الخميس، 11 فبراير 2016

حديث عن الله ... بقلم الباحث ابن فرناس


اليوم كان بيني وبين الأخت الفاضلة Hanan Awad دردشة عن فيديو يظهر نقاشاً بين عدد من العلماء، هم: سنيفن هوكينج (Stephen Hawking) العالم الفيزيائي الإنجليزي المشهور على كرسيه المتحرك، وكارل سيغان (Carl Sagan) عالم فيزياء فلكية أمريكي، والروائي البريطاني آرثر كلارك (Arthur Charles Clarke) مؤلف الرواية الشهيرة (الخيال العلمي 2001).  



وقد بدأ المقطع (وهو مقطع قديم) بإجابة من هوكينج على سؤال يقول عنه هوكينج إنه شبيه بأن نقول: هل يستطيع الخالق خلق حجر ثقيل لا يستطيع هو حمله؟ والإجابة أن مثل هذه الأسئلة لا تفيد والأفضل أن نتمعن فيما يفعله الخالق فعلاً بالكون.
والملاحظ هنا هو أن السائل وكذلك المجيب (العالم هوكينج) تخيلوا للخالق هيئة جسدية. فهم لم يبتعدوا كثيرا عن الهيئة الموروثة عند كثير من الشعوب عن الخالق وأنه هيئة مجسدة بغاية القوة والقدرة.
ولو نظرنا لتصور أتباع المعتقدات للإله "الخالق" لوجدنا أنها تتفق على تجسيده وإن اختلف التجسيد من معتقد لآخر. فالآلهة عند اليونان لها أجسام وتتزوج وتنجب وتتقاتل، وكريشنا يصور عند بعض الهندوس على هيئة راعي بقر يعزف الناي، والإله فيشنو يوصف عندهم بأن له لون السحاب الأزرق وله أذرع يمسك بأحدها بزهرة اللوتس.
والإله الأعظم عند الزرادشت "أهورا مازدا" له عدو هو "أهرمان" الذي يمثل إله الشر، وسيتصارع الإلهين وينتصر أهورا مازدا.
وفي المسيحية تجسد الإله بجسد يسوع، وفي كتاب اليهود المقدس لليهود فالإله ينزل إلى الأرض ويتحدث لموسى ويجتمع به وبأناس معه. وفي الموروث الشعبي للأوروبيين فالإله يصور على أنه شيخ أشقر الشعر كث اللحية كبير الهيئة.
وعند بعض الفرق الإسلامية "الله" له يد ووجه ورجل ويضحك ويغضب.... الخ
وحتى عند علماء الفيزياء الذين يحاولون أن يثبتوا أو ينفوا وجود الخالق فهم يبحثون عن هيئة محسوسة وإله مجسد.
فالخالق في التصور البشري لم يخرج عما يعرفه الإنسان، فهو له جسد وإن كان ذو طبيعة فوق طبيعة البشر، وذو قدرات خارقة.
فهل الله كذلك؟
سأورد ما فهمته من القرآن وتكرر ذكره مفرقاً في مقالات عدة، وملخصه ما يلي:
الله ليس كمثله شيء
فهو ليس مادة وجسد وليس نفس بلا جسد وليس أي شيء يمكن لنا تخيله. لأن التخيل مثل الأحلام، كلاهما يظهران صوراً مما مر بذاكرة الإنسان وعرفها. لذا لا يمكن لمن ولد فاقداً للبصر أن يصف الألوان ولا يمكنه أن يرى الظلام (السواد) الذي يراه عندما يغلق المبصر عينيه. لأنه لا يعرف كيف يبدوا الظلام ولا الألوان (حسبما فهمت من فيديو قصير شاهدته عن أحلام فاقد البصر).
وكل ما نتخيله عن الله هو ليس لله، ولكنه فقد تصور له سبحانه بما تسعفنا به ذاكرتنا.
فالله جل وعلا شيء فوق التفكير وبعيد عنه ... هو أوجد القوانين التي بموجبها ظهر الكون من العدم وأصبح كما هو الآن ...
لكن كيف تم ذلك لا ندري ولا يمكن أن ندري، لأنه تم بعلمه الذي يتناسب معه سبحانه وليس بموجب العلم الذي نعرف نحن كبشر أو غيرنا من مخلوقات قد تكون في مكان ما من الكون وقد تعرفت على علم أكثر من علومنا.
هو سبحانه أيضاً له عالم خاص لا علاقة له بأي عالم مخلوق سواء كان هذا الكون هو الوحيد أو أن هناك أكوان أخرى. وعالم الخالق لا علاقة له بعوالم المخلوقات ولا يشبهها ولا يتواصل معها مباشرة. لذا فالله جل وعلا لا يتدخل أبدا بعمل القوانين التي تسير الكون ولا المخلوقات التي فيه.
وفي نظري الشخصي البحث العلمي عن وجود الله سقيم وعقيم لأنه بكل بساطة ليس هناك وسيلة توصلنا لعالم الله جل وعلا ... كل ما يمكننا التفكير فيه أو مشاهدته أو رصده أو التعرف عليه هو الكون وما فيه (يعني هو خلق من مخلوقات الخالق وليس الخالق) لذا فكل هذه اللقاءات والمناظرات والجدال بين العلماء حول وجود الله (الخالق) لا معنى لها، لأنهم يبحثون عن إله كما صورته موروثاتهم المسيحية إله مجسد وله ولد. وبالتالي فالمساجلات الكلامية بينهم هي مجرد تصادم آراء ومحاولة كل منهم الدفاع عن رأيه وتخطئة الآخر ... وهذا بعيد حتى عن العلم ولن ينتج عنه حقائق حول الخالق.
لأن العلم لا يمكن ان يصل للتعرف على الله او ماهية الخالق لأنه سبحانه فوق العلم والمعرفة المتاحة للمخلوقات وخارج نطاق الخلق.
ونظريا الانسان (أو مخلوقات ذكية قد توجد في مكان ما من الكون) يمكنه ان يعرف كل شيء عن الكون لو توفر له الوقت والادوات والمعرفة لكن لا يمكن ان يعرف عالم الخالق ولا أي شيء عنه.
المخلوقات لا يمكن ان نعرف الا ما يوجد في هذا العالم (الكون الذي تعيش فيه) أو أي مجال خارجه له وجود حسي، لكن عالم الخالق لا يمكن مغرفته لأنه ليس ضمن نظاق معرفتنا ولو نزظرياً.
لو كان الله صمن الكون والمادة فيمكن ان يقال انه من الممكن ولو نظريا ان نتعرف عليه او على شيء من خصائصه، لكن الله خارج العلم والكون والخلق وكل شيء. والمخلوقات لا يمكن ان نتعرف على اي شيء لا يمكن لها معرفته.
الله خلق العلم كل العلم لذا يمكن للمخلوقات التعرف على العلم لكن ما لم يخلق لا يمكنها معرفته.
والله لم يخلق.
الله لا يوجد بمفهومنا للوجود هو من اوجد الوجود والعلم عند المخلوقات يتوقف عند حدود الوجود.
لو فكرنا في كيف هو الله أو ناقشنا وجوده أو هل له يد ورجل ووجه .. الخ، فنحن نحجمه سبحانه كوننا تصورنا انه شيء محسوس يمكن وصفه.
ولو فهمنا ما يقول سبحانه عن نفسه (ليس كمثله شيء) فسنعلم انه لا يمكن لنا ان لتخيل اي شي عنه سبحانه لأنه ليس كأي شيء يمكن تخيله.
كل شيء في الكون بمكن فهمه والتعرف عليه ... وكل شيء في خفايا العلم يمكن معرفته يوما، لكن الله ليس علم وليس شيء محسوس وليس في هذا العالم وليس في الوجود (الذي نعرف).
لو ان العلماء اقتصروا في كلامهم وبحوثهم على التعرف على نشأة الكون وكل ما في الكون وعلى خفابا العلم فسيكون لكلامهم معنى لأنهم يملكون بعض المعرفة، ويمكنهم زيادتها.
لكن ان يحاولوا اثبات أو نفي وجود خالق عن طريق التعرف على علم خلقه الخالق وكون خلقه الخالق فهذا لن يوصل لشيء.
على علماء الفيزياء أن لا يقحموا الخالق في بحوثهم، لئلا تكون بحوثهم عبارة عن وصف للنور من شخص ولد فاقداً البصر.
وبالنسبة لنا كمسلمين علينا أن نقدر الله حق قدره، ونهتم بما يهمنا، وهو ان هناك نعيم وجحيم وعلينا ان نتجنب الجحيم.
أما تخيل الله بما نعرف ونتصور ونتخيل فهو تحجيم لقدر الله جل وعلا.
علينا أن نعرف حجمنا كمخلوقات وأننا لن نتعرف على الخالق وجهاً لوجه ولن نراه لا في الدنيا ولا في الآخرة. لأننا مخلوقات وهو خالق، وسنبقى مخلوقات في الآخرة كما نحن في الدنيا ولو تغيرت هيئاتنا. وكون الاخرة لن يكون ضمن عالم الله بل هو خلق من خلقه، وهو سبحانه كما وصف: ”لا تدركه الأبصار“ أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة.
والسلام


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...