الثلاثاء، 23 يونيو 2015

أزمة منتصف العمر والتهديد النفسي والندم علي ما فاتك في الحياة:.... بقلم عصام الخواجة


طلب مني احد الزملاء ان اتحدث عن هذا الموضوع وهو موضع مهم جدا لكل من هو في سني وحتي من هو اصغر..... فكل إنسان قطعا يمر بتغيير ما في شخصيته مع منتصف العمر ولكن ليس كل إنسان يمر بالأزمة الشهيرة midlife crisis فقد يكون منتصف العمر فرصة لإعادة تقييم النفس والذات بصورة إيجابية ومحاولة إيجاد أهداف لحياتك غير الاهتمام بنفسك فقط ومع نضج المشاعر وخبرات الحياة يمكن توجيه طاقتك النفسية او مايسميه الفرويديون libidinal cathexis من نفسك للآخرين.... وقد وصف أريك اريكسون عالم النفس "الشهير بمراحله الثمانية للنمو النفسي للانسان"... وصف اريكسون هذه المرحلة بحدوث المتناقضين generativity versus stagnation اي الإنتاجية والإبداع او الخمول والكسل...... وانا شخصيا ربما حدث لي نفس التغيير ووجدت مثلا في الكتابة علي الفيسبوك وسيلة للتعبير عن خبراتي في الحياة مع اني لم اكن احب الكتابة من قبل وكنت دائما اقول لاولادي ان من اكثر ماأعاقني في حياتي اني احب القراءة وأكره الكتابة جدا..... حتي مع مرضاي اعشق الحديث معهم وأكره الكتابة في ملفاتهم (وهنا في امريكا عليك ان تكتب كثيرا جدا في الملفات خاصة في تخصصي... واحيانا اشتاق الي ملفات المرضي الصغيرة في مصر التي تكتب فيها الضغط والحرارة والأدوية فقط أما هنا فالوضع مختلف تماماً ويجب ان تشرح زيارة المريض لك بالتفصيل)..... ومنذ فترة قال لي ابني لست ادري ماحدث لك لكي تكتب هذه البوستات الطويلة جدا بعد هذا العمر.....!!! المهم نحن نتغير مع منتصف العمر وكثيرا ما نحس بالندم علي ما فعلنا ومالم نفعل ونقارن انفسنا بمن نظن انه تفوق علينا او اصبح اكثر نجاحا او اكثر غني او اكثر سعادة (من وجهة نظرنا نحن طبعا).... وأمس كنت أتحدث مع زوجتي وقلت لها انا لم اعد انبهر بأشكال الناس ومظاهرهم ومراكزهم "وربما لم يعد الناس يهددونني نفسيا بالدرجة التي كنت عليها في الصغر" فانا اعلم جيدا الآن ان وراء الشكل والمظهر شيء آخر مختلف تماما وقد يكون عكس ماتري تماماً..... ولو سيطرت عليك هذه القناعة (او تذكرتها كلما ضعفت ثقتك بالنفس وقل أمانك النفسي) لكنت اكثر سعادة بمراحل...... وفي رايي الشخصي ان ثقتك "الحقيقية" في نفسك هي بداية الطريق لثقتك الحقيقية بالله والرضا بما كتبه لك..... ولابد ان أوضح مرة اخري ان هناك فرق شاسع بين الثقة الحقيقية بالنفس والنرجسية الاستعراضية المرضية بل انهما عكس بعضهما البعض.....!!!
والتهديد النفسي سواء كان من داخل الانسان او من خارجه (من الآخرين) من اكثر ما يصيب الانسان بالفزع في أزمة منتصف العمر.... فإحساس الفشل او عدم تحقيق الآمال كما ينبغي واحساس الانسان بضعف جسمه وبداية الخلل في اعضائه واقتراب الانسان من حافة الموت وبداية العد التنازلي لنهاية الحياة تهدد الانسان كثيرا وقد تصيبه بالاكتئاب والخوف من الموت او احيانا الرغبة في الموت إذا زاد الاكتئاب..... وكل هذا يحدث علي مستوي اللاوعي الي حد كبير..... فتجد الانسان نتيجة لذلك (او كوسيلة دفاعية تعويضية) يسلك سلوكا غريبا وربما يصبح انطوائيا من ناحية او يصبح له نزوات غريبة من ناحية اخري مع كبر السن وربما يحاول فعل أشياء لم يفعلها من قبل.... وتجده غير راض عن زواجه مثلا وغير راض عن عمله او حياته بشكل عام ويصبح اكثر غضبا واكثر قلقا وربما يبحث عن بدائل يظن انها ستجعله اكثر سعادة وتعوضه عما فاته..... وكثيرا ما نجد رجالا ونساء فعلوا أشياء غريبة جدا وغير متوقعة في حياتهم في الخمسين والستين من عمرهم.....!!! والحل هنا في مواجهة نهاية حياتك بشجاعة وبدون "هروب خفي" من مصيرك المحتوم..... وتحويل طاقتك النفسية الي شيء مفيد لك وللآخرين... وان توقن تماماً انك لست محور الحياة وان سعادتك ربما تأتي من نجاح الآخرين بسببك... وقبل كل شيء طبعا ان نقتنع تماماً ان هذه الحياة ليست نهاية المطاف وأننا سنجازي اكثر علي ما فعلناه للآخرين وليس ما فعلناه لأنفسنا.....!!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...