الخميس، 9 أبريل 2015

السُّنَّة والشِّيعة، خلاف لا ينتهي بقلم عامر مخلوف


دلَّني أحد الأصدقاء على كتاب (الحقيقة الضائعة) وهو عنوان مثير ككتاب(الحقيقة الغائبة)لـ:"فرج فودة" الذي اغتاله التكفيريون. وقادني فضولي إلى أن اطَّلع على ما في هذا الكتاب الذي ألَّفه باحث سوداني هو:" الشيخ معتصم سيد أحمد" يروي فيه رحلته  نحو مذهب آل البيت. لذلك فهو لا يخفي تشيُّعه.
لكن الأسئلة التي بقيت تراودني على امتداد أكثر من 450 صفحة، هو: إذا كانت المذاهب الأربعة المتفق عليها فيها خلافات جوهرية، وأنه يصعب على المسلم أن ينتقل من مذهب إلى آخر بكل حرية، فماذا سيكون الموقف ممَّن يختار مذهب الشيعة؟ وهل تكفي الخُطب الديبلوماسية للتقريب بين السنة والشيعة أم أن الظاهر غير الباطن وسيظل كل فريق متمسِّكاً بفكره؟ وإذا كان يستحيل الاتفاق النهائي بين الفريقيْن فهل مصدر الخلاف متأصِّل في الجذور؟
في هذا البحث يتوصَّل المؤلِّف إلى أن الحق الشرعي قد انتُزِع من آل البيت وقد اجتهد أهل السنة بمن فيهم من محدِّثين ومؤرِّخين وكُتًَّاب اجتهدوا جميعاً في تزوير الحقائق التاريخية.
 كان من اختراع أولئك الأوائل الذين تنازعوا على السلطة في سقيفة "بني ساعدة" قبل أن يُدفن الرسول. يوم قال "أبو بكر " ((للأنصار مِنَّا الأمراء ومنكم الوزراء ))، وخَلُصت الخلافة للمهاجرين دون سواهم. 
ثم اجتهد الأمويون والعباسيون بعدهم في تحريف كل ما له علاقة بآل البيت بدْءاً بـ"علي بن أبي طالب" فالحسن والحسين حتى الإمام الثاني عشر ودسُّوا الأحاديث لصالحهم من أجل السلطة حيث لا مسلم ولا البخاري ولا الطبري كانوا أمناء في نقل الأحاديث. تعمَّدوا أن يُغفلوا الأحاديث الصحيحة التي تمنح الحق لآل البيت ومن ذلك: (( إني تارك فيكم الثَّقَليْن ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيْتي)).و (( من كنت مولاه فعلي مولاه)). بينما هناك مَنْ هم أكثر علماً منهم(سفيان الثوري- سفيان بن عينية- الأوْزاعي-ابن جرير الطبري-داود بن علي الظاهري-الليث بن سعد- الأعمش- الشعبي...الخ)
فإذا كان أهل السنة يستشهدون بالحديث النبوي القائل:  (( لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فَلْيمْحُه))، وعمد "أبو بكر" و"عمر " إلى حرق الأحاديث حتى لا تختلط بالقرآن، فمن أين لهم الأحاديث التي تمنحهم الحق في توارث الخلافة ومنها:  ((تركت فيكم أمريْن لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه))وهو حديث لا وجود له في الصحاح، بل يوجد في الموطَّأ وهو مرفوع لا سند له.
إنهم أسندوا الخلافة لأنفسهم عن طريق التعيين والتواطؤات السرية حيث لم يكن للشورى أي بُعْد عملي.علماً بأن الأمة قد أجمعت بأن السنة لم تدوَّنْ إلا بعد قرن ونصف من وفاة الرسول. والآيات التي تنصُّ على الشورى نفسها لا تتعلق بموقف مصيري كخلافة المسلمين.
إن المذاهب الأربعة- في تقديره- قد فُرضت فرضاً، إذ كان كل حاكم يقرِّب إليه من يوافقه من الفقهاء، وكان كل فريق ينتصر لمذهبه ويكفِّر غيره. وهذه أمثلة مما قيل في نصرة كل مذهب:
غدا مذهب النعمان خير المذاهب    كذا القمر الوضاح خير الكواكب
مذاهب أهل الفقه عندي تقلَّصت   وأين عن الرواسي نسج العناكب
===============
مثل الشافعي في العُلماء  مثل البدر في نجوم السماء
قل لمن قاسه بنعمان جهلا  أيُقاسُ  الضياء بالظلماء
==============
إذا ذكرت كتب العلم فخيرها ... كتاب الموطأ من تصانيف مالك
فشد به كف الصيانة تهتدي      فمن حاد عنه هالك في الهوالك
===============
سبرت شرائع العلماء طرا    فلم أرَ كاعتقاد الحنبلي
فكن من أهله سرا وجهرا   تكن أبدا على النهج السوي
أنا حنبلي ما حييتُ وإن أمتْ   فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
الباحث يعدُّ "جعفر الصادق" مثلا أعلى، وأن الإسلام الحقيقي هو الذي التزم به آل البيت ولم يبدِّلوا تبديلا. ويعتمد في آرائه على مصادر ومراجع يمكن للمرء أن يتأكَّد من صحَّتها.
إن الذي يهمني من هذه الإشارات السريعة إلى كتاب (الحقيقة الضائعة) ليس أن أدعو إلى مذهب دون آخر، إنما هو البحث عن حقيقة ضائعة فعلا، ولا يمكن أن يجدها الإنسان في أدبيات هذا الفريق أو ذاك. فكل من السنة والشيعة ينتهي إلى أنه صاحب الحق الإلهي معتمداً على القرآن وعلى الأحاديث إنْ بالتحريف أو بالتأويل.وكلاهما يتوهَّم أنه القادر على حل مشكلاتنا في القرن الواحد والعشرين بالعودة إلى الماضي وإلى الوحْي. وبمجرد ما يستند إلى الحق الإلهي فإنه –لا شك- يدَّعي  امتلاك الحقيقة المطلقة التي ينبغي أن تسود الكوْن. ما يفسَّر أن آل سعود يضعون الوهابية مرجعاً ويُنفقون الأموال لدعم الحركات الدينية المتطرِّفة، كما تسعى إيران إلى بسط نفوذها على المنطقة بواسطة حزب الله أو الحوثيين في اليمن. وتبقى فلسطين لعبة بين أيديهم جميعاً كما كانت دوْماً، ويبقى الدين سلاحاً ذا حدَّيْن: أفيوناً للتخدير أو متَّكاً للاحتجاج من أجل إقامة العدْل. 
إن السنة والشيعة يمثلون سلطة نافذة بواسطة الدين والحكم والمال وبالتكنولوجيا أيضاً. ولعلَّكم تذكرون أن فيلم الرسالة مثلاً، ما كان لتظهر فيه صورة "محمد" كما لا تظهر صورة"علي". إنه تعبير عن توازن القوى. لقد قال "الزمخشري" عن المذاهب الأربعة:
إنْ سألوا عن مذهبي لم أبحْ به  وأكتمه كتمانه لي أسلمُ
فإن حنفيا قلت قالوا بأنني   أبيح الطلى وهو الشراب المحرمُ
وإن شافعيا قلت قالوا بأنني  أبيح نكاح البنت والبنت تحرمُ
وإن مالكياً قلت قالوا بأنني   أبيح لهم أكل الكلاب وهم همُ
وإن قلت من أهل الحديث وحزبه  يقولون تيس ليس يدري ويفهمُ
لا أحد بِوُسْعه أن يُشكِّك في أن الدين كان وسيظلُّ بُعْداً روحياً يلجأ إليه المعذَّبون في الأرض، كما لا يشكِّك في أنه عصا تُساق بها قطعان الجهَلة والمُغفََلين من الذين يطمئنون إلى أنهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون. وقد لا يميزون بين الشيعي والشيوعي. 
فإذا كان الخلاف جوهرياً بين المذاهب الأربعة إلى حد التناحر وتكفير بعضهم عبر التاريخ، فلا أظن أنه سينتهي بين السنة والشيعة وخلافُهم متأصِّل في الحق الإلهي.(( من الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون))"سورة الروم، الآية32ّ.
أرجوكم جميعاً سنَّة وشيعة، نحن في القرن الواحد والعشرين، يكفينا تخلُّفنا، والألاعيب الديبلوماسية ضربٌ من الغزل والنفاق لا يلاقي بين المذاهب، إن الدين لله والوطن للجميع. اجتهدوا –في سبيل الله- لتحقيق المحبة بين بني الإنسان، أو كما قال "ابن عربي" :
صار قلبي قابلا كل صورة   فمرعى لغزلان وديرٌ لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف    وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنَّى توجَّهت ركائبه   فالحب ديني وإيماني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...