تاريخيا كان العيد مع الأنبياء فرصة لزرع الفرح في الهامش ومناسبة لإعادة توزيع بعض الثروة في العالم القديم، هكذا إذن قام المسيح الذي عُرف بتمرده على سُلطة الكهنة بحركة تصحيحة تمنح بُعدا وجوديا لقربان الصدقة حين جعلها تُصرَف حصراً لصالح الفقراء بعدما كان العُشور اليهودي يُخصَّص للكهنة وللمحارق ولا يُصرف منه للفقراء إلا النزر اليسير. ثم أبدع الإسلام مفهوم الزكاة لإعادة توزيع بعض من الثروة ( هناك من أسلم في عهد النبي عندما أدرك أن توزيع الثروة هو مبدأ جوهري في الإسلام كحال الرجل الذي دخل على النبي وهو بالمسجد وسأله : أنشدك بالله، آ اللهُ أمرَك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنياءنا فتقسمها على فقراءنا ؟ وإذ أكد النبي له سؤاله، قال: آمنت بما جئت به وأنا رسولُ مَن ورائي مِن قومي ... ) ، كما منح الإسلام مفهوم القربان والصدقة بُعدا تعويضيا إلى جانب بعده التطهيري، ذلك أن الشعيرة في الفترة التأسيسية للأديان التوحيدية لم تكن هدفا في ذاتها بل كانت كالمجاز الذي هو قنطرة الحقيقة.
هكذا إذن كان فقراء المسيحيين والمسلمين - على سبيل المثال لا الحصر - ينتظرون عيد المظال أو السكوت وعيدَي الفطر والأضحى بفارغ الصبر لأنها فرص تعويضية لهم وتطهيرية لإخوانهم الأغنياء. الآن أصبح الفقراء يخشَوْن اقتراب موعد الأعياد الدينية لأنها أصبحت تثقل كاهلهم أكثر فأكثر، ليس فقط بسبب تأثر الدين بقيم اجتماعية طارئة عليه، ولا بسبب فصل المقال فيما بين الرمز ( الطقوس ) والمرموز ( الايمان ) من اتصال، ولا أيضا بسبب أن الفكرة قد تؤدي دورا ما في فترة معينة و نقيض ذلك الدور في فترة لاحقة كما يُعلّمنا تاريخ الأفكار ؛ ولكن لأن مشكلة الدين أنَّه كما يؤثِّر في التاريخ فإنه يتأثر به، ومن ثمَّ فنُسخته التي ترعاها الأنظمة الاستبدادية التي تغيب فيها العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص- بما فيها فرصة التعليم والتوعية- تحوّله إلى عبء آخر. والنتيجة هي أن الدين في حالة الاستبداد هو بدوره استبدادي - بتعبير مونتسكيو -، إنه خوفٌ مضافٌ إلى خوف .
لكن من جهة أخرى فإن هذا الخوف من اقتراب العيد قد يزول تدريجيا ليس بسبب زيادة الوعي لدى عامة الناس بمعاني الدين وترتيبات التدين، ولا بسبب تدخل حكومي يجعل الأضحية في متناول الفقراء، بل لأن هؤلاء وقد تقطّعت بهم أسباب الحصول على ثمن الأضحية سيجدون أنفسهم مضطرين لترك هذه الشعيرة بسبب أن خروف الدولة الاجتماعية والقوة الإقليمية والمخطط الأخضر والفانيدي وما يتبعها من شعارات الجدية والحكامة وكل محاولات تغيير الواقع باللغة/اللغو
أصبح خروفا له باااااااااااع طويل لا تقدر عليه الطبقة المستضعفة ، وهنا سيحدث بالتدريج تطبيع مع ترك هذه الشعيرة و نزع لقداستها -المبالغ فيها- في المخيال الشعبي. وإن كان ثمة من يقف خلف هذا الأمر فطبعا فليس هدفه عقلنة مجتمع القاع وإنما هدفه محاولة القضاء على أي فرصة ولو حولية " من الحول وليس الحولي " تذكر الفرد بأنه ينتمي معنويا وروحيا لجماعة عابرة للحدود ويتقاسم معها أجمل شيء يتمناه الفرد وهو الفرح، وطبعا فهذا الرأي لا ينطبق على مناسبة هذا العام التي تقتضي أن يكون العيد مناسبة للتضامن لا للفرح . وإن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين.