الخميس، 17 أكتوبر 2024

هل انتشر الاسلام بالسيف ؟؟... منير مخلوفي

هل انتشر الإسلام بالسيف؟!

شاع هذا السؤال في عصرنا واستَتْبَعتْه في الغالب أجوبةٌ هزيلةٌ ذليلةٌ انهزاميةٌ ترقيعيةٌ شُحِنَت بها كثير من الكتب الفكرية المعاصرة، إذْ كان غاية هذه الأجوبة تلميعَ صورة المسلمين أمام الغرب ""المتحضِّر""، وتكلّم أصحابها بلسان المتَّهم الضعيف المحبوس في القفص المنتظِرِ لإدانته !!.
مع أن الغرب نفسه يفاخر بأنه غزا قارات العالَم كلّه لينقلَ الأمم والشعوب من ظلمات التخلُّف والجهل إلى أنوار الحضارة والمدنية، حتى أنهم يُسَمُّون غزوهم هذا "استعمارا = Colonialism" من الكلمة اللاتينية colōnia التي تعني عمارة الأرض واستزراعها، ويُصرُّون في عناد وعجرفةٍ على رفض الاعتذار عن جرائمهم وحروب الإبادة التي اقترفوها ضد هذه الشعوب.

ومن يستقرئ كتب التراث الإسلامي من فقهٍ وحديثٍ وعقائد وتاريخ..الخ = لا يجد أن علماء المسلمين كانوا يستعِرُّون من القول بأن الإسلام انتشر في الأرض بسيف الجهاد عدا استثناءات قليلة كما حصل في مليبار والجزر الإندونيسية وبعض بلاد إفريقيا، ولم يكونوا يجيبون بتلك الأجوبة المتهالكة كالنفي المطلق الذي هو مجرد سفسطةٍ وإنكارٍ للضرورات الشرعية والتاريخية، أو الاسترواح إلى تفريقاتٍ اصطلاحية تحكُّمية بين الفتح والغزو مع أنهم عاجزون عن إقامة فرقٍ معقولٍ يقرُّ لهم به مخالفوهم.

بل كان علماء الإسلام يجيبون النصارى بأجوبة إلزامية مفحمة، ويلزمونهم بما عندهم في كتبهم المقدسة، ومن هذه الأجوبة ما قاله أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في كتابه "الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح" 2/402:
(بل النصارى قد تعيبُ من يقاتل الكفار بالسيف، ومنهم من يجعل هذا من معايب محمد صلى الله عليه وسلم وأمّته، ويغفلون عما عندهم من أن الله أمر موسى بقتال الكفار، فقاتلهم بنو إسرائيل بأمره، وقاتلهم يوشع وداود وغيرهما من الأنبياء، وإبراهيم الخليل قاتل لدفع الظلم عن أصحابه) انتهى كلامه.

فلم يكن المسلمون يعتبرون هذا مما يعيبُ دينهم، أو يستعرّون به، حتى أن الأرجوزات التعليمية التي كان يحفظها الأطفال كمتن "جوهرة التوحيد" للعلامة اللقَاني يقول ناظمها في مستهلِّها:
فأرشدَ الخلقَ لدين الحقّ
               بسيفِه وهدْيِه للحق

وإنما دخل الغلط على هؤلاء من جهة الإجمال الذي في كلمة السيف، فتوهموا أنها مرادفة للإكراه والجبر الذي هو إلزام الناس باعتناق الإسلام كرها من غير تخييرٍ، ولا شكّ أن هذا غير صحيح، إذْ قد عُلِمَ من الدين بالضرورة أن الإسلام لا يُكرِه أحدا على الدخول فيه، كما قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبيَّن الرشد من الغيّ)، ومن أسلمَ مكرها فله الرجوع إلى دينه بحكمٍ شرعي قضائي، ولا نزاع في هذا، اللهم إلا ما اختلف فيه الفقهاء في مشركي العرب خاصة، هل يُقَرُّون على شركهم بأداء الجزية، أم يُخيَّرون بين الإسلام والسيف.
والقول بأن الجزية شرعت في مقابل الزكاة أو الخدمة العسكرية كلامٌ لا أصل له، وإنما هو من قراءات بعض المستشرقين أمثال توماس أرنولد صاحب كتاب "الدعوة إلى الإسلام" ثم تلقفه منهم بعض المفكرين الإسلاميين ظنا منهم أنهم يدافعون عن الإسلام ويلمّعون صورته !!
بل الصواب الذي اتفق عليه العلماء أن الجزية شرعت لإظهار عزة الإسلام، واستدراجا لأهل الذمة حتى يسلموا بمخالطتهم للمسلمين ومعرفتهم بمحاسن دينهم وشريعتهم.
وإنما شُرِع السيف في الإسلام لأنه الرسالة الخاتمة، وليس مجرد عقيدة أو فكرة فلسفية يُترَك الناس فيها على اختياراتهم وقناعاتهم، بل هو دينٌ ودولةٌ وشريعةٌ ونظامٌ عامٌ، ورؤية شاملة للحياة والوجود، ودينٌ هذه صفتُه وهذه حقيقتُه = لابد يحتاج لقوةٍ حامية وسلطانٍ رادعٍ، وسيفٍ باتر.
هذا وبالله تعالى التوفيق

كتبه: منير خلوفي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عرائس الحروب ..

عرائس الحرب أو "War Brides : لماذا تتخلى النساء عن شركائهن بسرعة ويتكيفن مع الجدد بسهولة؟ الحقيقة المدهشة وراء التكيف الأنثوي!" عر...