الجمعة، 8 يوليو 2016

القومية والإسلام ........ بقلم المفكر أبو يعرب المرزوقي

توقفت علاقتي مع صديق كنت أتصوره متنورا فاكتشفت افراطي في حسن الظن. وقد بدأ توقفها من جانبه بسبب موقفي من مشروع حزب عروبـي.
كنت ضد حزب عروبي يسعى إليه متجاوز لمدلولها الإسلامي أي الرابطة الروحية الإسلامية أي ضد العروبة الاثنية التي لم ترتق إلى العروبة الحضارية على أساس الرابطة الإسلامية.
وحتى لا أحرجه احتججت صادقا بضرر ذلك على المغرب العربي بخلاف المشرق الذي ظن أصحابه أن الإثنية أمتن من الوحدة الروحية الإسلامية وبين التاريخ الخطأ.
فعندي أن العروبة بوصفها إثنية قد أدت إلى نكوص المسلمين إلى القوميات العرقية والى الشعوبية واضطهاد كل قومية للأخرى لفرض نفسها عليها في القرنين الأخيرين.
من ذلك أن محاولة تعريب الأكراد في المشرق والأمازيع في المغرب وكلا الشعبين من أهم من خدم الإسلام أفسد العلاقة بينهم وبين العرب فضلا عن جعل البعض يتعامل مع الإسلام وكأنه احتلال ثقافي عربي.
ومثله التفريس والتتريك وكل السياسات القومية العنصرية التي ورثتها النخب من الاستعمار لأن كل هذه الشعوب كانت متجاوزة للأمر وتعمل بوصفها مسلمة بلا تمييز.
فطارق بن زياد وصلاح الدين وجل علماء الإسلام في المغرب العربي وفي المشرق العربي ليسوا بالضرورة عربا ومع ذلك فقد خدموا الإسلام ولغة القرآن أفضل خدمة.
والرابطة الدينية ليست بريئة مما يشبه ذلك. لكن أحداث الصراعات الدينية في الإسلام لم تسقط في العنصرية. وإذا حصل فسببه النكوص ما قبل الإسلام.
ولا يقتصر ذلك على علاقة العرب بغيرهم بل بين العرب. فنعرة البابلي والفرعوني والفينيقي والقرطاجني إلخ..فضلا عن المقابلات الاثنية كلها تقليد أعمى للغرب.
وكما قال ابن خلدون فإن النسب حتى القريب إذا تجاوز أربعة أجيال يصبح من مجال الوحدة الرمزية لا الوحدة العضوية ناهيك عن النسب العرقي لشعب.
الأحزاب القومية نكوص بالإنسانية إلى الحيوانية وهي مصدر النكبات الإنسانية التي عرفتها أوروبا قبلنا والتي آلت إلى التصفيات العرقية بين الشعوب.
وبهذا المعنى فالحروب التي تبدو دينية في اقليمنا ليست دينية بل هي عرقية: الصهيونية والصفوية ذاتا نزعة عرقية خالصة تنتقم ممن حرر البشرية منها أي الإسلام.
والدليل أن كل الفرق المسيحية القديمة وحتى اليهودية وحتى الأديان غير السماوية لم يبق لها وجود إلا في الأرض العربية وفي العراق والشام خاصة. والاحتلال الأمريكي والاسرائيلي والإيراني هو الذي يكاد يقضي عليها
فما تفعله إيران في الهلال (العارق والشام) لا علاقة له بالدين أولا لأن التشيع ليس دين بل هو تحريف دين بعكس كل قيمه وجعلها تفيد عكس ما بلغه القرآن.
وثانيا المحرك الأساسي -رغم غباء مليشياتها العربية بالقلم والسيف- ليس التشيع حتى لو قبلنا به دينا بل العرقية الفارسية سعيا للثأر من العرب.
وهو طموح سخيف: فالعرب مهما نامت أنظمتهم ونخبهم العميلة أمة لا تقهر بخصالها الحربية وبرسالتها الأسلامية التي أعطتها الطموح التاريخي الكوني فضلا عن وزنها المادي الذي لا نسبة ولا مناسبة بينه وبين ضآلة وزن إيران.
وإسرائيل لا علاقة لها بالدين أصلا لأنها تحريف دين موسى إذ جعلته دين قبيلة بدائية همها الحياة الدنيا واعتبار البشر الآخرين عبيدا لهم: جوهيم.
ومن ثم فحربهم على الإسلام والعرب ليست دينية بل هي عنصرية: هم يتصورون أنفسهم شعب الله المختار ويريدون أن يحققوا في الشرق ما حققوه في الغرب.
يعلمون أن عددهم لا يكفي لاستعمار الأقليم حتى لو صدقنا كسينجر المستشار الخرف الذي يزعم أنها ستحتل سبعة بلدان عربية هي تريد الحكم الخفي كما في الغرب.
ولما كان لا أحد (فرعون وبابل والروس والألمان) في التاريخ الإنساني منذ نشأة هذه القبيلة المريضة روحيا ونفسيا هزمها إلا الإسلام فإنها اليوم تخوض المعركة النهائية وستهزم.
صحيح أنها استطاعت ان تسيطر على كل العملاء من الأنظمة والنخب. لكن ذلك بحد ذاته يجعلها شديدة الهشاشة لأنها به جعلت التحرر منها يبدأ بهم.
بعبارة أوضح حلمها الخفي صار علنيا وهو متعين في العملاء من الحكام والنخب ومن ثم فالثورة الأخيرة هي بداية النهاية لها ولهم. لذلك تضامنهم.
والهزيمة ستكون هذه المرة القاضية لأنهم في وضع بفلسطين معاكس لوضعهم الذي يقصه القرآن في مصر: لن تكون معركة ضد موسى واسلامه بل ضد عبدة العجل الذين خانوه وكفروا بربه.
واجتماع العنصريتين باسم الشعب المختار والأسرة المختارة (الأيمة المزعومين معصومين لكأن العصمة موروثة) لحكم بقية البشر الذين يعتبرون عبيدا لهم مالهم وعرضهم هو بداية النهاية للعنصريتين.
وذلك ما يمثل رسالة السنة الذين هم ممثلو الإسلام والذين لا يؤمنون بالقومية والعنصرية بل الرابط الوحيد الذي يؤمنون به هو الرابط الروحي.
وهذا الرابط الروحي حددته الآية الأولى من النساء (الأخوة البشرية) والآية الثالثة عشرة من الحجرات (المساواة بين البشر) وحصرالتفاضل في التقوى.
لم يفهم الصديق هذا المعاني فقلاني وما كنا صديقين حميمين بل كان تقديرا متبادلا في النضال ضد الهيمنة رغم أني كنت أتصور أن التعاون في ترجمة أمهات الفلسفة الألمانية الذي اقترحته عليه قبل محنة الوزارة كان يمكن أن يكون أساس علاقة أفضل.
ولا أريد الاحراج فتركته فلعل طموحه السياسي وحبه السلطة هو الذي يمنعه من فهم هذه المعاني لإيمانه بالقومية وهو حقه المطلق الذي لا أجادله فيه.
وأترك للقراء حزر المقصود بهذا الصديق. فهو رجل ذو جاه وسلطان قد لا يكون في صالح الثقافة العربية. لكن الجاه والسلطان الدنيوي ليس مما اعتبره دليلا على تحقيق غايات الإنسان الحر.
وختاما فالبشر لا ينتبهون للعلاقة بين شروط الاستعمار في الأرض وشروط الاستخلاف فيها: فغياب الأولى يحول دون وجود الثانية لأنه يؤدي إلى الشرك حتما.
أعلم أن أغلب من يقبل بلسطان أصحاب الجاه والسلطان دافعهم هو الشرك أو عبادة العباد بدل عبادة رب العباد.والتحرر منهم هو شرط الإيمان.
فآية تبين الرشد من الغي والحرية الروحية تحرر من الإكراه في الدين وتعتبرالكفر بالطاغوت الروحي والمادي شرط الإيمان بالله والاستمساك بالعروة.
وهذا هو الذي يحرر البشر من الرابطة العرقية والطبقية فيؤمن بالأخوة البشرية وبالمساواة التي لا تفاضل فيها إلا بالاخلاق القرآنية أي بالتقوى.
فالآية الأولى من النساء تحدد مستويين للرحم: الكوني (من نفس واحدة) والجزئي (الأرحام التي تساءلون بها تقديرا لتعدية فعل التساؤل لمفعول ثان) وتصل الأول بالربوية والثاني بالالوهية.
وفالرحم غير الاختياري مقدم على الرحم الاختياري بدليل الكلام المربوبية التي لا خيار فيها قبل الكلام على الآلهية اختيارا حرا للمكلف المؤمن.
والآية الثالثة عشرة من الحجرات تبدأ مثلها "يا ايها الناس" لتؤكد على أن الأخوة البشرية تنفي العنصرية والطبقية وتحافظ على معيار واحد للتفاضل: التقوى.
ذلك هو الإسلام فهو بالآية الأولى من النساء يحدد الإسلام الفطري وبالآية الثالثة عشرة من الحجرت يحدد الإسلام الواعي بما يقتضيه الإسلام الفطري من خلق.
فمن لم يفهم ذلك فقد فسدت فطرته ومن لم يعمل به فقد فسد وعيه بفطرته. فجعل القرآن نهجه مضاعف: نقد التحريف المفسد للفطرة وتربية وسياسة ترجعانها خلقيا.
أحمد الله على ما من به من فهم وحسن قصد وآمل أن يكون كل شباب الأمة بجنسيه مدركا لثورتي الإسلام الروحية والسياسية لجعلنا شاهدين على البشرية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...