوى على عدد أفراده ، فمثلا ، إذا كان عدد سكان مصر 90 مليونا فإن كل فرد مصرى هو واحد على 90 مليونا من الوطن المصرى ، بغض النظر عن كون هذا الفرد ، ذكرا أو انثى ، غنيا أو فقيرا ، مسلما أو قبطيا ، من وجه بحرى أو من الصعيد أو من سيناء أو الواحات أو النوبة أو القاهرة . هم جميعا يملكون الوطن بتلك المساوة المطلقة ، ولكل منهم نصيبه حسب تكافؤ الفرص ، مع الكفالة الاجتماعية للفقراء والمحتاجين والمُعاقين. هذا هو الوطن . 
2 ــ هذا الوطن يمتلك ( المواطنون ) فيه حق إختيار الحكومة والمجالس النيابية بالانتخاب الحُرّ النزيه ، ويمتلك فيه المواطنون حق محاسبة ومحاكمة المسئولين ، وربما ينتهى بهم الأمر الى السجن . 
3 ـ فى دولة المستبد ، تقوم قوانين الاستبداد بتحصين الذات المقدسة للمستبد من النقد ، ويشمل هذا كل المؤسسات التابعة له ، بل وتُصاغ القوانين العقابية بأسلوب مطاط وهُلامى ومُبهم يقبل شتى التفسيرات ، حتى يمكن تطبيقه على من يريد المستبد عقابهم ، حتى لو لم ينطقوا ببنت شفة .! العكس فى الوطن الحُر . فى وطن الأحرار يكون من حق أى ( مواطن ) أن يقول ما يشاء سبّا وتقريعا فى رئيس الدولة ، أما لو فعل نفس الشىء مع مواطن عادى يُحال الى المحاكمة . الفرق أن المواطن العادى مغمور له خصوصيته ، أما الرئيس فقد دخل العمل العام متميزا على غيره وبقرارات قد تؤثر على غيره ، فمن حق هذا الغير أن ينتقده كيف شاء . 
رابعا : أين يوجد هذا الوطن الحُر ؟ اين يوجد وطن الأحرار ؟
1 ـ لن نقول الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوربا واليابان واستراليا . هذا معروف ومشهور . 
2 ـ ولكن نقول إسرائيل ، حيث يتمتع الفرد العربى فيها الحاصل على الجنسية الاسرائلية بحقوق يتمناها الفلسطينى فى الضفة والقطاع ، والمصرى فى القاهرة والايرانى فى أيران و أى مواطن عربى فى دولة المستبد العربى والشرقى . بهذا يتفانى الاسرائيلى فى حماية بلده لأنها ( بلده ) ويسارع بالدفاع عن وطنه لأنه ( وطنه ) . هو يملك جزءا من هذا الوطن وتلك البلد ، وهو يدافع عن البلد كلها والوطن كله لأنه المظلة التى تؤويه والقلب الذى يحتويه . إسرائيل بملايينها الخمس هزمت العرب ، ولا يزال جيشها حتى الآن فى حرب مستمرة منذ إنشائها سواء فى الداخل أو الخارج ، ولم تقم بفرض قانون الطوارىء ، ولم تكن مشاغلها الحربية والأمنية عائقا لها عن التقدم والاختراع والتفوق فى التعليم وفى التصنيع وفى الانتاج والتسويق . هذا بينما لا يفلح المستبد الشرقى إلا فى الانتصار على شعبه أو على مستبد آخر . 
3 ـ هل ترون ما تفعله حماس ؟ لا يضارع حرص القيادة الاسرائيلية على حياة مواطنيها إلا حرص حماس على تعرض مواطنيها للخطر ، تتخذ منهم متاريس تترس بهم ، تقوم بعمل إرهابى تُرغم اسرائيل على الرد الدفاعى ، وتحاول لو إسرائيل ما إستطاعت تفادى قتل المدنيين فى القطاع المكتظ بالسكان ، ويسقط قتلى مدنيين فيتحقق أمل حماس فى الدعاية ضد إسرائيل ، وتتسول البلايين من الخليج بحجة الإعمار ، وتدخل البلايين الى جيوب قادة حماس التى لا قاع لها . حماس تملك الوطن ( غزة ) وتملك سكان غزة وتتاجر بدمائهم ، وتقتلهم فى محاكمات صورية على أرصفة الشوارع ، وتمارس الحكم ورجالها ملثمون فى غزة شأن العصابات التى تسطو على البنوك .!
4 ـ هل ترون ما يسرقه (عباس ) ؟.!! هل يعرف أحد الثروة البليونية لعباس أو لابنه رجل الأعمال ؟ أين هذا من إستقالة اسحاق رابين عندما إكتشفوا أن لزوجته حسابا فرديا فى بنك أمريكى ؟ اين هذا من مساءلة بعض رؤساء الوزارت الاسرائيلية فى بعض مخالفات مالية ؟ الفارق ان عباس ـ الجاثم فوق صدر الفلسطينيين فى الضفة بحكم الأمر الواقع ــ يرى ــ مثل سلفه ياسر عرفات ـ أنه صاحب الثروة ، وأنه لا فارق بين ثروة الفلسطينيين وثروته الشخصية ، لكل منهما جيب خاص فى سترته ..
خامسا : والغريب أنّ : 
3 ـ والغريب أن تتجاور أوطان الاستبداد مع أوطان الحرية . إسرائيل تجاور أوطان الاستبداد ، ولو أتيح للمصريين والسوريين والأردنيين واللبنانيين وبقية العرب الهجرة لاسرائيل لآتوها من كل حدب وصوب .
4 ـ الغريب حين تقارن بين أمريكا والمكسيك . كانت المكسيك تتبعها تكساس واريزونا ونيو مكيسكو وكاليفورينا ، ثم إستولت عليها أمريكا بطرق مختلفة . تلك الولايات لو ظلت مكسيكسة حتى الآن ستكون مجرد تلال وتخلف شأن بقية الولايات المكسيكية . جنوب الولايات المتحدة هو إمتداد للمكسيك ، وشمال المكسيك لا يختلف عن جنوب الولايات المتحدة جغرافيا . ولكن الفارق فى نظام الحكم . فى الولايات المتحدة وطن للجميع وشعارها ( العدل للجميع ) والعكس فى المكسيك ، لذا لا تزال المكسيك تعايش الفساد والاستبداد ، مع أنها أفضل مائة مرة من دول الشرق الأوسط .
5 ـ استولت اسبانيا على سبتة ومليلة من المغرب ، وفى زمن الجاهلية العربية والحقبة الناصرية وشعار ( الاستقلال التام أو الموت الزؤام ) كانت المناداة بعودة سبتة ومليلة الى الوطن الأم ( المغرب ). الآن يعيش المغاربة فى سبتة ومليلة أفضل حالا من بقية المغاربة فى المغرب ، والذين يحاولون ما استطاعوا الهجرة الى سبتة ومليلة الأسبانية .! 


أخيرا : همسة فى أُذن الانسان الشرقى :
قبل أن تقول ( وطنى ) إسأل نفسك وواجهها بصدق : هل هو فعلا وطنك أم وطن اسيادك ؟

الأربعاء، 15 يونيو 2016

عن الحسد والعين! ............. بقلم الدكتور محمد رياض

كثر اللغط في الآونة الاخيرة حول مفهوم الحسد والعين، وبإختصار، فإن هذه الأمور يساء فهمها ويشتبه تأويلها على الكثيرين بفعل ترسبات الموروث الديني الحشَوي تاريخيا ً.


وإليك تعريف الحسد والرد على شبهات البعض حوله:
ما هو الحسد؟
الحسد هو تمني شخص ما زوال النعمة عن آخر!
هل هناك شيء إسمه إصابة العين!
الإجابة : لا
ما تفسير الآيات التالية التي يستند اليها البعض في إثبات هذه الأمور ؟
1. قوله تعالى: ( قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق اذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد اذا حسد)
الإجابة :
من شر حاسد اذا حسد:
هذه الاية تتعلق بالاستعاذه بالله من شر الحاسد الذي لا يعجبه ما أنت فيه من نعمة فيسعى ليسلبك إياها ، كأن يشي بك زميلك في العمل او يدبر لك مكيدة عند مديرك لكي تخسر وظيفتك!
من شر النفاثات في العقد:
تعني الاستعاذة بالله من شر الذين يسعون لتفكيك اواصر الترابط الاخوي والعائلي. ( العقد) عن طريق المكيدة والغيبة والنميمة .
من شر غاسق اذا وقب:
الغسق هو الظلام، والغاسق هو الانسان الغامض الذي لا يبدي حقيقة نواياه تجاهك، أو يظهر لك عكس ما يخفي.
2. قال تعالى على لسان نبيه يعقوب مخاطباً بنيه:
( وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ( 67 ) ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 68 ) .
الإجابة:
هذه الآيات لا علاقة لها بموضوع العين كما يتوهم البعض، وانما هي تقص علينا جزءاً من حكاية نبي الله يوسف وذهاب اخوته الى مصر، حيث امرهم ابوهم بأن لا يدخلوا من باب واحد لأنه لم يرد لهم لفت الانتباه اليهم بدخولهم كمجموعة واحدة من باب واحد، لامر في نفسه كما تقول الآيات ، ولربما خاف عليهم بطش الجند او ما الى ذلك!
وقوله سبحانه: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ)
الإجابة : المعنى يتعلق بوصف حال كفار قريش حين كانوا يستمعون الذكر اي القرآن فينظرون للنبي بنظرات الريبة المدفوعة بالحقد ونية السوء ثم اذا ذهب عنهم قالوا عنه انه مجنون !
وربما استشهدوا بالأحاديث التالية:
الحديث الذي رواه أحمد ومسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين" .
ما رواه أبو نعيم في الحلية وابن عدي بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر" .
والإجابة: ان هذه المرويات لا تخلوا من عيب في السند أو المتن أو في كليهما، وحتى ان صحت فهي تشير الى دور الحاسد في إتيان عمل مادي لإيذاء المحسود ، مثل الوشاية به او تخريب تجارته الخ، وانما عبر عن ذلك بالعين لأن العين هي التي ترى النعمة فيبدأ الحاسد في الكيد للمحسود من خلال اتيان سلوك عملي لإيذائه كما شرحنا اعلاه.


يتبين من الشرح اعلاه، أنه لا يوجد شيء قرآنياً اسمه إصابة العين ، وان هذا من تقولات العامة فقط!



الثلاثاء، 14 يونيو 2016

دول عربية أم ممالك طوائف أندلسية؟ ..... المفكر التونسي ابو يعرب المرزوقي

كيف يمكن لـ22 مملكة طوائف أو محمية عربية أن تصبح دولة عظمى بفضل ثورة الشباب؟ ذلك هو السؤال الذي ينبغي أن يجيب عنه كل من يؤمن بشباب الإقليم بعد خصم العملاء من حركة التاريخ.
فنحن نعيش في 22 مملكة طوائف أو محمية عربية خاضعة لأصحاب الاستضعاف والاستتباع جعلوها مزارع وكلوا عليها أصحاب الاستبداد والفساد.
ويزين هذا التحالف بين الاستبداد والفساد في الداخل والاستضعاف والاستتباع ف يالخارخ من يطبل له من نخب لا تؤمن إلا بالإخلاد إلى الأرض والعدوان على حقوق شعوبهم.
فتكون كلفة المحميات على الشعوب أكبر بكثير من كلفة أي دولة لأي قوة عظمى من الأقطاب العالمية: فكلها ذات تمثيل دبلوماسي وأبهة الدولة لكأنها دول وهي مجرد محميات.
وكلفة أجهزتها الدفاعية والأمنية لو جمعت لمثلت قوة تضاهي قوة أي دولة عظمى. لكنهم في الوضع الراهن أضعف من أي دولة فقيرة ليست مزرعة لمافية.
ولو جمعت ما يبذر في محو الامية الذي يسمونه تعليما لفاق المعدل المعتاد لجعل الـمنظومة التعليمية الـجامعة قادرة على تأهيل المبدعين وإنتاج المعرفة وتطبيقاتها المادية والرمزية.
لكن كلفة الدول والأجهزة الدفاعية والأمنية والإدارية وكلفة التعليم كلها بسبب تفريقها وعدم تكثيفها في دولة قوية غير تابعة لم تنتج إلا المزيد من التخلف والتبعية.
ولا يمكن للشباب أن يجيب عن السؤال الذي انطلقنا منه إلا إذا أدرك العلاقة بين هذا الوضع التقزيمي للأمة وأدوات جعله أمرا واقعا لا مخرج منه.
عندما تسمع من المستبدين بالمحميات العربية كلامهم على أن الغرب يريد بالفوضى الخلاقة أن يفتت المفتت وأن يشتت المشتت تظن أنهم يدافعون عن دول ذات سيادة.
وتظن أن الاستعمار تحير أمام استقلال إرادتهم وسيادتهم فاراد أن يفتتهم حتى يطمئن لسلطانه عليهم. وهم يتهمون الثورة بالتواطؤ معه لهذا الغرض. وكان يمكن أن نصدق لو لم نعش تجربة سوريا.
الم نعش عقودا على التغني بدمشق عاصمة المقاومة والتصدي للامبريالية والساعية لتحرير فلسطين؟ فإذا هي عاصمة تابعة للحماية الاسرائيلية والإيرانية والروسية والأمريكية؟
فهل غيرها مما يسمى دولا عربية مغاير من حيث هذه العلاقة بين الظاهر والباطن أم هي كلها محميات إما مباشرة للغرب أو بتوسط ذراعيه إيران وإسرائيل؟
لذلك فعلى الشباب أن يعلم سر هذا الوضع: إنه وضعية مرضية غائرة في خلايا الجماعة بعضها نتج عن نتائج انحطاطنا الذاتي وبعضها الآخر نتج عن خطط الاستعمار.
فتقسيم سايكس بيكو وما تقدم عليه من تقسيم السلاطين لدار الإسلام عامة وللوطن العربي خاصة هما اللذان جعلا بلادنا من جنس ممالك الطوائف في الأندلس واحييا العرقية والطائفية لنصبح محميات.
وما يتكلمون عليه من هدف الفوضى الخلاقة التي ستزيد التفتيت تفتيتا ليس مؤامرة فحسب بل هو بسبب هشاشة الأسر الحاكمة العسكرية والقبلية التي ينخرها التنافس فيشق صفوفها.
وهذا التفتيت الممكن يستهدف الجغرافيا والتاريخ لتحييد ثمراتهما والمرجعية الواحدة والهدف هو جعل الجغرافيا والتاريخ وثمراتهما من شروط للقوة إلى علل الضعف.
فالدويلات الطائفية والعرقية لا تستطيع حماية ذاتها ولا رعاية شعبها بسبب حجمها فتصبح بالضرورة محميات لمن هو أقوى منها سواء من الإقليم أو من خارجه.
والمعلوم أن معترك السياسة الدولية لا يخضع إلا لقانون الغاب لأن الجماعات محكومة في تنافسها على شروط الحياة إلى قانون الانتخاب الطبيعي والبقاء للأقوى دائما.
لذلك تلاحظون أن المعركة اليوم هي معركة جغرافية (من يفتك أرض الآخر) ومعركة تاريخية (من يعتبر نفسه أولى بالحق) ليحصل الغالب على ثمراتهما بمرجعية عقدية فقدها العرب وفقدوا معها كل طموح للعظمة.
فـفي معركة الجغرافيا وثمرتها ومعركة التاريخ وثمرته ومعركة المرجعية العرب هم أقل شعوب الإقليم طموحا بسبب ارباب المحميات من نخبهم العميلة.
لذلك فالثورة ينبغي ألا تعترف بالجغرافيا الاستعمارية الموجودة والموعودة ولا بالتاريخ الاستعماري الذي تستمد منه المحميات شرعيتها التاريخية المزعومة دون أن تصبح دولا ذات سيادة.
لذلك فلا بد أن يؤمن الشباب بضرروة إحياء المرجعية الواحدة بطموحها الرسالي والموحد حتى يصبح بوسع الشباب ان يحقق العلاقة الحقيقية بين مطالبه وشروطها: التحرر مشروط بالتحرير.
فالاستبداد والفساد أساسهما الاستضعاف والاستتباع. وسلطانهما يستند إلى جغرافيا مفتتة تحول دون التنمية المادية وتاريخ مشتت يحول دون التنمية الروحية: هدف الثورة القضاء على التفتت والتشتت.
ولما كان التحرر لا يرتجل ولا يتجاوز الانطلاق من الموجود لتحقيق المنشود فينبغي أن نستفيد من الفوضى الخلاقة التي تسيطر على الإقليم بمفعول ذراعي الاستعمار ونكأ جروح الماضي.
صحيح أن تفرق لكنها بذلك تجمع في آن. فخذ مثال الطائفية. استعملوها للتفريق. حسنا. فلتكن المرحلة الأولى في توحيد السنة على أساس لم تكن تريده لكنه فرض عليها فينبغي أن تستفيد منه.
فالمخرج من العملية سيكون لصالح الأمة: طائفية أعدائها ستجعلها تتحد بوصفها الغالبية العظمى في الإقليم فتخلق الفوضى الخلاقة دولة أو دولا سنية كبرى.
وهذه العلاقة بين التفريق والجمع في الفوضى الخلاقة علاقة طبيعية لايمكن تغييرها بمعنى أن التشيع مثلا يمكنه أن يحدث تفريقا في المحميات لكنه سينتج تجميعا لسنتها ضديدا لجمعه الشيعة.
وفي النهاية فالتشيع هو الذي سيخسر لأن دوره لن يتجاوز دور المهماز للجواد العربي الذي هو سني بنسبة 90 في المائة فنستفيد من الفوضى الخلاقة بعكس الغاية منها.
ولا يمكن توقع نتيجة مخالفة إلا إذا ظلت سنة العرب خاضعة للمحميات بنية المحافظة عليها ومقاومة الفوضى الخلاقة من دون هدف تجميعي حتى تخسر كل ما تملك.
فالمطلوب الآن معاملة الأعداء بالمثل واستعمال نفس الآليات: لا بد من حشد سني ومليشيات سنية ورأس مدبرة للفاعلية الشعبية في كل الاتجاهات.
فإذا استعمل المحرك القومي والطائفي من قبل الأعداء لإحداث الفوضى فبهما يمكن للسنة أن تحدث النظام في داخلها والفوضى في أعدائها كما هم يفعلون.
فالمرحلة الأولى ستكون نتيجتها دولتان سنيتان كبريان على الأقل في المشرق بقيادة سعودية (كل دويلات الخليج) وسنة الهلال بقيادة المقاومة السنية (العراق وسوريا والاردن وفلسطين ولبنان) ومثلها في المغرب العربي بقيادة مغربية (المغرب وموريتانيا) وبقيادة جزائرية (الجزائز وتونس وليبيا).
فننتقل بفضل ذلك من 22 محيمة إلى أربعة دول ذات حجم كبير يتوسط بين جناحيها المشرقي والمغربي دولة النيل الكبرى (مصر والسودان) فنصبح خمسة دولا كبرى قادرة وسيدة.
وحينها تكون كل دولة من هذه الخمس حتى بمفردها مهابة أمام ذراعي الغرب أي إيران وإسرائيل خاصة إذا علما أن بقية تلك الدول معها في السراء والضراء.
والموجة المقبلة من الثورة ينبغي أن يكون هذا هدفها. وإذا لم تستهدف ذلك فإن امبراطورية إيران وإمبراطورية إسرائيل هي ما سيكون هدف سايكس بيكو الثانية.
وأغرب ما في الأمر أن العائق الأساسي أمام هذه الخطة ليس الغرب ولا ذراعيه إيران وإسرائيل بل الانظمة العسكرية والقبلية التي حولت الوطن إلى ممالك طوائف : وتلك هي علة الشلل العربي السني.
ثم إن عوائق الاستئناف- إضافة إلى ما ذكرت- تكمن خاصة في منطق العمل الذي يتبعه الشباب السني: فهو لا يتعامل مع منطق اللحظة بقواعد لعبتها. وحدة المسلمين هدف بعيد لم يئن أوانه.
الهدف المتقدم عليه هو تكوين القاطرة السنية العربية أي وحدة الوطن الذي منه نبعت الرسالة لتكون قوة بها تتواصل الرسالة فلا نقفز على المراحل لنخسرها.
ثم إن المعركة تجري في الإقليم ورهانها تقسيم الأرض العربية على شعبين يسعيان للانتقام من نجاح الإسلام في تقويض سلطانهما الإقليمي: إيران وإسرائل بسند غربي.
والغرب يستفيد من آليات التحريك التي أنشأت الفوضى الخلاقة: القومية (الأكراد) والطائفية (الشيعة) والدينية (إسرائيل) وصغائر الخونة والعملاء المتنافسين على ممالك الطوائف العربية (الأنظمة والنخب): الرد بالمثل.
والأدرى بمقومات العملية أو بمعادلتها (العرق والطائفة والدين وصغائر النفوس الضعيفة للحكام والنخب العميلة) هو الرابع إذا أحسن تدبير استغلالها.
أما مواصلة القول نحن ضد العرقية والطائفية والدينية وصغائر الحكام ونخبهم العميلة فهذه ليست مثالية بل غباء سياسي: الساسية تعمل بمحركات البشرالموجودة خاصة لا بالمثل المنشودة فسحب.
ومحركات البشر كثيرة وهي تختلف بحسب الظرفيات لكن لها قوانين كلية وهي دوافع التحريك. أما ثمرة المكان وثمرة الزمان فهي الدوافع العميقة للتحريك.
والتحريك يحرك المحركات التي هي ما ذكرنا: الغاية هي ثمرة الأرض أو الثروات وثمرة التاريخ أو التراث وهي لا تفعل إلا كدوافع لهذه المحركات.
والمحركات هي العرق والطائفة والدين ونذالة الحكام والنخب العميلة. بها تحرك الشعوب لتحقيق غايات استراتيجية العدواني منها شرير الشرعي هو الـخير وذلك ما ندعو إليه.
كلام الثوار على الحرية والكرامة غايات للثورة وهو كلام يكون عديم الجدوى إذا لم يدركوا العلاقة بين الغايات وشروطها: فالمحميات لن تحقق شيئا من ذلك.
إنها صنعت على أعين الانحطاط الذاتي والتخطيط الاستعماري لمنع شروط تحقيق الحرية والكرامة: تفتيت الـجغرافيا وتشتيت التاريخ يبطلان القدرة على النهوض ماديا وروحيا.
هدفي مما أكتبه -أمليه على مساعدي أعانه الله على تحملي-هو أن أجعل الشباب يدرك هذه الحقيقة: ففي السياسة القرائب مشروطة غالبا بالبعائد.
لن نستطيع التخلص من الاستبداد والفساد ما ظلننا تحت الاستضعاف والاستتباع. ولن نتحرر منهما من دون تغيير الجغرافيا والتاريخ في ضوء المرجعية الموحدة.
ولان الأعداء يعلمون أن المرجعية هي التي ما تزال صامدة بعد أن فتتوا الجغرافيا وشوهوا التاريخ فإنهم يركزون الحرب عليها من كل صوب وحدب.
فالحرب لا تدور على الإسلام لأنه دين كالأديان المحرفة بل لأنه دين يعتبر استعمار الإنسان في الأرض شرطا في الاستخلاف بمبدأي الاجتهاد والجهاد.
وقائده عُرف بتطبيقهما بنفسه فهو لم يدع أن التاريخ يعمل بالدعاء وبخوارق العادات. كان قائدا سياسيا وعسكريا ومربيا خلقيا ومعرفيا ومؤسسا لحضارة.
والحرب على المرجعية تتضمن الحرب على القائد الأول والدائم والأزلي الرسول الخاتم وعلى القرآن الذي جمع شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها روحيا وخلقيا وسياسيا وماديا.
ولا يمكن تصور حشدا سنيا مثلا من جنس الحشد الشيعي. ذلك أن الحشد الشيعي يأتمر بأوامر دولة لها مشروع. محمياتنا لا مشروع لها عدى البقاء محميات وهي من يحارب المقاومة السنية.
وإذن فالمطلوب استعادة الطموح والشعور بنخوة العظمة وعزة الاستقلال وعدم التبعية. لذلك فكلامي موجه للشعوب وللشباب خصيصا وليس للأنظمة ونخبها العميلة.
ولاختم ببعض الأسئلة ذات الجواب البدهي: هل كانت أمريكا تهين تركيا لو كانت تعلم أن السنة لهم بعض الشعور بأنهم أمة واحدة وأن إهانة أيا مـنهم إهانة لهم جميعا؟
هل كانت أمريكا تحتقر الحلف الإسلامي الذي طبل له الكثير واجتمع فيه 35 دولة كما تسمي نفسها لو لم تكن أمريكا تعلم أنها ليست دولا بل محميات يستظلون بظلها؟
بل أكثر من ذلك هل كان بوتين يتنمر ويشل حركة الأتراك والعرب السنة فيصبح الآمر الناهي في الهلال كله ولعله يكون كذلك قريبا في اليمن وهم يتفرجون كالبلهاء؟
بل اكثر وأدهى هل كانت إيران وهي مفلسفة ماديا وروحيا لم يبق لها إلا مافية الحرس وأكاذيب المرجعية تغزو بلاد العرب وتتنمر على الجميع كباندي الحي؟
اما إسرائيل فحدث ولا حرج. لم أر حاكما عربيا واحدا لا يطلب ودها ووساطتها مع حامي الجميع ثم لا يستحون فيتصورون أنفسهم أصحاب دول ذات سيادة وأنفة؟

الاثنين، 13 يونيو 2016

خذلان الثورة ما تبعاته وإلى متى سيتواصل ...... بقلم المفكر أبو يعرب المرزوقي

خُذلت الثورة في البلاد العربية الخمسة التي وقعت فيها ممن تصورناهم ثوارا وهم في الحقيقة لا يتجاوز همهم الوصول إلى الحكم في المحميات العربية.
ولما أسقطتهم الثورة المضادة بتجاوز القطرية لأنها ردت الفعل إقليميا لم يواصلوا فعل الثورة بل انحنوا للعاصفة لتستفرد الثورة المضادة بمن يقاوم.
بقي شباب ليبيا وسوريا يقاوم فوجه له الأعداء جرافة الثورة أو داعش وكل المزايدين في الأصولية فاصبح التخويف بمآلهما راداعا للشعوب حتى تعود إلى الخنوع ويعود حاجز الخوف من جديد.
لكن طمع الأعداء تجاوز الآن البلاد التي وقعت فيها الثورة وأصبح يهدد البلاد التي مولت الثورة المضادة وتآمرت على الثورة: فالأعداء لا يستهدفون الثورة وحدها بل كل سنة العرب.
ذلك أن الهدف ليس الثورة وحدها بل عين الوجود العربي السني لإخلاء المكان واستعادة امبراطوريتي الصفوية والصهيونية المتقدمتين على الإسلام.
والسؤال: متى تفهم للأنظمة العربية هذه الحقيقة فتصبح هي بدورها مصطفة مع المقاومة أم هـي تنتظر مآل العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر وتونس؟
المشكل هو أن الأنظمة العربية فقدت كل وعي بمعنى السيادة وحرية الإرادة. فمن يحتمي بالعدو لا يمكن أن يكون سيد قراره. كلهم يعلمون أنهم مستهدفون ومع ذلك لا يتحركون.
تماما كحال السنة في العراق وسوريا. لو تحركت الجموع السنية فيهما وقاومت لما صارت تذبح كالنعاج من أجبن خلق الله ممن نعلم أن قلوبهم خالية من الإيمان.
رعاع الشيعة محتمين بمافية الحرس الثوري الإيراني وبالطيران الأمريكي مع حكام جاءت بهم الدبابة الأمريكين وبعض الخونة من السنة يبدون أبطالا في ترويع النساء والأطفال والشيوخ وألف منا تغلب عشرات الآلاف منهم.
وطبعا قد لا تصمد المقاومة إذا ظلت معزولة من حاضنة شعبية استسلمت ومن أنظمة تأتمر بأوامر أمريكا التي لا تحارب الإرهاب بل تصنعه للحرب على السنة.
وهي لا تسهتدف السنة العربية وحدها بل هي تريد تدمير تركيا كذلك لأن ذلك هو شرط تحقيق الامبراطوريتين الصفوية والصهيونية ومنع نهضة المسلمين.
فهم لا يستهينون بالرموز : تركيا موطن آخر خلافة والسعودية موطن أول خلافة والحرب في موطن الخلافتين الوسطيين : والهدف القضاء على استئناف الإسلام دوره.
وهم يعلمون أن نهضة المسلمين لا يمكن ان تحصل إذا وأدوا مركزها ومبدأ نشأتها أي سنة الإقليم العرب بداية الخلافة والترك غايتها لئلا نستعيد ندية يخشونها.
وكل عربي وتركي لم يفهم هذه الخطة إما غافل أو متآمر معهم. ومن المتآمرين المليشيات الخمس بقايا الباطنية والصلييبة والعلمانية والليبرالية والقومية.
فهذه المليشيات العربية بالاسم هي التي تخدم الخطة الصفوية والصهيونية بالسيف وبالقلم هي التي تشوه السعودية وتركيا وقطر بمحاولة إلصاق تهمة الإرهاب والتكفير بهم بمنطق وشاهد شاهد من أهلها.
والجميع يعلم أن الإرهاب والتكفير صفتان ملازمتان للتشيع وللصهيونية ليس في التاريخ الحديث فحسب بل هما من جوهر مذهب الباطنية ومذهب الصهيونية نفسه: فهما من نفس الطينة.
لكن الأنظمة العربية ليس لها إعلام في خدمتها رغم أنها هي التي تموله بل هو في خدمة أعدائها بدعوى الوسطية الدينية أو بمعنى التسامح الليبرالي والعلماني إلا مع شعوبهم.
لم أفهم معنى الوسطية والتسامح مع من يسعى لاحتلال أرضك وانتهاك عرضك وهو لم يخف ذلك بل يعلن عنه ليلا نهارا ونراه يعمله جهارا في أخوتنا من أرض الهلال.
ولست بحاجة لإثبات التواطور الغربي: فبالاضافة إلى ائتمار الأنظمة الغربية برغبات اسرائيل لم ينس الغرب علاقتة بالاسلام ولا يريد عودته للتاريخ لخوفه من تحقيق التوازن العادل في العالم.
لكن لو كان للمقاومة قيادات مدركة للظرفية ومستعدة لسماع رأي اصحاب الدراية ولو فعل مثلهم ما بقي من أنظمة عربية مخلصة للقضية وتركيا فإن النصر سيكون حليفنا حتما.
ذلك أن الغرب مهما تقدم تقنيا فإن مقاومته لن تتجاوز محاولة الحرب بالوكالة لأنه أعجز من أن يتصدى لأسود الإسلام ومن يحارب بهم هم أجبن خلق الله: التشيع والتهود.
فلو راوا حزما حقيقيا من السعودية وتركيا وقطر وجراة على الأقل ببعث خبراء وتسليح مناسب للمقاومة لحسمت المعركة في شهور ولهزم الأعداء شر هزيمة.
21-ومما يزيد في جرأة الأعداء هو تراخـي هذه الانظمة الثلاثة وتصابي من المقاومة المشتتة والتي تكاد تتحول إلى معركة أمراء حرب. فلذلك قد يتمكن الجبناء من ربح المعركة فتنهار المقاومة.
اما الخوف من بوتين فهو من نوع "رب عذر أقبح من ذنب". ذلك أن بوتين لو رأى حزما لما دخل أصلا وهو لا يستطيع بعث جيش ولا يمكن ان يستعمل النووي ويمكن أن يسقط بسرعة لو قابله حزم بحق.
ثم إن التردد لن يجنب العرب والأتراك ما يحاولون تأجيله. فالحرب قادمة لهم عندما يفرغ الأعداء من المقاومة في سوريا والعراق بل هي بدأت على الأطراف.
وهي حرب ليست عسكرية فحسب بل هي تعتمد العرقية (الاكراد) والطائفية (الشيعة) والدين (بقايا الصليبيين واليهود) والطبقية وداعش والأنظمة العميلة قبلية كانت أو عسكرية.
لذلك فنحن أمام أكبر امتحان لإرادة الأمة في تاريخنا. وهو أشبه بامتحان حرب الصليبيين ومغول الشرق علينا بنفس الخيانات الداخلية واليوم الامتحان هو مع مغول الغرب وصليبييه ونفس الخونة.
إيران والحشد الشعبي والحكومة العراقية يريدون دفع السنة إلى الدعشنة مهما حاولت اثبات أنها ضدها. فمقاتلة داعش معهم لن تغير رأيهم لأنه قصدي.
وإذا كان لا بد من حرب بين السنة وداعش. فلتؤجل ولتكن بعد هزيمة الحشد وإيران وليس قبل ذلك. فالسنة لن تحمي نفسها بوضعها 

الأربعاء، 8 يونيو 2016

الجزائر الفرنسية ..حكاية تطور مجهض ...... بقلم الاستاذ الباحث يوسف رزين


لم أكن من المهتمين بأخبار الجزائر و تاريخها . كنت اكتفي بما تورده وسائل الإعلام و بعض الكتابات من أخبار و معلومات ، عرفت من خلالها أنها بلد المليون شهيد و أن احتلالها من طرف فرنسا دام 130 سنة . اعتقدت إلى حدود عقد سابق ، أن احتلالها كان عاديا كما حصل في المغرب أو تونس . ربما مع بعض الفروقات البسيطة ، فنحن كان عندنا نظام الحماية و هم كان عندهم احتلال مباشر ..لكن في النهاية تعددت الأسباب و الموت واحد ، كما يقول المثل . حتى حلت سنة 2002 لتخلد الذكرى الأربعين لاستقلال الجزائر (إذا لم تخني الذاكرة) حيث كنت أشاهد برامج الأخبار في قناة TV5 الفرنسية كعادتي . و هذا اليوم أعدت القناة روبورطاجا تلفزيا عن استقلال الجزائر ، و ساعتها دهشت لما شاهدته. الفرنسيون في هذا الروبوطاج بدوا فاقدين للتوازن النفسي ، المذيعة الشقراء بقميصها الأحمر كانت تضحك في شماتة و هي تدعو المشاهدين لمتابعة ربوطاج بعنوان ماذا استفادت الجزائر من الاستقلال بعد أربعين سنة ؟ 


في الروبورطاج ركزت الكاميرا على مظاهر الفقر و البطالة في الجزائر . شاهدنا حوارا مع أب جزائري يبكي بسبب الفاقة و المصير القلق الذي ينتظر أولاده . شاهدنا أيضا شبابا جزائريين يتمنون الهجرة لفرنسا . بعد نهاية الروبورطاج بدت المذيعة في غاية الحبور و الانشراح . أخيرا شفت غليلها و غليل الفرنسيين . في روبوطاج آخر تم إحضار فرنسي كهل و عقد معه المذيع حوارا عن الجزائر الفرنسية . كان هذا الحوار على الشاطئ الجنوبي لفرنسا ، و الكهل الفرنسي لم يتوقف عن النظر بحسرة و حزن للضفة الجزائرية .و أنا أتابع هذه الروبوطاجات شعرت أنني أمام نفوس هشة و معطوبة .هل الشماتة سلوك سوي ؟ ألا تقوم الحداثة على النسيان ، كما قال هيدغر؟ هل التوقف عند لحظة تاريخية معينة من صفات المجتمع الحديث ؟ لماذا يشعر الفرنسيون بالجرح عند حديثهم عن استقلال الجزائر ؟ لماذا لا يتكرر نفس الأمر عند الحديث عن المستعمرات الأخرى كالمغرب و تونس ؟


حينما تستفسر عن الأمر ، تجد الإجابة جاهزة عند الفرنسيين : لقد ذهبنا إلى الجزائر لنبقى .

 الاستعمار في المغرب و تونس كان عبارة عن حماية لا أكثر، أما في الجزائر فقد كان عبارة عن استيطان . لكن لماذا قررت فرنسا أن تستوطن في الجزائر و تديرها بشكل مباشر و لم تعاملها كالمغرب و تونس ، لماذا ؟ للإجابة على هذا السؤال يجب العودة قليلا إلى الوراء ، إلى عصر النهضة و الانتقال إلى الثورة الصناعية و المجتمع الحديث . في هذه الحقبة كانت فرنسا في حالة تنافس مع انجلترا . كلاهما كانا قد دخلا نادي الدول العصرية . و قد ظلتا تتصارعان للسيطرة على أوربا و العالم . و لان الحداثة تعني كما قال هيدغر التجاوز و نسيان الوجود و الغربة عن الوطن ، فإن فئة من المجتمع الانجليزي غادرت وطنها الأم و عبرت المحيط و أنشأت مستوطنة لها في القارة الأمريكية. هذه المستوطنة تحولت إلى ارض ميعاد حقيقية بمجتمع جديد خارج من رحم مجتمعه الأصلي . و بالتالي كانت هذه المستوطنات الانجليزية في أمريكا بمثابة ولادة و تجدد للأمة الانجليزية ، و هو ما جعل الدولة الجديدة التي ستدعى لاحقا بالولايات المتحدة الأمريكية أقوى و أرقى من الدولة الأم ، علما أن كل عملية ارتقاء هي في الأصل عملية ولادة .و طبعا ما كانت فرنسا لتغفل عن هذا التطور الحضاري الذي عرفته الأمة الانجليزية عن طريق الغربة عن الوطن و الاستيطان في بلد جديد ، فقررت أن تفعل نفس الشيء في الجزائر . و هكذا في سنة 1830 قررت أن تعبر البحر الأبيض المتوسط و تستوطن الجزائر أملا منها في تكرار التجربة الأمريكية و ولادة امة فرنسية جديدة أكثر شبابا و حيوية.


إن كثيرا من الباحثين يعتقدون أن الجزائر الفرنسية كانت جزء لا يتجزأ من فرنسا ، و لهذا قاومت خروجها من هناك بشراسة . لكن هذا كان في البداية فقط عند بدايات الاحتلال و بضبط سنة 1834 ، حيث صدر عن فرنسا مرسوم الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا، مع إنشاء منصب الحاكم العسكري في الجزائر . ثم بعد ذلك سنة 1881 حيث تم الشروع في تطبيق سياسة الدمج الإداري للجزائر مع فرنسا . لكن بعد ذلك، نلاحظ أن الحكومة الفرنسية بدأت تتخلى عن سلطاتها ، فأعطت سنة 1898 للحاكم العام كل السلطات بخصوص المشاكل العسكرية و المدنية ما عدا العدل و التربية . ثم في 19 دجنبر سنة 1900 ، و تحت إلحاح المستوطنين ، صدر قرار بإنشاء الحكم الذاتي المالي للجزائر ، مما يعني أن الأمور كانت تسير في اتجاه استقلال الجزائر الفرنسية عن فرنسا الأم في محاولة منها لتكرار التجربة الاستيطانية الأمريكية . و منه تنشأ لدينا امة فرنسية جديدة بخصائص حضارية أرقى من نظيرتها الأم .


لكن سارت الأمور بما لا تشتهي فرنسا ، فتعرضت للاحتلال النازي الذي انتهى بتسيد الولايات المتحدة الأمريكية على مسرح الجيوبوليتيك العالمي و أفول الاستعمار الأوربي و انطلاق الحركات التحررية في العالم الثالث ، فوجدت التجربة الاستيطانية في الجزائر نفسها في حالة حصار و تراجع. لقد حاولت فرنسا أن تقاوم الوضع الجديد على أساس أن الجزائر ليست هي المغرب أو تونس ، لكن الواقع كان أقوى من رغباتها ، فانتهت التجربة الاستيطانية الفرنسية في الجزائر مع ما خلفته من حصيلة ثقيلة على المستوى الإنساني (مليون شهيد جزائري). 


و رغم أن الجزائريين دفعوا ثمنا باهظا لقاء الحصول على حريتهم ، إلا أن المثير في الأمر هو أن الفرنسيين يبدون أكثر تألما . لقد تجاوز الجزائريون آلامهم و جراحهم و شيدوا دولتهم الحالية بايجابياتها و سلبياتها . لكن الفرنسيين عند كل عيد استقلال للجزائر تتجدد جراحهم و يغرقون في الحزن. إن فشل مشروع الجزائر الفرنسية معناه اغتيال فرنسا الجديدة و الجنينية و حرمانها من التطور و الارتقاء . و إذا قمنا بدراسة مقارنة ، قلنا أن فرنسا تشعر بأن غريمتها انجلترا سبقتها و نجحت في مشروعها التطوري بينما فشلت هي و عجزت لأول مرة عن اللحاق بها ، بل صارت تحت رحمة وليدتها أمريكا. و لهذا نفهم كيف حاول الرئيس الفرنسي دوغول أن يسبح بسفينة بلده بعيدا عن الولايات المتحدة ، و نفهم أيضا لماذا تنبني السياسة الخارجية الفرنسية على معاكسة السياسة الخارجية الأمريكية ، و إن ظل هذا الأمر على المستوى الشكلي فقط.إن المتتبع لسلوك فرنسا فيما يخص الموضوع الجزائري ، يلاحظ أنها لا تتوقف عن تحميل الجزائريين مسؤولية فشل مشروعها الاستيطاني . فلولا مقاومتهم و ثورتهم لظلت فرنسا هناك و تطورت إلى الأفضل . لكن هل هذا صحيح ؟ هل فعلا المستبب الرئيسي لفشل مشروع فرنسا الجديدة هو الجزائريون أم طرف آخر؟ هذا ما سنراه .حينما نبحث في هذه التجربة الاستيطانية نجد أنها كانت محكومة بالفشل منذ البداية . ففرنسا اختارت لتحقق ميتافيزيقا الغربة عن الوطن (يرجى مراجعة فلسفة هيدغر لفهم هذه النقطة) أن تعبر البحر الأبيض المتوسط بينما اختارت انجلترا أن تعبر المحيط الأطلسي . إن أرض الميعاد يجب أن تبتعد بشكل كاف عن الوطن الأم لتضمن لها شروط النجاح . و عليه يمكن القول أن التجربة الاستيطانية الاغترابية الفرنسية كانت اقل جرأة و صدقا من نظيرتها الانجليزية . (لماذا لم تختر فرنسا مقاطعة لويزيانا أو كندا لتنفيذ هذا المشروع؟ ). ثانيا ، لكي تنجح أي تجربة استيطانية اغترابية ، عليها أن تسيطر على المجال الجغرافي التي تستقر فيه و تضعه بين قوسين لا أن يضعها هذا المجال بين قوسيه . بعبارة أخرى يجب أن يكون قوسا هذا المجال هو البحر لا البر كما هو الشأن بالنسبة للولايات المتحدة و استراليا أما بخصوص الجزائر الفرنسية فقد كانت محاصرة بالمغرب و تونس و بالتالي كان من المستحيل على فرنسا أن تمنع التأثيرات القادمة من جيران الجزائر .و تمثل الخطأ الثالث في إصدار فرنسا لقانون الأهالي الذي حول الجزائريين إلى مواطنين من الدرجة الثانية . و بعيدا عن أي نقد أخلاقي لهذا القانون فإنه من ناحية عملية قد قسم سكان الجزائر إلى طبقتين متناقضتين بالمفهوم الماركسي الصرف . أي طبقة المستوطنين الفرنسيين العليا و طبقة الجزائريين الدنيا . ما جعل ثورة الطبقة الدنيا على الطبقة العليا و اقتلاعها مسألة وقت فقط. لقد عالجت أمريكا مشكلة السكان الأصليين إما بإبادتهم (و هو ما كانت فرنسا لا تستطيع فعله نظرا لحاجتها إلى يدهم العاملة) أو بإدماجهم كما فعلت مع السود عندما حررهم لنكولن (رغم أن السود ليسوا سكان أمريكا الأصليين و لكنهم يلعبون نفس الدور). و هنا تحضرنا تجربة نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا التي فشلت أيضا لأنها قامت على الفصل العنصري و عدم الاعتراف بالحقوق الأساسية للأهالي. الجدير بالذكر أن إسرائيل تحاول ألا تقع في مشكل التناقض الطبقي و لهذا تسمح لعرب إسرائيل بالوصول إلى برلمانها (الكنيست)، أما باقي الفلسطينيين فتعزلهم عنها بالجدار الواقي . و هو ما يجعل التجربة الاستيطانية الإسرائيلية مفتوحة على كثير من الاحتمالات.


ثم الخطأ الرابع في نظرنا ، و هو عدم وضع التاريخ في الاعتبار . إن الفرنسيين قدموا إلى الجزائر باعتبارهم ورثة الرومان . في المقابل فإن الجزائريين لديهم تاريخ قديم في مقاومة الرومان (يوغرطة ، تاكفاريناس ..). و بالتالي فإن الفرنسيين يكونون قد اختاروا المنطقة الخطأ للاستيطان لأنها لاشعوريا سترفضهم و تقاومهم لا محالة ، خصوصا حينما يعيدون سيرة الرومان ممثلة في انتزاع الأراضي الزراعية للسكان الأصليين.إذن كما قلنا ، فإن الفرنسيين ارتكبوا كل الأخطاء الممكنة لكي يرفض العالم الجديد (الجزائر) مشروعهم الاستيطاني. إنهم هم من يتحمل مسؤولية هذا الفشل، لا الآخرون . لقد اكتفوا بعبور البحر الأبيض المتوسط بينما أي تجربة اغترابية عليها أن تبتعد عن وطنها الأم بشكل كاف . ثم جعلوا المجال الذي استقروا به يحتويهم لا العكس . ثم بدلا من إدماج الأهالي أو الاندماج معهم (كما فعل الفينيقيون في قرطاج) انفصلوا عنهم و تناقضوا معهم تارة عن طريق الحديد و النار و تارة بالقانون. ثم أخيرا تعاموا عن عبر التاريخ و لم يقرؤوه جيدا ، و استفزوا لاشعور الأهالي ، فثاروا عليهم . و في النهاية لفظهم العالم الجديد لأنهم ببساطة أجابوا على الإشكالات السياسية التي اعترضتهم هناك إجابة عسكرية صرفة . و هو ما حكم على تجربتهم الاستيطانية بالفشل .هكذا في نظرنا على فرنسا أن تعالج ذكرى خروجها من الجزائر. إن المسؤولية في هذا الخروج و الفشل تقع عليها أولا و أخيرا . لكن يبقى السؤال : هل انتهت ميتافيزيقا الغربة عن الوطن بالنسبة لفرنسا ؟ هل حكم على فرنسا بأن تعيش داخل حدودها و ألا تعرف أي تجربة تطورية ؟ 


في الواقع يظل هناك بصيص من أمل ، لان مشروع الغربة عن الوطن لا يقتصر على الكرة الأرضية ، بل يتعداه إلى خارجها ، و لهذا نجد اهتمام أمريكا بالمريخ. و بالتالي تستطيع فرنسا بما أوتيت من عزيمة و إمكانات تكنولوجية أن تستهدف احد الكواكب في الفضاء الخارجي ، تنسى فيه الجرح الجزائري و تتجنب على ترابه ارتكاب الأخطاء السابق ذكرها .

المصدر     موقع الحوار المتمدن


في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...