الخميس، 21 يناير 2016

داعش – البديل منها و من توظيفاتها ... بقلم الدكتور أبو يعرب المرزوقي


كيف نفهم وجود داعش؟

وما سر جاذبيتها للكثير من الشباب؟
والقصد الأول من السؤالين هو فهم ما يراد إخفاؤه بها وبالحرب عليها وحل الاستئناف البديل
من يتصور ظاهرة داعش ظاهرة لا تعبر عن حاجة فعلية لا يمكن أن يعالجها العلاج المناسب.ذلك أن وجودها بهذا الزخم لا يمكن أن يكون مجرد مؤامرة.
المؤامرة لم توجد داعش حتى وإن وظفت داعش.
وإذن فلا بد من طلب العلة الحقيقية لوجود داعش والعلة التي تجعل توظيفها لعكس علتها ممكنا بهذا اليسر
وطبيعة توظيف الظاهرات -سواء كانت طبيعية فيزيائية أو تاريخية حضارية- من جنس واحد:
العلم بقوانيها والسيطرة عليها لاستعمالها بعكس غايتها الذاتية
مثال ذلك أننا نستعمل الشراع لجعل الريح تدفع السفن الشراعية ضد اتجاه الريح -علم ظاهرة طبيعية الريح ضد ذاتها- لتجري الرياح بما تشتهي السفن.
والسؤال هو: ما الطاقة التي تعبر عنها داعش وكيف انقلبت بذاتها وبمفعول من يوظفها ضد ذاتها لتصبح هدامة لما هي من المفروض معبرة عنه نقضا له؟
ومعنى ذلك: توجد طاقة -انبعاث أمة- تعاني من خلل في قيادتها يسرت استعمال قيادات معادية أقدر على تصريف الرياح في الاتجاه الذي يحقق أهدافها هي؟
الأمور التالية:
  1. طاقة حقيقية
  2. سوء تصريف ذاتي للطاقة
  3. حسن تدبير من موظفيها لخدمة استراتيجيتهم
  4. عدم سعي لفهم طبيعة الطاقة من أصحابها
  5. حرب أهلية
فلنعكس:
5-علاج الحرب الأهلية
4-بفهم طبيعة الطاقة الفاعلة حاليا
3-للتصدي لموظيفيها من الأعداء
2-بتحديد الخلل في تصريفها
1-بقيادة حكيمة للاستئناف
بعبارة أوضح: لا يمكن القضاء على داعش من دون مشروع بديل يسحب البساط من تحت أقدامها.
الحرب لن توقفها حتى لو اجتمع العالم كله:
فاي طاقة هي؟
الطاقة التي استحوذت عليها ظاهرة عديمة الجهاز العصبي المدرك لطبيعة ما يحركه ولاستراتيجية توجيهها من أجل تحقيق اهدافها فهي انبعاث أمة عظيمة.
والطاقة التي من هذا الجنس إذا كانت فاقدة للجهاز العصبي المركزي تتحول إلى اضطراب فوضوي من جنس ما نلاحظ في نشاط فوضوي غير محدود يعم العالم
وهي إذن طاقة سيالة ومتفشية في كل أركان المعمورة تعبر عن تيار جارف له جاذبية ذاتية وله قابلية للتوظيف من كل الأعداء بالاختراق المخابراتي.
الجهاز العصبي المركزي المؤثر فيها حاليا -مثال الشراع- يعمل لصالح سفن أعداء الأمة ليس لصالح انبعاث الأمة فيجعلها مهدمة لذاتها: فوضى هدامة.
والتهديم مضاعف: ذاتي للطاقة نفسها لأنها عديمة الجهاز العصبي المركزي وأجنبي لأن جهازا عصبيا من خارجها يوجهها بما تشتهيه سفنه لا سفن الأمة.
ولن أطيل الكلام: فكل ما أصفه في هذا التخشيص بيّن الدلالة لكل من يتابع ما يجري في الشام والعراق مثلا ولكن كذلك في الأعيان والأذهان الإسلامية
أكتفي بالقول: لا بد من جهاز عصبي لطاقة انبعاث الأمة باستراتيجية بديل تسحب البساط من داعش أي ما تعبر عنه فتحرره من موظفيه لئلا ينفرط عقد الأمة
وهذا المطلب ليس مستحيل التحقيق.إذا عزم عدد قليل من الأنظمة وحركات المقاومة السنية على تنفيذ أجندة واضحة فستجري الريح بما تشتهي سفن الأمة ضد عدويها.
  • وعدوها الأول هو فوضى الروح والعقل: وهي ناتجة عن غياب الجهاز العصبي المركزي الذي يجمع الفواعل فينسق فعلها ليجعله سمفونية هادفة للاستئناف
  • وعدوها الثاني هو موظفو هذه الفوضى التي عمت الأعيان والأذهان في حضارة عظيمة تتململ لتنبعث لكنها لم ينعم الله عليها بعد بقيادات رشيدة فاعلة
والعلة في استئساد العدوين الداخلي والخارجي هي أمراض النخب بأصنافها الخمسة:
  • نخبة الإرادة
  • ونخبة العقل
  • ونخبة القدرة
  • ونخبة الحياة
  • ونخبة الوجود
ومجموعها هو مرض الانحطاطين.
فنخبة الإرادة أو النخبة السياسية سواء كانت حاكمة أو معارضة تعتبر الحكم غاية فيصبح مرض الصراع عليه غائيا وليس توظيفا للأداة في خدمة الغاية
ونخبة العقل لا تعتبر المعرفة أداة سلطان على الطبيعة لأجل التنمية المادية وسلطان على التاريخ لأجل التنيمة الروحية بل مجرد عناوين أكاديمية
ونخبة القدرة لا تعتبر الاقتصاد مبادرة إبداعية للثروة بل هي مجرد طفيليات لامتصاص دم الشعب بسلطة سياسية مستبدة وفاسدة يعوض الجاه فيها العمل
ونخبة الحياة -الفنانون بكل اصنافهم- لا يعتبرون الإبداع الرمزي فاعلية روحية بل هم جعلوها بالعكس تعبيرا بدائيا عن الغرائز البهيمية وعبودية للهوي
ونخبة الوجود -الفلسفة والدين- انقسمت إلى نوعي التعبير عن التقليد البليد إما لماضي حضارتنا أو لماضي حضارة الغرب أي ميت الإبداع الوجودي
تلك هي علل الفوضى الروحية التي تجعل الأمة تعيش حربا أهلية المتدخلون فيها من الأعداء هم الموجهون لريحها بما تشتهيه سفنهم لا سفن الأمة.
ما المشروع البديل؟
هو ما يعبر عن الحاجة التي تسيء لها داعش رغم كونها من أعراضها:
كيف تحقق الأمة شروط الاستئناف؟
هل نستأنف بالماضي كما مضى؟
مثال حتى يتضح القصد:

هل استأنفت أوروبا دورها قوة عظمى بعد أن فقدته بسبب الحربين العالميتين بالعودة إلى روما أو بوحدة مسيحية القرون الوسطى؟
أم هي استردت جوهر ما حققته بهما -بروما وبمسيحية القرون الوسطى- ولكن بشروط الظرف الراهن ومتطلبات العصر؟
أبقت على الروح واستغنت عن القشور

داعش تفعل العكس تماما: أبقت على القشور وتخلت عن الروح.
قدمت اللحي والجلباب على القيم القرآنية أي الأخوة والمساواة والحرية والعبودية لله
وبذلك فبدلا من تحقيق شروط الاستئناف صارت عائقا دونها لأنها تحولت إلى وقود للحرب الأهلية تطبق فهما بدائيا للعقائد والشرائع فيصبح الأميون علماء
وبذلك استحوذت داعش على محرك تاريخي تخلت عنه النخب حكاما ومعارضة فافسدته فصار طاقة يمكن لأي عدو ذي حيلة أن يجعله يجري بما تشتهي سفنه لا سفن الأمة
ومن ثم فمسؤولية النخب العربية والإسلامية بأصنافها الخمسة التي ذكرت تتمثل في أنها أبقت مجالا خاليا استبد به من يظن نفسه بسذاجة يقوم بالواجب
والواجب المهمل اجتهاد مفقود وجهاد موؤود في أمة سادت الفوضى أعيانها وأذهانها فصارت كرة يتلاعب بها خبثاء العالم فريسة لا حول لها ولا قوة
ولمزيد الوضوح:

لا يمكن التخلص من فوضى الأعيان والأذهان المعطلة لكل فاعليات الامة إلا ببديل موجب من داعش يشبع توق المسلمين للعودة إلى دورهم
بعض حضارات الشرق -الصين والهند- استردت دورها في العصر الحديث وبعضها- فارس وإسرائيل- تريدان استرداد دورهما على حسابنا
فهل نجبر على القبول بحذفنا؟
إيران وإسرائيل والغرب يعتبرون دار الإسلام وحضارته قوسين فتحا وينبغي أن يلغيا من التاريخ وألا يستردا دورهما في بناء نظام العالم الجديد.
الأنظمة القومية والنخب الحداثية الدعية يطلبون شرعية قبل الإسلام او بعده (العهد الاستعماري) رفضا للتاريخ المشترك اساس طموح الأمة للاستئناف
وداعش جواب سيء لهذه التحديات لعلتين:
  • أولا لأنه يصطبغ برد الفعل وليس بالفعل
  • وثانيا لأنه عديم الاستراتيجية الموجبة فيحقق بغفلة ما يطلبه العدو
فإذا كان من شرط فاعلية داعش صوملة الأمة وأفغنتها فيا خيبة المسعى: العدو لا يطلب أكثر من ذلك أي منع شروط الاستئناف بفرض العودة إلى البداوة
والعدو إذن يطلب تقنيات الجودو: استغلال طاقة الخصم المصارع بجعله يهدم نفسه نفسه.
ذلك هو عين ما تفعله داعش.
تهدم السنة بدعوى بناء الخلافة
وهي تجعل الخلافة من جنس الإمامة.
ومن فهي تشييع للفكر السياسي السني:

الخلافة حكم الشعب بالشعب الذي يؤمن بأن لا سلطة دينية ولا سياسية فوقه
السلطة الوحيدة فوق ارادة الشعب هي إرادة الشعب بالا يعبد غير الله أي سلطة المرجعية القرآنية والسنية التي الحكم في سلطانها هو وعي المؤمن بها
وذلك هو سر جاذبية العهد الراشدي:
فالمعيار”لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” يعني أن الحكم النهائي على الحاكم هو الشعب.يولي ويعزل بهذا المعيار.
فالطاعة المبنية على التسليم بعصمة الحاكم مبنية على كذبة وخوف وهي منافية لنظرية الحكم السني-فكر شيعي وليس سنيا-..
الحقيقة: داعش شيعية المذهب
لذلك يدعي خليفتها أنه من آل البيت.
وهو حليف إيران في عملية إخلاء الأرض لها حتى تستعيد ما تسميه إمبراطوريتها.
والغرب يحتاج إليها لـ30 سنة
والـ30 سنة هي المدة المتوقعة لتحقيق التطهير الطائفي والعرقي في الإقليم حتى تتحقق الامبراطورية اليهودية والامبراطورية الفارسية خادمتي الغرب
ولا يمكن التصدي لهذا المشروع من دون مشروع بديل هو الحلف العربي التركي لحماية الأقليم من هذين المشروعين الإمبراطوريين الفارسي والإسرائيلي.
وهما مشروعان تحالفهما المليشيات الخمس (الباطنية والصليبية والعلمانية والليبرالية والقومية الفاشية) ضمن مشروع غربي للاستحواذ على الإقليم
وحتى نحمي الإقليم لا بد من مجموعة عربية سنية متحالفة مع مجموعة تركية سنية كلتاهما مهددة الآن بسبب كونهما قاطرة الانبعاث الذي أفسدته داعش.
والمجموعتان العربية والتركية هما بداية الخلافة الراشدة ونهاية الخلافة التي فقدت الرشد
وهما إذن تمثلان شرطي الرشد المجرب إيجابا وسلبا.
ذلك هو المشروع الذي سيسحب البساط من داعش ومن موظفيها المباشرين بمليشياتهما (إيران وإسرائيل) وغير المباشرين الغرب بشقيه الأدنى والأقصى
والغرب الأدنى هو أوروبا التي تخشى من أن يصبح جنوب المتوسط ندا والغرب الأقصى هو أمريكا التي تخشى أن تخسر ما به يمكنها أن تتصدى للشرق الأقصى
فالاستحواذ على دار الإسلام بموقعها وبما فيها واستعمارها شرط في تصديها لعمالقة الشرق الأقصى منافسيها في القرن الحالي على سيادة العالم كله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...