الأربعاء، 30 ديسمبر 2015

كيف نخرج من فوضى العقل والروح ... بقلم الدكتور أبو يعرب المرزوقي


1-كلما سمعت أحدا يتكلم على "تجديد الخطاب الديني" تأكدت من خطابه التجديدي المزعوم أنه أكبر دجال وخاصة منذ أن انتشرت فضائيات هذه المزاعم وبصورة أخص منذ انقلاب السيسي.
2-وذلك لسبب بسيط: لا وجود لخطاب ديني. توجد مرجعيات وعلوم لفهمها وتوجد توظيفات إيديولوجية للدين بمعنى استمداد سلطة روحية تعيد الكنسية التي ألغاها القرآن.
3-وعلوم النصوص المرجعية أساسها اجتهاد ككل العلوم تتسلم موضوعها بوصفه معطى وتحاول رد عناصره إلى مبادئ عامة يمكن ان تسنتج منها مقدمها وتاليها للتعليم.
4-والفرق بين علوم الدين وعلوم الدنيا أن هذه تساعد في استعمار الإنسان في الأرض ماديا وروحيا وتلك تساعد في السمو بها إلى جدارة الاستخلاف.
5-لكن كذبة العلماء ورثة الأنبياء في ما يتجاوز ذلك بصورة تجعل التعليم ذا سلطة روحية إعادة خفية لسلطان كنسي اعتبر القرآن أكثر أهله فاسقين (الحديد 27).
6-فذلك نوع من الرهبانية التي هي مصدر الفسق بمعنيين: أخلاق اصحابها واثرها على شروط المسؤولية الشخصية في الجماعة التي يوجد فيها هذا الرهط.
7-ما من أمة تنازل أفرادها على مسؤوليتهم ليلقوها على من يفتي لهم في ليتحمل عنهم مسؤولية حريتهم الروحية إلا وآل أمرها إلى الانحطاط الحتم.
8-القرآن والسنة هما المفتيان الوحيدان. ولا شك أن هذين المرجعين يحتاجان إلى معلمين. معلمين لا غير وليس قادة روحيين أو سلطان على الضمائر.
9-لذلك فالرسول نفسه ينفي عن نفسه علما لدنيا ليس في متناول الإنسان من حيث هو إنسان ولا يمكن ادعاء وراثة ما لم يدعه النبي بتجاوز العقل.
10-قد افهم الكلام على تجديد مناهج التعليم الديني ككل تعليم. لكن "الخطاب" الديني لا معنى له. خطاب الله هو القرآن وتفسير مبلغه هو السنة. وما عداهما إما علم أو إيديولوجيا.
11-فما عداالنصوص المرجعية وعلومها الصحيحية توظيف لخطاب الله ولتعليمه النبوي في غير ما قصده الله ونبيه: فهل القصد بالخطاب الديني تفسير القرآن مثلا؟ التفسير ليس خطابا إيديولوجيا بل هو اجتهاد تعليمي لا سلطان تبهيمي.
12-في الحقيقة ما يقصدونه بالخطاب الديني هو مهنة الدجالين الذين يريدون حط القرآن والسنة إلى إيديولوجيا توظفها جماعة ضد جماعة بسلطان على الضمائر ومن ثم استعادة الوظيفة الكنسية.
13-فتعليم القرآن والسنة يقتضيان أرقى درجات العلوم الأداتية: اللسانيات والمنطق والرياضيات والتاريخ وأسمى درجات الأخلاق اي التقوى والصدق.
14-والبعدان المعرفي والخلقي نادرا ما تجدهمها عند المتكلمين على تجديد الخطاب لأن الخطاب يعني التوظيف الإيديولوجي أي نفي العلم والأخلاق.
15-وكل هذا اسوقه بسبب ما أشاهده في مصر التي صار فيها جل الأزهر والدعاة مجرد أبواق الثورة المضادة والحرب على الإسلام وخدمة أعدائه وألدهم.
16-إن مكثري الكلام على تجديد الخطاب الديني هم إما فسدة من أدعياء الاختصاص في الدين أو ألأفسد منهم من أدعياء الحداثة في النقد الديني.
17-حتى صار أميو الصحافة وسفلة المتشاعرين ومخبرو الاستعلامات والاستعمار دعاة تجديد الخطاب الديني وهم لا صلة له لا بالعلم ولا بالأخلاق.
18-فعندما أسمع السفلة في تونس أو في مصر أو في أي مكان آخر ببعض مطالعات لمبتذلات التقريب الجمهوري يتفلسفون في الدين وإصلاحه يقشر بدني.
19-كما أن بدني يقشعر عندما أسمح بعض الشيوخ بزاد دون أدنى معارف علماء عصور ما قبل الانحطاط أتساءل: هل يمكن الرد على الصواريخ بالنبال وعلى الدبابات بالجمال؟
20-فالعلم ليس محفوظات ولا استشهاد بببعض الابيات من الشعر:أعماق الوجود الإنسان والعلوم الطبيعية والرياضية واللسانية والمنطقية ضرورية.
21-ذلك هو التجديد المطلوب لا تجديد الخطاب: فالخطاب ثرثرات يتنافس أصحابها في ترديد بلاغة بليدة لا تتجاوز السجع وركاكة الحكمة الشعبية.
22-وحتى لو قبلنا أن الإسلام يحتاج إلى دعاة فينبغي أن يكون ذلك موجها لغير المسلمين ومزودا بما يضاهي مستوى المخاطبين به من علوم وأخلاق.
23-خطب الحمعة في المساجد الموجودة في الغرب أراها دون التعليم والتوعية المناسبين وتحولت إلى بث إيديولوجيا الفتن كما يمثلها عدنان ابراهيم.
24-فهذا الصنف من الدجالين يحول المساجد إلى نكأ الجروح التاريخية وخدمة اجندات لا علاقة لها بالدين والأخلاق بل هي إرهاب فكري على العامة.
25-فالرسالة التي تحرر البشرية من الفتن والسمو بها إلى النساء 1 والحجرات 13صارت خطابا إيديوجيا القصد بتجديده هو تجريد الأمة من مناعتها.
26-وعلة ذلك كله هو سخافة تأسيس العقائد الكلامي.فالعقائد هي بذرة كل الحروب الأهلية في أي ملة دينية: يدعي متكلم أن فهمه هو حقيقة الدين.
27-وهذا الزعم يفترض دعويين سخينفتين: دعوى حاجة العقيدة إلى وسطاء يترجمون تحديدها القرآن بلغتهم الاصطلاحية-المنتحلة من الفلسفة اليونانية بلا فهم- هم المتكلمون والوسطاء أكثر قدرة على التبليغ من رب العباد وأفهم من رسوله.
28-فالعقيدة الإسلأمية جمعها القرآن في البقرة 177 وحرم التأويل الذي يفسدها في آل عمران7: فيأتي المتكلم بمرض قلبه مبتغيا الفتنة في الدين.
29-والفتنة الدينية لا يكفي أنها تسبب الحرب الأهلية بين الفرق والطوائف هي تحول دون الفراغ لعلاج شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها.
30-ومعنى ذلك أن الامة بدلا من تربي شبابها بجنسيه على تحقيق شروط الحياة الكريمة والعزيزة تتلهى عن ذلك بما يبعدها عن شروط الحرية والسيادة.
31-لذلك وجود العدو لنا عزلا فتمكن من استعمارنا لأننا عشنا على مضغ بزنطات المتكلمين وتخريف المتصوفين ونفاق فقهاء السلطان بدل قيم القرآن.
32-فالقرآن يقول لنا إن الله خلق العالم بقوانين رياضية وبمنطق عقلي ينضح حكمة وخلقا فحولناه إلى تخريفات التأويل الكلامي والصوفي المنحط.
33-فصار إسقاط فلك بطليوس والتناظر بين العالمين الأكبر والأصغر غاية العلم وأسرار الحروف والتنجيم غاية العلم اللدني في تفاهات ابن عربي. 

34-وقد فضح ابن خلدون
كل هذه العلوم الزائفة وبين ما تحتوي عليه من خدع مبتذلة تنال اعجاب العامة وتحقق خطة الغزو الروحي الباطني للأمة.
35-وكان الغزالي قد سبقه في فضائح الباطنية فبين سخافات التأويل الباطني للقرآن وهو التأويل الذي ما يزال ساريا اليوم في غزو الدجالين للأمة.
36-طبعا ستجد من يتصور أن ما سنقوله يعني التخلي عن التفكير مدعين أن رفض علم الكلام والتخريف الدعوي بالمعارف العامية يعني نفي الفكر الحر.
37-وهذا من الإيهام بأن علم الكلام والتخريف الدعوي بالمعارف العامية فكر بل وعلم كما يزعمون وأن بيان طابعها الفكري الزائف تعد عن حرية نعلم أن منعها مستحيل: العلوم الحقيقية والبناءة تنجح دائما ولا أحد يحاول منعها.
38-نحن لا نجهل أن كتابة "الدخان يقتل" على صناديق السجائر لا يمنع المدمنين على تعاطيها. لكن ذلك لا يلزم الطبيب بعدم التصريح بما يعلم عن أضراره على الصحة.
39-علم الكلام عامة ومنظومات العقائد التي تنتج عنه أخطر من الإدمان على المخدرات: فهي جرثومة الحروب الأهلية وهي الحائل دون المعرفة العلمية بنص القرآن الصريح (الآية السابعة من آل عمران: مرض القلوب وابتغاء الفتنة).
40-فهي للعلتين الشرط الضروري والكافي لانحطاط الأمم: فبما تسببه من فتن بين الفرق وبالمعرفة الزائفة تلغي شروط القيام حماية لذاته ورعاية.
41-تصوروا أمة لا يهتم فكرها بما يقبل العلم (الآفاق والأنفس) ويعالج شروط بقائها استعمارا في الأرض واستخلافا لتنشغل بما يبين القرآن أنه من الغيب المحجوب: الذات والصفات والمعتقدات وصفات الدار الآخرة وجنس الملائكة والشياطين والجن.
42-عندئذ لا تعجبوا إذا صارت عزلاء في الحماية وخواء في الرعاية فتكون قدحققت شروط القابلية للاستعمار مع كثرة الثرثرة في ما نهى عنه القرآن.
43-فقد وجدنا الاستعمار الغربي عزلا بعد أن سيطرت هذه الثرثرة التي جمعت بين الهذيان الكلامي والشطح الصوفي والفقر والمرض والفوضى السياسية والروحية والحروب القبلية والأهلية فتناهش السلاطين أرض الخلافة وفتتوها.
44-ولهذه العلة كتب الغزالي كتابه في "فضائح الباطنية" وفي ما يمكن تسميته "فضائح الظاهرية" الذي هو احياء علوم الدين وقد بدأه بدائين هما التكالب على علم الكلام والفتن والفقه خادم السلطان.
45-وهو في الحقيقة يعجب من إهمال العلوم التي وجه إليها القرآن فكر الأمة والانغماس في المعرفة الزائفة التي نهى عنها فمثل بحال الطب إذ لا يوجد إلا طبيب واحد وهو يهودي.
46-عدد يهود العالم لا يتجاوز عدد سكان دويلة عربية متوسطة. وعدد المسلمين مليار ونصف.هم في ذروة العلم ونحن في قاعه وفي ذروة الجهل والأمية.
47-فتجد المتكلمين بنفس العنجهية التي اعتبرها الغزالي وكل علماء الأمة الذين يفهمون معنى النهي القرآن من علامات مرض الزعامة الهذيانية.
48-يكفي أن الواحد منهم يتحول إلى زعيم فرقة متصورا أنه اقدر من القرآن على تحديد عقيدة الفرقة الناجية ومن النبي على فهم القرآن وسبل الهداية.
49-أما تفاهات المتصوفة فهي أدنى من أي بحث علمي في النفس البشرية إذا نزعنا عنها المحسنات البلاغية والتهويل في دعوى إدارك أسرار الوجود.
50-لوجمعت كل متصوفي العالم وتخريفهم لوجدت الحصيلة لا تساوي أي تحليل أرسطي أو أفلاطوني أو سينوي أو غزالي أو تيمية أو خلدوني مع تواضع حقيقي.
51-يكفي أن يقول الشيخ للمريد أنه يريده كالميت يغسله لتعلم أنه جوهر الدجل والتنويم المغناطيسي لكأن المعرفة ليست مشروطة بالوعي لا الغيبوبة.
52-لذلك خصص ابن خلدون فصولا لدحض العلوم الزائفة -علوم المتكلمين والمتصوفة الدجالين-ويخصص كتابا لبيان المجاهدتين الممكنتين والمشروعتين.
53-وكان هدف الكتاب -شفاء السائل-لدحض مجاهدة الكشف وبيان استحالة علم الغيب المحجوب وامتناع التعبير المفهوم عن الوجدانيات لسانيا وعقليا.
54-كل بحث في ذات الله وصفاته مآله إما علم زائف أو إلحاد خفي من رد العجوزعلى من عرفها بالرازي فاعتبرت أدلته دليل ضعف إيمانه لا دليل علمه.
55-القرآن يغنينا بفصلت 53 التي لا تحتاج إلى شرج أو تأويل: نعلم أن القرآن حق بآيات الآفاق (علوم الطبيعة) وبآيات أنفسنا (علوم الإنسان).
56-المتكلمون والمتصوفة أجهل الناس بآيات الآفاق (علوم الطبيعة) وآيات الأنفس(علوم الإنسان) ويريدون أن يفسروا لنا معنى استواء الله وصفاته.
57-يتركون ما يقبل العلم فلا يطلبوه ويطلبون ما لا يقبل العلم لأنه موضوع إيمان فيدعون المؤمنين لترك الإيمان بكلام الله إلى اتباع كلامهم.
58-ويسمون ذلك عقائد ثم يكونون فرق تتنابز بالألقاب ثم رويدا رويدا تتماكن بالأيدي فيفتتون الامة: أمراء حرب وطواحين هواء لا بناة حضارة. وتلك هي الفوضى الروحية التي نزعت كل أسلحة الأمة فجعلتها قابلة للاستعمار.
 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...