الأحد، 10 أبريل 2016

اللغة والثقافة .... بقلم قاسم حسن محاجنة




أجدُ نفسي أحياناً مُنساقاً إلى "التصرف" على فطرتي العربية التقليدية، وتحديداً حينما يُغضبني أحدهم، يغدر بي، يغشني أو يستغفلني، أجدُ نفسي مُوجهاً سهام غضبي الى أُم أو أُخت ذلك الوغد ،شاتماً إياهما أو إحداهما بأقذع الشتائم المتداولة والدارجة ، ناعتاً اياهن "بالشرموطات" أو "القحاب"، وبذاءات أُخرى لا أُريدُ أن ألوث مسامعكم بها .والشتيمة الأكثر تداولاً في قاموسي ،هي "إبن شرموطة" .. لكنني وبعد أن أهدأ، أُعاتبُ نفسي وألومها على هذا البغي بحق إنسانة لم تُسيءْ إلّيّ في حياتها.. وللتنويه فأنا مُقلٌّ في الغضب وفي الشتيمة أيضاً، إلّا فيما ندر.لكن ، لمَ ننشغل بالأُم ونترك إبنها ؟ هل لأننا "نؤمن" بأن هذا الوغد أو ذاك ، ستردعه شتيمتنا لأُمه ، أُخته أو زوجته؟! وهل إهانة الآخر وتحديداً الأُنثى (الأم ، الأُخت ، الزوجة)، فيها إهانةٌ للوغد بطريقة أُخرى؟! عِلماً بأنني لم أسمع شتيمة جنسية تخص الذكور، إلّا في حالة واحدة فقط ، تُعنى بالميل الجنسي للذكر المشتوم بشتيمة "يا هومو" ، أي يا مثلي الجنس ..!!مثلنا العامي يُقرر بأن "الولد العاطل (السيء) بجيب لأهله المسبية (الشتيمة)".. فهل هذا ما يحدث، أم أن للأمر جذور ثقافية أعمق ؟!لكن قبلاً أود أن أُشيرَ الى أن اللغات التي أعرفها، كالعبرية ،الإنجليزية والسلوفاكية ، كلها تشترك مع العربية في تخصيص الأُم بالشتيمة نيابة عن إبنها.. بل أشهر شتيمة في ملاعب كرة القدم الإسرائيلية هي الشتيمة التي يتلقاها حكم المباراة ، والقائلة "الحكم ابن زانية" ، يرددها المتفرجون وتحديداُ من أنصار الفريق الخاسر.أعتقد، بأن المجتمع الذكوري ، والذي يتعامل مع الأُنثى على أنها وعاء تفريغ جنسي ، يُقدسه ويزدريه في آن واحد، يرى في الجنس ضالته ومتعته، ومع ذلك يُشهّر بهذه الأنثى التي شاركته فراشه أي فراش الذكر ، وليس ذكراً محدداً بالضرورة .. فكل أنثى شاركت آخرين الفراش هي "شرموطة" بالضرورة ، لأن "وجود" ذكور آخرين ، غير "هذا" الذكر، يُفقده إمتيازه وخصوصيته. وإلّا كيف نُفسّر "تدافع" الذكور على شراء الخدمات الجنسية من البائعات المختصات بذلك ..؟ فلو كان يحتقرها لما لجأ إليها باحثاً عن متعة مدفوعة الثمن (لكنه يحترمها ويحتقرها في نفس الوقت). لئلا يتوقف عن احترام نفسه ..!!كل أمهاتنا مارسنَ الجنس مع شريك واحد على الأقل، وأنجبننا، لكنهن غير مذنبات لأن أبنائهن أصبحوا أوغاداً، فليست مسؤولية وغدنة الإبن من نصيب الأم ، بل هي بالأساس ناتجةٌ من التنشئة الاجتماعية ،الثقافية والتربوية والتي يقوم عليها وكلاء المجتمع ، والعائلة واحد من هؤلاء الوكلاء. ولا ننسى الوضع الإقتصادي وظروف الفقر والقهر .لكن ما مناسبة هذا الكلام الآن؟ لأنني قرأتُ مقالاً لزميل عزيز على صفحات الحوار ، يتعرض للاضطهاد والملاحقة، وأنا أتعاطف معه ، لم يجد ما "يفش خلقه" به سوى توجيه الشتائم لأمهات المجرمين ... أعتقد بأن الأولى بالشتيمة هو المجتمع الذي يسكتُ عن ظلم وعدوان هؤلاء الظلمة ..


المصدر  موقع الحوار المتمدن  http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=512825

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...