الاثنين، 28 مارس 2016

عَبَثُ دَعواتِ تنقية التراث ..... بقلم المكي أحمد المستجير


منذ تزايُد تسليط الضّوء على التطرّف الدينيّ السلوكيّ في الثقافة الاسلاميّة (وداعش فقط أحد مظاهره)، تزايدَت طردا دعواتٌ بضرورة تنقية التراث الاسلاميّ، طَمعا في تعزيز أيدلوجية الوسطيّة، ومحاولة دفع تهمة التطرّف عن التديّن الفقهيّ السّمِح !!!، وعن الاسلام التاريخيّ الرحيم !!!.
ولكنّ هذه الدعوة (القديمة المُتجدّدة) تفضحُ إشكاليّة مِفصليّة في الفكر الاسلاميّ، وهيَ : اعتبارُ هذا التراث مرجعا معرفيّا ومصدرا تشريعيّا وأساسا مُلزما لما بعده، وأصلا يُقاسُ به الشاهدُ على الغائب، باتساع دائرة القُدُسيّ وانحسار دائرة التاريخيّ وإطلاق صلاحيّة النّسبيّ؛ ليكونَ جواز السّفر الوحيد للدخول إلى أيّ حقلٍ معرفيّ.
وإلا فما الجدوى من تنقيته إذن، وإضاعة الجهد والوقت والمال والموارد البشريّة ؟!!، فلو نظرنا إلى التراث (بالمعنى العام للكلمة) في سياقه التاريخيّ، بخطئه وصوابه وتصوراته، وارتباط النصّ بواقعه، والحكم بعلّته، والحدثّ التاريخيّ بظروفه؛ لَعِشنا القرن 21 بعقليّته، لا بعقليّة 8 قرون مضت، تماما كمصير ما سنخلّفه اليوم لمن بعدنا.
إنّ إشكاليّتنا الكُبرى في هذه القضيّة، لا تكمن بالضرورة في هذا التراث الضخم الفخيم، وإنّما تكمن في [ طريقة تعاملنا معه، ونظرتنا إليه، وموقفنا منه]، كما أشرنا أعلاه، فأصبح عقبة في طريق التحاقنا بمجتمع المعرفة. إذ في تراث بعض الأمم الأخرى وتاريخها من التجهيل والعنصريّة والدماء ما يندى له جبين إبليس، وتظهر أمامه مخازي الدولة الأمويّة كمملكة من مماليك السماء، ولكنّها عرفت كيف تتعامل مع تراثها وتاريخها، وتجعل منه دافعا لا عائقا.
وزُبدة القول عندي ومِنّي : (التراث ليس مجموعة مُسلّماتٍ، بل هو اجتهاداتٌ بشريّة، بحثا عن إجاباتٍ لمسائلَ فرضتها تحديات الواقع المُعاش، حسب الأرضيّة المعرفيّة المُتاحة، والسقف الفلسفيّ الموجود).
ويبقى السؤال المُرعبُ لدى الكثيرين، والذي يَحُدّ من التحليل الدقيق لهذه القضيّة، ويجعلها حقل ألغامٍ، قد تفتك بصاحبها :
هل يُعتبر القرآن الكريم تراثا ؟!.
وما يفتحه هذا السؤال على تاريخيّة النصّ القرآني، وما يمنحُه في الوقت نفسه، من إجاباتٍ على تساؤلاتِ دارسِهِ اليوم، وحلولٍ للكثير من أحكامه بفهمها التقليديّ.
[خاطرة أولى على هامش إعداد مُلخّص ورقة بحثيّة، للمُشاركة في مؤتمرٍ عن التراث]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...