أطول تعديل حكومي في تاريخ الجزائر المستقلة
الجزء السابع
ميلاد حكومة بعد مخاض عسير
"حشيتلي ركايبي يا سي احمد"
الرئيس بومدين للدكتور أحمد طالب الإبراهيمي - أبريل 1977.
بعد أن ضبط الرئيس بومدين أموره مع وزير خارجيته، قال لعبد المجيد علاهم وللدكتور أمير، اللذين كانا حاضرين في اللقاء الذي جمع الرئيس بوزير الخارجية: "نحن الآن في ورطة، بوتفليقة رفض التنازل عن الخارجية، ورفض تعيين كاتب دولة للشؤون العربية والإفريقية، واتفقت معه على تعيين رضا مالك وزيرا للإعلام والثقافة، فكيف سأعمل مع الدكتور أحمد طالب الذي مازلت في أمسّ الحاجة إليه، لا يمكنني تعيينه وزيرا للخارجية، ولا كاتب دولة لدى رئيس الجمهورية مكلف بالشؤون العربية والإفريقية، كما لا يمكن إبقاءه في منصبه، بعد أن اخترت رضا مالك لهذا المنصب، فما هو الحل؟".
اقترح الدكتور أمير على الرئيس بومدين، أن يختار له وزارة تليق به، من ضمن الوزارات التي لا تزال شاغرة، فاستثنى الرئيس بومدين وزارة البناء والسكن، لأنها وزارة جديدة وتحتاج لمختص في هذا المجال، وقد اختار لها المدير العام للمديرية الوطنية للبناء (DNC/ANP) عبد المجيد أوشيش (1)، كما استثنى وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية التي قرر إسنادها لمحمد زرقيني (2)، واستثنى أيضا وزارة المالية لأنها لا تليق بالدكتور أحمد طالب الميّال للعمل الثقافي والإعلامي والتربوي والعلاقات الخارجية، فبقيت أمامه وزارتان فقط هما العدل والسياحة، بينما ذكره عبد المجيد علاهم أن محمد الصديق بن يحيى لا يزال في قائمة الانتظار، ولم يفصل الرئيس في الوزارة التي سيسندها إليه.
فكر الرئيس بومدين قليلا ثم قال: سأقترح على أحمد طالب وزارة العدل، فإن لم قبلها أسندت وزارة السياحة، فأردف علاهم قائلا: وماذا لو رفض العدل والسياحة؟ فقال بومدين: إذا رفض الوزارتين فنحن فعلا أمام مشكلة حقيقية (قالها بالفرنسية: Alors là nous sommes vraiment devant un vrai problème).
في الأسبوع الأول من شهر أبريل 1977، استقبل الرئيس بومدين العقيد محمد زرقيني الذي كان يشغل منصب مفتش عام للجيش الوطني الشعبي، وأبلغه أنه قرر تعيينه وزيرا للبريد والمواصلات، وشكره على تفانيه في عمله خلال المدة التي قضاها ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي من 1962 إلى 1977، فما كان من زرقيني إلا أن قبل عرض الرئيس بومدين، الذي أنهى النقاش سريعا، ولم يعطي لمحاوره أي فرصة لمناقشة مسألة تعيينه في المنصب الجديد، وإخراجه من الخدمة العسكرية (3).
بعد محمد زرقيني، استقبل الرئيس بومدين عبد المجيد أوشيش المدير العام للمديرية الوطنية للبناء (DNC/ANP)، وهي مصلحة ضخمة تابعة للجيش الوطني الشعبي، استطاع أوشيش بفضل قوة شخصيته وتفانيه في العمل، أن يجعل منها شركة عملاقة تضم 50 ألف عامل، وتنشط في ميدان البناء والتعمير والأشغال العمومية، ومن بين أكبر إنجازات هذه الشركة، شق طريق الوحدة الإفريقية الممتد من الجزائر العاصمة إلى تمنراست ثم مالي والنيجر (4)، وقد اختاره الرئيس بومدين لتولي حقيبة البناء والسكن، لسببين:
أولهما: تزايد الطلب على السكن الاجتماعي، نتيجة جملة من الأسباب لعل أهمها الارتفاع الكبير لعدد سكان الجزائر، فخلال 15 سنة من الاستقلال ارتفع عدد السكان من 9 ملايين عام 1962 إلى 16 مليون عام 1977، مما تسبب في ارتفاع حجم الطلب على السكن، ومنها ظهور أزمة سكن لم تحسب الحكومة لها أي حساب (5).
ثانيهما: أن أوشيش كان لديه من الخبرة وقوة العزيمة ما يجعله أفضل اختيار للإشراف على مخطط عمل الحكومة الخاص بتدارك النقص الفادح في مجال السكن من جهة، مع استكمال بناء المرافق الاقتصادية والاجتماعية التي كانت الحكومة تعطيها أولوية خاصة في برامج التنمية، منها بناء المدارس والجامعات والمستشفيات والسدود، وتعبيد وشق الطرقات، التي كان يشرف عليها فعليا من خلال منصبه كمدير عام للشركة المذكورة (6).
في 07 أبريل 1977، لم يبق أمام الرئيس إلا تعيين كاتبيْ دولة لدى وزير الفلاحة والثورة الزراعية (7)، ثم أن يجد حلا يرضي الدكتور أحمد طالب، لتكون الحكومة قد تشكلت فعليا، ويمكن إعلان ذلك على الملأ.
استقبل الرئيس بومدين وزيره للفلاحة والثورة الزراعية للمرة الثانية على التوالي، وكرر طلبه له بأن يقدم له مرشحين من محيطه المقرب، لتولي كتابة الدولة للإنتاج الحيواني، وكتابة الدولة للإنتاج النباتي، إلا أن الطيبي العربي أصر على موقفه الرافض لتعيين كتاب دولة حتى ولو كانوا من مقربيه، فقد تعرضت الوزارة - حسبه - لعملية ذبح وتقطيع لا نظير له، فملف السد الخضر سحب منه، واستصلاح الأراضي والبيئة سُحبا أيضا من وزارته، والمراد الآن تحطيم ما بقي من وزارة الفلاحة بتعيين كاتبيْ دولة، حيث لا يبقى له كوزير إلا أن يتجول بين القرى الاشتراكية للاطلاع على أحوال الفلاحين، الذين هم أصلا تابعون للاتحاد العام للفلاحين الجزائريين، وكرر على بومدين أنه إن كان يريد التخلص منه، فما عليه إلا أن يقيله من منصبه، وهو مستعد للذهاب إلى بيته، فقد تعب من تعدد المشاكل وكثرة القيل والقال، وغادر الطيبي العربي مكتب الرئيس دون أن يتفقا على حل يرضي الطرفين (8).
بعد أن انفض اللقاء الساخن بين بومدين والطيبي العربي، طلب الرئيس استدعاء الدكتور أحمد طالب لجسّ نبضه واقتراح وزارة العدل عليه، فاتصل عبد المجيد علاهم بوزير الاعلام والثقافة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، ليبلغه أن الرئيس بومدين في انتظاره يوم السبت 9 أبريل 1977 على الساعة الواحدة ظهرا (9).
في اليوم والساعة المحددين، استقبل الرئيس بومدين، الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي في مكتبه برئاسة مجلس الوزراء (رئاسة الجمهورية حاليا)، وأبلغه أنه ينوي القيام بتعديل وزاري وشيك، واقترح عليه حقيبة العدل.
أخفى الدكتور أحمد طالب خيبة أمله لأن الجزائر كلها كانت تتحدث عن التعديل الحكومي الذي يقوم به الرئيس بومدين سرا، وسط تسريبات كثيرة جدا، متعمدة أحيانا وغير متعمدة أحيانا أخرى، واعتبر تصرف الرئيس معه نوعا من الإستغباء، حين حاول الرئيس أن يوهمه أنه قد بدأ المشاورات قبل 24 ساعة (10).
رد الدكتور الابراهيمي عرض الرئيس بأدب، واعتذر عن قبول منصب وزير العدل بحجة أنه لا يستطيع أن ينام قرير العين إذا ما سجن مواطن بغير حق، أو إذا حكم بالإعدام ظلما على شخص ما؟ واختصر المسافة حين قال للرئيس بومدين: أظن أن الوقت قد حان بعد 12 سنة من العمل الوزاري أن انسحب من العمل الرسمي، وأتفرغ للكتابة والمحاضرات التي ألقيها في المدرسة الوطنية للإدارة (11). بعدها، غادر الدكتور أحمد طالب مكتب الرئيس، الذي طلب منه أن يفكر مليا في العرض الخاص بوزارة العدل.
الحقيقة التي لا غبار عليها، أن الدكتور أحمد طالب كان ينتظر تعيينه وزيرا للخارجية، أو كاتب دولة لدى رئيس الجمهورية مكلف بالشؤون العربية والإفريقية، وفقا للتسريبات التي ملأت الشارع الجزائري حينها، لذلك رفض وزارة العدل، ووضع الرئيس بومدين أمام الأمر الواقع (12).
في 16 أبريل 1977، أجرى الرئيس بومدين التعديل الحكومي الذي كان مقررا أن يعلن عنه بتاريخ 10 مارس 1977، فالحكومة الرابعة للرئيس كانت مستعصية جدا، وولدت بعد مخاض عسير، والغريب الذي لم أجد له جوابا شافيا، هو أن حفل استلام المهام بين الوزراء تم في 17 أبريل 1977، دون أن يتم الإعلان عن ذلك في وسائل الاعلام (13).
في 17 أبريل 1977، بمقر وزارة الاعلام والثقافة، استلم رضا مالك مهامه من الدكتور أحمد طالب، الذي طلبه الرئيس بومدين مباشرة بعد حفل استلام المهام بين الوزيرين، وألح عليه أن يقبل وزارة العدل التي أصر الدكتور أحمد طالب على رفضها، وغادر مكتب الرئيس متجها لمنزله، وأغلق بابه على نفسه ولم يغادر بيته لعدة أيام (14).
من كوارث ذلك التعديل الوزاري، أن مصطفى لشرف لم يستلم مهامه، لأنه فضل الذهاب للمكسيك قصد القيام بإجراءات إنهاء مهامه كسفير هناك، إلا أن غيابه طال أكثر من اللازم، التصرف الذي أغضب بومدين، ليتصل الأمين العام الجديد لرئاسة الجمهورية عبد المجيد علاهم بلشرف قصد حثه على العودة فورا لاستلام مهامه كوزير، لكن لشرف بقي في الميكسيك، ولم يعد للجزائر إلا في 02 مايو 1977، ليشارك في أول اجتماع للحكومة الجديدة، ثم يعود للمكسيك في اليوم الموالي، ولا يرجع للجزائر إلا في بداية شهر جوان 1977؛ بوتفليقة بدوره غادر الجزائر بعد لقائه بالرئيس بومدين، ولم يرجع إلا عندما اتصل به علاهم، ليعلمه بتاريخ أول اجتماع للحكومة الجديدة (03 مايو 1977)، أما بلعيد عبد السلام فقد أُعْلن أنه تولى وزارة الفلاحة والثورة الزراعية، مما أغضب الطيبي العربي، الذي اتجه لوزارته، وقال: باق في منصبي و ليكن ما يكون (15).
بين 17 و24 أبريل 1977، عاش الرئيس بومدين أياما صعبة جدا، حاول خلالها جمع شتات حكومة مهترئة منذ يومها الأول، فوزارتا العدل والسياحة لم يفصل فيهما بعد، والطيبي العربي بقي معارضا لقرار تعيين كاتبيْ دولة تابعين له، ولشرف بقي في المكسيك ولم يستلم مهامه، وانتشرت الشائعات وكثر القيل والقال، مما دفع بالرئيس بومدين للاتصال بصفة شبه يومية بالدكتور أحمد طالب، لحثه على قبول وزارة العدل (16).
وسط ذلك الجو المكهرب والزاخم بالشائعات، كلف الرئيس بومدين مدير الاعلام برئاسة الجمهورية الدكتور محيي الدين عميمور أن يلتحق بوزارة الاعلام والثقافة، يشرف بنفسه على تحرير البيان الأول الخاص بالإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، فحرر الدكتور عميمور رفقة وزير الإعلام والثقافة رضا مالك بيانا باسم رئاسة الجمهورية أذيع بتاريخ 23 أبريل 1977، أعلن فيه عن تعديل وزاري جزئي ضم 17 وزيرا وهم:
1 - عبد العزيز بوتفليقة وزيرا للخارجية (لم يرد اسمه في البيان).
2 - محمد بن أحمد عبد الغني وزيرا للداخلية (لم يرد اسمه في البيان).
3 - أحمد بن شريف وزيرا للري واستصلاح الأراضي وحماية البيئة.
4 - أحمد دراية وزيرا للنقل.
5 - بوعلام بن حمودة وزيرا للأشغال العمومية.
6 - بلعيد عبد السلام وزيرا للصناعات الخفيفة.
7 - محمد السعيد معزوزي وزيرا للمجاهدين.
8 - مصطفى لشرف وزيرا للتربية.
9 - عبد اللطيف رحال وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي.
10 - محمد زرقيني وزيرا للبريد والمواصلات.
11 - محمد أمير بن عيسى وزيرا للعمل والتكوين المهني.
12 - جمال حوحو وزيرا للشبيبة والرياضة.
13 - محمد الياسين وزيرا للصناعات الثقيلة.
14 - سيد احمد غزالي وزيرا للطاقة والصناعات البتروكيماوية.
15- السعيد آيت مسعودان وزيرا للصحة العمومية.
16- رضا مالك وزيرا للإعلام والثقافة.
17 – محمد الصديق بن يحي.
أثار الإعلان الجزئي عن الحكومة الجديدة جدلا واسعا، داخل دواليب السلطة، وحتى على المستوى الشعبي، لتنتشر الشائعات انتشار النار في الهشيم، مما أدخل الرئيس بومدين في حالة من الغضب الشديد، لأنه بدأ يشعر أنه فقد سلطته على أركان حكمه، كما تفطن لأول مرة منذ توليه الحكم عام 1965 لظهور لوبيات قوية جدا تستطيع التأثير في سياسته وحتى في قراراته (17) (18) (19).
من 19 إلى 23 أبريل 1977، زار الدكتور أحمد طالب في بيته كل من، بوعلام بن حمودة، ثم عبد المجيد أوشيش، ثم محمد بن احمد عبد الغني، الذي أوفده الرئيس بومدين إليه، بعد أن اوصاه بأن لا يخبر الدكتور أحمد طالب أنه مكلف من الرئيس للاتصال به، ليطلبوا منه جميعا ويلحوا عليه بقبول منصب وزير العدل، إلا أن الدكتور أحمد طالب أصر على موقفه ورفض الحقيبة المقترحة، لنفس الاسباب التي قدمها للرئيس نفسه.
في 24 أبريل، اتصل عبد المجيد علاهم، بالدكتور أحمد طالب، ليبلغه أن الرئيس في انتظاره على الساعة السادسة مساء، فما كان من الدكتور طالب إلا أن توجه لرئاسة الجمهورية، تماما كما طلب منه علاهم (19).
بمجرد دخوله لرئاسة الجمهورية، سيق الدكتور أحمد طالب على عجل، إلى مكتب الرئيس بومدين، الذي بادره قائلا: سي احمد حشيتلي ركايبي (قطعت ركبي) برفضك للوزارة، ولعلك دون شك ودون أن تدري، قد جعلت الدولة محل سخرية، ذلك أنه لم يحدث أبدا أن طال تعديل وزاري أكثر من أسبوع واحد (20).
سكت الرئيس بومدين قليلا ثم قال: ينبغي أن تتوقف هذه المهزلة حالا واليوم، ولن تخرج من هنا قبل أن نعين وزيرا للعدل، وما دمت أنت والطيبي العربي سببا هذا التعطيل، فالمطلوب منك أن تقترح لي من يستطيع تولي هذا المنصب (21).
في البداية، اقترح الدكتور أحمد طالب أيت شعلال لكن الرئيس بومدين رفضه بشدة، ثم اقترح العقيد الهاشمي هجرس، لكن بومدين قال: إنه لا يزال في حاجة إليه ضمن صفوف الجيش الوطني الشعبي، ثم اقترح عبد المالك بن حبيلس، فقال بومدين: هل تضمن لي نزاهته؟ فكان رد الدكتور أحمد طالب: قطعا على حد علمي (22).
لتجاوز الأزمة والمهزلة، اتصل الرئيس بومدين هاتفيا بعلاهم، وطلب منه استدعاء بن حبيلس فورا، ولما وصل بن حبيلس، طلب الرئيس بومدين من الدكتور أحمد طالب، انتظاره في مكتب علاهم، إلى غاية إنهاء حديثه مع ضيفه. وصل عبد الملك بن حبيلس، الذي استقبله الرئيس بومدين، مختصرا الكلام في بضع جمل: سي عبد المالك ستكون وزيرا للعدل في الحكومة الجديدة، ما هو رأيك؟ رد بن حبيلس أنه مستعد للخدمة في أي منصب يسند له، فصافحه الرئيس بومدين وسرحه على السريع (23).
لم يكد الدكتور أحمد طالب يتبادل عبارات التحية والترحيب مع علاهم، حتى فُتح الباب الفاصل بين مكتب الرئيس ومكتب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، ليظهر الرئيس بومدين ويطلب من الدكتور أحمد طالب أن يلتحق به في مكتبه للمرة الثانية على التوالي، وأخبره أنه عين بن حبيلس وزيرا للعدل، وعرض عليه هذه المرة وزارة السياحة، إلا أن الدكتور أحمد طالب اعتذر بحجة أنه تعب ويريد التفرغ للكتابة والتدريس (24) (25) (26).
هنا أنهى الرئيس بومدين المشكلة قائلا: رفضت العدل، ثم رفضت السياحة، الآن أريدك إلى جانبي سأنشئ خصيصا لك منصب وزير مستشار لرئيس الجمهورية، ولا أريد أي كلمة زائدة لأنك ستكون بالقرب مني، وستعمل بصفة مباشرة معي، خصوصا أنني أعتمد عليك في تسيير ملف الصحراء الغربية الذي سحبته من الخارجية، وصار من اختصاصك على مستوى الرئاسة، فلم يجد الدكتور أحمد طالب بدا من قبول المنصب (26).
بعد خروج الدكتور أحمد طالب الابراهيمي، دخل عبد المجيد علاهم، الذي يعود له الفضل في حل المشكلة التي كان فيها الرئيس بومدين، ففي الليلة التي سبقت استدعاء الدكتور أحمد طالب للقاء الرئيس، ناقش الرئيس وأمينه العام حالة الدكتور الابراهيمي وإصراره على رفض وزارة العدل، فقال علاهم للرئيس بومدين: إن الدكتور أحمد طالب كان يظن أنه سيتولى وزارة الخارجية، وقد تسربت له بكل تأكيد معلومات في هذا الموضوع، لكن أمله خاب بعد أن عرضت عليه وزارة العدل، ولا أظن أنه سيقبل وزارة العدل ولن يقبل وزارة السياحة، فرأيي أن تعينه في منصب سامي بالقرب منك بدرجة وزير، وهنا لن يرفض العرض، لأنك تضعه بجانبك، وتستطيع تكليفه بأي مهمة تراه ينفع فيها، كما أن تعيينه بالقرب منك سيفتح له المجال لتولي ملف الصحراء الغربية، الذي قررت سحبه من الخارجية و تكليفه به، كما يمكن تكليفه بمهام دبلوماسية شتى، دون أن يتضارب ذلك مع صلاحيات وزير الخارجية (27).
أعجب الرئيس بومدين بالفكرة، لكنه أصر على أن يعرض عليه وزارة العدل ثم السياحة، فإذا لم يرض بإحداهما، فلا مجال سوى أن يطبق اقتراح عبد المجيد علاهم، لكن: أي منصب سامي بدرجة وزير؟ فكان رد علاهم: وزير مستشار لرئيس الجمهورية، فنجحت فكرة علاهم ، ورضي بها الدكتور احمد طالب، ثم عين عبد الغني العقبي وزيرا للسياحة بناء على اقتراح من علاهم، و لم يبقى غير قضية كاتبا الدولة لدى وزير الفلاحة، الذي يصر محمد الطيبي العربي على رفضهما، هنا اقترح علاهم على الرئيس أن يدرج المنصبان في مرسوم تشكيل الحكومة، دون تعيين من يتولاهما، في انتظار استرضاء الطيبي العربي الذي سيوضع أمام الأمر الواقع، ويقترح مرشحان له لتولي المنصبان (28).
في 28 أبريل 1977، صدر البيان النهائي لتشكيل الحكومة الجديدة، التي استلم وزراؤها مهامهم منذ 17 أبريل، ليطوي الرئيس بومدين أحد أصعب المراحل التي مر بها، منذ توليه السلطة في 19 جوان 1965، وأمر علاهم باستدعاء الحكومة الجديدة للاجتماع في 03 مايو 1977، إلا أن الرئيس بومدين لم يكن يعلم أنه طوى ملف أصعب تعديل حكومي في تاريخ الجزائر، ليدخل في أزمة توازنات جديدة ستمتد لغاية نهاية سنة 1977 (28) (29).
يتبع
الهوامش:
1- عبد المجيد أوشيش: ضابط سامي في الجيش الوطني الشعبي برتبة عقيد تولى إدارة المديرية الوطنية للبناء التابعة للجيش الوطني الشعبي من 1962 إلى 1977، ثم وزير للسكن والبناء من 1979 إلى 1980 ثم سفير في الأرجنتين من 1980 إلى 1984.
2- محمد زرقيني: ضابط سامي في الجيش الوطني الشعبي برتبة عقيد، تولى مناصب كثيرة ضمن قيادات الجيش منها مفتش عام للجيش الوطني الشعبي.
3- مصدر خاص.
4- طريق الوحدة الإفريقية: مشروع ضخم يبلغ طوله حوالي 5000 كيلومتر ويمر من الجزائر العاصمة إلى تمنراست جنوبا ثم يتفرع نحو ومالي والنيجر وصولا إلى نيجيريا، وهو جزء من مشروع شبكة طرق تربط ستة بلدان أفريقية (الجزائر، مالي، النيجر، التشاد، موريتانيا، نيجيريا) ويهدف المشروع إلى تحقيق التكامل الإقليمي وتعزيز التجارة بين شمال وجنوب الصحراء.
5- كان عدد سكان الجزائر عند استقلاها عام 1962 حوالي 9 ملايين نسمة، ليلتفع هذا العدد إلى 11 مليون عام 1966، ثم 15 مليون عام 1972 فـ17 مليون عام 1977.
6- منذ استقلال الجزائر لغاية 1976، لم تبني السلطات أي شيء باستثناء المؤسسات التربوية والاقتصادية، وكان الخبراء يقولون للرئيس بومدين إن العقارات الشاغرة التي تركتها فرنسا، تغطي الحاجيات الوطنية من السكن لمدة 20 سنة، لكن ابتداء من 1975، بدأت بوادر أزمة السكن تظهر وتشتد، مما دفع بومدين لتغيير سياسته، وعين أوشيش لتدارك العجز في السكن الاجتماعي.
7- كان الرئيس بومدين ينوي تعيين اثناين من مستشاريه في منصب كاتبيْ دولة لدى وزير الفلاحة للإنتاج الحيواني وللإنتاج النباتي، إلا أن محمد الطيبي العربي عارض ذلك القرار بشراسة، مما جعل الرئيس بومدين، يعلق تعيينهما إلى أن توفاه الله.
8- معلومة مستقاة من ثلاث مصادر موثوقة، وأكدها بلعيد عبد السلام والدكتور محيي الدين عميمور.
9- معلومة مستقاة من أربعة مصادر، وأكدها الدكتور أحمد طالب الابراهيمي.
10- نفس المصدر السابق.
11- معلومة مستقاة من مصدر خاص مؤكدة من طرف الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي.
12- معلومة مستقاة من مصدر خاص مؤكدة من طرف الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي.
13- معلومة مستقاة من مصدر خاص.
14- معلومة مستقاة من مصدر خاص مؤكدة من طرف الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي.
15- معلومة مستقاة من مصدر خاص ومؤكدة من طرف الدكتور علي بن محمد.
16- معلومة مستقاة من مصدر خاص.
17- معلومة مستقاة من مصدر خاص مؤكدة من طرف الدكتور محيي الدين عميمور (في شقها الخاص بإرساله من طرف الرئيس بومدين لمراجعة نص البيان الصادر عن وزارة الاعلام والثقافة).
18- معلومة مستقاة من مصدر خاص مؤكدة من طرف بلعيد عبد السلام (في شقها الخاص بظهور اللوبيات النافذة داخل دواليب السلطة).
19- راجع نص البيان الصادر في جريدة الشعب الصادرة بتاريخ 23 ابريل 1977 (وثيقة ملحقة رقم 01).
20- معلومة مستقاة من مصدر خاص ومؤكدة من طرف الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي.
21- معلومة مستقاة من مصدر خاص ومؤكدة من طرف الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي.
22- معلومة مستقاة من مصدر خاص ومؤكدة من طرف الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي.
23- كان الرئيس بومدين يتحفظ كثيرا من عبد المالك بن حبيلس، لذلك تردد في تعيينه وزيرا للعدل.
24- معلومة مستقاة من مصدر خاص، وهي مخالفة لرواية الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي التي قال فيها : أن ثاني منصب عرضه عليه الرئيس بومدين هو منصب وزير المالية، وذلك غير ممكن لأن بن يحي صدر اسمه كوزير للمالية بتاريخ 23 أبريل 1977، ضمن القائمة الأولى للحكومة، بينما استقبل الرئيس بومدين الدكتور أحمد طالب بتاريخ 24 أبريل أي يومان بعد صدور القائمة الأولى للوزراء، فالأصح أن الحقيبة الثانية التي عرضت عليه هي وزارة السياحة التي كانت شاغرة، وتولاها عبد العني العقبي خلال تكملة التشكيلة الحكومية بتاريخ 28 ابريل 1977.
25- وثيقة ملحقة رقم 02 (جريدة الشعب العدد 4186 الصادر بتاريخ 23 أبريل 1977).
26- وثيقة ملحقة رقم 03 (جريدة الشعب العدد 4186 الصادر بتاريخ 23 أبريل 1977).
27- معلومة مستقاة من مصدر خاص ومؤكدة من طرف الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي.
28- صدر المرسوم المتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة في الجريدة الرسمية رقم 37 لعام 1977، وجاء في مادتها الثالثة تنشأ كتابتان دولة الأولى للإنتاج النباتي والثانية للإنتاج الحيواني، و لم يريد من سيشغل المنصبين، ولم يتم تعيين أي أحد في هذين المنصبين بسبب رفض الطيبي العربي لذلك.
29- وثيقة ملحقة رقم 04 (جريدة الشعب العدد 4191 الصادر بتاريخ 28 أبريل 1977).
30- وثيقة ملحقة رقم 04 (جريدة الشعب العدد 4191 الصادر بتاريخ 28 أبريل 1977).
المراجع:
1- كتاب "أنا وهو وهم" للدكتور محيي الدين عميمور.
2- كتاب "الفرص الضائعة" للدكتور محيي الدين عميمور.
3- "التاريخ السياسي للجزائر من 1962 إلى يومنا هذا" للدكتور عمار بوحوش.
4- كتاب "مذكرات جزائري" للدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الجزء الثالث.
5- كتاب "حقائق حول الثورة الجزائرية" لمحمد لبجاوي.
6- كتاب "الجزائر وفرنسا 50 سنة من التاريخ" الجزء الأول.
7- كتاب "الجزائر فرنسا والولايات المتحدة من الخطب للعمل".
8- كتاب "المسبح جهاز المخابرات الفرنسية من 1944 الى 1988".
9- كتاب "السياسة الخارجية الجزائرية من 1962 إلى 1978".
التقارير والوثائق:
1- مراسلات دبلوماسية فرنسية 1962 إلى 1979. (مرفوع عنها طابع السرية).
2- مراسلات دبلوماسية أمريكية 1962 إلى 1977. (مرفوع عنها طابع السرية).
3- مراسلات دبلوماسية سوفيتية 1962 إلى 1977. (مرفوع عنها طابع السرية).