الثلاثاء، 16 أبريل 2024

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس



ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس: 

الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التيار ابن باديس لانه في نظرهم  بنى نظرته للهوية الجزائرية علي اللغة العربية والاسلام فقط, وغالبا ما يستحضر بيته  الشعري ( شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب) كحجة  للتأكيد علي أن ابن باديس ألغى البعد الأمازيغي من الهوية الجزائرية.
 يسقط هذا التيار صراعات اليوم حول الهوية على سياق الاربعينات من القرن الماضي.

حين قال ابن باديس ذلك البيت الشعري, فإنه يضع العروبة والاسلام مقابل اللغة الفرنسية والمسيحية( المسيحية ليس كديانة, بل كهوية فرنسية استعمارية), وليس كخصم للأمازيغية.., ثم ان السياق الذي قال فيه ذلك, لم يكن الموضوع الأمازيغي مطروحا بعد, وكان الامازيغ اصلا يعرفون انفسهم على  أنهم مسلمون جزائريون بثقافة عربية امازيغية, أو أن الوعي بموضوع الهوية الامازيغية لم يكن موجودا أصلا ...كما أن  رفضهم لقانون  للظهير البربري ( 1931) في المغرب دليل على تمسكهم بالهوية الاسلامية العربية ورفض اعادة تعريفهم بشكل يفصلهم عن العروبة والاسلام

ميز ابن باديس بين الجنسية السياسية والجنسية الوطنية, كما أنه رحب بإلغاء الخلافة من قبل كمال اتاتورك...كان ابن باديس علمانيا بالفهموم الحديث للكلمة, و اكثر انفتاحا من لائكيي اليوم, وسمح له تمييزه بين الجنسية السياسية والجنسية القومية  للتأسيس لامكانية تعايش ديانات مختلفة داخل الدولة الواحدة ( بالطبع لم يكن ذلك ممكنا لأن فرنسا في الجزائر كان نظاما استعماريا وليست دولة, وهذا ما أدى الي إلتحاق الجمعية بالاستقلاليين بطلب من عبان رمضان)

اما التيار الثاني, فموقفه السلبي من ابن باديس مرتبط بموقف جمعية العلماء من الاستعمار.جزء كبير من هذا التيار يتشكل من التيار الأول, وجزء آخر, يحمل قناعات ايديدلوجية تصطدم مع التيار الاسلاموي, ويؤمن بالتعدد وحرية الاختلاف....

يعتقد هذا التيار ان أداء الجمعية خلال مسار الحركة الوطنية كان سلبيا , وهذا بسبب "الموقف المهادن" من الاستعمار كما يقولون. لايتردد البعض في سل افتتاحية البصائر  كل مرة لإدانة الجمعية ورميها بتهمة الخيانة...

هنا أيضا يجب أن نؤكد أن جمعية العلماء كان موقفها متدرج من الاستعمار, وفضلت أن  تأتي الى الاستقلال عبر المطالب الثقافية الهوياتية, تماما مثلما فعل الاصلاحيين,( udma فرحات عباس,) الذين وصل بهم الطريق الي الانخراط في الجبهة  من خلال المطالبة بإلغاء القوانين الاستثنائية في حق الحزائريين. 

في الحقيقة, سواءا أتينا عبر طريق المطالب الهوياتية, أو طريق المطالب السياسية, فسينتهي الأمر الي الاصطدام بالمنطق الاستعماري الرافض للمساواة السياسية وللحقوق الهوياتية, وهذا هو منطق الاستعمار بحكم تعريفه. إنه قائم علي اللامساواة وعلى التمييز الهوياتي( الأبارتهايد).

بالاضافة.الى  أن الجمعية ساهمت في تعليم الجزائريين , فهي أيضا انتهى بها الأمر الى الالتحاق بالاستقلاليين بشكل رسمي  سنة 1956( بطاب من عبان رمضان), وهذا تطور طبيعي لكل مناضل نزيه, بغض النظر عن الوسائل والطريق التي يسلكها.

لا يمكن للجزائريين ان يكونوا بنفس مستوي الوعي الثوري, ولا بنفس التصور لوسائل الكفاح, ولا نفس التصور لمستقبل الدولة. 

العمال والكادحون لم يكن لهم ما يخسرونه, ومنذ البداية شكلوا قاعدة ثورية لحزب الشعب. 
الطبقة الوسطى المتعلمة في المدارس الفرنسية كانت تعتقد أنه بإمكان الانطلاق من المطالبة بالمساواة السياسية, وحين خاب ضنها بعد بلوم فيولت , ثم مجازر 8 ماي , بدأت تلتحق بالراديكاليين في حزب الشعب. 

الثقافيون, بطبعهم يميلون الى الهدوء والنصح و الارشاد والدعوة والتركيز علي القيم والدين والهوية, واستثمروا في التعليم والارشاد الديني, وكانوا في الحقيقة امتدادا للحركة الاصلاحية العربية...انطلقوا من موضوع الهوية وانتهى بهم الأمر في حضن الراديكاليين, لانهم ادركوا أن لكل أمة سياسية هوية قومية خاصة بها, وأن فرنسا اليعقوبية لن تتنازل للجزائريين عن حقوق هوياتية قد تتطور الي المطالبة بحقوق سياسية قومية. 

مشكلة ابن باديس, ان العروبيين والاسلامويين هم استغلوه بصورة بشعة لاقصاء الابعاد الامازيغية من الهوية الوطنية بعد الاستقلال, وهم من يتحمل مسؤولية ذلك, وابن باديس بريئ منهم.

أما البربريست المتطرفون, , فهم أيضا انطلقوا من المطالب الهوياتية كطريق للنضال السياسي بعد الاستقلال , وانتهى الامر ببعضهم إلى المطالبة بالانفصال , والدولة الوطنية تصدت لهم, تماما مثلما فعلت فرنسا مع مطالب ابن باديس الهوياتية, مع التأكيد علي  الفرق بين فرنسا الاستعمارية التي كانت تريد الحفاظ علي الهيمنة الاستعمارية  وموقف الدولة الوطنية من الانفصاليين الذي كان يهدف الي الحفاظ على الوحدة الوطنية.

التنوع في  أساليب النضال خلال الحركة الوطنية يعكس التنوع السوسيولوجي في المجتمع, وكل ساهم انطلاقا من وضعه الاجتماعي ووعيه المنبثق منه في استعادة الاستقلال وتأسيس الدولة الجزائرية. 

الخونة معروفون, وهم أولئك الذين رفعوا السلاح في وجه جبهة التحرير الوطني, وفي وجه الجزائريين خلال حرب التحرير, وبقوا على موقفهم الي غاية نهاية الثورة. 

أما من كانت لهم تصورات مختلفة, ثم تطورت لتذوب في جبهة التحرير فهم كلهم أبطال, ورموز للأمة الجزائرية, نفتخر بهم ويشكلون مرجعية لهويتنا وتاريخنا ودولتنا الفتية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...