الاثنين، 6 يونيو 2016

في نقطة تفتيش .. من هو النظام ؟ بقلم اسماعيل مهنانة


يصرّ الجميع، مُعارضةٌ وسلطة، على تشخيص الوضع السياسي بدلالة “النظام” حيث يعلّقون عليه كل فشل في مؤسسات الدولة، كانتشار الفساد، والقمع بكل أشكاله، في إحدى مراحله على الأقل، والإخفاق في تحقيق التنمية.. إلخ. كما يصرّ هؤلاء على الفصل بين النظام والدولة وبين النظام و”الشّعب”، لكنّ قليلة هي الأسئلة الجذرية التي تُطرحُ في هذا الصدد: من هو النظام؟ ومن هو الشّعب؟ وهل توجد فعلا في الجزائر حدود فاصلة بين النظام والدولة؟ وهل يوجد فعلا واقع مٌعيّن يمكن أن يقابل لفظة “الشّعب”؟  أم أن كل هذه الألفاظ مجّدر تجريدات سياسية؟
دائما كانت الدولة أداة طبقية، وسواء كان النظام شرعيا أو غير شرعيّ فإن الدولة تظل في يد طبقة تتحكم بها في مصير بقية الطبقات، الطبقة المتحكّمة في الاقتصاد والمنتفعة أكثر من الثروة في أي بلد، ويزداد هذا الوضع حدّة بقدر ما يكون النظام غير شرعيّ وبقدر ما كان الاقتصاد ريعيا، أما اذا جمع السيئتين كما هو الحال في الجزائر فيمكن أن نحصل على أكبر حقل تجارب لكل أشكال التلاعب وتزييف الوعي والتجريد السياسوي.
النظام ليس مجرد زمرة أو عصابة حاكمة كما تسوّق المعارضة في كلّ مرّة، بل هو طبقة بأتمّ المعنى لكلمة طبقة لأنه يشمل قطاع واسع من الحكّام وكبار المسؤولين وضبّاط الجيش ورجال الأعمال والموظّفين الكبار في الدولة والأغنياء والأسر النّافذة في المجتمع، والأعيان وشيوخ القبائل ورؤساء الأحزاب، ورجال الإعلام، وكل هؤلاء مستفيدون بصورة مباشرة من أي نظام سياسي قائم، ويدافعون عنه بحكم المصلحة دون النظر إلى فساده أو ديكتاتوريته.
ولهذا، فإن الصراع في جوهره كان وسيظلُّ طبقيا، لكنّه قد يأخذ أشكالا أخرى أو يتمّ توجيهه وتصريفه إلى وجه أخرى، كالصراع بين الأقليّات الثقافية واللغوية أو بين تيارات إيديولوجية. إن الطبقة الحاكمة والمُهيمنة وحدها تملك مفتاح توجيه الوعي نحو أشكال مزيّفة من الصراع المجتمعي، لهذا فإن كشف آليات الهيمنة وأشكال الخطاب التي تتخذها، يبقى عملية في غاية التعقيد. إن الهيمنة ثاوية في كل تلافيف الوعي والخطاب الإعلامي والسياسي. ربّما تكون الحالة الجزائرية أكبر حقل تجارب يتمُّ فيه تحريف الصراع الطبقي نحو صراعات هامشية أخرى جهوية ولغوية وإثنية وإيديولوجية، فمنذ الاستقلال تشكّلت طبقة بيرو-اقتصادية تتحكم في كل مفاصل الدّولة والثروة بإيديولوجية شبه وطنية، عبارة عن مزيج من القومية الهلامية، وقد سعت منذ البداية في تشكيل كل الوسائط الاجتماعية على مقاسها، حزب واحد، ونقابة عمّالية مركزية ولواحقها من المجتمع المدني (جمعيات، منظمات، وسائل إعلام) كل ذلك كان واجهة شكلية لدولة حديثة، أمّا خلف العلامات وفي العمق فقد ظلّت العلاقة مباشرة بين النظام والشعب المُتخيّل، والدليل أنه قدّ تمّ إقصاء ونفي وتهجير كل صوت مخالف لسياسة النظام العامة. وهنا أيضا نعود إلى تشريح أورويل للظاهرة حين قال: “إن جوهر حكم القلّة ليس وراثة الابن لأبيه، وإنما هو استمرارية رؤية للعالم وأسلوب حياة يفرضهما الموتى على الأحياء، وتظل الفئة الحاكمة حاكمة ما دامت قادرة على تعيين خلفائها، ولا يهتمّ الحزب بإبقاء سلالة بعينها وانما يهتمّ بتخليد مبادئه، فليس مهمّا من يتولّى السلطة طالما أن التركيب الهرمي للمجتمع لن يمسّ وسيظل على ما هو عليه.”
الدولة الوطنية الحديثة هي تلك التي تؤمن بالتناقضات داخل الجسم الاجتماعي الواحد و تسمح بنشاط الوسائط الاجتماعية ولا تعتبرها أدوات تشويش على علاقتها المباشرة بالشعب المتخيل، بل أدوات تعينها على ضبط تلك التناقضات. لكن في الجزائر ظلّت الطبقة المهيمنة توظّف تلك الوسائط في تعميق تلك التناقضات، وبقيت تصادر تلك الماهية الاختلافية للمجتمع باسم مقولة الشّعب الشمولية، وبدل ان توظّف تلك الوسائط الاجتماعية في تذويب التناقضات داخل مفهوم الأمّة راحت تختزلها الى واجهة شكلية تغلّف بها النعرات الجهوية واللغوية والإثنية.


اسماعيل مهنانة


المصدر   http://www.tariqnews.com/2016/06/06/%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%82%D8%B7%D8%A9-%D8%AA%D9%81%D8%AA%D9%8A%D8%B4-%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D8%9F-%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85-%D8%A7%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%B9/



 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في النقاش حول ابن باريس.. بقلم نوري ادريس

ثمة موقفين لا تاريخيين  من ابن باديس:  الموقف الاول, يتبناه بشكل عام البربريست واللائكيين,  ويتعلق بموضوع الهوية. "يعادي" هذا التي...