في المشهد الاجتماعي الجزائري، لا شيء يجلب التعاطف والتمجيد أكثر من شاب يقول: "ربي يخليلي ميمتي (ma mère)". عبارة جاهزة، محفوظة، تُستخدم بكثرة في مواقع التواصل الاجتماعي وحتى في الجلسات العائلية، لتُظهر نموذجًا مثاليًا للابن البارّ، لكنها في كثير من الأحيان ليست سوى قناع اجتماعي (masque social) يخفي وراءه علاقة مختلّة، لا تقوم على العناية والرعاية بل على الاستغلال والاتكالية (dépendance infantile).
العديد من هؤلاء الشباب الذين يتغنون بـ"حب الأم" هم أنفسهم من يسهرون حتى ساعات متأخرة، ثم يعودون للبيت يوقظون الأم لتحضير العشاء أو طهي "الكسرة"، وكأن الأم آلة خدمية (machine domestique) لا تتعب ولا تشتكي. وهو لا يتردد في أن يقول: "لا توجد امرأة في العالم تتحملني مثل أمي". وهذا صحيح بشكل مأساوي، لأنه فعلاً لا توجد امرأة تقبل بحماقاته اليومية، ولا بهذا المستوى من الأنانية والطفولية (immaturité affective).
هذا "الحب" لا يظهر في الواقع العملي: فكم من أم تشتكي من أمراض مزمنة، لكنه لا يصحبها إلى الطبيب، لا يكلّف نفسه بعلاج أسنانها أو حتى بنزهة تُخفف عنها وحدة البيت وثقل السنين. إن ما يسميه البعض "حبًا للأم" ليس سوى نوع من الرأسمال الرمزي (capital symbolique) يوظفه الشاب أمام مجتمعه لتلميع صورته، وليس تعبيرًا حقيقيًا عن علاقة إنسانية متوازنة.
في حفلات الزواج مثلًا، نراه يركع أمام أمه، يقبّل رجليها أمام زوجته المستقبلية، ويقول: "أمي هي الأصل"، في مشهد استعراضي أشبه بمسرحية رومانسية رخيصة (drame sentimental). لكنه في اليوم التالي قد يتركها وحيدة، لا يسأل عنها، ولا يفتح لها باب العيادة، لأنه ببساطة يحب أن يُرى وهو يبرّ بها، لا أن يعيش فعل البرّ.
المشكل الحقيقي أعمق: الشاب الجزائري لا يريد أن ينفصل عن أسرته، لأنه يجد فيها ملاذًا من المسؤولية، وامتدادًا لحياة دون نضج. فبيت الأم هو الفندق (hôtel maternel) الذي يعود إليه محمّلًا بالتعب والأنانية، دون أي مقابل فعلي. وبهذا المعنى، تتحول الأم إلى "حاضنة للطفولة الدائمة" وليس إلى رمز للحنان فقط.
الحب الحقيقي للأم ليس في الأقوال ولا في الصور التي تُنشر على "فيسبوك" يوم عيدها، بل في احترام جسدها، صحتها، حريتها، وفي أن يعي هذا الابن أن الأم ليست امتدادًا له، بل كائن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق