الأربعاء، 11 مارس 2015

الأبعاد الثلاثة لأزمة الغاز الصخري بين المواطن والسلطة في الجزائر.... الصحفي بشير عمري

هل صُدمت السلطة في الجزائر بمستوى وشاكلة ممارسة الوعي الشعبي بمشاكل البيئة لدى ساكنة جنوب البلاد الرافض لتوجهها الطاقوي الظرفي، بعد أن قررت التعجيل بتفعيل مشروعها المتعلق باستخراج الغاز الصخري؟
هو ذا السؤال المحير لبعض الملاحظين من شتى مدارس التحليل، الاجتماعي، الاقتصادي، السياسي، والنفسي حتى، ممن حاولوا مقاربة الظاهرة الجنوبية في تمردها على مخططات السلطة الاقتصادية أو الطاقوية بتعبير أدق، بحسبانها صارت في مغامراتها الأخيرة المرتبطة بمبادرة الشروع في استغلال الغاز الصغري تشكل مخاطر جمة على الحرث والنسل في فضاء جغرافي وطني لطالما اختزلته السلطة منذ الاستقلال في كونه خزان البلد من العملة الصعبة ورئة الاقتصاد الوطني وليس شأنه يعدو ذلك في شيء، دون أن يُحظى أبناؤه بعناية تنموية تحديثية من شأنها أن تعزز من مستوى شعورهم بالانتماء الوطني وتقوي من حجم ولائهم للقيادة البلاد وبالمرة تعكس أهمية المنطقة الاستراتيجية والاقتصادية معا.
بيد أنه ثمة ثلاثة أبعاد خطيرة كشفت عنها أزمة السلطة ومواطنيها في الجنوب في سجالهما حول مشروع أو بالأحرى المبادرة بالشروع في استغلال الغاز الصخيري بمنطقة عين صالح تحديدا، قد يأتي على رأس تلكم الأبعاد، انتفاء مصداقية مؤسسات الدولة بشكل نهائي.
فمؤسسات الدولة بوصفها أداة صنع القرار الذي يفترض أن يُدرس فنيا وإجرائيا وسياسيا من قبل أن يخرج إلى حيز الانجاز، ظهر وأنها كانت أبعد ما تكون عن إتباع هكذا مسلكية مسؤولة وهي تروم الدخول بالبلاد عصر الغاز الصخري، ويمكن قراءة ذلك بجهلها المسبق لطبيعة ردة فعل ساكنة مناطق تواجد هاته الطاقة، سالكة بذلك سلوكها الأبوي الذي درجت عليه منذ لحظة الاستقلال والناهض على مبدأ عدم إيلاء أدنى أهمية لموقف ورأي القواعد الشعبية بخصوص سياساتها الاقتصادي، الاجتماعية والسياسية، حتى لوتعلق الأمر بمستقبل وجودهم وحياتهم وصحهتم، سلوك لم يختلف عما اتبعته السلطة الاستعمارية حين فجرت تجاربها النووية بمنطقة رقان سنة 1960.
فالسلطة كانت قد اكتفت، وكما جرت معها العادة دوما، بتمرير مشروع استغلال الغاز الصخري للمصادقة عليه على البرلمان المعروف في الواقع الشعبي والمشهد السياسي الجزائري بكونه بغرفته السفلى منها والعليا، أداة شكلية للسلطة لإضفاء الشرعية الشعبية على قراراتها لا غير، حتى أن بعضهم وصف نواب البرلمانات الجزائرية المتتابعة بأنهم مجرد ممثلي السلطة لدي الشعب وليس العكس أو كما يفترض أن يكونوا!
إذ كان يفترض أن نواب مناطق الجنوب المستهدفة خصوصا بمشروع الطاقوي محل الجدال أي استغلال الغاز الصخري قد استشاروا واستشعروا مواقف ساكنة منطاقهم حيال هذا المشورع ودافعوا عنه تحت قبة البرلمان بالرفض، لكن شيئا من هذا لم يحدث بل إن ما حدث هو العكس تماما، إذ أنهم صادقوا كما بقية زملائهم من نواب جبهة الموالاة على مشروع استغلال الغاز الصخري الأمر الذي ضرب ما تبقى من قليل من مصداقية هاته المؤسسة التمثيلية في الصميم.
ثاني الأبعاد التي تكشفت من خلال أزمة الغاز الصخري بالجنوب الجزائري، هو انعدام سياسية طاقوية واضحة ذات احتراس تقدير مسبق لتقلبات الأحدث الطاقوية في العالم، تكون قائمة على مخططات استراتيجية وفق الابعاد الزمنية الثلاثة، القصير، المتوسط والبعيد، إذ وبمجرد أن انهارت فجأة أسعار النفط في السوق العالمية حتى سارعت السلطة بالجزائر إلى خزائن ملفاتها لتعجل بملف بتفعيل ملف استغلال الغاز الصخري بعد أن كانت قد أدعت فيما سبق أنه مشروع المستقبل ولن يتم دخوله قبل نحو عقد من الزمن، فما الذي جعل العقد يختزل في نصف سنة أو أقل؟
البعض أرجع ذلك لمخطط السلطة القائمة في الجزائر والذي كان يقضي بمواصلة نهج كسب الرأي العام الشعبي الذي انتخب بوتلفيقة لولاية رابعة ربيع العام الماضي، وهذا عن طريق مواصلة سياسة الضخ الريعي غير العقلاني المتبعة في إدارة الشؤون الاقتصادية للبلاد، مذ انقشعت الطفرة النفطية الكبرى نهاية القرن الماضي، أي مع قدوم بوتلفيقة لرئاسة الجمهورية سنة 1999، وهذا من خلال إنجاز وتجسيد مشاريع اجتماعية غير منتجة وغير المسهمة في التأسيس لاقتصاد حقيقي ومنتج، بعيد عن منطق التوظيف السياسي لريوع الخام من المواد الطبيعية للجزائر، والهدف من ذلكم المخطط طبعا وهو الزيادة في تلميع صورة من هُم في الحكم وصولا إلى تحقيق الهدف السياسي المرجو من دوائر السلطة القائمة في الأفق القريب وهو التوريث، قبل أن تأتي هزة بل زلزال السوق النفطية العالمية، في خضم صراع دولي وإقليمي، ليضع ذلك المخطط موضع الخطورة، حيث يتوقع الكثيرون ردات فعل عنيفة في الشارع الجزائري إذا ما استمر نزول سعر النفط في السوق العالمية بذات الوتيرة التي هو عليها الآن.
ثالث وأخطر الأبعاد فلربما هو الضبابية المتجلية والمستديمة في كيفية تسيير سوق النفط الجزائرية، فلكون البلد فقيرا أو مفقرا ـ إن جاز الوصف ـ بشكل يكاد يكون مطلق لمجتمع إعلامي قوي ووسائل إعلام حرة ذات مصداقية وكفاءة يكون بمقدورها النفاذ إلى عمق دهاليز البحث عن الحقيقة في مسألة تسيير الملف الاقتصادي والتجاري للجزائر، لا أحد يعرف كيف تتم عملية فتح سوق استغلال حقول الطاقة بالجزائر في مختلف الأنواع ولا كيفية غلقها ولا على من تفتح و في وجه من تغلق، وهذا ما جعل أبناء الجنوب، وعلى رأسهم أطرهم وعقولهم التقنية في انتفاضتهم وتمردهم ضد إرادة دوائر في السلطة لفرض مشروع استغلال الغاز الصخري يؤكدون أن العملية هي أبعد ما تكون عن دعم قدرات الاقتصاد الوطني مثلما تزعم بعض الأطرف من داخل سرايا الحكم بالبلاد بل هي تسليم ما تبقى من خيرات البلد إلى شركات غربية رفضت السلطات وفعاليات المجتمع المدني القوي في بلدانها، خصوصا في فرنسا، أن يتم استغلال مشروع الغاز الصخري عندها فجاءت إلى الجنوب الجزائر لتلوث فضاءها الصحراوي وتهلك الحرث والنسل مثلما أهلكهما اسلافها سنة 1960.
هكذا إذن يتضح أن أزمة الغاز الصخري المتفجرة هذا الشتاء بالجنوب، بين ساكنته والسلطة المركزية بالجزائر وما أفضت إليه من جدل على مستويات عدة أفقية وعمودية، سياسية وإقتصادية، شعبية ورسمية، قد أشرت لعهد جديد في علاقة المواطن بالسلطة في ظل تغول هاته الأخيرة على الدولة . هذا العهد الذي ترسي معالمه الآن نخب الجنوب وأطرها التي تقود حركة التمرد على قرارات السلطة الاقتصادية، كاشفة بذلك على نهاية النخب السياسية الحالية بعد إذ عجزت عن تحريك القوة الشعبية في إطاحتها بمخططات السلطة الرامية إلى الاستمرار في اقتياد الدولة والمجتمع وفق إرادة أحادية إقصائية تروم الهيمنة على مقدرات البلاد والعباد بمختلف الأساليب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...