الثلاثاء، 28 يونيو 2016

النسيء! ما هو؟ .............. الباحث ابن قرناس


بين فترة وأخرى يعود الحديث عن الأشهر القمرية وأنه يجب أن تعادل بالأشهر الشمسية لكي تبقى في نفس موسمها على الدوام.. وذلك بإضافة شهر كل ثلاث سنوات. وقالوا تبريرات كثيرة منها أن هذا سيجعل الحج في الشتاء في كل السنوات وأولوا معنى (ولا تحلوا الصيد وأنتم حرم) نتيجة لذلك




، وتأويلات أخرى، ظاهرها فيه الرحمة، فهل هذا ما يقول تعالى؟


ما سنفعله اليوم هو استعراض كيف تأولوا الآية، ومن ثم نقرأ الآية ونفهمها بأسلوب بسيط.
والآية وردت في سورة براءة التي نزلت قبل وفاة الرسول ببضعة أشهر، وهي تتحدث عما كانت قريش تفعله، ونصها:
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37) براءة.
الآية في نظرهم تقرأ كما يلي:
إنما النسيء – زيادةً في الكفر – يُضِل به الذين كفروا.
فتكون جملة (زيادة في الكفر) جملة اعتراضية لو حذفناها فلن يتغير معنى العبارة.
فكأن الآية تقول: إنما النسيء يَضِل به الذين كفروا.
النسيء (أداة) يَضِل بها الذين كفروا.
بالنسيء ضل الذين كفروا، الذين كفروا ضلوا بالنسيء، استخدام النسيء تسبب في ضلال الذين كفروا.
إذا كان النسيء سبب في ضلال الذين كفروا، فكيف يريدون منا أن نستخدمه؟
(النسيء بتعريفهم يعني أن نقوم بإضافة شهر كل ثلاثة أشهر للتقويم القمري، وهو ما يريدوننا أن نفعل في نفس الوقت الذي يقولون إن النسيء تسبب في ضلال الذين كفروا).
والآن
ما هي الجملة الاعتراضية؟
هي جملة تقع بين شيئين متلازمين، كالمبتدأ والخبر أو الفعل والفاعل أو الصفة والموصوف، لتوكيد الكلام أو توضيحه أو تحسينه. وتكون ذات علاقة معنوية بالكلام الذي اعترضت بين جزأيه.
يعني ببسيط الكلام: هي جملة تأتي وسط العبارة لها علاقة بالكلام حولها ولتأكيده أو توضيحه أو تحسينه. وهي من أساليب البلاغة في اللغة، وترد كثيرا في كلام العرب وفي القرآن. مثل قوله تعالى: حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ - إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ - فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) مريم.
فالجملة الاعتراضية (إما العذاب أو الساعة) لها علاقة بما حولها، وتقويه. حتى إذا رأوا ما يوعدون (سوا كان هذا على شكل عذاب في الدنيا كالكوارث الطبيعية أو كان بعذاب النار يوم القيامة) فسيعلمون في كلتا الحالتين من هو شر مكانا وأضعف جندا.
فالجملة الاعتراضية من صلب الموضوع.
ومن سورة براءة نفسها نقرأ:
وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ - يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ - وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا - هُوَ مَوْلَانَا - وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
وكما هو ملاحظ فالجملة الاعتراضية تقوي وتؤكد وتحسن العبارة حولها، وليست زائدة لا شأن لها.
فهل جملة "زيادة في الكفر" جملة اعتراضية؟
هل أكدت أن النسيء يضل به الذين كفروا؟
هل حسنت من العبارة؟
هل زادت من قوة العبارة؟
إن كان الجواب بلا، فتعالوا نقرأ الآية على اعتبار أن "زيادة في الكفر" ليست اعتراضية ونضع علامات وقف ونرى هل يستقيم المعنى؟
إنما النسيء زيادةً في الكفر. يُضِل به الذين كفروا. يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا - لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ - فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ. زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ، وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ.
إنما النسيء زيادة في الكفر.
عبارة تقريرية، تؤكد أن النسيء إمعان في الكفر.
وما بعدها يشرح ويبين كيف يكون النسيء زيادة في الكفر:
يضل به (يضل بالنسيء) الذين كفروا.
النسيء تسبب في زيادة الكفر عند الذين كفروا. فعلهم للنسيء زادهم كفرا على كفرهم.
ما هو النسيء؟
لا نحتاج لابتكار معنى له من عند أنفسنا فالآية تشرحه بالقول:
يحلونه عاما ويحرمونه عاماً.
يحلون شهرا حراما في هذا العام أي ينسأونه، ثم يعودون لاعتباره محرما العام التالي... وليس بعد ثلاث سنوات أو (19) سنة.
فيحلوا ما حرم الله.
في العام الذي يحلون شهرا من الأشهر الحرم ويعتبرونه غير محرم هم أحلوا ما حرم الله.
زين لهم سوء أعمالهم.
وزين لهم سوء عملهم هذا فاستمروا عليه قبل الإسلام.
والله لا يهدي القوم الكافرين.
انتهت الآية.
الحديث عما كانت تفعله قريش وليس عن حدث سيغيره بني أمية بعد الرسول، لأن القرآن لا يتحدث عما سيأتي.
وليس هناك أي إشارة في أي مرجع تاريخي إلى أن العرب قبل الإسلام كانوا يقومون بإضافة شهر كل (32) شهر والسبب بسيط جدا لأنهم لم يقعلوا هذا ولم يكونوا بحاجة لفعله.
فالعرب كانوا يعيشون في بلاد ليست زراعية تعتمد في زراعتها على البروج التي تعتمد على الشمس، ولكنهم أقوام يعتمدون القمر الذي يرونه بأعينهم ويمكنهم رصد متى يبدأ الشهر ومتى ينتهي دون عناء ودون حاجة للحساب والتأريخ والتسجيل لأنهم أمة لا تسجل.
وما قيل من تبريرات حول وجوب إضافة شهر كل (32) شهر أو غير ذلك، فعله اليهود عندما خرجوا من موطنهم الأصلي (جزيرة العرب) وعاشوا في بلاد الرافدين حيث الزراعة والاعتماد في الزراعة على الشمس (وليس الأشهر الشمسية) .. فقاموا بمحاولة تثبيت شهورهم القمرية لتكون متوافقة مع الشمس وذلك بإضافة شهر كل عدة أشهر... ومازالوا يقومون بهذا إلى اليوم بواسطة طريقة حسابية معقدة.
يرجى قراءة ما كتب عن تقويم اليهود على هذا الرابط:
https://ar.wikipedia.org/wiki/تق�...فاليهود في الأصل كانوا يعتمدون القمر ولم يعرفوا التقويم الشمسي إلا بعد السبي وفي بلاد الرافدين الزراعية. ولو عدنا لسورة براءة التي ذكر فيها النسيء لمرة واحدة سنقرأ ضمن سياق الآية ما يلي:
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
الأشهر عددها (12) شهراً، والمقصود بها الأشهر القمرية لأن العبادات الإسلامية تقوم عليها (رمضان والحج) ولم تقل الآية إنها (12) شهرا ويضاف لها شهر ليس له اسم.
والذي لا ينتبه له الكثير من الناس هو أن هذه الآية هي بداية الحديث عن النسيء.
وهي تقول بكل وضوح الأشهر (12) منها أربعة حرم، فلا تظلموا أنفسكم في الأشهر الحرم بأن تحلوا شهرا منهن عاما وتعيدونه في العام التالي للتحريم.
"ذلك الدين القيم" جملة اعتراضية.
والحديث عن الأشهر توقف عند قوله تعالى: "فلا تظلموا أنفسكم فيهن".
ثم عادت السورة لتكمل الحديث في الآية التي تلت: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37).
ولا حاجة أبدا لأن نضرب ونطرح ونقسم ونتأول ونضع التبريرات العاطفية.. الآيتان واضحتان لمن أراد أن يستمع لهما، ومن لا يريد فله ذلك.
والسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...