الجمعة، 5 فبراير 2016

 كيف يحرك الخوف الديكتاتوريات؟ .... بقلم مها عامر

كيف يحرك الخوف الديكتاتوريات؟ كيف تستخدمه وتوظفه لمصلحتها؟ وهل له أهمية في تغيير الرأي العام، وفي التعامل مع الخارج والداخل؟ وهل يحقق أهدافه ؟ وأي نوع من الديكتاتوريات استخدمته بالفعل؟ وكيف استخدمته؟





حقيقة لم تشغلني الأسئلة السابقة كثيرًا لأنني أعلم أن الديكتاتوريات جميعها تقرأ من كتالوج واحد متعدد الأدوات وموحد الأهداف.الحقيقة أن الخوف واستراتيجيات عديدة مماثلة تستخدمه الأنظمة الشمولية على مستوى داخلي و خارجي، بمعنى أنه قد يُستخدم كسلاح موجه من الداخل "الدولة" إلى مواطنيها أو من يتم استدعائه من الخارج إلى "النظام" لتصويره بصفته الحارس والمحارب المستهدف أو ضد المواطن بصفته "عدو" للدولة التي تحارب لتحميه.


(1)الدولة المستهدفة: تمرير القمع وتبرير القتل


يقول الدكتور جو جاكوبسون، بروفيسور علم الاجتماع، في جامعة ترودايم في النرويج في مقال له بعنوان: "كيف تنجو كديكتاتور" أن الناس تنتقل بينهم المشاعر بشكل معدٍ، لذا إذا توفرت لهم الحرية، أي مساحة منها، فإنهم سيطالبون بالمزيد ويُرجع سقوط الاتحاد السوفيتي ومعظم الأنظمة الشمولية في وسط وشرق أوروبا في الثمانينات والتسعينات إلى ذلك، فقد كان ميخائيل جورباتشوف يعتقد أن الشد قليلًا هنا والجذب قليلًا هناك سوف يطيل عمر الاتحاد قليلًا إلا أن الأمر لم يدم بل تحول إلى أشبه ما يكون بالسقوط المتتابع.هناك أيضًا نظرية عريقة فيما يخص سيكولوجية الخوف التي تصدرها الديكتاتوريات للجماهير، وهي أنه "كلما شعر الناس أنهم مستهدفون من قبل عدو ما، كان تنازلهم عن حريتهم ومساحاتهم الخاصة أكبر" والحقيقة أن ذلك أيضًا يتم الترويج له على مساحات أوسع عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لتمرير القمع ومباركته أحيانًا.وفي التاريخ فإن أهم القوانين القمعية تم تمريرها بمبررات ارتبطت دومًا بالأمن القومي والأزمات الخارجية، مثل قانون الباتريوت الأمريكي الشهير الذي يسمح بالتنصت على أجهزة الهواتف واختراق الخصوصيات الشخصية في الولايات المتحدة، والذي تم تمريره إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقوانين التظاهر في مصر، إبان تفجيرات متلاحقة في مناطق الاحتقان في سيناء والعريش وغيرها.أما تبرير القتل، فيتم في إطار قانوني من ناحية، حيث يتم تصدير عناوين كبيرة وربطها ببعضها البعض مثل الخوف من هدم الدولة، الخوف من الفوضى، الخوف من تسليح الخصم السياسي.وإذا استطاعت الدولة تصدير الفكرة من خلال الإعلام، ووجدت مباركة شعبية، فإن النتيجة أنها تسرف في القتل، إما لضمانها أنها ستفلت من المحاسبة في غياب الرقابة الشعبية وضعف الرأي العام، أو أنها تستخدم ذلك كعامل من عوامل التخويف، الاعتقالات العشوائية البعيدة عن عيون المنظمات المدنية غير الحكومية وانتهاكات حقوق الإنسان أيضًا من استراتيجيات تصدير الخوف، سجون سيئة السمعة، حالات الاختفاء القسري، حيث أن التاريخ يتحدث عن أن الأنظمة القمعية تميل في معظمها إلى الاحتفاظ بأماكن اعتقال غير معروفة تمارس فيها أنشطة غير مشروعة، تعذيب، قتل، اغتصاب، كما في حالة الديكتاتوريات العسكرية في تشيلي وسوريا.


(2)المجال العام: الدواعي الأمنية !


لتصدير الخوف يجب تخفيض سقف المجال العام، واستهداف الفضاءات العامة، والرموز، والصحافة غير الحكومية، الرقابة على كل شيء وأي شيء.مشهد تفتيش الأمن المصري لشقق المواطنين في منطقة وسط البلد عشية زيارة الرئيس الصيني على سبيل المثال، واستهداف المواطنين في الأكمنة والإطلاع على محتوى حواسيبهم وهواتفهم. غلق مساحات فنية أو إعلامية محايدة، وتحجيم عمل المنظمات الحقوقية الأجنبية.باختصار يجب أن يشعر المواطن أنه واقع تحت سيطرة السلطة، وأنه الطرف الخاسر في أي مواجهة قد تحدث بينهما. أما الجمهور نفسه، فهو يقوم تلقائيًا بتغذية الخوف بداخله، وبالتالي نقله للمحيط من حوله، ورد عن ناعومي وولف في أحد المقالات التي اختصت بموضوع الخوف وتم ترجمته إلى العربية أن الولايات المتحدة قامت عام 2004 بإعلانها الاحتفاظ بقوائم أسماء الركاب في المطارات والموانىء وكانوا في معظمهم ركاب عاديون أو نشطاء سلام أو من دول مثل فنزويلا مثلًا.
(3)استهداف غير مباشر


تستهدف الديكتاتوريات الكل، ولكنها تركز على المساحات الكبيرة، على أصحاب الثقل الإعلامي من المعارضين غير المتعاونين معها، وتعمد إلى تشويههم وكسر شوكتهم، وتخويف المحيطين بهم من ممارستها العنيفة. وهي في سبيل ذلك تسيطر على الصحافة، وتلصق بمعارضيها تهمة الخيانة العظمى، وتروج لذلك في الصحافة ليتم إيصال رسالة مفادها أن لا أحد معصوم من بطش السلطة وألا سقف لها في بطشها.وتستهدف أيضًا النقابات والأجهزة المستقلة والكيانات التي من شانها أن تخرج بمعارضة ولو نخبوية من الجامعات، بل وتتبع أحيانًا سياسة العصا والجزرة، فهم يرجعون الفضل إلى النظام لبقائهم في مناصبهم، ولا بأس من إبراز تعاونهم ومكافئتهم من وقت لآخر، وحين يتم استخدامهم كأوراق لعب ضد المعارضة وينتهي دورهم تتركهم بلا حصانة من نهش الرأي العام ولو على مستوى شعبي.أخيرًا.. تخشى الأنظمة الديكتاتورية أي ديمقراطية ولو على مساحات محدودة، وتعلمها لأخطائها في هذه السياقات تحديدًا بالنسبة لها مسألة حياة أو موت، فهي تدرك جيدًا أن الديمقراطية تفضي إلى قتلها إو إنهائها، أو حتى فضح خلافتها وتهتكها على الرأي العام، لذا فهي ضدها في المطلق، ويكون سقوطها عنيفًا مدويًا لأن بقائها أصلًا يكون هشًا مكتفيًا بنشاطها القمعي القائم على الأجهزة التي تدين لها بالولاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...