الاثنين، 16 مارس 2015

العلم المطلوب في ..الحديث المقصود بقلم صديقي الاستاذ موح دامو



زمرة فقهاء الظلام  وطوائف الشعوذة الاصولية ،تنكر صحته وتشن عليه حرب الالغاء



اطلبوا العلم ولو بالصين، او .. الحديث النبوي الشريف المفترى عليه



حمدان الجعدي



  *الحديث الذي أغنت حكمته عن سيوف المحاربين وجيوش الفاتحين ،وقاد  الدعوة الإسلامية في ماليزيا واندونيسيا وجنوب بحر الصين



    *السر الكامن وراء الدعوة التي وجهها النبي العربي الكريم الى قومه لطلب العلم في ربوع الصين ودوافع وأهداف نكرانه والتشكيك فيه..



    *الصين في عهد انتصار النبي العظيم ،ولاية الامبراطور الحكيم     وتزامن ازدهار حضارتها العلمية والصناعية مع فجر الاسلام..



ليس غريبا ان تعمد الزمر الاصولية والسلفية الى الاعتداء على اشهر حديث نبوي شريف ،والاكثر تداولا بين الناس ،والمعروف بدعوته الى طلب العلم التطبيقي الحقيقي :"اطلبوا العلم ولو بالصين"، فالزمر اياها ،تدعي لنفسها صحوة بعد نهضة ،الامر الذي يعني في عرف الملل والنحل ،غربلة كل الموروث الاسلامي ،وشيطنة ما فيه من نصوص تعليمية انسانية وحضارية ،لا تتلاءم والشعوذة المنتهجة من طرف فقهاء الظلام ،والتي من شانها تيسير خطتهم الجهنمية الرامية الى افراغ العقيدة الاسلامية من مضمونها الانساني والحضاري، والثوري التحديثي المبهر.

ويبدو ان فقهاء الوهابية واضرابهم من شيوخ الاصولية المتزمتة ،يجدون كبير الحرج في سماع الحديث الشريف "اطلبوا العلم ولو بالصين" ،وعلى هذا راح غلاتهم من المفسرين والمصححين ،يجهدون النفس في رفضه والحكم عليه بالضعف ،وبكونه من الاقوال المتداولة بين العرب في اسفار الحكمة على احسن تقدير ،وبتحريم العمل به على اعتباره موضوعا لا اساس له من الصحة ،رغم ان اسناده الى كبار الصحابة الذين يعتبرون مصادر ثقة في رواية اسفار السيرة النبوية والحديث الشريف.

الحرب على الموروث الحضاري

الشيخ الالباني ،وهو واحد من عشرات ،حكم على الحديث المنقول عن انس بن مالك ،بانه موضوع  ،وانكره جملة وتفصيلا في كتابه "ضعيف الجامع"، واستعاض عنه بحديث منقول عن بن ماجة :"طلب العلم فريضة على كل مسلم" ،واضاف : "ان المقصود بالعلم هنا هو العلم الشرعي". وواضح ان رأس العلم والصين معا ،هو المطلوب ،بحيث لا مجال لان يفكر المسلم في طلب العلم وهو علم شرعي حكما من بلد كافر ،وخاصة اذا كان اسمه الصين. ولسنا بحاجة لان نزيد عما اورده وحكم به الالباني ،فقد توالت بقية الاحكام على ذات المنوال ،اي شيطنة الحديث والصين معا ،والتأكيد على جملة دعاوى يستقيم بها المقام على ان العلم لا يكون إلاَ شرعيا ،وبالتالي ،مقصورا على  فقهاء الزمر الاصولية دون غيرهم.

عصب "العلماء" التي حاضت وباضت ما طاب لها من الفتاوى المسيئة للعقيدة المحمدية السمحاء ،حتى اصبح المسلم محل شك وتشكيك بين الامم في كل اصقاع الارض ،لم تكتف بما جادت به قريحتها الجهنمية في هذا المجال فحسب ،بل تجاوزته الى "تصفية" النصوص القديمة من الصحيح البين فيها لصالح دعم زيفها ،وذلك بإسقاط وتشويه كل نص يعترض او يناقض مشروعها ،على هذا سنكتف في هذا المجال بذكر مثل شهير يسهل فهمه واستيعابه على المسلم البسيط، ونقصد به الحديث الشريف الذي يقول :" اطلبوا العلم ولو بالصين "،هذا الحديث الذي اثار غضب وامتعاض العصب الاصولية الزاحفة على عقل وحياة الناس ،كما يزحف الفيروس الطفيلي العنيد على جسد وحياة الكائنات الحية التي من غير جنسه، اما طفيليات الاصولية فهي تستسيغ اكثر، نهش عقل وافئدة بني البشر وتحديدا ابناء جلدتها من التقاة والمؤمنين السذج، والعاطفيين المتمسكين بصواب دينهم وسلامة دنياهم ،و... واملهم في الاخرة كبير.

تصفية وتنكيل بجامع الحديث

الجديد في هذا المجال ،هو اضافة جملة اشبه ما تكون بالهامش الذي ياتي عادة في سياق الخطاب لتوضيح المعنى ،وهو "فان طلب العلم فريضة على كل مسلم"،ومن ثم يلحق الهامش بالنص الاصلي فيصبح الحديث في صيغته الجديدة "اطلبوا العلم ولو في الصين ،فان طلب العلم فريضة على كل مسلم"، بعد هذا جاء تطور جديد في الموقف ، ليصبح رفضا قاطعا لهذا الحديث ،وجرى الحكم عليه زورا وبهتانا بانه "حديث ضعيف" ،وليصار بعدها الى القول انه "موضوع"،ثم الادعاء انه "قول مأثور"، واخيرا جرى رفضه  وتحريم العمل به ،او ذكر نسبته الى النبي العربي ،تحت طائلة الكفر ..الخ.

ترى كيف وصلت الامور بالملل والنحل الى هذه الدرجة من العدوانية ضد الحديث المذكور؟.

تذكر معظم مصادر الحديث الشريف ، النص العظيم الاهمية والمذكور آنفا:" اطلب العلم ولو بالصين "، وتزعم بعض تفاسير هذا الحديث انه مبني على المبالغة "ولو في الصين "،على سبيل التحريض لطلب العلم ،بمعنى ان الصين التي لم يكن من الوارد الوصول اليها ،لمجرد طلب العلم ،اوردها النبي بهذه الصيغة تحريضا ودفعا لقومه في هذا الاتجاه أي :طلب العلم الحقيقي ،الذي تسهم انجازات تطبيقاته في تحسين حياة الناس ورفد الحضارة الانسانية بالاكتشافات المذهلة التي حققتها فروع العلوم التطبيقية والانسانية، والتي كانت الصين وقتذاك رائدتها بدون منازع ،كما عرفت واشتهرت به في عهد النبي (ص)، الذي صادف العهد الزاهر للإمبراطور تاي تزونغ.

النهضة الصينية و..فجر الاسلام

والحقيقة ان لصين البعيدة جدا، كانت صناعاتها تصل بالبواخر الشراعية الضخمة الى سواحل الهند والسند والخليج العربي ،وبالتالي لم يكن الوصول اليها ضربا من المستحيل كما روَج فقهاء الظلام ،ولا كان ناسها  كفارا ظالمين ،بل كانوا يهتدون بهدي وحكمة فيلسوفهم الشهير كنفوشيوس وليس كما تدَعي العصب الاصولية، وبالتالي فانه من المعقول جدا ان يتوجه المسلم دون خوف الى هذا البلد المجهول ،وحيدا ،اعزلا ، لطلب المعرفة والحكمة  والعلم ، فالرخصة التي منحها النبي لامته ،تقول لهم اسعوا بكل الجهود الممكنة ولا تترددوا في سبيل الغاية الاعظم ،اكتساب الخبرة والتجربة والعلم الغزير ،ليس من الهند والسند القريبتين فحسب ،بل ومن الصين البعيدة ايضا وخاصة.

وعلى هذا، فان الحكمة     السديدة تقتضي منا بداية التعامل مع النص الوارد في الحديث الشريف ،في كل الوجوه ،وليس على وجه واحد سبق ان رسمه المفسرون وفقهاء الظلام الذين ادعوا الصحوة الاسلامية بغرض مصادرة العقيدة والتحكم في مقاصد الدين ،بحيث لم يعد هناك من مجال لمناقشتهم بطريقة علمية لا تنكر الحديث ،بل تقوم بقراءة اكثر واقعية للنص ،دون تأويل مغرض او احكام مسبقة ،لكي نصل الى نتيجة منطقية، تفضي الى وجهة نظر معاصرة وهي تمتلك من القوة الكفيلة بان ترجح صوابها او تجعلها الاقرب الى الصواب.

حكمة الحديث ..المفترى عليه

بداية دعونا نعود الى تأريخ القضية ، ورصد الظروف التي واكبتها ،بمعنى التاريخ المنطقي لصدور الحديث عن النبي ،والوضع الذي قيل فيه ،وحال العالم وقتئذ ،وبشكل خاص ،حال الصين ،والهند ،وفارس ،باعتبار ان المرور الى الصين لا بد وان يمر عبر هذين المصرين الاخيرين ،الهند وفارس..

لأجل هذا يجب ان نثق اكثر في ابائنا وجدودنا ،وبشكل اخص في نبينا ومقدرته على الرؤية الصائبة والدعوة المخلصة لشعبه وامته ،بشكل مباشر لا التواء فيه، ولا يحتاج كلامه الى تأويل او تفسير مفسر من هذا الزمان ،يسعى الى مخاطبة الناس بلغتهم وليس بلهجة الفقهاء الذين سطوا ظلما وعدونا على لقب "عالم"، دون وجهة حق ،اللهم إلا الرغبة في اللعب على مزاج المؤمن واستغلال عاطفته ظلما وعدوانا ،عبر الفتاوى المسيئة التي الحقت العار بالمؤمن والضرر البالغ بعقيدة المسلم التقي المسالم ،فحولته الى غول مخيف في نظر القاصي والداني. 

بالنظر الى الموضوع العملي لهذا الحديث الشريف ،فان المرجح ان يكون قد صدر عن النبي (ص)،في الفترة المدنية الاولى او المكية الثانية التي تلت فتح مكة ،في عام 632 ميلادية وهي نفس السنة التي توفي فيها النبي (ص) ،ترى كيف كانت الصين وقتذاك وما الذي كان يميزها في مجالات العلوم والفنون وشؤون السياسة ،وهي المواضيع التي كانت مثار اهتمام النبي وصحابته وهم يؤسسون لبناء نظام عصري جديد يقوم على اواصر العدل والعلم والمعرفة الحقة؟.

النبي و..الامبراطور الحكيم

لنعد الى ربوع الصين في هذه الفترة المتميزة من تاريخها الحافل ،تاريخ غير خفي على نبي يسعى جهده للتأسيس لدين جديد  ،ولدولة قوية تقوم على قواعد العلم الصحيح والمعرفة الحقة التي لا تناقض طبيعة الحياة ولا تغرق في غيبيات الاقوال التي لا تواكب الافعال. ولنلحظ ان العصر كان عصر الصين الذهبي بامتياز، الذي تعزى اليه نهضة الصين الكبرى بفضل عوامل حضارية تجسدت في عبقرية امبراطور من اعظم اباطرة الصين ان لم يكن اعظمهم على الاطلاق ،وهو تاي تزونع خلفا لوالده موحد الصين وبانيها بعد انكسار ،ومؤسس الاسرة الثالثة عشرة التي حكمت الصين طيلة ثلاثة قرون متتالية ، ،والذي تنازل طواعية عن العرش لابنه بعد ان اشتد عوده، فحكمها تاي من عام 627 على مدى ثلاث وعشرين سنة كاملة ،اظهر فيها كفاية عسكرية وتنظيمية تذكرنا ببعض خصال النبي العربي واسلوب ادارة شؤون امته التي يجدر بنا الرجوع اليها لتفقّد اوجه الشبه والمقارنة ،فقد رد هجمات القبائل الهمجية ،واخضع الاقاليم المجاورة لمركز دولته، وبعد ان انتهى من حروبه عاد الى عاصمة ملكه وانبرى للاعمال السلمية ،قرأ مؤلفات فيلسوف الصين كونفوشيوس مرات عديدة ،وامر بنشرها على نطاق واسع ،وكان يقول :" انك إذا استعنت بمرآة ،فقد تستطيع تعديل قلنسوتك على رأسك ،أمَا في حال اتخذت الماضي مرآة لك فقد تستطيع ان تتنبأ بقيام الامبراطوريات وزوالها ".وقد رفض كل اسباب الترف ،حتى انه أخرج من قصره ثلاثة آلاف جارية جيء بهن لتسليته. وردا على وزرائه الذين اشاروا عليه بسن قوانين صارمة لقمع الجرائم ،اجاب : " انني اذا انقصت نفقات المعيشة ،وخففت اعباء الضرائب ،ولم استعن إلاَ بالامناء من الموظفين ،حتى يحصل الناس على كفايتهم من الكساء والغذاء ،كان لكل هذا اثر في منع الجرائم أعظم من اقسى ضروب العقاب ".

عباب البحر و..طريق الحرير

لقد سر الامبراطور لنجاح خططه في تكريس السلم الاجتماعي ،فأقر على اثر ذلك قانونا يقضي بألاَ يصادق على حكم بالاعدام إلاَ بعد ان يصوم ثلاثة ايام متتالية ،وقد عمل على فتح حدود بلاده لخروج مواطنيه بكل حرية ولاستقبال الزوار الاجانب من مختلف الاقوام واتباع مختلف الاديان المعروفة في ذلك الوقت: البوذية، الزرديشتية، والمسيحية النسطورية ..وكان الامبراطور يرحب بهم ويبسط عليهم حمايته ،فمهد عهده السبيل امام اعظم عصور الصين خلقا وابداعا ،ونعمت بلاده بالسلم واستقرار الحكم ،وراحت تصدر منتوجاتها التي زادت عن حاجتها من توابل ، وارز ،وذرة ،تنتجها حقول تمتد على طول البصر ،وحرير تنتجه مصانع تستخدم مائة الف عامل  ، ..الى شواطئ المحيط الهندي والخليج العربي بواسطة اسطول من البواخر العصرية ،هي الاكبر و الاحدث في عالم ذلك الزمان..  

 وعلى هذا تكون الصين في عهد النبي الذي تزامن مع حكم الامبراطور تاي ،مشعلا حضاريا حقيقيا ،تشع حضارتها بمبادئ واخلاق الانسان المتحضر ،المتسامح ،المبدع، المبتكر ،الذي يعتمد على العقل والفكر في تطوير فنونه علومه التطبيقية بمختلف مجالات الزراعة والصناعة ،ويمخر عباب البحار والمحيطات ليتواصل مع بني جنسه للتجارة واقامة الروابط السلمية مع امم الارض قاطبة ،دون نوازع عدوانية او ميول حربية من طرفه ،حتى وهو القوي القادر المتمكن ،والمهيب المنيع.

الحديث الشريف و..دعوة السلام         

وبالرجوع الى اسفار التاريخ ،يتضح ان المسلمين الاوائل اخذوا بنصيحة النبي وعملوا بامره الذي نص عليه الحديث الشريف ،فكانت لهم دولة بعمر دولة اسرة تانغ ،الذي امتد ثلاثة قرون كاملة ،على الاهم من ذلك كله ان العمل بحكمة الحديث الشريف لم تتوقف يوما ،فقد استفاد العرب المسلمون من طريق الحرير الذي اعاد فتحه الامبراطور تاي تزونغ ،فتنقلوا عبره الى الصين واستمروا في توسيع مجال تنقلاتهم جنوبا ،حتى ماليزيا واندونيسا ،وهي الجزر التي تشكل اليوم اكبر دولة اسلامية على وجه الارض ،قامت وازدهرت دون حاجة لسيوف المحاربين ،وخطط الفاتحين ،وقد اصبحت رائدة في عصرنا هذا ،وستبقى كذلك ،ما لم تنخرها دعاوى فقهاء الصحوة الاصولية، التي لا تخفي غيظها من حكمة الحديث الشريف الداعي الى طلب العلم ولو بالصين.

المعروف ان العرب نقلوا الكثير من المعارف المفيدة من مواطنها الاصلية في الهند والصين وجوارهما ،وقاموا بدورهم في تطويرها والاضافة اليها قبل ان يتعرف عليها العالم الغربي واروبا تحديدا ،التي سارعت الى اخذها عنهم  قبل ان الاطلاع على اصلها الصيني او الهندي ..،ومن ذلك الارقام العربية بعد اضافة الصفر اليها ،علوم الحركة والجبر ..،صناعة الورق والفخار والخزف..وغيرها من الصنائع والعلوم ،مما يطول سرده في هذا المقام.      

ان الانجازات التي تمت على ايدي العرب المسلمين في اسيا ،بفضل تمسكهم بحكمة الحديث الشريف الذي نصحهم به النبي (ص) ،تدعو للتامل والتروي ،امام ادعاءات الزمر الاصولية ،فطريق العمل السلمي كما تبين لنا في هذا الخصوص ،قد حقق الحضور الحضاري للاسلام واثبت كونية الدين الاسلامي ،خلافا لدعوات الكراهية والحقد والمقت التي تعمل على نشرها قطعان الاصولية المتوحشة ،عملا بفتاوى الدمار الصحووي ،وفقهاء الظلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...