الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

هل يدخل الإنسان الجنة بالعمل أو برحمة الله ولو لم يعمل؟ ..... بقلم الباحث ابن قرناس

هناك أحاديث كثيرة متنوعة - بعضها على شكل قصص - تظهر أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله، ولكن الناس يدخلون الجنة برحمة الله سواء كانوا قد آمنوا وعملوا الصالحات وابتعدوا عن الكبائر، أو كانوا عصاة يستحقون النار.
وكل هذه الأحاديث لا قيمة لها، لأنه لا يمكن أن يكون الرسول قالها. وأن من اختلقها تخيل أن الله حاكم متسلط وليس خالق عادل. والفرق أن الحاكم المتسلط يدير شئون من تحته بمزاجه دون رقيب أو حسيب. أما الخالق فعدله مثالي مطلق. فهو خلق الكون وما فيه وسيره بقوانين ثابتة لا تخضع لعواطف ولا مزاج. وأودع فيه كل النعم الباطنة والظاهرة لمخلوقاته قبل أن يخلقهم: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ...(20) لقمان.
وهذه النعم لا حدود لها ولم يوفرها مقابل أن يطيعه الناس، ولكنه سبحانه وفرها رحمة منه وتفضل.
ثم خلقهم وعقد معهم ميثاقاً: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) المائدة.
وهذا الميثاق يتضمن طاعة أوامر الله والانتهاء عن نواهيه مع الإيمان مقابل أن يحصلوا على الجنة: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) النساء.
فدخول الجنة سيكون مقابل تقيد الإنسان بالميثاق الذي وقعه مع الله، وجعل للإنسان كامل الاختيار الشخصي لتحديد مصيره بنفسه.
وبين سبحانه للمخلوقات ما يجب عليهم لدخول الجنة فمن اتبعه فله الجنة ومن خالفه فله النار ولن يتدخل سبحانه في تحديد مصيرهم مثلما أنه لم يتدخل في اختياراتهم. فرحمة الله سبقت خلق المخلوقات وكانت بلا مقابل. أما الجنة فدخولها مقابل الإيمان والعمل الصالح كما يقول تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) لقمان.
فالجزاء بجنة أو نار نتيجة للعمل الصادر من الإنسان بحريته وخياره: َ
الْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54) يس.
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{19} السجدة.
لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) الأنعام.
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة.
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) السجدة.
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14) الأحقاف.
إذا، الإنسان بعمله دخل الجنة وبعمله دخل النار:
فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) النازعات.
وهذا هو القانون الإلهي الثابت الذي لا يخضع للعواطف وتغير المزاج، إيمان وعمل صالح يساوي الجنة:
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{28} هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{29} فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ{30} وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ{31} الجاثية.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) يونس.
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{42} الزمر.
مثلما أن النار نتيجة لنقض العهد مع الله والكفر أو عدم القيام بالأعمال الصالحة:
وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة.
وسيكون هناك حساب دقيق بناء على ما قام به الإنسان وعليه يتحدد مصيره لجنة أو نار:
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الأنبياء.
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) الحج.
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) المؤمنون.
ولن يكون هناك لقاء مع الله ولن يكون هناك توسلات ولن يدخل الله أحدا الجنة وهو ظالم لنفسه مقصر في واجباته أو كافر. كما أنه سبحانه لن يحرم أحدا من الجنة وهو مستحق لها:
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ{34} أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ{35} القلم.
ولو أدخل مستحق النار الجنة أو أدخل مستحق الجنة النار فهذا مناقض لعدل الله المثالي المطلق ولكانت تصرفات الخالق تخضع للعواطف وتقلب المزاج (تعالى الله وتبارك عن ذلك علوا كبيرا).
ولذا فلا يمكن أن يساوي الله بينهم: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ{28} ص.
أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ{21} الجاثية.
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{40} فصلت.
فالإنسان بعمله وإيمانه سيدخل النار أو الجنة. أما رحمة الله فقد وسعت كل المخلوقات كافرهم ومؤمنهم في الدنيا بما وفره الله من نعم ظاهرة وباطنة ،،، ويوم القيامة لا مجال فيه لرحمة ولا استعطاف.
قد يقول جاهل: ولكن هناك آيات تقول إن الله يدخل من يشاء في رحمته ويعذب من يشاء.
ونقول نعم هناك آية تقول: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{40} المائدة.
وآيات كثيرة مماثلة.
إلا أن المشيئة في الآيات تعني أنه لولا مشيئة الله لما وجدت جنة ولا نار. ولولا مشيئة الله لما بعث الناس وحوسبوا ودخل بعضهم الجنة والنار .. فكل شيء لا يتم إلا بمشيئة الله، ولا شيء يجري جار مشيئته سبحانه. مثل قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108) هود.
فلولا مشيئة الله لما كانوا خالدين فيها أبدا، ولا تعني أن أهل الجنة لن يخلدوا في الجنة وأهل النار لن يخلدوا في النار.
الخلاصة: أن كتب التراث عندما تقول: "لن يدخل أحد الجنة بعمله ولكن برحمة الله" فهي تثبط الناس وتخدرهم وتضلهم، وكأنها تقول: لا تتقيدوا بأوامر الدين ونواهيه، فمهما فعلتم لن تؤهلكم أعمالكم للجنة. وعليكم بالدعاء والتوسل لله فقد يستجيب لكم ويدخلكم الجنة بدون عمل.
أما القرآن فيقول: كل إنسان يملك تقرير مصيره بيده: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) فصلت.
ولو دخلت النار فذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ.
والسلام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...