الاثنين، 22 يونيو 2015

الزرادشتية.... بقلم الدكتور اسامة عدنان

تنسب الزرادشتية الى زرادشت وقد ورد اسمه بعدة صيغ: زرشت، زرتشت، زرادهشت، زرادشترا، زراثوشترا(Zarathushtra)، ويرد في الافستا باسم زرادسترا أو سبيتاما زرادسترا، ويرد في المصادر الكلاسيكية باسم زورواستير(Zoroaster)، وفي البهلوية يرد باسم زراتشت، وفي الفارسية الحديثة يسمى زردشت، اما المصادر العربية فتسميه زرادشت. وربما كان اسمه الكامل اشوزردشت. وقد اختلف الباحثون في معنى اسمه، وعلى الارجح ان اسم سبيتاما هو جد من اجداد زرادشت، أو ربما اسم قبيلته، ومعنى سبيتاما هو الابيض، ومنه سفيد المستعملة في الفارسية الحديثة بمعنى ابيض. ويترجمه البعض بمعنى: الهجمة المشعة. وان اسم زرادشت على الارجح مركب من مقطعين هما زار ومعناه: اصفر، غضب، سريع، والثانية هاشتر ومعناه جمل، وهي تساوي كلمة شتر المستعملة بهذا المعنى في الفارسية الحديثة. ويكون بذلك معنى الاسم(زراهاشتر) صاحب الجمل الاصفر، أو صاح الجمل الغاضب، أو صاحب الجمل السريع. واختلفت الروايات في تحديد اسم والد زرادشت ونسبه، واشهر هذه الروايات تقول ان زرادشت ينتمي الى الاسرة البشدادية التي كان منها ملوك ايران في العصور القديمة، وان اباه المسمى في الافستا بوروشاسبا(Pourushaspa)(ويترجم البعض اسمه بـ الحصان المبرقش) من نسل افريدون احد ملوك تلك الاسرة. اما اسم امه كما ورد في الافستا فهو: دغدهوا(Dughdhova)، وهو بالبهلوية دغدوو(Doghdova)، وفي الفارسية الحديثة دغدويه. ونعرف من الكتب الزرادشتية المتأخرة ان بوروشاسبا والد زرادشت يعود بنسبه الى منوجهر بن ايرج بن افريدون الجد الخامس عشر لزرادشت، وان دغدويه والدة زرادشت يرجع نسبها الى افريدون ايضا. وكان زرادشت متزوجا وله اثنين من الاولاد، وابنة.ويبدو ان زرادشت لم يكن ثريا بل فقيرا وهذا يتضح من مقطع في الغاثا/الغاتها يقول: "اعرف يا مزدا سبب ضعفي، عندي القليل من الماشية، ونفر قليل من الناس..."


اختلف المؤرخون في حقيقة وجود شخصية تاريخية باسم زرادشت، فبعض المؤرخين ينكرون وجود زرادشت، ويعدون كل ما ورد عنه من قبيل الاساطير، وان دين زرادشت يمثل مظهرا من ديانة ايرانية تدعى المزدية التي كان الاله اهورامزدا هو مركز عبادتها، وحسب انصار هذه الفرضية ليس هناك اصلاح منجز من قبل نبي يدعى زرادشت فحسب، وانما تاريخية هذه الشخصية هي موضع شك ايضا. في حين يعتقدون فريق اخر من المؤرخين ان زرادشت شخصية تاريخية واقعية، اذ ذكر فضلا عن المصادر الزرادشتية في المصادر الكلاسيكية، وممن ذكره افلاطون الذي يسميه ابن اورمازديس(Ormazdes) اي ابن اورمزد(وهو اسم اهورامزدا في المصادر المتأخرة)، ويذكره ايضا المؤرخ الروماني بلوتارك ويشير الى كلامه مع الرب. ولكن المؤكدين لحقيقة زرادشت التاريخية يختلفون في تحديد الزمن الذي عاش فيه، فإحدى الفرضيات تشير الى انه عاش حوالي عام 1000 قبل الميلاد، وتستند هذه الفرضية ان الزرادشتية ربما قد شاعت في ميديا قبل كورش الكبير(559-529 قبل الميلاد)، بنحو قرنين، اي حوالي عام 714 قبل الميلاد، ويستدل مؤيدي هذه الفرضية الى ان اثنين من امراء الميديين كان يسمى كل منهما باسم مزداكا(Mazdaka) وهو اسم مشتق من مزدا الذي اطلقه زرادشت على الهه. ومن يسمي نفسه هذا الاسم يعترف ضمنا بانه من اتباع زرادشت، الذين كانوا يسمون انفسهم مزداياسنيين(Mazdayasn). فاذا كانت الزرادشتية قد شاعت حوالي عام 714 قبل الميلاد، فمن المؤكد ان يكون ظهورها قبل ذلك بعد قرون ربما تعود الى 1000 قبل الميلاد. في حين يعتقدون معظم المؤرخون واستنادا الى عدة ادلة تاريخية لا مجال الى ذكرها هنا، ان زرادشت قد عاش بعد عام 1000 قبل الميلاد بنحو اربعة قرون على الاقل، وربما ولد زرادشت وفق هذه الفرضية عام 660 قبل الميلاد، وتوفي حوالي عام 573 عاما وعمره 77 عاما.غير ان ادلة يمكن ان تقدم هنا تقف امام هذا الافتراض، اذ ان التاريخ التقليدي الذي يحدده الزرادشتيون لنبيهم هو عام 258 قبل الاسكندر، ومن الممكن ان اسم الاسكندر كان يعني بالنسبة للفرس أو الايرانيين فقط نهب مدينة برسيبولس، وانقراض الامبراطورية الاخمينية، ومقتل داريوس الثالث اخر ملك للملوك، وكان هذا قد حدث في عام 330 قبل الميلاد، لذا فسوف يكون تاريخ زرادشت هو 588 قبل الميلاد، وامكاننا ان نأخذ هذا التاريخ لنشير الى النجاح الاول الذي حققته رسالته النبوية والذي يكمن في اهتداء الملك فيشتاسبا وذلك عندما كان زرادشت في الاربعين من عمره، وبما انه يقال عادة انه عاش 77 عاما، فربما كان زرادشت قد عاش في الحقبة الممتدة بين 628-551 قبل الميلا



الزرادشتية(3)
تشير المصادر ان اول حاكم اعتنق الزرادشتية هو فيشتاسبا(Vishtaspa)(كشتاسب في المصادر المتأخرة)، اذ وجد زرادشت عنده ملاذا امنا، والذي ربما، وكما افترض الاستاذ هننغ، كان الزعيم الاعلى لاتحاد خوراسيميا، والذي من المحتمل انه كان مقره في بختر(باكتريا) وعاصمتها بلخ، الذي اطاح به كورش الكبير في النهاية.وتتحدث التقاليد المبكرة في الغاثا/الغاتها كيف ان فيشتاسبا هو الحاكم الذي اعتنق ديانة زرادشت: "[الرب الحكيم قال]: يا زرادشت من الرجل الحق الذي يكون صديقك لأجل السر العظيم الذي يرغب في سماعه؟ انه الامير فيشتاسبا في لحظة الاختيار الحاسم. هذا الذي سيجتمع معك في مقر واحد، ايها الرب الحكيم سوف اناديه بكلمات العقل الخيّر". مع ذلك فإن المقاومة لتعاليم زرادشت استمرت حتى في بلاط فيشتاسبا، كما تشير النصوص المبكرة، التي تذكر اسم احد خصوم زرادشت ويدعي بنديفا: "كان بنديفا دائما العائق الاعظم لي...ساندني بعزم وثبات(اهورامزدا)، واسرع في هلاكه كعقل خيّر. لقد اعاقني كثيرا النبي الكذاب، هذا بنديفا لوقت طويل، ذلك الشرير الذي ابتعد عن الحق، وهو لا يأبه اذا لم تكن التقوى المقدسة له، ولا يأخذ بمشورة الفكر الخيّر يا مزدا". كما ان هناك اشارة الى الحكام المحليين(الكافيين) ومعاداتهم لزرادشت: "لم يشأ الفاسقون الكافيون ان يستقبلوا زرادشت عند بوابة الشتاء(؟)، ورفضوا منحه المأوى فأرتعد هو وحصانه بردا". ويتضح من بعض الاشارات في الغاثا/الغاتها الى نشاط زرادشت، فالنبي محاط بجمع من اصدقائه ومريديه الملقبين عادة بـ الفقراء، الاصدقاء، العارفين، الانصار.ونجده يحرض اتباعه هؤلاء بمهاجمة اعدائهم بالسلاح: "لا تعدوا اي احد منكم يستمع الى كلمات أو تعاليم تابعة للكذب، لأنها تجلب البؤس والخراب الى البيت، والعشيرة، والمنطقة، والبلاد،(بل) ادفعوها عنكم بالسلاح".وان هذه المجموعة الزرادشتية كانت تعارضها مجموعة اشخاص لها شعار ايشما(الرعب أو الغضب) .



اهورامزدا و اميشاسبيندات
1- اهورامزدا
هو الاله الاسمى، ويشغل في الغاثا/الغاتها المركز الاول في الديانة، فهو مبدع جميع الاشياء الروحية والمادية على حد سواء، وكان خلقه يأتي الى حيز الوجود بوساطة روح القدس، أو بتعبير اخر انه ابدع العالم عن طريق الفكر الامر الذي يماثل الابداع من العدم. واهورامزدا اله خالق، وقدوس، وقويم، يقطن في ملكوته، وهو ملكوت سوف تفسده هجمات الشر، غير انه يستعاد نقاؤه في اخر الحياة. ا ويرد في نقش رستم العائد الى الملك داريوس الكبير(522-486 قبل الميلاد) كيف ان اهورامزدا كان ربا كبيرا خالقا: "الالهة العظيم اهورامزدا، الذي خلق هذه الارض، وخلق هناك السماء، الذي خلق الانسان، وخلق سعادة الانسان...".




2- اميشاسبيندات
اميشاسبيندات/اميشاسبينتا(الفيوض السرمدية)
وهم القوى الالهية الستة أو الملائكة الستة العظام، وكان هؤلاء الاميشاسبيندات يبجلون بعد اهورامزدا مباشرة، ويطلق عليهم المقدسين الخالدين، أو الخالدين الكرماء، أو الخالدين الطيبين. وجاء ذكر اميشاسبيندات أو الفيوض السرمدية كمجموعة للمرة الاولى في ترنيمة الفصول السبعة. وتحتل هذه الترنيمة مكان الوسط بين الترانيم الاصلية، وبقية كتاب الافستا: اي انها تمثل المرحلة الانتقالية بين تعاليم زرادشت المصلحة، وبين الانتقاء أو الشمول لكتاب الافستا الاخير. والترنيمة هي نص طقسي معني بعبادة اهورامزدا، والارباب المرافقة له، مثل الجزء الاكبر من الياسنا. وستكون طبيعة هذه الارباب المرافقة موضع اهتمامنا الرئيس، وتبدأ ترنيمة الفصول السبعة بالكلمات الاتية: "اننا نعبد الرب الحكيم مع الصدق(اشاوان)، نحن نعبد الفيوض السرمدية، ذات الملكوت الفاضل، وهو الرحيم، نحن نعبد عالم الصلاح الروحي كله، والمادي مع طقس الصدق، ومع طقس الديانة الصالحة لعبادة مزدا". لقد تم استخدام مصطلح اميشاسبندات في ترنيمة الفصول السبعة كتعبير جنسي للكائنات الستة المتصلة بإحكام بالغ مع الرب الاسمى اهورامزدا، وهذه الكائنات الستة هي: فوهومانو(Vohu Mano)(العقل السليم)، اشافاهيشتا(Asha Vahishta)(الصدق أو الاستقامة)، خشاترا(Khshathra)(الملكوت المنشود)، سبينتا-ارمايتي(استقامة الرأي أو التواضع)، هورفيتات(Haurvatat)(الكمال)، اميرتات(Ameretat)(الخلود). غير انه ليس من المؤكد البتة انه تم قصر الاصطلاح على هذه وحدها في ترنيمة الفصول السبعة، اذ لم يتم تعداد هذه الكائنات الستة بالاسم في اي مكان، كما لم يتم ذكر اثنين منهما البتة هما هورفيتات(الكمال)، واميرتات(الخلود). وعلاوة على ذلك، فإن الترنيمة بأكملها تنتهي بالكلمات التالية: "نعبد جميع الفيوض السرمدية"، مما يعطي الانطباع ان الاصطلاح يعني كافة الكائنات السماوية التي تم ذكرها في كل مكان من الفصول السبعة. ويمكن العثور على اسماء الفيوض السرمدية في الفيدا، اذ ان اشا تتطابق مع ارتا الفيدية، ويتطابق خشاترا مع كشترا، ويتطابق ارمايتي مع اراماتي، وتتطابق امرتات مع امرتا، وهورفيتات مع سارفتات، والشيء الوحيد الذي اضافه زرادشت هو فاهو-مانو اي العقل السليم. وهناك نصا يعطي تصور جيد عن تقديس الفيوض السرمدية: "نقدس ذكور واناث الخالدين المقدسين، الذكور الخالدين الى الابد، وعظماء الى الابد، الذين يعيشون في الفكر الخير، ومثلهم تكون الاناث ايضا". وهذا النص يشير الى انه لم يتم في هذا الوقت ادراج العقل السليم بين الفيوض السرمدية، ونجد بالتالي ان العقل السليم، والملكوت، واستقامة الرأي ليست متحدة كما يتوقع المرء، مع الصدق والكمال والخلود في بعض النصوص في الترنيمة، بل مع الدين الفاضل، والجزاء الصالح. ويبدو ان الفيوض السرمدية كانت تعني بالنسبة لترنيمة الفصول السبعة كافة المفاهيم المجردة المشار اليها في كل الفصول السبعة الموحدة بشكل خاص مع اهورامزدا. وسوف تشمل هذه المفاهيم على الغيرة(ايزها)، والنشاط(باكشتي)، والمشورة والحظ(اشي)، والرغبة الحسنة(ايشا)، والقربان، والسمعة، والازدهار، وجميعها اهداف للتبجيل، وستشمل ايضا على الدانا-مزداياسنا اي الدين الفاضل لعبادة مزدا المبجل مع الصدق. ويبدو ان القائمة الخاصة بالفيوض السرمدية المقصورة على الستة تم وضعها في حقبة لاحقة. والحقيقة النصوص الزرادشتية غامضة الى حد كبير بشأن اميشاسبينتا الستة، وربما كانوا اساطين عرش اهورامزدا، وهم رموز أو مثل عليا لمعانٍ أو فضائل انسانية مقدسة؛ ثلاثة منهم ذكور يقفون عن يمين العرش، ويمثلون المبادئ الزرادشتية الثلاثة وهي: التفكير الطيب، والحق الاسمى، والعمل الطيب. وثلاثة اناث يقفن عن شمال العرش، ويمثلن مبادئ ثلاثة هي: الفداء، والخلود، والتقوى الربانية. وبلا شك كانت الفيوض السرمدية خلال العصور المتأخرة، في الوقت الذي دون فيه بلوتارك معلوماته عن الزرادشتية قد عدت الهة حقيقية(46-120م) فهو يقول: "خلق هورموزد ستة الهة: الاول اله العقل السليم، والثاني اله الصدق، والثالث اله الحكومة الصالحة، وكان من الالهة الباقية مارد الحكمة، ومارد الثروة، وكان اخرهم خالق الملذات في اشياء جميلة". ويمكن ان نلاحظ من غير عناء ان الالهة الستة تتطابق بشكل واضح مع الفيوض السرمدية، اذ تتطابق الثلاثة الاولى على نحو صحيح مع العقل السليم، والصدق، والملكوت المنشود في الترانيم الزرادشتية، في حين ان الحكمة هي تحويل استقامة الرأي الى الاغريقية، الحكمة هي ترجمة غير مناسبة للكمال، وان خالق الملذات في اشياء جميلة من المفترض انه يشير الى الخلود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...