الأحد، 9 أغسطس 2015

قصة اهل القطار .... بقلم الصديق اسامة حميدة


يٌحكى يا سادة في قديم الزمان أن نفرًا من البشر إنطلقوا في رحلة على متن القطار نحو وجهة مجهولة، سار القطار و طال مسيره، إخترق البراري و الصحاري بصافرته و أطلق دخان الفحم الاسود بمحاذاة الشواطئ، خلال تلك الرحلة تعرض للنهب مرارا و تكرارا من طرف قطاع الطرق، إلى أن نال التعب من محركه البخاري و توقف فجأة في اللامكان.
بعد توقف القطار لمدة أسابيع تشجعت قلة قليلة من الركاب و ترجلوا من العربات، ثم مرت الاشهر و الاعوام و لم ينقص من عدد الركاب إلا القليل، أما البقية ففضلوا الجلوس منتظرين تحرك القطار، و قضوا الوقت في مناقشة سبب توقفه في حوارات بيزنطية عقيمة لا تؤدي إلى شيء.
طالت مدة توقف القطار حتى طال الصدأ عجلاته التي إلتصقت بالسكة و كأنها لحمت، ليصبح القطار معلما طبيعيا في تلك المنطقة مثله مثل تلك الصخرة العظيمة التي تراوح مكانها منذ نشوء كوكب الأرض.
لكن رغم ذلك لم يستسلم الركاب لهذا الامر الميؤوس منه و فضلوا الجلوس على مقاعدهم تحت شعار "قاعدة و تمونجي" ... كان يمر بهم كل يوم شيخ كبير طاعن في السن يسوق غنمه نحو الهضاب العليا ، فإذا بلغ موضع القطار ينادي على الركاب و يقول :
- "و راها لاصقة .. أخطيكم من ربها"
- و هم يردون عليه بتعجب Why why why بمعنى "لماذا؟"
- فيواصل السير و هو يقول: Stick Stick Stick ...
إدعى راكب من المتعلمين بتوع المدارس -بعد أن تفقد قاموسه - أن الشيخ "خرف" و هو على الأرجح يتكلم عن العصا التي يسوق بها غنمه، لكن في الحقيقة الشيخ كان يقصد معنى الكلمة التي يفيد "إلتصاق الشيء" في الزمن الحاضر باللغة الإنجليزية ...
سخروا من الشيخ، و لحنوا أغنية على وزن تلك الكلمات التي كان ينادي بها، و أصبح القطار الصدأ المهترئ مكانا للشطيح و الرديح، في هذه المرحلة بالذات إخترع قوم الواق واق أغاني الواي واي و الستيك ستيك.
و بقوا على تلك الحال يحاولون تحريك القطار في النهار و إقامة حفلات غنائية في الليل، حتى ذاع صيتهم في تلك المنطقة، و تعاقبت عليهم الأجيال و هم على تلك الحال، فيأتي الأطفال الصغار عند ذلك المكان و يصرخون : "طبع .. طبع" فيخرج الركاب مهرولين ليدفعوا القطار، ليكتشفوا أن الأطفال "ضربولهم صبع" و هربوا، المصيبة أن هذا الأمر يتكرر كل يوم و كل شهر و كل عام، بل و يتكرر كل جيل.
و للقضاء على وقت الفراغ، كانوا يهتمون بأمور تافهة، فيعلقون منشورات و أوراق على جدران العربات و يتناقشون و يصرخون و يشاجرون إلى أن تعلن صافرة القطار موعد "التطباع" من جديد.
الركاب الذين إرتجلوا من القطار و اتخذوا قرارا نهائيا بالرحيل حالفهم الحظ في الصعود على متن الـ TGV الذي قادهم بسرعة خيالية إلى عوالم جديدة لم يتخليوها قط، أما الأغلبية الباقية في القطار فلا نعرف شيئا عن المدة التي لبثوها هناك ...
--------------------------------------------
مصادر ألهمتني لكتابة القصة:
- الجزائر
- قصة أهل الكهف
- قصة يأجوج و مأجوج
- أغنية الستيك تيك
- أغنية الواي واي
- أغنية راهي لاصقة
-إبن الرومية تاع الكواسر
___________________________
العبرة من القصة: من اللخر خلاص، الناس مازالت تكسر في راسها، و يحرقوا في سعرات حرارية ثمينة جراء ركوبهم للأمواج، يا جماعة أبردوا من جيهتها راهي تناكت بكري و لصقت و شبعت لصقة ... شوية إرادة ترجلوا من هذا القطار المهري، و اركبوا في الميترو أو الـ TGV

للتواصل مع كاتب القصة  https://www.facebook.com/oussama.hamida?fref=nf




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...