الاثنين، 25 يناير 2016

يناير 1898م...أحداث نسيناها...ونسوها...وكأنها لم تكن .... بقلم الباحث فوزي سعد الله



بعد سنوات من التحريض الأوروبي الاستعماري في الجزائر ضد اليهود، وإطلاق عشرات الصحف المناهِضة لهم التي لا هم لها سوى انتقاد الموسويين وبث الحقد والكراهية لهم في أوساط المعمرين، فضلا عن استرزاق مجموعة من السياسيين من العداء لهذه الطائفة، كما يحدث اليوم في فرنسا وعدد من البلدان الأوروبية إزاء المسلمين، في خضم كل هذا الغليان، "....أتت مع مطلع 1898م قضية اليهودي الفرنسي دريفوس (Dreyfus) الذي اتُّهم بالجوسسة لحساب ألمانيا لتصب الزيت على النار وتجعل الأرضية الجزائرية أكثر خصوبة لتفجير الغضب الشعبي الفرنسي/الأوروبي ضد اليهود في شهر يناير/جانفي من هذا العام.
طلاب الجامعة في مدينة الجزائر كانوا في طليعة المتظاهرين الذين تصادموا مع الشباب وغير الشباب اليهودي المحلي مُستخدمين السلاح الأبيض طوال عدة أيام، مما تسبب في سقوط عدد من الجرحى في أوساط الطرفين، فضلا عن نهب وسلب المحلات اليهودية بشارع لالير (Rue de La Lyre) الذي اصبح يُعرف اليوم بشارح أحمد بوزْرينة...
وفي خضم تلك الفوضى والتوتر، تحرك السياسيون وعلى رأسهم القسنطيني إميل مورينو والشاب ماكس ريجيس لتبني الحركة الطلابية هذه والمطالبة بإلغاء مرسوم كريميو الصادر عام 1870م، الذي جنَّس اليهود جماعيا ةوإجباريا بالجنسية الفرنسية، ومراجعة الثروات اليهودية والتحقيق في مصدرها وتحديد سقف معين لها. وطالبوا حتى بطرد اليهود جماعيا من الجزائر، تماما كما يُطالب سياسيون اليوم في الغرب بطرد المسلمين جماعيا....
حدث ذلك في مساء يوم 22 يناير/جانفي 1898 الذي شهد تصعيدا في التوتر وزيادة في تخوفات الطائفة اليهودية من المطالب الراديكالية التي أتت بها هذه الحملة السياسية. وبالتالي سارع الشباب اليهودي بدوره إلى التحرك بواسطة مظاهرات و"استفزازات" للمعمرين أدت إلى صدامات عنيفة خلفت في اليوم الموالي، أي الأحد 23 يناير/جانفي 1898م، 3 قتلى، أحدهم كان ينتمي إلى المحافل الماسونية الجزائرية، بالحي اليهودي....
إثر ذلك صب المعمرون جام غضبهم على محـلات ومتاجـر اليهـود ببـاب عزون وبـاب الـوادي بالسطـو والسلـب والنهـب والحـــرق ( ).
تَدخُّل قوات الأمن والحاكم العام بالجزائر لم يفد في شيء لأن جماهير الأوروبيين كانت تطيع أوامر السياسي الشاب المناهض لليهود ماكس ريجيس طاعة عمياء وتثق فيه أكثر من ثقتها في سلطاتها الرسمية.
دامت هذه الأحداث الدامية أسبوعا كاملا أصبحت مدينة الجزائر خلالها مشلولة وأقرب إلى ساحات القتال بسبب الفوضى التي طالتها. ولم تتوقف هذه الاضطرابات إلا بصعوبة مُخلِّفة في المجموع 3 قتلى من المعمرين، 2 من اليهود، حوالي 100 جريح، وخسائر مادية معتبرة، فضلا عن اعتقال 700 شخص.
وقد انتقلت عدواها بسرعة إلى مدن أخرى، مما جعلها تأخذ طابعا وطنيا خطيرا ومنعرجا أثار مخاوف اليهود على مستقبلهم (...). فقد شهدت مدينة البليدة نفس الفوضى والمشادات من يوم 21 يناير/جانفي حتى 26 يناير/جانفي م1898، وعاشت بوفاريك المحاذية أحداثا مماثلة يومي 23 و24 من الشهر ذاته، وجرفت هذه الحركة حتى مدينة مستغانم في 24يوم يناير/جانفي، وسطيف يوم 25 من نفس الشهر، بالإضافة إلى مدن أخرى، صفى المعمرون واليهود حساباتهم بصورة شديدة العنف..
لكن مع ذلك فشل ماكس ريجيس، السّْطايفي من أصل إيطالي، وإميل مورينو والمعمرون عامة في فرض إرادتهم في إلغاء مرسوم كريميو.
آنذاك، تضامن بعض المسلمين مع أصدقائهم اليهود حيث يذكر، على سبيل المثال لا الحصر، موسى زَرْمَاطِي (Moïse Zermati) أنّ سي زَهّار علي الشريف (Si Zehar Ali Cherif) وقف إلى جانبه وقفة تضامنية كريمة واقترح عليه الإقامة في بيته هو وعائلته ريثما تمر العاصفة وتهدأ الأمور، خصوصا وأن اليهودي زرماطي كان يسكن بحيٍّ ساخن هو شارع لالير رقم 35.... ".


فوزي سعد الله: يهود الجزائر، موعد الرحيل. دار قرطبة. الجزائر 2005م. بتصرف                                                                                                           




اعتداء على محل يهودي ملك لعائلة عزيزة في شارع عميروش في مدينة الجزائر







مظاهرات أوروبية مناهضة لليهود في ساحة بشارع ذبيح الشريف، أو سوسطارة، في مدينة الجزائر في أحداث يناير 1898م















 







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...