الثلاثاء، 14 يونيو 2016

دول عربية أم ممالك طوائف أندلسية؟ ..... المفكر التونسي ابو يعرب المرزوقي

كيف يمكن لـ22 مملكة طوائف أو محمية عربية أن تصبح دولة عظمى بفضل ثورة الشباب؟ ذلك هو السؤال الذي ينبغي أن يجيب عنه كل من يؤمن بشباب الإقليم بعد خصم العملاء من حركة التاريخ.
فنحن نعيش في 22 مملكة طوائف أو محمية عربية خاضعة لأصحاب الاستضعاف والاستتباع جعلوها مزارع وكلوا عليها أصحاب الاستبداد والفساد.
ويزين هذا التحالف بين الاستبداد والفساد في الداخل والاستضعاف والاستتباع ف يالخارخ من يطبل له من نخب لا تؤمن إلا بالإخلاد إلى الأرض والعدوان على حقوق شعوبهم.
فتكون كلفة المحميات على الشعوب أكبر بكثير من كلفة أي دولة لأي قوة عظمى من الأقطاب العالمية: فكلها ذات تمثيل دبلوماسي وأبهة الدولة لكأنها دول وهي مجرد محميات.
وكلفة أجهزتها الدفاعية والأمنية لو جمعت لمثلت قوة تضاهي قوة أي دولة عظمى. لكنهم في الوضع الراهن أضعف من أي دولة فقيرة ليست مزرعة لمافية.
ولو جمعت ما يبذر في محو الامية الذي يسمونه تعليما لفاق المعدل المعتاد لجعل الـمنظومة التعليمية الـجامعة قادرة على تأهيل المبدعين وإنتاج المعرفة وتطبيقاتها المادية والرمزية.
لكن كلفة الدول والأجهزة الدفاعية والأمنية والإدارية وكلفة التعليم كلها بسبب تفريقها وعدم تكثيفها في دولة قوية غير تابعة لم تنتج إلا المزيد من التخلف والتبعية.
ولا يمكن للشباب أن يجيب عن السؤال الذي انطلقنا منه إلا إذا أدرك العلاقة بين هذا الوضع التقزيمي للأمة وأدوات جعله أمرا واقعا لا مخرج منه.
عندما تسمع من المستبدين بالمحميات العربية كلامهم على أن الغرب يريد بالفوضى الخلاقة أن يفتت المفتت وأن يشتت المشتت تظن أنهم يدافعون عن دول ذات سيادة.
وتظن أن الاستعمار تحير أمام استقلال إرادتهم وسيادتهم فاراد أن يفتتهم حتى يطمئن لسلطانه عليهم. وهم يتهمون الثورة بالتواطؤ معه لهذا الغرض. وكان يمكن أن نصدق لو لم نعش تجربة سوريا.
الم نعش عقودا على التغني بدمشق عاصمة المقاومة والتصدي للامبريالية والساعية لتحرير فلسطين؟ فإذا هي عاصمة تابعة للحماية الاسرائيلية والإيرانية والروسية والأمريكية؟
فهل غيرها مما يسمى دولا عربية مغاير من حيث هذه العلاقة بين الظاهر والباطن أم هي كلها محميات إما مباشرة للغرب أو بتوسط ذراعيه إيران وإسرائيل؟
لذلك فعلى الشباب أن يعلم سر هذا الوضع: إنه وضعية مرضية غائرة في خلايا الجماعة بعضها نتج عن نتائج انحطاطنا الذاتي وبعضها الآخر نتج عن خطط الاستعمار.
فتقسيم سايكس بيكو وما تقدم عليه من تقسيم السلاطين لدار الإسلام عامة وللوطن العربي خاصة هما اللذان جعلا بلادنا من جنس ممالك الطوائف في الأندلس واحييا العرقية والطائفية لنصبح محميات.
وما يتكلمون عليه من هدف الفوضى الخلاقة التي ستزيد التفتيت تفتيتا ليس مؤامرة فحسب بل هو بسبب هشاشة الأسر الحاكمة العسكرية والقبلية التي ينخرها التنافس فيشق صفوفها.
وهذا التفتيت الممكن يستهدف الجغرافيا والتاريخ لتحييد ثمراتهما والمرجعية الواحدة والهدف هو جعل الجغرافيا والتاريخ وثمراتهما من شروط للقوة إلى علل الضعف.
فالدويلات الطائفية والعرقية لا تستطيع حماية ذاتها ولا رعاية شعبها بسبب حجمها فتصبح بالضرورة محميات لمن هو أقوى منها سواء من الإقليم أو من خارجه.
والمعلوم أن معترك السياسة الدولية لا يخضع إلا لقانون الغاب لأن الجماعات محكومة في تنافسها على شروط الحياة إلى قانون الانتخاب الطبيعي والبقاء للأقوى دائما.
لذلك تلاحظون أن المعركة اليوم هي معركة جغرافية (من يفتك أرض الآخر) ومعركة تاريخية (من يعتبر نفسه أولى بالحق) ليحصل الغالب على ثمراتهما بمرجعية عقدية فقدها العرب وفقدوا معها كل طموح للعظمة.
فـفي معركة الجغرافيا وثمرتها ومعركة التاريخ وثمرته ومعركة المرجعية العرب هم أقل شعوب الإقليم طموحا بسبب ارباب المحميات من نخبهم العميلة.
لذلك فالثورة ينبغي ألا تعترف بالجغرافيا الاستعمارية الموجودة والموعودة ولا بالتاريخ الاستعماري الذي تستمد منه المحميات شرعيتها التاريخية المزعومة دون أن تصبح دولا ذات سيادة.
لذلك فلا بد أن يؤمن الشباب بضرروة إحياء المرجعية الواحدة بطموحها الرسالي والموحد حتى يصبح بوسع الشباب ان يحقق العلاقة الحقيقية بين مطالبه وشروطها: التحرر مشروط بالتحرير.
فالاستبداد والفساد أساسهما الاستضعاف والاستتباع. وسلطانهما يستند إلى جغرافيا مفتتة تحول دون التنمية المادية وتاريخ مشتت يحول دون التنمية الروحية: هدف الثورة القضاء على التفتت والتشتت.
ولما كان التحرر لا يرتجل ولا يتجاوز الانطلاق من الموجود لتحقيق المنشود فينبغي أن نستفيد من الفوضى الخلاقة التي تسيطر على الإقليم بمفعول ذراعي الاستعمار ونكأ جروح الماضي.
صحيح أن تفرق لكنها بذلك تجمع في آن. فخذ مثال الطائفية. استعملوها للتفريق. حسنا. فلتكن المرحلة الأولى في توحيد السنة على أساس لم تكن تريده لكنه فرض عليها فينبغي أن تستفيد منه.
فالمخرج من العملية سيكون لصالح الأمة: طائفية أعدائها ستجعلها تتحد بوصفها الغالبية العظمى في الإقليم فتخلق الفوضى الخلاقة دولة أو دولا سنية كبرى.
وهذه العلاقة بين التفريق والجمع في الفوضى الخلاقة علاقة طبيعية لايمكن تغييرها بمعنى أن التشيع مثلا يمكنه أن يحدث تفريقا في المحميات لكنه سينتج تجميعا لسنتها ضديدا لجمعه الشيعة.
وفي النهاية فالتشيع هو الذي سيخسر لأن دوره لن يتجاوز دور المهماز للجواد العربي الذي هو سني بنسبة 90 في المائة فنستفيد من الفوضى الخلاقة بعكس الغاية منها.
ولا يمكن توقع نتيجة مخالفة إلا إذا ظلت سنة العرب خاضعة للمحميات بنية المحافظة عليها ومقاومة الفوضى الخلاقة من دون هدف تجميعي حتى تخسر كل ما تملك.
فالمطلوب الآن معاملة الأعداء بالمثل واستعمال نفس الآليات: لا بد من حشد سني ومليشيات سنية ورأس مدبرة للفاعلية الشعبية في كل الاتجاهات.
فإذا استعمل المحرك القومي والطائفي من قبل الأعداء لإحداث الفوضى فبهما يمكن للسنة أن تحدث النظام في داخلها والفوضى في أعدائها كما هم يفعلون.
فالمرحلة الأولى ستكون نتيجتها دولتان سنيتان كبريان على الأقل في المشرق بقيادة سعودية (كل دويلات الخليج) وسنة الهلال بقيادة المقاومة السنية (العراق وسوريا والاردن وفلسطين ولبنان) ومثلها في المغرب العربي بقيادة مغربية (المغرب وموريتانيا) وبقيادة جزائرية (الجزائز وتونس وليبيا).
فننتقل بفضل ذلك من 22 محيمة إلى أربعة دول ذات حجم كبير يتوسط بين جناحيها المشرقي والمغربي دولة النيل الكبرى (مصر والسودان) فنصبح خمسة دولا كبرى قادرة وسيدة.
وحينها تكون كل دولة من هذه الخمس حتى بمفردها مهابة أمام ذراعي الغرب أي إيران وإسرائيل خاصة إذا علما أن بقية تلك الدول معها في السراء والضراء.
والموجة المقبلة من الثورة ينبغي أن يكون هذا هدفها. وإذا لم تستهدف ذلك فإن امبراطورية إيران وإمبراطورية إسرائيل هي ما سيكون هدف سايكس بيكو الثانية.
وأغرب ما في الأمر أن العائق الأساسي أمام هذه الخطة ليس الغرب ولا ذراعيه إيران وإسرائيل بل الانظمة العسكرية والقبلية التي حولت الوطن إلى ممالك طوائف : وتلك هي علة الشلل العربي السني.
ثم إن عوائق الاستئناف- إضافة إلى ما ذكرت- تكمن خاصة في منطق العمل الذي يتبعه الشباب السني: فهو لا يتعامل مع منطق اللحظة بقواعد لعبتها. وحدة المسلمين هدف بعيد لم يئن أوانه.
الهدف المتقدم عليه هو تكوين القاطرة السنية العربية أي وحدة الوطن الذي منه نبعت الرسالة لتكون قوة بها تتواصل الرسالة فلا نقفز على المراحل لنخسرها.
ثم إن المعركة تجري في الإقليم ورهانها تقسيم الأرض العربية على شعبين يسعيان للانتقام من نجاح الإسلام في تقويض سلطانهما الإقليمي: إيران وإسرائل بسند غربي.
والغرب يستفيد من آليات التحريك التي أنشأت الفوضى الخلاقة: القومية (الأكراد) والطائفية (الشيعة) والدينية (إسرائيل) وصغائر الخونة والعملاء المتنافسين على ممالك الطوائف العربية (الأنظمة والنخب): الرد بالمثل.
والأدرى بمقومات العملية أو بمعادلتها (العرق والطائفة والدين وصغائر النفوس الضعيفة للحكام والنخب العميلة) هو الرابع إذا أحسن تدبير استغلالها.
أما مواصلة القول نحن ضد العرقية والطائفية والدينية وصغائر الحكام ونخبهم العميلة فهذه ليست مثالية بل غباء سياسي: الساسية تعمل بمحركات البشرالموجودة خاصة لا بالمثل المنشودة فسحب.
ومحركات البشر كثيرة وهي تختلف بحسب الظرفيات لكن لها قوانين كلية وهي دوافع التحريك. أما ثمرة المكان وثمرة الزمان فهي الدوافع العميقة للتحريك.
والتحريك يحرك المحركات التي هي ما ذكرنا: الغاية هي ثمرة الأرض أو الثروات وثمرة التاريخ أو التراث وهي لا تفعل إلا كدوافع لهذه المحركات.
والمحركات هي العرق والطائفة والدين ونذالة الحكام والنخب العميلة. بها تحرك الشعوب لتحقيق غايات استراتيجية العدواني منها شرير الشرعي هو الـخير وذلك ما ندعو إليه.
كلام الثوار على الحرية والكرامة غايات للثورة وهو كلام يكون عديم الجدوى إذا لم يدركوا العلاقة بين الغايات وشروطها: فالمحميات لن تحقق شيئا من ذلك.
إنها صنعت على أعين الانحطاط الذاتي والتخطيط الاستعماري لمنع شروط تحقيق الحرية والكرامة: تفتيت الـجغرافيا وتشتيت التاريخ يبطلان القدرة على النهوض ماديا وروحيا.
هدفي مما أكتبه -أمليه على مساعدي أعانه الله على تحملي-هو أن أجعل الشباب يدرك هذه الحقيقة: ففي السياسة القرائب مشروطة غالبا بالبعائد.
لن نستطيع التخلص من الاستبداد والفساد ما ظلننا تحت الاستضعاف والاستتباع. ولن نتحرر منهما من دون تغيير الجغرافيا والتاريخ في ضوء المرجعية الموحدة.
ولان الأعداء يعلمون أن المرجعية هي التي ما تزال صامدة بعد أن فتتوا الجغرافيا وشوهوا التاريخ فإنهم يركزون الحرب عليها من كل صوب وحدب.
فالحرب لا تدور على الإسلام لأنه دين كالأديان المحرفة بل لأنه دين يعتبر استعمار الإنسان في الأرض شرطا في الاستخلاف بمبدأي الاجتهاد والجهاد.
وقائده عُرف بتطبيقهما بنفسه فهو لم يدع أن التاريخ يعمل بالدعاء وبخوارق العادات. كان قائدا سياسيا وعسكريا ومربيا خلقيا ومعرفيا ومؤسسا لحضارة.
والحرب على المرجعية تتضمن الحرب على القائد الأول والدائم والأزلي الرسول الخاتم وعلى القرآن الذي جمع شروط الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها روحيا وخلقيا وسياسيا وماديا.
ولا يمكن تصور حشدا سنيا مثلا من جنس الحشد الشيعي. ذلك أن الحشد الشيعي يأتمر بأوامر دولة لها مشروع. محمياتنا لا مشروع لها عدى البقاء محميات وهي من يحارب المقاومة السنية.
وإذن فالمطلوب استعادة الطموح والشعور بنخوة العظمة وعزة الاستقلال وعدم التبعية. لذلك فكلامي موجه للشعوب وللشباب خصيصا وليس للأنظمة ونخبها العميلة.
ولاختم ببعض الأسئلة ذات الجواب البدهي: هل كانت أمريكا تهين تركيا لو كانت تعلم أن السنة لهم بعض الشعور بأنهم أمة واحدة وأن إهانة أيا مـنهم إهانة لهم جميعا؟
هل كانت أمريكا تحتقر الحلف الإسلامي الذي طبل له الكثير واجتمع فيه 35 دولة كما تسمي نفسها لو لم تكن أمريكا تعلم أنها ليست دولا بل محميات يستظلون بظلها؟
بل أكثر من ذلك هل كان بوتين يتنمر ويشل حركة الأتراك والعرب السنة فيصبح الآمر الناهي في الهلال كله ولعله يكون كذلك قريبا في اليمن وهم يتفرجون كالبلهاء؟
بل اكثر وأدهى هل كانت إيران وهي مفلسفة ماديا وروحيا لم يبق لها إلا مافية الحرس وأكاذيب المرجعية تغزو بلاد العرب وتتنمر على الجميع كباندي الحي؟
اما إسرائيل فحدث ولا حرج. لم أر حاكما عربيا واحدا لا يطلب ودها ووساطتها مع حامي الجميع ثم لا يستحون فيتصورون أنفسهم أصحاب دول ذات سيادة وأنفة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...