الاثنين، 25 يناير 2016

الأخطاء اللغوية المزعومة في كتاب الله .... بقلم احمد فتوح لباب


كثيرا ما أقرأ أسئلة تتناول إشكالات في فهم بعض الآيات القرآنية بالمقارنة ببعض الكشوف العلمية الخاصة بالكون والعلوم الخ. وكثير من هذه الأسئلة يتسم بالعمق. لكني تعجبت حقا من ادعاء احتواء القرآن على هذه الأخطاء اللغوية الفاحشة. ألهذا الحد بلغ الكبر والغرور؟ أظنّ إنسان أن مسائل لغوية بهذه البداهة –كالتي ستأتي -فاتت على جهابذة العرب ممن قد فاقوا أمم الأرض في قدراتهم البيانية ثم اكتشفها هو؟ ألم يكن خير للعرب الذين حاربوا محمدا أن يصرفوا الناس عنه بأن كتابه فيه هذا الأخطاء الفاحشة؟ حتى لو كان القرآن بزعمهم من كلام محمد.. أيخطئ محمد وهو العربي القرشي هذه الأخطاء الظاهرة البيّنة فيرفع اسم إنّ – كما في المثال الأول-.. وكل من هبّ ودبّ من طلبة الإعدادية في مصر (مع الاحترام لهم جميعا) يعرف أن اسم (إن) منصوب؟ أيتركه من جاء بعده من أصحابه كما هو ولا يسعى أحدهم لتغييره؟ سبحن الله. آفة الرأي الهوى.


المهم.. ندخل في الموضوع. هذه هي مقالة قرأتها قبل قليل تزعم وجود أخطاء لغوية في القرآن، أذكر كل منها ثم أجيب عنه.
1) القرآن يرفع المعطوف على المنصوب

يقول القرآن في سورة الحج: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا (((وَالصَّابِئِينَ))) وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) – الحج 17
ويقول في سورة المائدة: (إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ (((وَٱلصَّابِئُونَ))) وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) – المائدة 69
وكان يجب أن ينصب المعطوف على اسم إن فيقول : والصابئين في كما فعل هذا في سورة الحج 22: 17


الجواب:
الواو في سورة الحج عاطِفة، والواو في سورة المائدة استئنافية.
فالمقصود بالواو في سورة الحج هو التشريك في الحكم، فيكون معنى الكلام: المؤمنون واليهود والصابئون والنصارى والمجوس نُخبر عن جميعهم بقولنا: أن الله يفصل بينهم فيما كانوا فيه يختلفون. فكأنهم مشتركون في هذا الأمر على السواء. والمقصود بالواو في سورة المائدة الاستئناف، أي بداية جملة جديدة، وتكون (الصابئون) هنا مبتدأ. فالمقصود: (المؤمنون واليهود والنصارى يغفر الله لمن آمن منهم والصابئون كذلك).
فقوله تعالى (الصابئين) في الآية الأولى خبر إن، و(الصابئون) في الآية الثانية مبتدأ.
2) القرآن ينصب الفاعل
جاء في ( سورة البقرة 2: 124): (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). وكان يجب أن يرفع الفاعل فيقول: الظالمون .


الجواب:
(عهدي): فاعل، و(الظالمين): مفعول به.
المعنى: أن عهد الله لا ينال الظالمين، أي لا يشملهم.
3) القرآن يذكِّر خبر الاسم المؤنث
جاء في ( سورة الأعراف 7: 56 ): (إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ). وكان يجب أن يتبع خبر إن اسمها في التأنيث فيقول: إن رحمة الله قريبة من المحسنين.
الجواب:
صيغة (فعيل) إذا كانت بمعنى (مفعول) فإنها تستعمل للمذكر والمؤنث. تقول: رجل جريح، وامرأة جريح. وكلمة (قريب) و(بعيد) إذا كانت بمعنى المسافة فهي مستعملة عند العرب كثيرا بدون التاء مع المؤنث. يقول امرؤ القيس:
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم ** قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
ويقول عروة بن الورد:
عشية لا عفراء منك قريبة ** فتدنو ولا عفراء منك بعيد
4) القرآن يؤنث العدد الذي ينبغي تذكيره، ويجمع المعدود الذي ينبغي إفراده
جاء في (سورة الأعراف 7: 160): " وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً " . وكان يجب أن يذكر العدد ويأتي المعدود مفردا، فيقول : (اثني عشر سبطاً).


الجواب:
إنما يُأتى بالمعدود مفردا إذا كان تمييزا، أما (أسباطا) فهي حال أو بدل لا تمييز. وتمييز اثنتي عشرة محذوف يبينه الحال المذكور. فالمعنى: وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة حال كونهم أسباطا وأمما.
وفي الآية ملمح بلاغي جميل: حيث بدأت الآية الكريمة بهذا الفعل (قطَّعناهم) بتشديد الطاء وهذا التشديد يفيد التكثير، أى كثرة التقطيع والتفريق. وهذا يناسبه بلاغة جمع (أسباطاً أمماً) لا إفرادهما، فكان تشديد الفعل مع الإتيان بــ(أسباطا) مجموعة وبــ(أمما) مجموعة فيه مزيد بيان لتكثير فرقهم وتقطّعهم وتشرذمهم.
5) القرآن يجمع الضمير العائد على المثنى بدلا من تثنيته
جاء في ( سورة الحج 22: 19) : (هذانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ). وكان يجب أن يثنّي الضمير العائد على المثنّى فيقول : خصمان اختصما في ربهما


الجواب:
قال (اختصموا) ولم يقل: (اختصما) لأنهما جمعان ليسا برجلين، فالخصم الأول هم (المسلمون) وهم جمع، والخصم الآخر هم (الكفار) وهم جمع. فهذان خصمان – أي فرقتين- اختصموا – أي اختصم أفراد هذين الفرقتين.
6) القرآن يجمع الضمير العائد على المثنى بدلا من تثنيته
جاء في ( سورة الحجرات آية 9) : (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما). وكان يجب أن يثنّي الضمير العائد على المثنّى فيقول : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا


الجواب:
الآية تتحدث عن فرقتين من المؤمنين، وهما مثنى من حيث إنهما فرقتين، وجمع من حيث أن كل فرقة تحوي أفرادا كثيرين. فجاء ضمير الجمع مع قوله تعالى: (اقتتلوا) لأن القتال يحصل بين الأفراد فردا فردا وهم جمع فناسب أن يُأتى بضمير الجمع، وجاء بضمير المثنى في قوله تعالى (فأصلحوا بينهما) لأن الصلح يحصل بينهما من حيث أنهما فرقتين ولا يحصل بين فرد فرد من الأفراد، فناسب أن يُأتى بضمير التثنية.
7) القرآن أتى بالموصول مفردا بدلا من الجمع
جاء في ( سورة التوبة 9: 69 ): (وَخُضْتُمْ كَالذِي خَاضُوا). وكان يجب أن يجمع اسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول: خضتم كالذين خاضوا


الجواب:
الاسم الموصول عائد على الخوض، والمعنى (وخضتم كالخوض الذي خاضوا) لا على الخاضين. كما أن الاسم الموصول (الذي) قد يأتي للجمع كما في قول الشاعر هديل بن الفرخ العجلي:
وبت أساقي القوم إخوتي الذي ** غوايتهم غيي، ورشدهمُ رشدي
8) القرآن أتى بفعل مجزوم معطوف على فعل منصوب
جاء في (سورة المنافقون 63: 10): (وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِين) َ وكان يجب أن ينصب الفعل المعطوف على المنصوب فأَصدق وأَكون.


الجواب:
هذه الآية من بديع الإيجاز القرآني. لأن عطف (أكن) على (أصدّقَ) عطفٌ على المحل. فالمعنى الذي تريده الآية هو قول هذا الإنسان: أخرني إلى أجل قريب ليكون ذلك سببا في أن أصدق وأكون صالحا، وإن أخرتني أصدق وأكن من الصالحين. فمعنى الآية نريد أن نضمّنه معنى الطلب/التحضيض، ومعنى الشرط. فجاءت إحدى الجملتين (أصدّقَ) منصوبة في جواب لولا التي للطلب مسبوقة بالفاء التي للتسبب، والثانية مجزومة في جواب الشرط المقدر، وعطفت إحداهما على الأخرى فاستفدنا جريان معنى الشرط ومعنى الطلب والتسبب في كلا الجملتين بأقل لفظ وأوجزه.
9) القرآن جعل الضمير العائد على المفرد جمعا
جاء في (سورة البقرة 2: 17) : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول: استوقد... ذهب الله بنوره .


الجواب:
الضمير في (استوقد) عائد على (الذي)، والضمير في (بنورهم) عائد على المنافقين المشار إليهم بقوله تعالى (مثلهم).
10) القرآن نصب المعطوف على المرفوع
جاء في ( سورة النساء 4: 162 ) : (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً " . وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول : والمقيمون الصلاة .


الجواب:
(المقيمين) منصوبة على الاختصاص مع إرادة المدح، فهي جملة اعتراضية لا معطوفة. وذكر المنصوب على الاختصاص وسط المتعاطفات المرفوعة كثير في كلام العرب. منه قول ومنها قول الخرنق بنت هفان:
لا يبعدنْ قومى الذين همو ** سمُّ العـداة وآفـة الجزْر
النازلين بكل معتــركٍ ** والطيبون معاقد الأُزْر
فعطف (النازلين) المنصوبة على (سمُ) و(آفةُ) قبلها، وعطف عليها (الطيبون) بعدها.
11) القرآن نصب المضاف إليه
جاء في ( سورة هود 11: 10 ) : " وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ" . وكان يجب أن يجرَّ المضاف إليه فيقول : بعد ضراءِ


الجواب:
(ضراء) ممنوعة من الصرف لأنها على وزن (فعلاء)، فتجر بالفتحة.
وغياب هذه المعلومة البسيطة عن هذا الكاتب يدل على جهل شديد.
12) القرآن أتى بجمع كثرة حيث أريد جمع القِلة
جاء في ( سورة البقرة 2: 80 ) : " لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً " . وكان يجب أن يجمعها جمع قلة حيث أنهم أراد القلة فيقول : أياماً معدودات
لم يتفق اللغويون على أن جمع المذكر السالم كــ(معدودات) من جموع القِلة، وإنما قالوا أنها تفيد القلة. أما جمع القلة فهو ما يأتي لما دون العشرة.
أما (معدودة) فليست جمعا أصلا، ولكنها تدل على القلة كــ(معدودات) تماما. فكل منهما يفيد القِلَّة. يقول تعالى: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) يعني قليلة يمكن عدُها. ولو أراد الكثرة لقال (عديدة) لا (معدودة).
والفرق بين (معدودة) و(معدودات) في المعنى أن (معدودة) تعني قليلة دون تخصيص عدد معين، وهو قول فرقة من اليهود أنهم يدخلون النار أياما قليلة من غير تعيين عدد، وأما (معدودات) فهي تعني أن المقصود عدد معين، أي أنها أيام معدودات بالفعل، وهو قول فرفة أخرى من اليهود قالوا أن الله سيعذبهم مدة عبادتهم للعجل وهي سبعة أيام أو أربعين يوما.
فبعض اليهود أثبتوا العذاب أياما قليلة من غير تعيين عدد فقصدهم المولى عز وجل بقوله (معدودة) وبعضهم أثبتوا العذاب لأنفسهم أياما محددة فقصدهم المولى عز وجل في الآية الأخرى بقوله: (معدودات).
13) القرآن أتى بجمع قلة حيث أريد الكثرة
جاء في ( سورة البقرة 2: 183 و184 ) : " كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَات " . وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة حيث أن المراد جمع كثرة عدته 30 يوماً فيقول: أياماً معدودة .
لم يتفق اللغويون على أن جمع المذكر السالم كــ(معدودات) من جموع القِلة، وإنما قالوا أنها تفيد القلة. أما جمع القلة فهو ما يأتي لما دون العشرة.
وعلى القول بأنها من جموع القلة، فقد يستعمل جمع القلة فيما فوق العشرة مجازا ليفيد التقليل، وأن الصوم إنما هو لأيام قليلة يسيرة. فلا إشكال في استعماله على هذا الوجه.

المصدر   https://www.facebook.com/photo.php?fbid=10153022653914629&set=a.148515044628.110416.512854628&type=3&theater




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...