الثلاثاء، 22 مارس 2016

بقلم الصديق ماهر محمد المناس


الدولة منذ القدم و حتى اليوم مشروعها يقوم على البقاء و الاستمرار ، هذه قاعدة ثابته لا تحتاج الى ذكاء حاد لمعرفتها و فهمها، و لكن عند الحديث عن تأسيس و نشأة الدولة فانها لا تقوم الا على اساس فكرة جامعة، و على هذا الاساس تحافظ الدولة على بقاءها و شرعيتها داخليا و خارجيا ، لكن الدولة تسقط اذا سقطت الفكرة الجامعة لانها اصبحت لاتلبي التطور او نافستها فكرة اخرى جامعة تضاهيها و اكثر منها متانة، لهذا السبب فان الدولة تطور فكرتها الجامعة تلك ، او تختار فكرة جامعة يمكن تصديرها للخارج ، فلا بد من ايجاد فكرة تستطيع الدولة نشرها حول حدود الدولة ايضا لعمل حزام امني يسير وفق تلك الفكرة، كي يحافظ على الدولة حول محيطها لاجل البقاء و الاستمرار و التوسع ايضا .التاريخ يخبرنا عن دول سقطت بسبب تلك الفكرة الجامعة( الايديولوجيا التاسيس) التي قامت عليها ، لانها لم تعد تلبي تطور الزمن و لم تعد تستطيع حل مشكلات الداخل و اصبحت جامدة، او ظهور فكرة جامعة اخرى( ايديولوجيا جديدة) نافستها و اسقطتها .
عندما يقول الفيلسوف الالماني ارنست بلوخ بأن ( الصهيونية لن تحل مشكلة اليهود ، و لا أي مشكلة، و كل ما ستفعلة هو بلقنة الشرق الاوسط ، و تحويله الى منطقة تطحنها و تفتتها النزاعات )، فهو لا ينطلق من نظرية المؤامرة التي يسخر منها موضة الليبرالين و العلمانين الجدد، و لا ينطلق من معاداة السامية التي تلقى رواج في الغرب بل ينطلق من نفس القواعد و المفاهيم السابقة التي ذكرتها .
لماذا قال ارنست بلوخ ذلك ؟
لنذهب الى اسرائيل و نعاين هذا الامر و نحلله من منطلق تلك القواعد و المفاهيم السابقة التي ذكرتها .
اولا: كما هو معلوم فان اسرائيل قامت بعد الحرب العالمية الثانية كوعد من القوى الدولية بانشاء وطن قومي لليهود، و لكنها تاسست على ارض شعب و تم تهجير شعب لاجل تاسيس اسرائيل و تم استقدام شعب من كل مكان في العالم للاستيطان في اسرائيل. هذه الحقيقة معروفة لدى الجميع ، فالسؤال كيف ستعالج اسرائيل و هناك شعب مازال يحتفظ بذاكرته و يعيش في الخارج و يسعى لتحقيق العودة و انشاء وطن له باسم فلسطين . هناك ذاكرة جمعية حية و موثقة كل شيء تسعى للعودة و لها فكرة انشاء وطن قومي لهم ، مشكلة حقا ، و الصهيونية تعي جيدا هذه المشكلة و لذلك فدائما ما نسمع اسرائيل تقول ان قيام دولة فلسطين يهدد وجودها و ان عودة اللاجئين كذلك تهدد وجودها ، و تدخل اسرائيل بخلافات سياسسية مع دول تؤيد قيام دولة فلسطين . اذا كانت نتائج الحرب العالمية الاولى سببت مشكلة كبير بتلك الاتفاقيات المجحفة و ادت للحرب الثانية ، فان نتائج الحرب العالمية الثانية اصرت على مشكلة اخرى و هي اسرائيل .
ثانيا:فكرة قيام اسرائيل فكرة دينية، تعتمد على نصوص كتاب قديم، ماذا لو حاول اسرائيلي نقاش مشروعية دولته مع رجل يؤمن بدين اخر ينكر دين اليهودية، اذا فمشروعية اسرائيل خاصة باليهود فقط و تعتمد على الايمان ، و الصهيونية تعي جيدا هذه الحقيقة لذلك استطاعت اختراق الاديان الاخرى و خلق مذاهب جديدة تعتقد بقيام اسرائيل، فكما نعرف بان المسيحية كانت تعادي اليهودية، لكن ظهرت جماعة مسيحية صهيونية ، تؤمن بعودة المسيح بقيام اسرائيل روحيا و فكريا، تشكلت عقيدة روحية تؤمن بترابط عودة المسيح بقيام اسرائيل ، اذا موضوع اسرائيل عقيدة لدى المسيحين هولاء. الامر لا يقتصر على المسيحية حتى الاسلام ، فتفسيرات الدين في الاسلام القادمة من السعودية تؤكد حق اليهود باسرائيل كوعد من الله و كما نعلم فان السعودية و خطابها الديني يمثل خطاب الروحي للمسلمين في المنطقة السنة و هم الغالبية ، و لا تستغرب حديث مسلم يقول ان اسرائيل هي ارض اليهود ، او حديث داعية يتحدث عن ذلك، بجانب ربط ملاحم نهاية التاريخ باليهود، فهناك تفسيرات جديدة في الاسلام و تستند الى روايات مسيحية بان المؤمنين جميعا ( المسلمون و المسيحيون و اليهود) سوف يجتمعون في الشام لقتال الفرس ، و هذه التفسيرات تلقى رواج كبير و ايمان منقطع النظير لدى المتدينين . ماذا لو حاول اسرائيلي نقاش مشروعية دولته مع رجل لايؤمن بالاديان او يؤمن بدين غير الاديان الثلاث ، عندها علينا نذهب الى الحقائق التاريخية و النقوش ، و تعي اسرائيل جيدا هذا الامر ، لذلك اسرائيل مهتمة كثيرا بالاثار و النقوش، و قسم الاثار في اسرائيل من اهم الاقسام في الجامعات ، و يلقى دعم كبير من اسرائيل و منظمات صهيونية ، و عالم الاثار يحضى بمنح مالية كبيرة تجعله ثري فيما يخدم موضوع اكتشاف نقوش و اثبات وجود اسرائيل في فلسطين ، و لهذا دائما ما يسخر الكثير مني حين اقول لهم ان اسرائيل مهتمة بالاثار في اليمن كثيرا ، و تتعرض اليمن لتهريب كبير في الاثار و عن طريق وكلاء و دبلوماسين في سفارات دول خليجية و اخرى اوروبية ، لان اسرائيل تعاني من هذه المسالة في فلسطين فالنقوش و الحفريات في القدس لا تتحدث بتلك الرواية المذكورة في التوراة ، و وصل الامر بكبار الباحثين الى ان جغرافيا التوراة ليست في فلسطين ، و بالمقابل هناك دراسات كثيرة تنتشر بشكل غير مسبوق تتحدث عن فرضية ان اسرائيل كانت قبيلة يمنية قديمة و ان احداث التوراة في اليمن.
ثالثا: اسرائيل قامت على فكرة دينية قومية شعب الله المختار، و هي فكرة غير تبشيرية ، لا تستطيع اسرائيل نشر اليهودية في المنطقة او العالم لاجل بقاءها و استمرارها و توسعها، فيكف سوف تستطيع دولة ان تعيش بفكرة محصورة جدا و لا يمكن ايجاد من يؤمن بها في محيطها كي يصنع لها حدود امنية تكون هي فيها الدولة الروحية لهذه الفكرة ، لا يستطيع احد ان يكون يهودي . و اذا كنت تعتقد ان اسرائيل لا تعي هذا الامر فانت مخطىء ، فاذا كنت اقرا في اخبار عن مشروع لنقاش يهودية الدولة و لا اعرف هل الامر مازال قائم ، و قدر ذكرت هذا الامر لدى بعض الاصدقاء و ان الموضوع خطير و لا يمكن نقاش مثل هذه الفكرة الا لوكان هناك حدث كبير يخيف اسرائيل، و لان اسرائيل دولة صنعها لوبي استعماري لم يكن لاجل اليهود بل كان مشروع استعماري استغل يهود العالم و قام بتوجيههم الى فكرة اسرائيل . بجانب ان اسرائيل تعيش في وسط محيط معادي لها دينيا و قوميا ، كيف تستطيع اسرائيل اذا نشر هذه الفكرة و توسيعها في محيطها و هي فكرة غير قابلة للنشر او التبشير بها و بجانب ذلك حولها محيط معادي لها قوميا . لكي تعالج اسرائيل هذه المشكلة الجوهرية فعليها السعي الى تقسيم المنطقة الى دويلات صغيرة جدا و ضعيفة و متنحارة ، تقوم تلك الدول على اسس عرقية و قومية و اثنية و مذهبية و دينية و هويات جديدة، حتى يعطي لها مشروعية التاسيس على فكرة قومية و على فكرة دينية مثل بقية الدويلات حولها، و ستكون شعوب الدويلات مقتنعة بفكرة تاسيس اسرائيل لانها نفس الفكرة التي قامت عليها دويلاتهم ، و تطمئن اسرائيل انه لن يكون لها منافس قومي كبير او ديني كبير . و هذا ما نلاحظة مع موجة المطالبات بالتقسيم في دول المنطقة و الحديث عن هويات و تقسيمات اثنية و عرقية من ليبيا الى سوريا الى العراق الى اليمن ، و اخرها تصريح امريكا ان الحل في العراق هو التقسيم .
كيف تدير اسرائيل هذا المشروع في المنطقة ؟
ينشر رواد المواقع الالكترونية مقارنة مؤلمة لصور بين مدن العربية التي تحولت الى خراب بمقارنتها بمدن اسرائيل و حالة الاسف و الحسرة في تعليقاتهم، و البعض يطلق سخريته و ضحكاته مضيف لها سؤال يفرض نفسة بقوة على المشهد كيف ان المنطقة تشتعل كلها و تحركات سياسية في كل مكان ، بينما اسرائيل لا يسمع احد لها صوت و نائمة و لا تصدر اي حركة ؟
فعلا المنطق يقول ان اي حدث سياسي يحدث في المنطقة تجد بعده كل الدول في المنطقة تتحرك و تطلق تصاريح و تعلن عن مواقف لكل حدث ، فكل حدث يستلزم تحرك للحفاظ على مصالح اي دولة في اي مكان ، لكن المشكلة ان صعوبة تواجد اسرائيل بشكل مباشر في اي حدث في المنطقة يمنع من تنفيذ مشاريعها ، خصوصا ان المنطقة بشكل عام تقاطع اسرائيل و ترفض التطبيع معها، حتى ان وجدت دول لها علاقات ، فلا يوجد تطبيع شعبي معها ، و سيكون اي تحرك لها هو عمل غير مقبول شعبيا ، في مثل هذه الحالة يكون الحل المناسب هو وجود ذراع لها في المنطقة يدير مشروعها و مصالحها، بواسطة الخدعة القديمة و هي الية الاختراق الداخلي المسماة حصان طروادة ، و لم اجد حصان المنطقة الا دولة السعودية، فهي الدولة الوحيدة التي تنشر الخراب و تنشر ثقافة الكراهية و القتل و نبذ الاخر بواسطة الالة الاعلامية الضخمة التي تملكها من قنوات و صحف و مجلات ، بجانب الكتب الضخمة التي تقوم بتوزيعها في المنطقة بصورة مجانية و بدعم كبير، ترفع من موجات الكراهية في داخل شعوب المنطقة و تحولهم الى وحوش تقتل الاخر و تحولهم الى كائنات تتقاتل فيما بينها ، و تقوم بضخ موجات التخلف حتى اصبح العقل في المنطقة يعيش العصور القديمة بافكارها و قيمها و اخلاقها القديمة، شعوب المنطقة تسعى نحو التحوصل و التقوقع و التوحش . و هذا الحصان لا يحتاج الى ذكاء حد ليفسر سر التقاء مصالح اسرائيل دائما بمصالح السعودية في كل من مصر و لبنان و فلسطين و العراق و المنطقة بشكل عام ، نعم فحصان طروادة يفسر غرابة التقاء مصالح اسرائيل مع السعودية في المنطقة و هذا يفسر سبب تصاريح و مواقف السعودية الهادئة و الغير مبالية ب اسرائيل دائما ، و يفسر سر حضور السعودية القوي في كل دولة في المنطقة.
في مقابلة اخيرة مع هيكل مع جريدة لبنانية التي احدثت ضجة في السعودية بسبب حديث هيكل عن السعودية ، يقول هيكل ان مشروع اسرائيل مازل الاقوى في المنطقة ، لكن المحاور لم يسال هيكل اين هو المشروع و كيف تدير اسرائيل المشروع ، و لا اعرف هل هيكل مازال حذر من اتهام السعودية بادارة مشروع اسرائيل في المنطقة ، مع ان الوضع في المنطقة يحتاج الى صورة اكثر وضوح . لكن السؤال الذي يطرح اين تكمن قوة اسرائيل ؟، تكمن قوة اسرائيل بالنفط الذي يدير مشروعها في المنطقة و باللوبيات الصهيونية القوية المتواجدة في مراكز صناعة القرار في دول القوى الكبرى ، التي تصدر مجرد توجيها لاذرعها في المنطقة لصالح بقاء اسرائيل و مشروعها ، ومن خلال ذلك تدير المنطقة و تدير مشروعها للبقاء و الاستمرار و لا تحتاج اسرائيل حتى ان تنطق بكلمة .
هل كانت القوى العالمية تدرك و تعي هذا الامر ؟
هذه هي الاسباب التي نتحدث بها دائما عن مشكلة اسرائيل في المنطقة و لا علاقة للامر بموضوع اليهودية اطلاقا، والامر ليس ديني ، و لا علاقة للامر بشعار دعم فلسطين و قضيته الذي اصبح يمثل حساسية لدى الكثير ، بسبب اهتمامنا المبالغ به بقضية فلسطين و شعبها و لم نعد نهتم بمشكلات شعبونا ، و اصبحت فلسطين تحوز اهتمام اكبر لدينا يعيقنا عن الاهتمام بمشكلات شعوبنا.
نعم اخلاقيا و انسانيا مع شعب الفلسطيني، لكن بغض النظر عن هذا الامر ، فانا مع قضية فلسطين من جانب مصلحة و سياسة ، لان دعمها يعني الحفاظ على انفسنا ، و الحفاظ على مصالحنا ، مصلحة فلسطين من مصلحة المنطقة كلها ، امر سياسي يعم المنطقة كلها، لان القصة هي قصة المشروع الصهيوني الذي يدير المنطقة ، و لا حل الا محاربة هذا المشروع و انهاءه، المشروع الصهيوني الذي كان كارثة الحرب العالمية الثانية و الذي لم تستفد القوى العالمية من اخطاءها في السابق بمعالجتها الخاطئة للعالم بعد الحرب العالمية الاولى فابتلى العالم بحرب عالمية ثانية ، صحيح انها عالجت اخطاء التي سببت الحرب العالمية الثانية، في ربط الاقتصاد الالماني و الياباني بها خوفا من ظهور هتلر جديد يثار على الظلم الذي وقع على المانيا، لكن الصحيح انها خلقت مشكلة اخرى اسمها اسرائيل و المشروع الصهيوني الذي ظلم المنطقة كثيرا ( حروب و تخريب و دمار و ارهاب و تقسيم و تخلف ) في سياسته لاجل الحفاظ على الكيان الصهيوني و استمراره، و هذه المشكلة باعتقادي ستكون هي السبب الرئيسي في الحرب العالمية الثالثة .
.

المصدر https://www.facebook.com/yemen.son1


.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...