الجمعة، 14 مارس 2025

غزو أم فتح ؟؟؟؟ الاستاذ منير خلوفي

غزو أم فتح ؟!!

من أعظم مداخل الغلط وسوء الفهم = عدم التمييز بين الحقائق اللغوية، والحقائق الشرعية، والحقائق العُرفية الاصطلاحية التي استحدثها المتأخرون.
ومن هذا الباب = تحَرُّجُ بعضِ المفكرين الإسلاميين المعاصرين من استعمال كلمة "غزو" في التعبير عن الحرب الإسلامية، وذلك لظنِّهم أنها تعطي مدلولا سيئا كالنهب والظلم والسفك غير المشروع للدماء، ويقولون: هي فتوحاتٌ لا غزوات.

والحقّ أن هذا التفريق لا أصل له لا في اللغة ولا في الشرع، وإنما هو تفريق اصطلاحي مستحدَثٌ ودخيلٌ على المعجم العربي وعلى الحقائق الشرعية.

أما اللغة = فالغزوُ هو طلبُ العدوّ والقصدُ إليه، قال ابن منظور: (غزا الشيءَ غزوا: أراده وطلبَه).
والفتح هو النصر والحكم والقضاء، ومنه قوله تعالى: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) أي احكم بيننا وبينهم، وقال تعالى: (فعسى الله أن يأتي بالفتح) أي بالنصر والتمكين، ولهذا قالوا: فتح مكة، وعام الفتح، وذلك لظهور الإسلام على أعدائه من مشركي قريش.

وأما الشرع = فكلمة الغزو قد جاءت في كلام الله ورسوله، قال الله تعالى: (أو كانوا غُزًّى) قال الطبري في تفسيره: "أو كان خروجهم من بلادهم غُزاةً فهلكوا فماتوا في سفرهم، أو قُتِلوا في غزوهم".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن مات ولم يَغْزُ، ولم يُحَدِّثْ نفسَه بالغزو مات على شعبةٍ من النِّفاق).
وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرِيَّةً يقول: (اغزُوا بِسمِ اللهِ وفي سبيلِ اللهِ فقاتِلوا مَن كفَر باللهِ، ولا تغُلُّوا ولا تغدِروا ولا تُمثِّلوا ولا تقتُلوا وليدًا ولا امرأةً).

وما زال العلماء يسمُّون حروب النبي صلى الله عليه وسلم غزواتٍ ومغازيَ، وسمُّوا علم السِّيَر بعلم المغازي، فقالوا: "مغازي ابن إسحاق" و"مغازي الواقدي"، وما كانوا يتحرّجون من هذا البتة، كما يتحرج هؤلاء المعاصرون.

فقد تبيَّنَ لك من هذا كلّه : أن تسمية الحرب المشروعة "فتحا" وتسمية الحرب غير المشروعة "غزوا" = هو مجرد تفريق اصطلاحي جاؤوا به من كيسهم، ولا تشهد له اللغة العربية، ولا نصوص الكتاب والسنة، ولا كلامُ أهل العلم.

على أن هنا ملحظا آخر لا ينتبهون له، وهو أنّ كلَّ أمةٍ تدّعي أن حربَها مشروعةٌ وعادلةٌ، وحربَ غيرها بغيٌ وعدوان، فلو طُولِبَ هؤلاء بالفرق بين حروبهم وحروب غيرهم (أي من حيث الأصل) = لعجزوا عن بيان ضابطٍ معقول يُسَلِّمُ لهم به غيرهم من الأمم.
والتاريخ كلُّه غزوٌ وغاراتٌ وحروبٌ ومنازعةٌ ومغالبةٌ وتدافُعٌ بين الغالب والمغلوب، وحروب أمة الإسلام ليست شذوذا عن هذه القاعدة كما يزعم هؤلاء المتحذلقون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تاريخ عائلة بن قانة ..

عائلة بن ڨانة : **مقاطعة قسنطينة**   **آل بن ڨانا**   **منذ الغزو الفرنسي إلى غاية 1879**  الحمد لله الواحد! هذا النشر مخصص لأو...