الأحد، 17 يوليو 2016

دروس سريعة من انقلاب تركيا الفاشل .......... بقلم محمد المهندس

 كانت محاولة الانقلاب العسكري في تركيا ثالث الانقلابات العسكرية التي نرى فشلها مباشرة على شاشات التلفزيون؛ مع الفارق طبعا أن انتماء تركيا إلى محيطنا الجغرافي والثقافي وتداخلها مع واقعنا السياسي جعل متابعة محاولتها الانقلابية الفاشلة أعمق من محاولتي فنزويلا وبوركينا فاسو اللتين حدثتا في العامين 2002 و2015  على الترتيب.
لا شك أن كل محبي الديمقراطية والكارهين للحكم العسكري الغاشم والفاشل قد عاشوا ساعات عصيبة وهم يتابعون أخبار محاولة الانقلاب على الديمقراطية في تركيا على يد حفنة من العسكر الذين عز عليهم أن تُحكم تركيا ديمقراطيا بعيدا عن سطوتهم وفسادهم المعهود.
سنحتاج إلى مزيد من الوقت بالطبع حتى نتعرف على تفاصيل أكثر عما حدث في ليل 15 يوليو 2016، وكيف حدث، ومن رتب له، ومن شارك فيه، ومن دعمه داخليا وخارجيا، وسنحتاج كذلك إلى وقت أكثر حتى نتمكن من تحليل الحدث بشكل أعمق وحتى نستخلص منه دروسا سياسية واستراتيجية بعيدة المدى، ولكن ما شاهدناه على شاشات التلفزيون من أحداث وردود أفعال رسمية وسياسية وشعبية به من الدلالات الكثيرة التي نستطيع أن نتعلم منها دروسا سريعة قد تفيدنا في قراءة ما حدث في مصر في الماضي القريب بشكل هادئ، كما أنها ستفيدنا حتما في تغيير واقعنا السياسي الذي بات مريضا ومنهكا مرض الدولة المصرية ذاتها إن كانت هناك رغبة في ذلك التغيير.

(1)
ستبقى الشعوب الواعية كلمة السر الأولى في القضاء على أي مخاطر تهدد مكاسبها الديمقراطية، ولكن ذلك سيظل مرهونا بتوحد الغالبية العظمى من الشعب حقا خلف الديمقراطية وآلياتها ووسائلها مهما كان الخلاف السياسي؛ لأن الشعوب المنقسمة من جهة وغير الواعية لمفاهيم الديمقراطية ومدلول سيادة الشعب من جهة أخرى لا يمكن لها أن تواجه قوة السلاح ولا أن تجابه الدبابات أو الطائرات التي لها القدرة المطلقة على حسم أي خلاف شعبي أو سياسي عميق.

فشل الشعب التركي من قبل في مواجهة 4 انقلابات عسكرية خلال أكثر من 50 عاما ماضية؛ لأنه لم يجن مكاسب من الديمقراطية وخلافات السياسيين سوى الفقر والصراع السياسي الفارغ بما أهله للرضا أو للسكوت على الأقل بتلك الانقلابات العسكرية المتوالية.

تعلم الأتراك دروسا عدة من انقلابات متوالية لم يجنوا من خلالها إلا مزيدا من الفقر ومزيدا من الفساد ومزيدا من الفشل؛ بما جعلهم أكثر وعيا وأكثر إدراكا بمخاطر الانقلاب على الديمقراطية ومؤسساتها.

(2)
لم يركن القادة الديمقراطيون إلى الثقة المطلقة في قادة الجيش فسلموا لهم الرقاب اعتمادا على تدين ظاهري أو على احترام مغشوش، ولكن ما رأيناه أوضح بما لا يدع مجالا للشك أنه قد كانت هناك خطط ثانية وثالثة ورابعة في حال حدوث أي محاولة انقلابية محتملة؛ فقدرة رئيس الوزراء وبعض من وزرائه على إصدار بيانات سياسية من أماكن آمنة فور توارد أنباء تحركات عسكرية مشبوهة وتصديرها عبر وكالة الأنباء الرسمية وعبر بعض القنوات التلفزيونية، ثم ظهور رئيس الجمهورية على شاشات التلفزيون بعد وصوله لمكان آمن كذلك يعني أن الأمور لم تكن متروكة للصدفة ولا لخيالات "رجالات الذهب" أو أوهام "الرفض الأمريكي" كما حدث في مصر.

لا شك كذلك أن مواجهة الشرطة لقوات الجيش الانقلابية كانت كذلك ضمن خطة معدة سلفا، وأن مواجهتها المباشرة للانقلابيين كانت مفاجئة لهم في وقت توقعوا فيه سيطرة تامة دون أي نوع من الاشتباكات، وهو ما يعني أن القيادات الديمقراطية كانت تملك من الأدوات والوسائل ما يؤهلها للمواجهة ودحر الانقلاب سريعا في حال حدوثه.

(3)
على الرغم من بعض سلوكيات أردوغان السلطوية التي زادت وتيرتها في الفترة الأخيرة بشكل يثير الأسى، إلا أن قوى المعارضة التركية لم تدع الجيش التركي للتحرك وللانقلاب على الديمقراطية، ولم تشكل تلك القوى جبهة إنقاذ سياسي ترفض المشاركة في الانتخابات البرلمانية من جهة بينما تدعو الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل في الأزمة السياسية من جهة أخرى كما حدث في مصر مثلا.
لم يقف أمر المعارضة التركية عند ذلك الموقف الملتزم بقواعد اللعبة الديمقراطية وعدم الاشتراك في الخفاء في ترتيبات الانقلاب ثم دعوة القوات المسلحة لإصدار البيان رقم (١) للانقلاب على الديمقراطية كما حدث في مصر، ولكنها زادت فوق ذلك بأن رفضت فكرة الانقلاب فور توارد أنباء المحاولة الانقلابية كما أعلن ذلك حزبا الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية ذوا الثقل الأكبر بين قوى المعارضة التركية.
(4)
القوى الدولية الكبرى ليست نصيرا للشعوب ولا لقيم الديمقراطية كما تدعي دوما، ولكنها لا تبحث إلا عن مصالحها الاستراتيجية والمادية، ولا تحترم إلا القوة وعلى رأسها هؤلاء القادرين على حماية مؤسساتهم وديمقراطيتهم لا أولئك الضعفاء الذين يستجدون تدخلا من هنا أو من هناك.

على الرغم من الموقف المخزي للإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في السويعات الأولى من المحاولة الانقلابية إلا أن قدرة الدولة التركية وقياداتها الديمقراطية على استعادة السيطرة تدريجيا على مجريات الأمور قد أجبر القوى الغربية على إصدار تصريحات تالية داعمة للديمقراطية ورافضة للانقلاب على النظام الديمقراطي كما جرى على لسان الرئيس الأمريكي ورئيس المجلس الأوروبي بعد أن مالت الكفة مرة أخرى.

(5)
الدخول في مواجهة مع قوات الجيش دون امتلاك لأدوات قوة سياسية، ودون استناد إلى حالة توحد شعبي غالبة، ودون أي سيطرة على أي من أجهزة الدولة ومؤسسات قوتها، ودون تقديم أي تنازلات أو حتى القدرة على المناورة السياسية هو انتحار كامل يتحمل وزره الداعون له دون تخطيط ولا ترتيب مهما حسنت نواياهم؛ فسنة الله التي لن تجد لسنتها تبديلا لا تحابي ولا تجامل أحدا أبدا. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...