السبت، 6 أبريل 2024

بين هيجل وابن خلدون ... بقلم .. عماد الدين زناف

بين هيجل وبن خلدون؛
معنى التاريخ، في الفلسفة الهيجيلية والخلدونية! 

عندما نقرأ التاريخ من مصادره المتعددة، نكتشف شيئاً فشيء بأن للتاريخ حركتين واضحتين، الأولى هي التغيّر، دون أن نحدّد إن كان ذلك تغيّراً جيّداً أو سيّئاً، ذلكَ أن التاريخ كعلم لا يخضع للنظرة الأخلاقيّة، ولا نقولبشكل قاطع بأن التغيّر هو نفسه التطوّر، إذ يعني ذلك أننا أخذنا انحيازاً في نظرتنا للتاريخ. ورغم أن التطوّر في ذاته لا يعني تطوّراً إيجابيا، لكن ومع ذلك، يُعتبر مصطلح التطوّر انحيازاً معرفياً يستبق قراءة التاريخ بعين الحياد. التأريخ عمليّة حسّاسة ومُعقّدة، كذلك النظرة إلى التاريخ تعتبر عملية صعبة ومُعقّدة، وأعقد ما فيها أن يتجرّد الدارس من كل عواطفه ليتقبّل الحقائق بعدَ جمعِ المصادر.  بالنسبة للفيلسوف الألماني هيجل، التاريخ خاضع لتسلسل زمني، ولا يمكن بأيّ حال أن نحكم على تاريخٍ مُعيّن من منطلق تاريخ آخر بعده، في ظروف وإمكانيات أخرى، حيث يقول إن ذلك التحوّل والانتقال التصاعدي التاريخي يجب أت يبدأ من نقطة دُنيا ويتصاعد، فهذا هو السبيل الوحيد الذي يعطي للتاريخ معنى ووجهة ومُستقرّ، إذ لا يُفكّر الصّبي كالبالغ والكهل، والتفكير هُنا، ليس هو الذكاء والفطنة، إنّما التفكير على أسس التجارب، حيث يمكن للقوي أن يتحدّث عن مرض ما، لكنّه لم يخبَر ذلك المرض، والفرق بينهما واسع.    إن المنطق الكوني كلّه مبني على التصاعدؤ في صور النمو، من البذرة الدقيقة، إلى الشجرة الفارعة. لأن عيش الطفولة والمراهقة والشباب كاملةً جزءٌ لا يتجزّأ من البلوغ والرّشد، وأن الطفل الذي لم يعش المرحليّة سيعرف اضطراباً في زمن لاحق. 

إن فلسفة التاريخ قبل أن يتحدّث عنها هيجل بعين التطوّر المتأثّر "بالصبى والبلوغ التاريخي"، درسها ابنُ خلدون بشكل منطقي استقرائي قبل ذلك، ومن تلكَ القراءة، علمَ ابن خلدون أن نهاية التاريخ ستكُرّر بدايته، وقال بأنها حلقة مُغلقة، أي، الانطلاق من الأوقات الصعبة، التي تصنعُ رجالاً أشداء وحكماء، بدورهم يعيدون الحضارة إلى أوجها، ومن ثم يعم الرخاء، فيأتي الفساد ثم التقهقر، والذي بدوره يصنع الأوقات الصعبة، التي تصنعُ الأشداء والحكماء.. 

لكن لفريدريش هيجل نظرة أخرى، حيثُ يقول إن الحضارة لا تكفأ عن النمو والنضج، ومن ذكاء الفيلسوف أنه قال بأن ذلك النمو ليس هو الكمال، بل النمور الذي يأتي بعده أنضج، وهو منطق التاريخ في النضج المستمر، فإذا قلنا إننا نعيش أوقاتاً صعبة، فهيجل سيقول أن التاريخ لا يزال يتقدّم، وليس هي مرحلة السقوط، بل كله تقدم.

المُلك، أساس التاريخ؟
في زمن الحضارة البابلية والفرعونية، لم يكن من المعقول أن يتم الحديث عن الشورى والانتخابات، عن تصويت الشعب من أجل القرارات الهامة، فقد كان زمنا يتطلّب التملّك وفرض الأحكام، حتى أننا لاحظنا في القرآن أن الله عز وجل لم يطلب من موسى خلع الفرعون وتأسيس حكم شورى، بل أن يدعوه للإيمان به، أو أن يأخذ بني إسرائيل وأن يغادر مصر فحسب، لا خلع النظام الملكي.
 فأي عملية سياسية لتغيير نظام الحكم في ذلك الزمن،  لم تكن لتُفهم من الطرفين: الملك والعبد. 

الجمهوريات، مِحور تاريخي؟
تغيّر الحال عندما نقَلَ اليونانيون الفكر المصري إلى أرضهم، بحيث دمج الأسلوب المصري مع الفكر الجديد القائم على بناء الدولة المدينة، بنظام جمهوري شبه ملكي يُتيح للناس بعض الممثلين عنهم (برلماناً، بارل parle أي حديث) لينقلوا مشاغلهم، فقد انتقل الحال من الديكتاتورية إلى بوادر التواصل بين الحاكم والمحكوم.

حُكم الأقليات، تطوّر تاريخي؟ 
حكم المجموعات، ما يُسمى "أوليغارشيا" عرفَ تنقّلاً أيضا من مرحلة إلى أخرى، أي هناك عوائل تسيّر وتملك بلداً أو مملكةً، وقد تتيح الحكم لأشخاص آخرين هي تختارهم، بنظام التداول. 

الديموقراطية، قِمّة التاريخ؟
إذا مررنا مروراً مسحيا سريعا عن التاريخ، نرى بأن الديموقراطية هي آخر ما توصّل إليه الإنسان، فقد اتاحت هذه العملية الحرية المطلقة للإنسان في كل المجالات، من رأس النظام إلى آخر عامل.

ما بعد الديموقراطية، عودة إلى النظام الفرعوني أو تاريخ جديد؟ 
إذا ما نظرنا إلى التاريخ، سنشاهد أننا إمـا مع النظرة الخَلدونية للتاريخ، أي أن تُغلق الحلقة ونعود شيئاً فشيء لنفس المنطق البُنيوي التاريخي الذي ذكرته، أو، مع النظرة الهيجيلية للتاريخ، أي أن ننتظر بزوغ نجم نظام جديد، يتماشى وتطور المجتمعات وعقلياتهم.، نظام جديد أو هجين من كل تلك التي سبقته.

طبعا، الأنظمة السياسية متعددة، من البرلماني للرئاسي، للشبه رئاسي للملكي، لكن هناك دائما فلسفة سياسية تحكم الزمن. 

نقرأ يمينا وشمالاً أن في الماضي كان وكانَ، تي "قهر واستبداد وتعصّب وجهل" أو "طيبة ومحبة وعطف ونية وتآزر" ، سواءً كان سلباً أو إيجاباً، فنحن صرنا نعلم الآن أن "معنى التاريخ" قد شرح لنا بأن الأمور تنضج أو تتغير تصاعدياً، من النظرتين، الخلدونية والهيجلية، لكن مُستقرّ التاريخ، أين سينتهي، هو نقطة الاستفهام بينهما. 

وفي الأخير، تتفق الفلسفتان في أن الرجال هم من يقودون التاريخ، وأن التاريخ يعرف تحوّلاً بإرادة الرجال، فمن وجهة نظر هيجل، نابليون أعظم من كريستوف كولومبوس، ذلك أن الأول كان يعلم ما يريده، فقدّ سطّر التاريخ بنفسه، أما الثاني فقد ترك التاريخَ يختارُ له ما يُريد.   ولقد رأينا ان لابن خلدون نفس المفهوم، فالرجال هُم من يوقفون الأوقات الصعاب "بالقرار" وليس الانصياع للزمن والتاريخ والمجرى الواقعي، أي أن مُنعرج التاريخ يأتي إرادةً، فإذا أردت تغيير التاريخ، فغيّره، ذلكَ أن التاريخ لا يتغيّر لوحده، وأن معنى التاريخ لن يكون دون هؤلاء الذين كتبوا له معانٍ جديدة.

#عمادالدين_زناف   مقال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...