الأحد، 26 أبريل 2015

أن يغمى عليك بشارع خالٍ أفضل منه في مكان مزدحم.. اعرف لماذا؟ بقلم مي خلف


بينما كانت "أسيل" في طريقها إلى إحدى المؤسسات الحكومية لتوقيع بعض المعاملات، أصابها دوار حاد أوقعها أرضاً فأغمي عليها؛ كان الشارع الذي أغمي عليها فيه مزدحماً بالمارّة من جميع الطبقات الاجتماعية والأجناس، على الرغم من ذلك، كان الجميع يمر بجانبها وينظر إليها ويكمل طريقه كأنه لم ير شيئاً، والبعض الآخر كان يقف ويحدق فيها وينظر إلى الناس حوله مستغرباً من التجاهل لوهلة، ومن ثم يكمل طريقه متجاهلاً إياها أيضاً.
وهنا يثار السؤال، لِمَ لمْ يحرّك أحد ساكناً لمساعدة "أسيل" وهي في ضائقة؟ على الرغم من أن احتياجها للمساعدة الطارئة أمر واضح لا يمكن تفسيره على نحو آخر؟ من أجل الإجابة على هذه الأسئلة، قام مختصو علم النفس الاجتماعي منذ عقود بمراقبة الظاهرة من أجل التحقق منها وإيجاد إجابات لها.
ففي عام 1964، حصلت حادثة شهيرة في نيويورك، إذ وجدت فيه امرأة مقتولة في حديقة عامة، واتضح أن 38 شخصاً شاهد الجريمة ولم يتصل أي منهم بالشرطة؛ بعد هذه الحادثة قام الباحثان المعروفان في علم النفس الاجتماعي "بيب لاتين" و"جون دارلي" بتسمية الظاهرة بـ"تأثير المارّة" أو (Bystanding Effect) باللغة الإنجليزية. والتي بحسب تعريفهم لها تحدث عندما يمنع حضور الآخرين الفرد من تقديم المساعدة أو التدخل في الحالات الطارئة لإنقاذ شخص يحتاج لمساعدة.
وقد فسّروا هذه الظاهرة أولاً بأنها تنبع من "توزيع المسؤولية"، أي إن الفرد يتجنب تحمل مسؤولية التدخل لوحده، ويعتبر أن الآخرين لا بد لهم أن يتدخلوا أيضاً ويشاركوا بتحمل المسؤولية، لذلك كما يظهر في المقطع المصور أدناه، فور أن تدخل أحد المارة لمساعدة المرأة المغمى عليها تقدّمت امرأة أخرى لمساعدته بعد أن كانت واقفة مترددة ومندهشة.
ثانياً، تفسّر هذه الظاهرة بحسب "الضغط الجماعي" والذي يكون فيه الفرد في أثناء وجوده ضمن مجموعة بتقليد السلوك العام، متجنباً الخروج عن القاعدة، فيقوم بمراقبة سلوك المجموعة قبل أن يتخذ قراراً حول كيفية التصرف.
وبناءً على هذه التفسيرات يقول الباحثون: إنه على عكس الاعتقاد السائد، فإن من الأفضل للإنسان أن يصاب بضائقة صحية في مكان غير مزدحم، لأنه بذلك يزداد الاحتمال أن يتلقى المساعدة من أي مار في الشارع، ويرون أن ذلك ينبع من كون الفرد يشعر بالمسؤولية أكثر عندما يكون لوحده خارج مجموعة، كما أنه لن يعاني من الضغط الجماعي ليختار كيفية التصرف.
يذكر أن دراسات لاحقة أجريت لفحص هذه الظاهرة بشكل أعمق ومن جوانب مختلفة، وتبيّن منها بأن المارّة يميلون للمساعدة إذا ما كانوا على معرفة بالشخص المحتاج أو إذا كانوا مختصين (أطباء أو ممرضين أو مسعفين)، كما أن المارّ العادي يميل للمساعدة بحسب هوية المغمى عليه، فعلى قدر ملاءمة مظهره الخارجي للمكان الذي أغمي عليه فيه، يزداد احتمال تلقيه للمساعدة في وقت أقل.
مي خلف: محررة مختصة في علم النفس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...