أحداث أكتوبر 1988
الجزء الخامس
أكتوبر 88 بداية محنة الجزائر
سيادة الرئيس لا تترشح لعهدة ثالثة.
العميد رشيد بن يلس للرئيس الشاذلي 09 أكتوبر 1988.
بعد ظهر يوم الأحد 09 أكتوبر 1988، اجتمع المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني، برئاسة الجمهورية، و حين دخل أعضاء المكتب على الرئيس الشاذلي في مكتبه، وجوده في حالة نفسية سيئة جدا، فقد كان قبل هذا التاريخ يعطي لهندامه و طريقة جلوسه، اهتماما خاصا، بحيث يبدوا دائما و أبدا، ذلك المسئول الواثق من نفسه،و من ثقة الشعب فيه، لكنه تلك المرة، كان منكسرا الحال، منحني الكتفين، متعب و كأنه لم ينم منذ أيام.
افتتح الرئيس الشاذلي الجلسة، و قدم عرضا سريعا عن الوضعية العامة، و بصوت منخفض بالكاد أستطاع أعضاء المكتب السياسي أن يسمعوه، لطلب من الحضور، إبداء رأيهم بكل حرية و ثقة، حول أسباب الأزمة التي تعيشها البلاد، و تقديم اقتراحات لتهدئة الوضع، فكان العميد رشيد بن يلس؛ أول من تدخل ليقول :
سيادة الرئيس؛
بما أنك طلبت منا الكلام بكل حرية، و نظرا للوضع الذي ألت إليه البلاد، لن أنافقك و لن أقول غير ما يمليه علي ضميري كوطني جزائري، و مجاهد، و عسكري أسبق، و وزير حالي، لذلك أقول أننا سنرتكب خطأ فادحا في التقييم، إذا أخذنا بالفرضية التي تقول، أن ما نعيشه من اضطرابات، تثيرها أياد أجنبية، فالمتظاهرون ما هم إلا شباب و مراهقين، كانت النساء تطلق عليهم الزغاريد من شرفات المنازل، مما يعني أنهم يحظون بدعم الناس لهم، و هذه هي أصل المشكلة، علينا أن يكون لنا من الشجاعة ما يكفي للاعتراف، بأن هناك فجوة كبيرة قد ظهرت في العلاقة بين الشعب و قادته، و في الحقيقة نحن أمام حركة اجتماعية، تعكس ضجرا عميقا لدى الجزائريين، من نظام سياسي يعيش أيامه الأخيرة........
.......إن النظام السياسي الذي تم وضعه بعد الاستقلال، لم يعد في مستوى تطلعات المجتمع الجزائري، الذي تطور بشكل كبير منذ ذلك التاريخ، و هنا يجب أن تكون لنا من الشجاعة ما يكفي لنقول؛ أن السبب الحقيقي للحركة الاحتجاجية، يكمن في طبيعة النظام، الذي يجب أن يتغير بشكل جذري، مما يترتب عليه سقوط نظام الحزب الواحد، الذي فقد مصداقيته كنظام في جميع دول العالم............... إن أعمال الشغب التي تهز البلاد، هي نتيجة لإخفاقاتنا، و نحن مسئولون عليها بشكل جماعي.........................
سيادة الرئيس؛
لقد سمعتك في أكثر من مناسبة تقول؛ أنك ستختفي من الساحة السياسية، إذا شعرت أنك قد فقدت ثقة الشعب، و أضن أن الوقت قد حان، لتخرج عن صمتك، و أن تخاطب الأمة، لتقول لها أنك قد فهمت الرسالة، و أنك تلتزم بإجراء إصلاحات عميقة، مع التزامك للشعب بعدم الترشح لعهدة ثالثة، و أنك ستترك السلطة، عند انتهاء عهدتك بعد أربعة أشهر من الآن، مع الالتزام بإطلاق الإصلاحات فورا وحالا.
سادة المكتب صمت رهيب، لأنه لم يتجرأ أحد من المسئولين أن يقول مثل هذا الكلام، أمام الرئيس نفسه، فأخذ أعضاء المكتب السياسي، ينظرون لبعضهم البعض، بينما سكت الرئيس الشاذلي قليلا، و لم يرد على كلام بن يلس، ليقول بعد مدة وجيزة : حسنا ليعطي باقي أعضاء المكتب السياسي رأيهم ḷḷḷ
مما فتح الطريق للوزير الأول عبد الحميد الإبراهيمي ليقول : أنه متفق بشكل عام، مع التحليل الذي قدمه وزير النقل رشيد بن يلس، و يتفق معه أيضا في الحلول، التي قدمها، للخروج من الأزمة، لكن ينبغي الإشارة هنا، أن فشل الحكومة الذي يتكلم عليه بن يلس، يتحمله بالدرجة الأولى مولود حمروش، و مجموعة الظل التابعة له، فبسبب تدخلاتهم المستمرة في شؤون الحكومة، و عرقلتهم لعملها، و تعطيلهم المستمر لمخططاتها و برامجها، فشلت الحكومة و وصلنا لما وصنا إليه.
ثم جاء دور محمد الشريف مساعدية ليقول : أنه لا يرى أي مانع، من إصلاح منظومة الحكم، لكن من المستحسن استدعاء اللجنة المركزية، للنظر في هذه الإصلاحات السياسية، التي يمكننا تقديمها للشعب، على أن يبقى القرار النهائي للمؤتمر الذي سينعقد بعد شهران فقط.
وافق الرئيس الشاذلي بإشارة من رأسه، على اقتراح استدعاء اللجنة المركزية للحزب، قصد النظر في الإصلاحات الواجب عرضها على الشعب، لتجاوز الأزمة، و اختتم الجلسة بالقول : أنه سيشكل لجنة عمل صغيرة مهمتها اقتراح إجراءات تهدئة سيعلن عنها، خلال خطابه الذي سيوجهه للأمة، في اليوم الموالي الاثنين 10 أكتوبر (1).
بعد انتهاء اجتماع المكتب السياسي، تقدم العميد رشيد بن يلس من الرئيس الشاذلي، و طلب منه أن يمنحه بضع دقائق على إنفراد للحديث معه، فوافق الرئيس الشاذلي، ليبقى بن يلس معه في مكتبه، بينما غادر باقي الأعضاء مكتب الرئيس.
خلال الدقائق القليلة التي قضاها بن يلس مع الرئيس الشاذلي، كرر لهذا الأخير نفس المطالب التي طالبه بها خلال اجتماع المكتب السياسي، و قال له : سيادة الرئيس لا تترشح لعهدة ثالثة، لأن الحزب الذي سيقدمك باسمه، فقد كل مصداقية، حين هاجم الشعب مقراته و أحرقها، لقد أعطتك الأحداث الدرامية التي عاشتها البلاد، فرصة لتقدم نفسك كوطني مدفوع برغبة صادقة، في إصلاح النظام بشكل جذري، لا يزال أمامك متسع من الوقت، لتغير كل شيء، ثم تغادر من الباب الواسع، و مع التشريف الذي يليق بما قدمته للبلاد من خدمات، و إذا وجدت أن الوقت المتبقي من عهدتك غير كاف، فيمكنك بحجة حالة الحصار، إرجاء تاريخ الانتخابات الرئاسية لبضعة أشهر،و بذلك سيبقى اسمك محفورا في تاريخ الجزائر (2).
استمع الرئيس الشاذلي لكلام بن يلس، دون أن يقاطعه و لو مرة واحدة، ثم شكره على صراحته و صدقه في الحديث، و غادر بن يلس مكتب الرئيس الشاذلي، متجها لمكتب مدير الديوان العربي بلخير، أين اجتمع بعض أعضاء المكتب السياسي لإكمال نقاشهم هناك (3).
بعد خروج بن يلس من مكتبه، استدعى الرئيس الشاذلي كل من مولود حمروش و العربي بلخير، و ابلغهم أنه قرر تكوين لجنة مصغرة مهمتها، أن تعرض عليه، قبل توجهه بخطابه للأمة، الإصلاحات التي سيعرضها بدوره على الشعب خلال نفس ، كما كلف حمروش بصياغة البيان النهائي لاجتماع المكتب السياسي، و نشره في وسائل الإعلام.
كانت اللجنة التي قرر الرئيس الشاذلي تشكيلها، للنظر في الإصلاحات الواجب إدخالها على النظام، تتكون من :
1- محمد الشريف مساعدية.
2- محمد بن أحمد عبد الغني.
3- رشيد بن يلس.
4- أحمد طالب الإبراهيمي.
5- العربي بلخير.
وسط تلك الحالة المزرية من الفوضى و اللا استقرار، بدأت تقارير الأمن ترد لقسم الأمن و الشؤون العسكرية برئاسة الجمهورية (4)، منبهة أن عناصر خطيرة من التيار الأصولي (5)، بدأت تتحرك لاحتواء حركة الاحتجاجات، و ركوب الموجة، الشيء الذي لم يفعله، أي حزب سياسي معارض سواء جبهة القوى الاشتراكية (6)، التي اكتفت بالتنديد بما يرتكب من أعمال عنف و إطلاق النار ضد المتظاهرين، مطالبة السلطة بانفتاح سياسي، يسمح للشعب باختيار ممثليه بكل حرية، و المساهمة في بناء دولة جديدة حرة و ديمقراطية، و كذلك فعل حزب أحمد بن بلة (7) ، الذي دعا بدوره لتجنب العنف، و الكف عن استعمال السلاح، مطالبا هو أيضا بإعادة السلطة للشعب، و تركه يقرر بنفسه نوعية النظام السياسي الذي يريده، و لا بديل إلا الديمقراطية، كنظام للتداول على السلطة، كذلك فعل حزب الطليعة الاشتراكية (8)، الذي سار على درب حزب بن بلة و آيت أحمد، و ندد بالعنف و طالب بانفتاح ديمقراطي، لتجنيب البلاد ما لا يحمد عقباه.
في تلك الأثناء كان التيار الأصولي، التيار الوحيد الذي تعامل مع الأحداث بوجهين متباينين، فمن جهة كان هناك جماعة تدعوا للفطنة و التعقل (9)، بينما كان هناك فريق أخر على رأسه علي بلحاج، يدعوا لاستغلال الوضع لافتكراك تنازلات لن يقبل بها النظام، في حالة إذا ما تجاوز هذه الأزمة. و كان قبل ذلك قد نشر الشيخ أحمد سحنون بيانا في جريدة الشهاب، نشرتها أيضا بعض الصحف الوطنية، دعا فيه للتعقل و ضبط النفس (10)، إلا أن مجموعة علي بلحاج، كانت تسير عكس التيار، الذي سار عليه الشيخ أحمد سحنون، و بدلا من الاكتفاء بالوعظ، أخذت تنادي بتنظيم مسيرات و تجمعات ، للتنديد بما يحدث، و لما بلغ الخبر لقيادة حالة الحصار، كان ردها: أن حالة الحصار تسقط الحقوق السياسية، و بالتالي و وسط حالة الفوضى الذي تعيشها البلاد، المميزة باعتداءات على الممتلكات و الأشخاص، فكل تجمع ممنوع و كل مسيرة مهما كان نوعها ممنوعة، و أي محاولة لإثارة، مزيد من الفوضى سيقابل، بحزم و بشدة (11).
تمكنت مجموعة العقلاء، التي كانت تنشط في ميدان الوعظ، من إقناع علي بلحاج بعدم القيام، بأي مسيرة أو تجمع شعبي خصوصا ليلا، فالبلاد كانت تحت حالة الحصار، و حظر التجول، و أي عمل طائش، قد يعرض حياة المسلمين للخطر، و اتفقوا معه، إن كان ولابد منه، فليكن النشاط في وضح النهار، و بعد الاتصال بالمديرية العامة للأمن الوطني، حتى تكون في الصورة، و على علم مسبق، بما سيفعله التيار الأصولي (12).
بعد صلاة يوم الجمعة 07 أكتوبر، انتقلت مجموعة من الوعاظ، للمديرية العامة للأمن الوطني(13)، أين استقبلتهم لجنة متكونة من ثلاث ضباط شرطة، كان على رأسها عميد الشرطة الحاج صادوق، و خلال ذلك اللقاء، استمع ضباط الشرطة، لكلام لجنة الوعاظ، و سجلوا مطالبها، و ليضعوهم في الصورة، و يفهموهم مدى خطورة الوضع، الذي وصلت إليه البلاد، قدموا لهم صورا و شهادات، لحالات من التعذيب تعرض لها رجال شرطة، على يد بعض المواطنين المجهولين، و وعدوهم أن هذه المطالب، سترفع كلها لأعلى سلطة في البلاد، و طلبوا منهم التعقل، و أن لا يقوموا بأي شيء، قد يعرض حياة المواطنين للخطر، و يزيد الوضع الأمني خطورة (14).
انقسم التيار الأصولي بين من يدعوا للتعقل، ممن يريد ركوب الموجة، و استغلالها لافتكاك مطالب، لن يقدمها النظام إذا ما تجاوز الأزمة، و كان علي بلحاج، أشد العناصر تطرفا، و فعل الممكن و المستحيل، من أجل إخراج الشباب المتحمس في مظاهرة حاشدة، و بقي الأمر بين الأصوليين، في مد و جزر حتى صبيحة يوم 08 أكتوبر 1988.
في صبيحة 08 أكتوبر 1988، انتقلت مجموعة الدعاة و الوعاظ، لبيت الشيخ أحمد سحنون ليشاوروه في مسألة المسيرات و التجمعات، فنصح بعدم ارتكاب حماقة قد تؤذي لإراقة دماء بريئة، و نصح بالصبر و التعقل (15).
بعد صلاة المغرب يوم (09 أكتوبر 1988)، عقد علي بلحاج و الهاشمي سحنوني، تجمعا في مسجد السنة بباب الواد، وجه خلاله نداء، من أجل تنظيم تجمع شعبي، بعد صلاة ظهر، يوم الاثنين 10 أكتوبر 1988، في مسجد صلاح الدين الأيوبي ببلكور.
و في الوقت الذي كان الأصوليين، يحشدون أنصارهم للقيام بتجمع شعبي، في مسجد صلاح الدين الأيوبي ببلكور، بدأت أجهزة الإعلام تردد خبر أن رئيس الجمهورية، سيتوجه بخطاب للأمة، مساء يوم الإثنين 10 أكتوبر على الساعة 08 مساء.
أمام المخاوف المتزايدة من تحول التجمع إلى مظاهرات شعبية لا تحمد عقباها، انتقل الشيخ يخلف شراطي، رفقة الشيخ محمد عيه، و محمد بوسليماني، و محمد السعيد لبيت الشيخ أحمد سحنون، و طلبوا منه التدخل بنفسه، لتعقيل الشباب و إقناعهم بأن أي مسيرة أو أي تجمع شعبي، في هذه الظروف الصعبة، قد تؤدي إلى مواجهات عنيفة مع قوات الجيش، و قد تؤدي لسقوط قتلى و جرحى في صفوف الفريقين.
على إثر ذلك اللقاء، نشر الشيخ أحمد سحنون بيانا هذا نصه :
بسم الله الرحمن الرحيم
بلاغ
أمام تطور الأحداث الأخيرة التي سالت دماء خلالها دماء زكية وخربت ديار ونهبت أموال فإنني أحمد سحنون الواعظ بمسجد دار الأرقم أرى ومجموع الدعاة لزاما علينا أن نخرق جدار الصمت لنقول للأمة ما يلي:
1. إن قرار المسيرة المرتجل الذي لم يقدر العواقب التي تعود على الدعوة الإسلامية عامة لم يؤخذ فيه برأي مجموع المهتمين بالدعوة الإسلامية والذين تثق فيهم الأمة.
2. إن هذه المسيرة ينبغي أن تتوقف اليوم فورا ومن تمادى في تنفيذ قرار اتخذه فرد بصفة انفرادية فقد خرق إجماع الأمة والدعاة ويتحمل العواقب الناجمة عن ذلك أمام الله ثم الأمة.
3. نهيب بأبنائنا وإخواننا أن يلتزموا الهدوء وضبط النفس في هذا الظرف العصيب، والخير كل الخير في السير في موكب الأمة لقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- يد الله مع الجماعة....الحديث.
﴿هذا بيان وهدى وموعظة للمتقين﴾
29 صفر 1409 (10 أكتوبر 1988)
في صبيحة يوم 10 أكتوبر 1988، توجه الشيخ أحمد سحنون رفقة الشيخ محمد السعيد، و الشيخ محمد بوسليماني (رحمهم الله جميعا) إلى مسجد صلاح الدين الأيوبي، أين وجدوا عدد هائل من الشباب السلفي، قد لبوا نداء علي بلحاج و الهاشمي سحنوني، المتعلق بعقد تجمع شعبي في بلكور، و الغريب في الأمر أن، علي بلحاج لم يحظر لذلك التجمع، بحجة أنه مريض.
ألقى الشيخ أحمد سحنون كلمة طيبة، طلب فيها من الشباب التعقل، و العودة فورا لبيوتهم، و وعد الجميع أنه سيتكفل شخصيا بنقل مطالبهم لرئيس الجمهورية، و تدخل الشيخ محمد السعيد، و فعل نفس الشيء، فانفض الجمع، و أخذ الناس يعودون نحو بيوتهم.
أثناء عودة المواطنين نحو بيوتهم، مرت جماعة كبيرة جدا، متجهة نحو حي باب الواد، أين كانوا يسكنون، و لما وصلوا بمحاداث المديرية العامة للأمن الوطني، أين كان يرابط رتل من الجيش، سمع إطلاق نار لم يعرف مصدره، فرد الجنود بإطلاق النار على المواطنين، العائدين من تجمع بلكور، فوقع عدد غير قليل من القتلى و الجرحى.
في مساء ذلك اليوم، و بينما الجزائر تنزف دما، و تحت تأثير الواقعة التي حدثت أمام المديرية العامة للأمن الوطني، توجه الرئيس الشاذلي بخطاب مرتجل للأمة بدأه قائلا :
بسم الله الرحمن الرحيم.
أيها المواطنين،
نتوجه إليكم اليوم، والوطن يمر بصعوبات، ناتجة عن أعمال التخريب، التي تتعرض لها المؤسسات، الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية ورموز الدولة.
و نطرح السؤال: من المستفيد من مثل هذه الأفعال؟ فهل هكذا سنحل قضايانا؟
نقول لا.
وقناعتي هي أن جميع المواطنين يشاركونني هذا الرأي.
في الواقع، كان البديل إما ترك الوضع على ما هو عليه،
وبالتالي ترك البلاد تنزلق إلى الفوضى والحرب الأهلية،
وهو الوضع الذي سيخدم بطبيعة الحال أعداءنا
الذين يتربصون بنا خلسة لينفذوا مخططاتهم.
أو الخيار الآخر، كما قلت من قبل، كان صعبا. ولكن،
ومن منطلق مسؤوليتي والتزامي الأخلاقي والسياسي،
طبقا للدستور، وجهت تعليمات للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بحماية مؤسسات الدولة واقتصادها ومواطنيها الأبرياء منهم الأغلبية الساحقة الذين يرفضون هذه الأفعال من التخريب.
ونأسف بمرارة على الخسائر البشرية والمادية من الطرفين.
لقد كان من واجبي كرئيس للأمة أن أتخذ، في إطار صلاحياتي الدستورية، التدابير اللازمة لحماية هذه الدولة وهذه الأمة مهما كانت الظروف والصعوبات،
و استمر الرئيس الشاذلي، مخاطبا الشعب الجزائري فقال :
لقد تحدثت في خطابي يوم 19 سبتمبر عن الوضع بكل مسؤولية وموضوعية.
واعتمدت أسلوب النقد الذاتي في الحديث عن النقائص، وهي في الحقيقة كثيرة.
وحتى قبل هذه الأعمال التخريبية، أعلنت أن الإصلاحات قد بدأت في التنفيذ، وأنه تم اتخاذ التدابير اللازمة لتلبية احتياجات المواطنين، وخاصة ذوي الدخل المنخفض.كما ذكرت إصلاحات أخرى، دون أن أحدد طبيعتها وشكلها.
وعلينا معا أن ندرس هذه المشاكل بعمق لتحديد أسبابها.
و بنوع من الحماس و التأثير أضاف الرئيس :
واليك يا مواطن نقول لك : مع الأسف و بكل مرارة، هل يرضيك ما جرى في الجزائر العاصمة ، أو بعض الجهات القليلة الأخرى؟ هل هذا هو عمل وطني؟ هل هذه الغيرة الوطنية؟ هل هذه حب الوطن؟ هل هاذي مكافئة لشهدائنا لي بفضلهم أحنا نتنعم بالاستقلال و الحرية و السيادة؟ هل هذا هو العمل الي هو يحطم ثانويات، و يحطم مراكز اجتماعية و صحية، و مراكز اقتصادية ؟ هل هذا هو الحل؟ أنا نقول وأجيب مكانك بأن هذا ليس هو الحل.
الحل يكمن في معالجة مشاكلنا بهدوء و طرح القضايا بكل وموضوعية. و اعتقادي بهذا الأسلوب، نعالج مشاكلنا و سوف نواجه كل الصعوبات السياسية و الاقتصادية بهذه الإصلاحات، و بالأخص الإصلاحات السياسية.
ثم جاءت الفقرات التي أثرت بقوة في مشاعر الشعب حين قال :
أنا تعهدت أمامك أيها المواطن عندما وضعت في الثقة، لتحمل هذه المسؤولية، كلكم تعرفوا في 79، لم كنت نرغب في المسئولية، ليس تهرب من الميدان أو من الجبهة جبهة القتال لا، كنت دارك و عارف مشاكل الأمة و القضايا الاجتماعية الاقتصادية والسياسية.
لكن الواجب يحتم علي، كمناضل كمجاهد، من أجل تحمل المسؤولية لصالح الوطن لا أكثر و لا أقل،
أنا لا يغريني الكرسي .و لا تغريني المادة أو التشريفات.
همي الوحيد هو عزة هدا الوطن، و خيرة هذه الأمة عاهدت الله والوطن والشعب، و سوف نبقى مخلصاً لهذا الوطن وهذه الأمة.
و أنهى الرئيس الشاذلي خاطبه، بالقول أنه سيعدل الدستور، و سيعين رئيس حكومة يكون مسئول مباشرة أمام البرلمان، و أعلن عن انطلاق إصلاحات اقتصادية و سياسية عميقة، و أشهد الله على أنه سيطبق ما وعد به.
يتبع
الهوامش :
1- مصادر مختلفة منها رشيد بن يلس، و عبد الحميد الإبراهيمي، راجع أيضا محضر اجتماع المكتب السياسي بتاريخ 09 أكتوبر 1988.
2- العميد رشيد بن يلس.
3- نفس المصدر السابق..
4- قسم الأمن و الشؤون العسكرية برئاسة الجمهورية، مصلحة من مصالح الرئاسة تولاها العقيد بن عباس غزيل من 1984 إلى 1987، ثم العقيد مدين محمد من 1987 إلى 1989، ثم اللواء الحسين بن معلم من 1989 إلى 1991.
5- كانت هذه المجموعة تتكون من علي بلحاج و الهاشمي سحنوني و الواعظ كمال نور و الواعظ عبد المالك رمضاني، إلا أن كمال نور و عبد المالك نور كانا يحاولان تهدئة الأوضاع عكس علي بلحاج الذي أظهر تطرفا كبيرا.
6- جبهة القوى الاشتراكية : أقدم حزب سياسي معارض تأسس عام 1963 على يد الحسين آيت أحمد.
7- عام 1983 أسس أحمد بن بلة في الخارج حزب معارض اسمه الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر.
8- هو امتداد للحزب الشيوعي الجزائري.
9- كبار الدعاة مثل الشيخ أحمد سحنون و محفوظ نحناح و محمد بوسليماني، و مجوعة من شباب الدعاة مثل كمال نور و عبد المالك رمضاني.
10- البيان نشرته كاملا في الجزء الرابع من هذه الدراسة.
11- راجع تصريحات اللواء خالد نزار المصورة و المكتوبة.
12- راجع تصريحات الشيخ علي بلحاج حول أحداث أكتوبر 1988.
13- مصادر من الأصوليين أنفسهم مثل الشيخ كمال نور و الهاشمي سحنوني و عبد المالك رمضاني و محمد عيه.
14- نفس المصدر السابق .
15- نفس المصدر السابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق